مالي أَحُسُّ رِيَاحاً تَجْمَعُ الحَطَبا | لِمَوّقِدٍ بَيْن صدري يُشّعِلُ اللّهَبَا |
وأي ريحٍ سوى ريحِ الهوى عصفتْ | فلم تجدْ غيرَ قلبي لِلّظى حَطَبَا |
نارٌ وريْحٌ بِصَحْرَائي وقَاحِلتي | أَنَّى أَجِدْ لِفوادي منهما هَرَبَا |
كم حدثوني ولكنْ لم أصدقهم | عن كل من تركَ الأحبابَ واغتربا |
قالوا على الجمرِ يمشي غيرَ مُنْتَعِلٍ | فقلتُ لكنْ لعلَّ الجمرَ ما التَهَبَا |
قالوا يَسِحُ دموعاً لا انكفافَ لها | كالغَيّثِ قلتُ ولكنْ ما سَقَتْ جِرَبَا |
قالوا يَشِيبُ هموماً ينحني قَلَقَاً | فقلتُ ماكان منها شامخاً عَزَبَا |
قالوا يُكابدُ حُزْنَا يشتكي ألَمَاً | يَئِنُ والليلُ من أنَّاتِهِ انتَحَبَا |
يذوبُ شَوقاً ويُذْكِي البينُ لَوعَتَهُ | فقلتُ لوكان يَلْقَى ذاك ماذَهَبَا |
قالوا ويَلْقَى عَنَاءً فوقَ طاقتهِ | ويَحْتَسي المُرَ من أكوابهِ تَعَبَا |
فقلتُ لابُدَّ من هذا وكيفَ لهُ | من دونهِ يَجْمَعُ الأموالَ والذَّهَبَا |
حتى تغربتُ عن أهلي وعن وطني | فكنتُ في سَفَرِي عنهم كأَهْلِ سَبَا |
تركتُ روحي ورائي وارتحل جسدي | والغيثُ من سُحْبِ عيني هَلَّ وانسكبَا |
وَدَّعْتُ من كنتُ في بستانهم مِلَكاً | أَجْنِي واقطتفُ الرُّمان والعِنَبَا |
وسِرتُ أبغي قِطَافَ الرزقِ مُغترباً | عنهم ولابُدَّ من أنْ أبذلَ السَّبَبَا |
عَانَيّتُ كُلَّ الذي قالوهُ عنْ كَثَبٍ | فقلتُ منْ جَرّبَ الأشياءَ ماكَذَبَا |
مانفعُ مالٍ بلا أَهَلٍ ولا وَلَدٍ | والمالُ ماأكلَ الأنسانُ أو شِرِبَا |
فعِشْ إذا شِئْتَ مستوراً بلا سَفَرٍ | فلا حياةَ لمنْ عنْ أَهْلِهِ اغتربا |
قصائد سامي العياش الزكري
قصائد الشاعر العربي اليمني سامي العياش الزكري في مكتبة قصائد العرب.
مناجاة
يامُنْزلُ الإِخلاصِ والإِسراءِ | والكهفِ والأحقافِ والشعراءِ |
أَمَنْتُ بالقرآنِ وَحْيَاً مُنزلاً | وتبعتُ وحيَ السُنَّةِ الغَرَاءِ |
فاربطْ على قلبي بذاك فإنَّنِي | أخشى على قلبي من الإِغْوَاءِ |
واغفر ذنوباً أثقَلَتْ لي كاهلي | وارحم أنينَ تضرعُي وبكائي |
وأمِتْنِي مَوفُورَ التقى مُوحِداً | وأجعلني أرقى مَنْزِلَ الشهداءِ |
مولاي هذي. غايتي. فأتِمّهَا | عليّ وحَقِّقْ لي عظيمَ رجائي |
كانت هنا صنعاء
كَانَ لِي وّطِنَاً أَمِنَاً وَبِلادَا | فمَلَئتهُ ظُلّماً وَعِثْتْ فَسَادَا |
فضاقَ بي ذَرْعَاً وضيقَ نَفْسَهُ | عَلَيّ فَصِرتْ مَطَارَدَاً وَمُعَادَى |
وِصِرْتُ غريباً خائفاً ومشردا | في غير أرضي أشتكي الإبعادا |
هذا جزائي ماظُلِمّتُ لأنني | بجريرتي لا أستحقُ بلادا |
كانت بلادي جَنّةً سَبَئِيَةً | فخرجتُ أصرخُ ثورةً وجهادا |
كانت نداءتٍ وكنتُ أداتها | واليوم صرت مُنَادَياً ومُنادى |
لو لم يكن ذنبُ ابن أدم مُهْلِكاً | فماالذي ياقومَ أهلكَ عادا ؟ |
كانت هنا (صنعا) بأجمل حُلّةٍ | واليوم صارت شُعْلةً فرمادا |
كانت هنا (عدنٌ) تغني لحنَها | (سيئونُ) في حُللِ الرُبى إنشادا |
واليوم تَعْزِفُ للأسى جُمَلاً | وديّةً تستعطفُ السَيَّافَ الجلادا |
كانت (تَعِزُ) أميرةً في عِزّهَا | بنتَ الثقافةِ تصنعُ الأمجداد |
فأنظر إليها اليوم لاتعجب لها | تبكي وتشكي الجهلَ والأجنادا |
كانت هنا اليَمَنٌ السعيدُ أضعتُها | منّي لِأنِّي لا أستحقُ بلادا |
سيكسر القيد يا أقصى
مهما تغربتَ أو ضاقت بك البلدُ | وصرت تبحث عن مأوى ولاتجدُ |
يوما تعودُ الى مأواكَ مبتهجاً | يعانقُ الروحُ في أعماقكِ الجسدُ |
إنّا وإنْ نَهْجُرُ الأحبابَ نذْكُرُهمْ | دوماً فتأسِرُنا الذكرى فنَفْتَقِدُ |
ياأيها القدسُ ماجفتْ مدامعُنا | يوماً لذِكراكَ أو كَلّتْ بنا النُهُدُ |
كأن .دمعَ مآقينا إذا هطلت | غيثٌ تَصبّبَ من أجفانهِ البَردُ |
نعم خذلنكَ ندري أننا عربٌ | ومسلمون ولكن ما إليكَ يَدُ |
بِعْنَاكَ في حالِ ضَعْفٍ لاتُعاتبَنا | يوماً سنجمعُ أشلانا ونتحدُ |
ونَسْتَعِيدُكَ حراً شامخاً أَنِفَاً | إذا تخلصَ من أغلالهِ الأسدُ |
سيُكسرُ القيّدُ ياأقصى فإنّ لهُ | وعدُ وإنّا بهذا الوعدُ نعتقدُ |
هذي إشاراتُ فاشتاظتْ شرارتُها | طوفانَ داعبهم يوماً فما صمدوا |
فكيف لو وسع الطوفانُ رِقعتَهُ | على الخريطةِ أو وافى له المددُ |
إذا طغى البحرُ لاشيءْ يقاومهُ | فكيف يقوى على أمواجهِ الزبدُ |
إنّا نرى اليومَ مايجري بأعيُنِنا | لكنْ كأعشى على أجفانهِ الرمدُ |
نرى بغزةَ مايُدمى الفوادُ لهُ | ومايذوبُ لهُ الأحشاءُ والكبدُ |
موتٌ يُغيّبُ أحياءً بأكمالها | أحياؤها غُيبوا فيها فما وُجِدوا |
قرىً بأكملها بِيّدتْ على ملأٍ | كأنما لم يروا شيئا ولا شهدوا |
لو كان مَرّ عُزيّرٌ في خرابتِها | لقال ماقالَ لولا اللبثُ والرشدُ |
كأنما هي زرعٌ طاب سنبلهُ | فهل يُلامون في شيءٍ إذا حصدوا |
مجازرُ لو رأى النّازي بشاعتَها | لطاش من رأسهِ الأفكارُ والخلدُ |
قصفٌ بأعتى صواريخ العدو بها | قتلى وجرحى فئاتٌ ما لهم عددُ |
وأبشعُ القتلِ قتلُ الأبرياءِ بلا | جرمٍ أتوهُ وفي ليلٍ وقد رَقَدُوا |
فيُسْفرُ الصبحُ عنهم في مراقدهم | قتلى وتحت ركام الحي قد همدوا |
ترى العماراتِ تَهوي من شواهقها | إلى قواعدِها والنارُ تتقدُ |
تُهَدُ هدّاً وتهوي فوق ساكنِها | فلا يُرى والدٌ فيها ولا ولدُ |
غدت ركاماً ومن فيها غدوا جثثاً | سوى بقيةِ أشلاءٍ لمن فُقدوا |
لمثل هذا يَذوبُ الصخر من ألمٍ | وما يفيدُ اضطرامُ الوجدِ والكمدُ |
لكنَّنَا إمُّةٌ لا يأسَ يُدركها | تزادُ عزماً وحزماً كُلما حشدوا |
تأبى المذلةَ تَهوى الموتَ تعشقُهُ | فكلما ماتَ أبطالٌ لها ولدوا |
فاللهُ ناصرنا في في كل نازلةٍ | عليهِ نَعْقِدُ أمآلاً ونعتمدُ |
أي شيءٍ له يغضبون
تُرى أي شيءٍ له يَغْضبُون | وأي إعتداءٍ به يَنْصُرون |
وهذي المجازرُ في غزةٍ | تُخَبّلُ بالعقلِ فوقَ الجنونْ |
تُسوى٠ الديارُ على أهلها | وفي بطن إنقاضها يُقبَرون |
يَخِيطُون بالليلِ أكفانهم | ليأتي الصباح وهم يُدْفَنون |
قُتِلّنْ النساءُ . بأخدارهنْ | وأطفالُهنَّ وهم. يَلعبون |
ومنْ تنجُ تكلى ومفجوعةٌ | فأبطالها في الوغى يقتلون |
يُيَتّمُ أطفالُ من رُمّلتْ | بعير مُعيلٍ لهم يَكْبُرُون |
تٌحاصَرُ في شِعْبِها أمةٌ | فلا يأكلون ولا يشربون |
إبادةُ شَعْبٍ بلا رحمةِ | ألا يَسْمَعُونَ ولا يبصرون |
بلى يُبصرون ويَستنكرون | ولكنّهم بالهراء يكتفون |
يَرَوْنَ الدماءِ وهولَ الدمارْ | ولكنّهمْ يُغمضون العُيُونْ |
قضاء وقدر
الحمد لله لاسُخْطٌ ولاضَجَرُ | فَكُلُّ شيءٍ قضاءُ اللهِ والقَدرُ |
من ذا يردُ قضاءَ اللهِ لا أَحَدٌ | وليس يُغنِيَ من أقدرهِ الحَذرُُ |
إِنَّا لنعلمَ أَنّ اللهَ خالقَنا | بالخيرِ والشرِ يبلونا ويختبرُ |
مَهْمَا نَئِنُ من الأوجاعِ تُنْهِكُنَا | فلن يُلازمُنَا سُقْمُ ولاضَررُ |
ومهما تُكَابدُنَا الأحزانُ يَغْمُرنَا | غيثُ المسَرَاتِ والأفراحُ تنهمرُ |
وإنْ يَحِلُّ بنا جَدبٌ ويُنْهِكُنا | قحطٌ يَهِلُّ الغيثُ والمطرُ |
وإن تدورُ رحى حربٍ بساحتِنا | يوماً فإنَّا بفضلِ اللهِ ننتصرُ |
ما أقبل العُسْرُ إلا جاءَ يتبعهُ | يُسْرَانَ جاءتْ بهِ الأياتُ والسُّوَرُ |