احبِسْ دموعَكَ يكفي منهُ مانَزَلا | إنّي غرقتُ بَمَا أرسَلّتَهُ بَلَلا |
يكفَينِي نِارَ اغترابي عَنْكَ تَحْرِقُنِي | فلا تَزِيدْ إليها من دمي شُعَلا |
والله مااشتَقْتَ لي شَوقاً بَكَيّتَ لهُ | إلا وكان اشتياقي مِثْلهُ دَبَلا |
ولاذَكَرْتَ فراقي وانتَحَبْتَ دَمَاً | إلا وكان دَمِي عيناي و المُقَلا |
حتى وإن كنتَ صَخْراً في صَلابَتهِ | وذُبّتَ شَوقًا أَذُوبُ لِمِثْلهِ جَبَلا |
وما تَغَزَلّتَ بِي حَرفَاً طِربْتُ لهُ | إلا تَغِزَلّتُ في أوصافِكَ الجُمَلا |
رَحَلْتُ عَنْكَ بشَخْصِي جِثَةً هَمَدَتْ | لكنَّ روحي وقلبي عنكَ ماارتحلا |
وَمَا تَغَرَبْتُ إلا مُرغَما نَهِدَاً | من أَجْلِ ماشِربَ الانسانُ أو أَكَلا |
لو كنتُ طيراً ولِيْ جنحانَ تَحْمِلُنِي | إليكَ حَالاً لَكَانَ الطيرُ قد وَصَلا |
يامُهجتي ومُنَى قلبي كفى ألَمَا | ألسّتَ تُؤْمِنُ أنَّ الحبَّ قد قَتَلا |
دَعْنِي أعيشُ ولو حتى بلا نَفَسٍ | نفسي وروحي قضى ربي لها أَجَلا |
أنِي وإن كنتُ مَيّتَاً في مَقَابرِهِ | أَحْيَا إذا زارَ قبري أو إذا سَأَلا |
ويخفقُ القلبُ شَوقَاً لا حدودَ لهُ | إذا سمعتُ لهُ صَوتَاً أو اتصَلَا |
فكيفَ لو ضَمَّنِي في حِضْنهِ زَمَنَاً | وهل يَمِلُ الفتى الأَحَضَانَ والقُبَلا |
كفكفْ دُمُوعَكَ إني قد غَرِقْتُ بهِ | وَزِدْ إليهِ دموعي صَيّبَا هَطِلا |
فكُلُّ عُسرٍ وضِيقٍ بعدهُ فَرَجَاً | ويَضّرِبُ اللهُ في هذا لنا مَثَلا |
فاحسنْ الظَّنَ لا يأسٌ ولا قلقٌ | مادامَ واللهُ مولانا لنا أمَلا |
قصائد سامي العياش الزكري
قصائد الشاعر العربي اليمني سامي العياش الزكري في مكتبة قصائد العرب.
أرى بوجهك
أَرَى بِوَجْهِكَ أَنَّ طَيّفَكَ قَاتِلي | فأمّنُنْ عَلَى قَلّبِي بِمَوّتٍ عَاجِلِ |
فَرَصَاصُ حُسْنِكَ لامَحَالةَ نَافِذٌ | قَلبِي وَلَنْ يُغْنِي انفِجَارُ قَنَابِلِي |
فلا تُعَذِبْنِي بِقَطْعِ نِيَاطِهِ | وَتَرّكِي أُعَانِي مَاأُعَانِيّهِ داخلي |
قَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ فَارِسَاً لا أَنْثَنِي | وَاسْألْ عَلَيِّ عَشَائِرِي وَقَبَائِلي |
وَكُنْتُ حُرّاً ثَائِرَاً وَمُنَاضِلاً | صَلّبُ الإِرَادَةِ وَابنُ كُلِّ مُنَاضِلِ |
حتى لقَيتُكِ واعْتَرَتْنِي ذِلَّةٌ | فَعَلِمّتُ من عَيْنَيّكَ أَنَّكَ قَاتِلِي |
ياظالما هَذَا دَمِي أَهْرَقْتَهُ | ويَسُرّنِي أَنْ سَوفَ تُبْعَثُ حَامِلي |
معلامة الجهل
تخرجَ القومُ مِنْ مِعْلامَةِ الجَهْلِ | يَعْلِمُونَ ضَلالَ الزَيّفِ والدَّجْلِ |
لهم شهاداتُ عُلّيَا في تَخَصُصِهِم | وقد أُجِيزو ولكنْ مِنْ أبي جَهْلِ |
ويَدّعُونَ كَمَالاً من يُطَاولهم | وهم وربكِ أعجازٌ إلى نَخْلِ |
يَتَشَدْقُونَ بلا علمٍ ومعرفةٍ | ويَنْعِقُونَ بأقوالٍ بلا فِعْلِ |
وأعلمُ القومِ من طالتْ عِمَامَتُهُ | ولايفرقُ بين الوصلِ والفصلِ |
وأعقلُ القومِ أَذْكَهُم وأحْصَفُهم | من لايفرقُ بين الثُومِ والبَقْلِ |
حُمُرٌ وتَحْمِلُ أسْفَاراً لِعَالِفِهَا | ولاتُفَكْرُ غيرَ الشُرْبِ والأَكْلِ |
ويَدّعُونَ ثقافاتٍ وفلسفةً | يُحَلّلُونَ رُؤى الأفكارِ والعَقْلِ |
يُفَكْرُونَ حُلُولاً دونَ مُشْكلةٍ | كَمَنْ يُصَنِّعُ مفتاحاً بلا قُفْلِ |
والدِيِنُ ماكان مَعْقُولاً برأيهِمُ | والعقلُ ماكان مَحْسُوسَاً ومتجلي |
والمَنْطِقُ العَّي مِيزانٌ لفِكْرَتِهِمْ | ومن يُفَكْرُ كالبِرّمِيلِ والطَبْلِ |
الدِيّنِ وَحْيٌ ولا ترقى العقولُ لهُ | وقد تَلَقْاهُ أَهْلُ الدِينِ بالنِقْلِ |
ولاتَجِدهُ يُنَافِي العَقْلَ لو عِقلوا | لكنَّهُمْ بُهُمٌ كالثَوّرِ والعِجْلِ |
ويَدّعُونَ حَضَاراتٍ وزخرفةً | ولايزالون بين الطِينِ والوَحْلِ |
حتى الرذيلةُ في قاموسِهم قُلِبَتْ | إلى الفضيلةِ في الميزاتِ والفَضْلِ |
ويزعمون حِجَابَ البِنْتِ مَظْلَمَةً | لها وتَحْتَ قُيُودِ القهرِ والذُّلِ |
ومن تَعَرّتْ فَقَدْ نَالَتْ تحرّرَها | كما تَحَرّرَ أَهْلُ الرّقِ والغِلِّ |
وهُمْ يريدون أَنْ تَخْرُجْ بزينتِها | اليّهُمُ ولهُمْ حُريَّةُ الوَصْلِ |
حتى إذا جَرّدُوهَا مِنْ مَلابِسَهَا | وازَيّنَتْ لَهُمُ بالطِيْبِ والكُحْلِ |
طَابَتْ لَهُمْ واسّتَزَلُوهَا لِحَاجَتِهِمْ | فَغَدَتْ تُدَاوَلُ من خِلٍ إلى خِلِ |
وأَيُّ ذُلٍ وَعَارٍ بعدما فَقَدَتْ | أَعَزُّ مَاتَمّلِكُ الأُنْثَى وماتُغْلِي |
واللهِ شَرّفَهَا أُنْثَى وكَرّمَهَا | تُسَاقُ في شَرفٍ عَالٍ إلى بَعْلِ |
فلتَحْذر الِبنْتُ من شَرٍ يُرادُ بَها | ولا تُسودُ وجهَ البَعْلِ والأهْلِ |
وربما قدموا نُصْحَاً وموعظةً | وهم وإنْ نصحوا كالذئبِ والثَعْلِ |
و يَدَّعُونَ حُقُوقاً للورى كَذِبَاً | وقد تجلى لنا المقصودُ بالمِلِّي |
لوكان صِدْقاً لأَدَوّا حقَ خالقِهمْ | والشمسُ تُعرفُ أحياناً من الظِّلِ |
ويَدَعُونَ سلاماً في سياستِهم | ويَزْرَعُونَ قوى الإرهابِ والقَتْلِ |
ويُظْهِرُونُ لنا أسْنَانَ ضِحْكَتِهِمْ | ويُضْمِرُونَ نُيُوبَ الحِقْدِ والغِلِّ |
يُوَجْهُونَ إلى الإسلامِ حَربَتَهُم | حرباً عليهِ بِحَدِ السَيّفِ والنَّصْلِ |
وكلما أوقدوا نار العدى خُمِدَتْ | ويُحبطُ اللهُ ماحاكوهُ بالليلِ |
دين الهدى بَاقٍ برغمِ أًنُوفِهُمُ | والأمرُ للهِ من بعدٍ ومن قَبْلِ |
بدر التمام
بدرٌ التمامِ مُحجبُ | أنا في جَمَالِكَ مُعْجَبٌ |
قمرٌ وغيرُكَ أَنْجُمٌ | شمسٌ وغيرُكَ كَوكَبُ |
أغار من نظري إليك | حتى وأنتَ مُجَلْبَبُ |
أفلا أغارُ عليكَ من | ذئبٍ خبيثٍ يَرْقُبُ |
يامهجتي ومنى الفواد | ياليتَ بُعْدَكَ يَقْرُبُ |
أنا هائمٌ بِكَ مُغْرَمٌ | ومتى سَمِعْتُكَ أُطْرَبُ |
أنا عاشقٌ ومتيمٌ | وفي هواكَ مُعَذَّبُ |
إنِّي أُحِبُكَ صادقاً | فمتى عَلِمْتَنِي أكذبُ |
حتى وإن تقسو عليّ | تقسو وقلبُكَ طيبُ |
أنا في شِرَاكِكُ مُوثَقُ | فأينَ منها المَهْرَبُ |
الشتاء الدافي
مِنْ أَيّنَ لي بقَوَادِمٍ وخوافي | كالطيرِ كي أُفُرِدْ بها أطرافي |
وأطيرُ في جو السَّماءِ مُيَمّمَاً | وَجْهَ الديارِ أَمُرُّ بالأَحْقَافِ |
وعلى ذُرَى صنعا أُحَلِّقُ بُرهةً | وأطوفُ لكن لا يَطُولُ طوافي |
فأحطُّ في جهرانَ دارِ أحبتي | وأَرِدْ على العَذّبِ الزُلالِ الصَّافي |
وأَحُوطُ بُسْتاني وأقطفّ زَهْرَهُ | وأنامُ في حِضْنِ الشتاءِ الدافي |
وتَجِيئَنِي الدنيا أو لا تَأتِنِي | مادمتُ بين وسادتي ولِحَافِي |
إنّي إذا جَنَّ الظلامُ بغربتي | أَقْضِيهِ لَيّلَ هواجسٍ وقوافي |
وأبِيّتُ سَهْرَاناً يُؤرقُني الهوى | ناري تُحَرّقُنِي ونوري طافي |
وأظلُ أنتظرُ الصَّبَاحَ كانَّما | أمشي على قدمي إلى السَّيَافِ |
داء الفراقِ أذَاقَنِي مُرَّ الهوى | وشَفَّنِي واللهُ منه الشَّافِي |
ريح الهوى
مالي أَحُسُّ رِيَاحاً تَجْمَعُ الحَطَبا | لِمَوّقِدٍ بَيْن صدري يُشّعِلُ اللّهَبَا |
وأي ريحٍ سوى ريحِ الهوى عصفتْ | فلم تجدْ غيرَ قلبي لِلّظى حَطَبَا |
نارٌ وريْحٌ بِصَحْرَائي وقَاحِلتي | أَنَّى أَجِدْ لِفوادي منهما هَرَبَا |
كم حدثوني ولكنْ لم أصدقهم | عن كل من تركَ الأحبابَ واغتربا |
قالوا على الجمرِ يمشي غيرَ مُنْتَعِلٍ | فقلتُ لكنْ لعلَّ الجمرَ ما التَهَبَا |
قالوا يَسِحُ دموعاً لا انكفافَ لها | كالغَيّثِ قلتُ ولكنْ ما سَقَتْ جِرَبَا |
قالوا يَشِيبُ هموماً ينحني قَلَقَاً | فقلتُ ماكان منها شامخاً عَزَبَا |
قالوا يُكابدُ حُزْنَا يشتكي ألَمَاً | يَئِنُ والليلُ من أنَّاتِهِ انتَحَبَا |
يذوبُ شَوقاً ويُذْكِي البينُ لَوعَتَهُ | فقلتُ لوكان يَلْقَى ذاك ماذَهَبَا |
قالوا ويَلْقَى عَنَاءً فوقَ طاقتهِ | ويَحْتَسي المُرَ من أكوابهِ تَعَبَا |
فقلتُ لابُدَّ من هذا وكيفَ لهُ | من دونهِ يَجْمَعُ الأموالَ والذَّهَبَا |
حتى تغربتُ عن أهلي وعن وطني | فكنتُ في سَفَرِي عنهم كأَهْلِ سَبَا |
تركتُ روحي ورائي وارتحل جسدي | والغيثُ من سُحْبِ عيني هَلَّ وانسكبَا |
وَدَّعْتُ من كنتُ في بستانهم مِلَكاً | أَجْنِي واقطتفُ الرُّمان والعِنَبَا |
وسِرتُ أبغي قِطَافَ الرزقِ مُغترباً | عنهم ولابُدَّ من أنْ أبذلَ السَّبَبَا |
عَانَيّتُ كُلَّ الذي قالوهُ عنْ كَثَبٍ | فقلتُ منْ جَرّبَ الأشياءَ ماكَذَبَا |
مانفعُ مالٍ بلا أَهَلٍ ولا وَلَدٍ | والمالُ ماأكلَ الأنسانُ أو شِرِبَا |
فعِشْ إذا شِئْتَ مستوراً بلا سَفَرٍ | فلا حياةَ لمنْ عنْ أَهْلِهِ اغتربا |