لا يحسب الجود من رب النخيل جدا

لا يحسب الجود من ربّ النخيل جَداًحتى تجودَ على السّود الغرابيبِ
ما أغدرَ الإنس كم خَشْفٍ تربَّبَهُمفغادَرُوهُ أكيلاً بعد تَربيب
هذي الحياةُ، أجاءتنا، بمعرفةٍإلى الطّعامِ، وسَترٍ بالجلابيبِ
لو لم تُحِسّ لكان الجسمُ مُطّرحاًلذْعَ الهَواجِرِ، أو وقَعَ الشّآبيب
فاهجرْ صديقك، إن خِفْتَ الفساد بهإنّ الهجاءَ لمبدُوءٌ بتشبيب
والكفُّ تُقطعُ، إن خيفَ الهلاكُ بهاعلى الذّراعِ بتقديرٍ وتسبيب
طُرْقُ النفوس إلى الأخرى مضلَّلةوالرُّعبُ فيهنّ من أجل الرّعابيب
ترجو انفساحاً، وكم للماءِ من جهةٍإذا تخلّصَ من ضيق الأنابيب
أمَا رأيتَ صروفَ الدهرِ غاديةًعلى القلوب، بتبغيضٍ وتحبيب
وكلُّ حيٍّ، إذا كانتْ لهُ أُذُنٌلم تُخلِه من وشاياتٍ وتخبيب
عجبتُ للرّوم، لم يَهدِ الزمانُ لهاحتفاً، هداهُ إلى سابورَ أو بيب
إن تجعَلِ اللّجّةَ الخضراء واقيةفالملكُ يُحفظُ بالخضرِ اليعابيب
أبيات شعر أبو العلاء المعري

يؤدبك الدهر بالحادثات

يؤدّبك الدهر بالحادثات إذا كان شيخاك ما أدّبا
بدت فتنٌ مثلُ سودِ الغمامِألقتْ على العالم الهيدبا
ومن دونِها اختلفتْ غالبٌوأبْعدَ عُثمانُها جُندُبا
فلا تضحكنّ ابنةُ السّنبسيّفأوجبُ منْ ذاك أنْ تَنْدُبا
إذا عامرٌ تَبِعتْ صالحاًوزجتْ بنُو قرّةَ الحُردَبا
وأردف حسّانُ في مائحٍ،متى هَبطوا مُخْصِبا أجدَبا
وإنْ فرَعُوا جبلاً شامِخاًفليسَ يُعَنَّفُ أنْ يحدَبا
رأيتُ نظيرَ الدَّبَا كثرةًقتيرُهُم كعُيون الدَّبَا
أشعار أبو العلاء المعري

ألا ما لمن أمسى يراك وللبدر

أَلا ما لِمَن أَمسى يَراكَ وَلِلبَدرُوَما لِمَكانٍ أَنتَ فيهِ وَلِلقَطرِ
تَجَلَّلتَ بِالتَقوى وَأُفرِدتَ بِالعُلاوَأُهَّلتَ لِلجُلّى وَحُلّيتَ بِالفَخرِ
وَقَلَّدتَني لَمّا اِبتَدَأتَ بِمِدحَتييَداً لا أُوَفّي شُكرَها أَبَدَ الدَهرِ
فَإِن أَنا لَم أَمنَحكَ صِدقَ مَوَدَّتيفَما لي إِلى المَجدِ المُؤَثَّلِ مِن عُذرِ
أَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ جاءَت كَريمَةًأَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ وَالسادَةِ الغُرِّ
فَضَلتَ بِها أَهلَ القَريضِ فَأَصبَحَتتَحِيَّةَ أَهلِ البَدوِ مُؤنِسَةَ الحَضرِ
وَمِثلُكَ مَعدومُ النَظيرِ مِنَ الوَرىوَشِعرُكَ مَعدومُ الشَبيهِ مِنَ الشِعرِ
كَأَنَّ عَلى أَلفاظِهِ وَنِظامِهِبَدائِعَ ماحاكَ الرَبيعُ مِنَ الزَهرِ
تَنَفَّسَ فيهِ الرَوضُ فَاِخضَلَّ بِالنَدىوَهَبَّ نَسيمُ الرَوضِ يُخبِرُ بِالفَجرِ
إِلى اللَهِ أَشكو مِن فِراقِكَ لَوعَةًطَوَيتُ لَها مِنّي الضُلوعَ عَلى جَمرِ
وَحَسرَةَ مُرتاحٍ إِذا اِشتاقَ قَلبُهُتَعَلَّلَ بِالشَكوى وَعادَ إِلى الصَبرِ
فَعُد يازَمانَ القُربِ في خَيرِ عيشَةٍوَأَنعَمِ بالٍ مابَدا كَوكَبٌ دُرّي
وَعِش يا اِبنَ نَصرٍ ما اِستَهَلَّت غَمامَةٌتَروحُ إِلى عِزٍّ وَتَغدو عَلى نَصرِ
قصيدة أبو فراس الحمداني

أيدري الربع أي دم أراقا

أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا – وَأَيَّ قُلوبِ هَذا الرَكبِ شاقا
لَنا وَلِأَهلِهِ أَبَدًا قُلوبٌ – تَلاقى في جُسومٍ ما تَلاقى
وَما عَفَتِ الرِياحُ لَهُ مَحَلًّا – عَفاهُ مَن حَدا بِهِمُ وَساقا
فَلَيتَ هَوى الأَحِبَّةِ كانَ عَدلًا – فَحَمَّلَ كُلَّ قَلبٍ ما أَطاقا
نَظَرتُ إِلَيهِمُ وَالعَينُ شَكرى – فَصارَت كُلُّها لِلدَمعِ ماقا
وَقَد أَخَذَ التَمامُ البَدرُ فيهِمْ – وَأَعطاني مِنَ السَقَمِ المُحاقا
وَبَينَ الفَرعِ وَالقَدَمَينِ نورٌ – يَقودُ بِلا أَزِمَّتِها النِياقا
وَطَرفٌ إِن سَقى العُشّاقَ كَأسًا – بِها نَقصٌ سَقانيها دِهاقا
وَخَصرٌ تَثبُتُ الأَبصارُ فيهِ – كَأَنَّ عَلَيهِ مِن حَدَقِ نِطاقا
سَلي عَن سيرَتي فَرَسي وَسَيفي – وَرُمحي وَالهَمَلَّعَةِ الدِفاقا
تَرَكنا مِن وَراءِ العيسِ نَجدًا – وَنَكَّبنا السَماوَةَ وَالعِراقا
فَما زالَت تَرى وَاللَيلُ داجٍ – لِسَيفِ الدَولَةِ المَلِكِ ائتِلاقا
أَدِلَّتُها رِياحُ المِسكِ مِنهُ – إِذا فَتَحَت مَناخِرَها انتِشاقا
أَباحَ الوحش يا وَحشُ الأَعادي – فَلِمْ تَتَعَرَّضينَ لَهُ الرِفاقا
وَلَو تَبَّعتِ ما طَرَحَت قَناهُ – لَكَفَّكِ عَن رَذايانا وَعاقا
وَلَو سِرنا إِلَيهِ في طَريقٍ – مِنَ النيرانِ لَم نَخَفِ احتِراقا
إِمامٌ للِائمَّةِ مِن قُرَيشٍ – إِلى مَن يَتَّقونَ لَهُ شِقاقا
يَكونُ لَهُمْ إِذا غَضِبوا حُسامًا – وَلِلهَيجاءِ حينَ تَقومُ ساقا
فَلا تَستَنكِرَنَّ لَهُ ابتِسامًا – إِذا فَهِقَ المَكَرُّ دَمًا وَضاقا
فَقَد ضَمِنَت لَهُ المُهَجَ العَوالي – وَحَمَّلَ هَمَّهُ الخَيلَ العِتاقا
إِذا أُنعِلنَ في آثارِ قَومٍ – وَإِن بَعُدوا جَعَلنَهُمُ طِراقا
وَإِن نَقَعَ الصَريخُ إِلى مَكانٍ – نَصَبنَ لَهُ مُؤَلَّلَةً دِقاقا
فَكانَ الطَعنُ بَينَهُما جَوابًا – وَكانَ اللَبثُ بَينَهُما فُواقا
مُلاقِيَةً نَواصيها المَنايا – مُعَوَّدَةً فَوارِسُها العِناقا
تَبيتُ رِماحُهُ فَوقَ الهَوادي – وَقَد ضَرَبَ العَجاجُ لَها رِواقا
تَميلُ كَأَنَّ في الأَبطالِ خَمرًا – عُلِلنَ بِها اصطِباحًا وَاغتِباقا
تَعَجَّبَتِ المُدامُ وَقَد حَساها – فَلَم يَسكَر وَجادَ فَما أَفاقا
أَقامَ الشِعرُ يَنتَظِرُ العَطايا – فَلَمّا فاقَتِ الأَمطارَ فاقا
وَزَنّا قيمَةَ الدَهماءِ مِنهُ – وَوَفَّينا القِيانَ بِهِ الصَداقا
وَحاشا لِارتِياحِكَ أَن يُبارى – وَلِلكَرَمِ الَّذي لَكَ أَن يُباقى
وَلَكِنّا نُداعِبُ مِنكَ قَرمًا – تَراجَعَتِ القُرومُ لَهُ حِقاقا
فَتىً لا تَسلُبُ القَتلى يَداهُ – وَيَسلُبُ عَفوُهُ الأَسرى الوَثاقا
وَلَم تَأتِ الجَميلَ إِلَيَّ سَهوًا – وَلَم أَظفَر بِهِ مِنكَ استِراقا
فَأَبلِغ حاسِدِيَّ عَلَيكَ أَنّي – كَبا بَرقٌ يُحاوِلُ بي لَحاقا
وَهَل تُغني الرَسائِلُ في عَدوٍّ – إِذا ما لَم يَكُنَّ ظُبًا رِقاقا
إِذا ما الناسُ جَرَّبَهُمْ لَبيبٌ – فَإِنّي قَد أَكَلتُهُمُ وَذاقا
فَلَم أَرَ وُدَّهُمْ إِلّا خِداعًا – وَلَم أَرَ دينَهُم إِلّا نِفاقا
يُقَصِّرُ عَن يَمينِكَ كُلُّ بَحرٍ – وَعَمّا لَم تُلِقهُ ما أَلاقا
وَلَولا قُدرَةُ الخَلّاقِ قُلنا – أَعَمدًا كانَ خَلقُكَ أَم وِفاقا
فَلا حَطَّت لَكَ الهَيجاءُ سَرجًا – وَلا ذاقَت لَكَ الدُنيا فِراقا
أبيات شعر أبو الطيب المتنبي

أرق على أرق ومثلي يأرق

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ – وَجَوًى يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جَهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أُرى – عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ
ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ – إِلا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ
جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي – نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ – فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُمْ وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني – عَيَّرتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ – أَبَدًا غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ – جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى – كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ – حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا – أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ – وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ – وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي – مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
حَذَرًا عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ – حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ
أَمّا بَنو أَوسِ بنِ مَعنِ بنِ الرِضا – فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ
كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت – مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ
وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِمْ – مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ
وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ – لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ
مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلا أَنَّها – وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ
أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا – لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ
لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ – أَبَدًا وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ
يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ – أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ
أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً – وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ
كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ – ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ
قصيدة أبو الطيب المتنبي

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ – أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ ولا أمْرُ
بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ – ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى – وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي – إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ – إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ
حَفِظْتُ وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا – وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ
وما هذه الأيامُ إلاّ صَحائفٌ – ِلأحْرُفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْرُ
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غادَةً – هَوايَ لها ذنْبٌ، وبَهْجَتُها عُذْرُ
تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي – لأُذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْرُ
بَدَوْتُ، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني – أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْرُ
وحارَبْتُ قَوْمي في هواكِ، وإنَّهُمْ – وإيّايَ، لو لا حُبُّكِ الماءُ والخَمْرُ
فإنْ يكُ ما قال الوُشاةُ ولمْ يَكُنْ – فقدْ يَهْدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكفرُ
وَفَيْتُ، وفي بعض الوَفاءِ مَذَلَّةٌ – لإنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْر
وَقورٌ، ورَيْعانُ الصِّبا يَسْتَفِزُّها – فَتَأْرَنُ، أحْياناً كما، أَرِنَ المُهْرُ
تُسائلُني من أنتَ؟ وهي عَليمَةٌ – وهل بِفَتىً مِثْلي على حالِهِ نُكْرُ
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لها الهوى – قَتيلُكِ! قالت: أيُّهمْ؟ فَهُمْ كُثْرُ
فقلتُ لها: لو شَئْتِ لم تَتَعَنَّتي – ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بي خُبْرُ
فقالتْ: لقد أَزْرى بكَ الدَّهْرُ بَعدنا – فقلتُ: معاذَ اللهِ بل أنتِ لا الدّهر
وما كان لِلأحْزان، ِ لولاكِ، مَسْلَكٌ – إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْر
وتَهْلِكُ بين الهَزْلِ والجِدِّ مُهْجَةٌ – إذا ما عَداها البَيْنُ عَذَّبها الهَجْرُ
فأيْقَنْتُ أن لا عِزَّ بَعْدي لِعاشِقٍ – و أنّ يَدي ممّا عَلِقْتُ بهِ صِفْرُ
وقلَّبْتُ أَمري لا أرى ليَ راحَة، – إذا البَيْنُ أنْساني ألَحَّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حُكم الزّمانِ وحُكمِها – لها الذّنْبُ لا تُجْزى بهِ وليَ العُذْرُ
كَأَنِّي أُنادي دونَ مَيْثاءَ ظَبْيَةً – على شَرَفٍ ظَمْياءَ جَلَّلَها الذُّعْرُ
تَجَفَّلُ حيناً، ثُمّ تَرْنو كأنّها – تُنادي طَلاًّ بالوادِ أعْجَزَهُ الحَُضْرُ
فلا تُنْكِريني، يابْنَةَ العَمِّ، إنّهُ – لَيَعْرِفُ من أنْكَرْتهِ البَدْوُ والحَضْرُ
ولا تُنْكِريني، إنّني غيرُ مُنْكَرٍ – إذا زَلَّتِ الأقْدامُ، واسْتُنْزِلَ النّصْرُ
وإنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ – مُعَوَّدَةٍ أن لا يُخِلَّ بها النَّصر
وإنّي لَنَزَّالٌ بِكلِّ مَخوفَةٍ – كَثيرٍ إلى نُزَّالِها النَّظَرُ الشَّزْرُ
فَأَظْمَأُ حتى تَرْتَوي البيضُ والقَنا – وأَسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذِّئْبُ والنَّسْرُ
ولا أًصْبَحُ الحَيَّ الخُلُوفَ بغارَةٍ – و لا الجَيْشَ ما لم تأْتِهِ قَبْلِيَ النُّذْرُ
ويا رُبَّ دارٍ، لم تَخَفْني، مَنيعَةً – طَلَعْتُ عليها بالرَّدى، أنا والفَجْر
وحَيٍّ رَدَدْتُ الخَيْلَ حتّى مَلَكْتُهُ – هَزيماً ورَدَّتْني البَراقِعُ والخُمْرُ
وساحِبَةِ الأذْيالِ نَحْوي، لَقيتُها – فلَم يَلْقَها جافي اللِّقاءِ ولا وَعْرُ
وَهَبْتُ لها ما حازَهُ الجَيْشُ كُلَّهُ – ورُحْتُ ولم يُكْشَفْ لأبْياتِها سِتْر
ولا راحَ يُطْغيني بأثوابِهِ الغِنى – ولا باتَ يَثْنيني عن الكَرَمِ الفَقْرُ
وما حاجَتي بالمالِ أَبْغي وُفورَهُ – إذا لم أَفِرْ عِرْضي فلا وَفَرَ الوَفْرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى – ولا فَرَسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غُمْرُ
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ – فليْسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ
وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى – فقلتُ:هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ
ولكنّني أَمْضي لِما لا يَعيبُني – وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهما الأَسْر
يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى – فقُلْتُ: أما واللهِ، ما نالني خُسْرُ
وهلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ ساعَةً – إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْرُ والضُّرُّ؟
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ – فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ
ولا خَيْرَ في دَفْعِ الرَّدى بِمَذَلَّةٍ – كما رَدَّها، يوماً، بِسَوْءَتِهِ عَمْرُو
يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما – عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ
وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ – وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ – وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ
فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ – وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ – وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا بهِ – وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ
ونَحْنُ أُناسٌ، لا تَوَسُّطَ عندنا – لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ
تَهونُ علينا في المعالي نُفوسُنا – ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ
أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا – وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ
قصيدة رائعة للشاعر أبو فراس الحمداني