| ضحِكْنا على الماضي البعيدِ، وفي غدٍ | ستجعلُنا الأيامُ أضحوكة َ الآتي |
| وتلكَ هِيَ الدُّنيا، رِوَايَة ُ ساحرٍ | عظيمٍ، غريب الفّن، مبدعِ آياتِ |
| يمثلها الأحياءُ في مسرح الأسى | ووسط ضبابِ الهّم، تمثيلَ أمواتِ |
| ليشهدَ مَنْ خَلْفَ الضَّبابِ فصولَها | وَيَضْحَكَ منها مَنْ يمثِّلُ ما ياتي |
| وكلٌّ يؤدِّي دَوْرَهُ..، وهو ضَاحكٌ | على الغيرِ، مُضْحُوكٌ على دوره العاتي |
شاعر الخضراء
أبو القاسم الشابي هو شاعر تونسي لقب بشاعر الخضراء مجموعة مميزة من قصائد شاعر الخضراء.
لست أبكي لعسف ليل طويل
| لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ | أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ |
| إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ | قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ |
| كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ، | مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ |
| ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ | فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ |
| وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْهَاقِ | تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ |
| هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ | رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ |
| غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا | واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ |
| أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ | الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ |
| شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي | قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ |
| لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مــتُّ | وقامتْ على شبابي المناحَة ْ |
| لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي | فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ |
| وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي | صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ |
| إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي | مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ |
| ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ | سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ |
يا عذارى الجمال والحب والأحلام
| يا عذارى الجمال والحب والأحلامِ | بل يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ |
| قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ | كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ |
| ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ | بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ |
| وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، | فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود |
| ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا | من الورد غضّة ٍ أملُود |
| ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ | في نشوة الشباب السعيدِ |
| فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه | وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ |
| ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، | في ذلك القرارِ البعيدِ..؟ |
| أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ | تشدوُ بساحر التغريدِ |
| طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ | في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟ |
| وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل | ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟ |
| أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، | وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ |
| وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ | رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟ |
| لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ | قاتل رغمَ حسنه المشهودِ |
| صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ | وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ |
| إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ | سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ |
| يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، | ويشقى بعِيشة المنكودِ |
| وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، | ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ |
| غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ | الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ |
كل ما هب وما دب
| كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما | نامَ، أو حامَ على هذا الوجود |
| مِنْ طيورٍ، وَزُهورٍ، وشذًى | وينابيعَ. وأغصانٍ تَميدْ |
| وبحارٍ، وكهوفٍ، وذُرًى | وبراكينَ، ووديانٍ، وبيدْ |
| وضياءٍ، وظِلالٍ ودجى | وفصولٍ، وغيولٍ، ورعودْ |
| وثلوجٍ، وضباب عابرٍ | وأعاصيرَ وأمطارٍ تجودْ |
| وتعاليمَ، وَدِينٍ، ورؤى | وأحاسيسَ، وَصَمْتٍ، ونشيدْ |
| كلُّها تحيْا، بقلبي حرَّة ً | غَضة َ السّحر، كأطفال الخلودْ |
| ههُنا، في قلبيَ الرحْبِ، العميقْ | يرقُصُ الموتُ وأطيافُ الوجودْ |
| ههُنا، تَعْصِفُ أهوالُ الدُّجى | ههنا، تخفُقُ أحلامُ الورودْ |
| ههنا، تهتُفُ أصداءُ الفَنا | ههنا، تُعزَفُ ألحانُ الخلودْ |
| ههنا، تَمْشي الأَماني والهوى | والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيد |
| ههنا الفجْرُ الذي لا ينتهي | ههنا اللَّيلُ الذي ليسَ يَبيدْ |
| ههنا، ألفُ خِضَمٍّ، ثَائرٍ | خالدِ الثَّورة ِ، مجهولِ الحُدودْ |
| ههنا، في كلِّ آنٍ تَمَّحي | صُوَرُ الدُّنيا، وتبدو من جَديدْ |
أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب،
| أنتِ كالزهرة ِ الجميلة ِ في الغاب، | ولكنْ مَا بينَ شَوكٍ، ودودِ |
| والرياحينُ تَحْسَبُ الحسَكَ الشِّرِّيرَ | والدُّودَ من صُنوفِ الورودِ |
| فافهمي النَاسَ..، إنما النّاسُ خَلْقٌ | مُفْسِدٌ في الوجودِ، غيرُ رشيدِ |
| والسَّعيدُ السَّعيدُ من عاشَ كاللَّيل | غريباً في أهلِ هَذا الوجودِ |
| وَدَعِيهِمْ يَحْيَوْنَ في ظُلْمة ِ الإثْمِ | وعِيشيي في ظهرك المحمودِ |
| كالملاك البريءِ، كالوردة البيضاءَ، | كالموجِ، في الخضمَّ البعيدَ |
| كأغاني الطُّيور، كالشَّفَقِ السَّاحِرِ | كالكوكبِ البعيدِ السّعيدِ |
| كَثلوجِ الجبال، يغَمرها النورُ | وَتَسمو على غُبارِ الصّعيدِ |
| أنتِ تحتَ السماء رُوحٌ جميلٌ | صَاغَهُ اللَّهُ من عَبيرِ الوُرودِ |
| وبنو الأرض كالقرود،وما أضـ | أضْيَعَ عِطرَ الورودِ بين القرودِ! |
| أنتِ من ريشة الإله، فلا تُلْقِ | ي بفنِّ السّما لِجَهْلِ العبيدِ |
| أنت لم تُخْلَقي ليقْربَكِ النَّاسُ | ولكن لتُعبدي من بعيدِ… |
أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟
| أَتَفنى ابتساماتُ تَلك الجفونِ؟ | ويخبو توهُّجُ تلكَ الخدودْ |
| وتذوي وُرَيْداتُ تلك الشِّفاهِ؟ | وتهوِي إلى التُّرْبِ تلكَ النُّهودْ؟ |
| وينهدُّ ذاك القوامُ الرَّشيقُ | وينحلُّ صَدْرٌ، بديعٌ، وَجِيدْ |
| وتربدُّ تلكَ الوحوهُ الصًّباحُ | وكلٌّ ـ إذا ما سألنا الحياة ـ |
| ويغبرُّ فرعٌ كجنْحِ الظَّلامِ | أنيقُ الغدائر، جعدٌ، مديدْ |
| ويُصبحُ في ظُلُماتِ القبورِ | هباءً، حقيراً، وتُرْباً، زهيدْ |
| وينجابُ سِحْرُ الغَرامِ القويِّ | وسُكرُ الشَّبابِ، الغريرِ، السّعيدْ |
| أتُطوَى سماواتُ هذا الوجودِ؟ | ويذهبُ هذا الفَضاءُ البعيدْ؟ |
| وتَهلِكُ تلكَ النُّجومُ القُدامى ؟ | ويهرمُ هذا الزّمانُ العَهيدْ؟ |
| ويقضِي صَباحُ الحياة ِ البديعُ؟ | وليلُ الوجودِ، الرّهيبُ، العَتيدْ؟ |
| وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ؟ | وبدرٌ يضيءُ، وغَيمٌ يجودْ؟ |
| وضوءٌ، يُرَصِّع موجَ الغديرِ؟ | وسِحْرٌ، يطرِّزُ تلكَ البُرودْ؟ |
| جليلاً، رهيباً، غريباً، وَحيدْ | يضجُّ، ويدوي دويَّ الرّعودْ؟ |
| وريحٌ، تمرُّ مرورَ المَلاكِ، | وتخطو إلى الغاب خَطَوَ الوليدْ؟ |
| وعاصفة ٌ من بناتِ الجحيم، | كأنَّ صداها زئير الأسودْ |
| تَعجُّ، فَتَدْوِي حنايا الجبال | وتمشي، فتهوي صُخورُ النُّجودْ؟ |
| وطيرٌ، تغنِّي خِلالَ الغُصونِ، | وتهتف ُللفجر بين الورود؟ |
| وزهرٌ، ينمِّقُ تلك التلال | وَيَنْهَل من كلِّ ضَوءٍ جَدِيدْ؟ |
| ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ | ونفحُ الشباب، الحَييّ، السعيد |
| أيسطو على الكُلِّ ليلُ الفَناءِ | ليلهُو بها الموتُ خَلْفَ الوجودْ.. |
| وَيَنْثُرَهَا في الفراغِ المُخِيفِ | كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شَرود |
| فينضبُ يمُّ الحياة ِ، الخضيمُّ | ويَخمدُ روحُ الربيع، الولود |
| فلا يلثمُ النُّورُ سِحْرَ الخُدودِ | ولا تُنبِتُ الأرضُ غضَّ الورود |
| كبيرٌ على النَّفسِ هذا العَفَاءُ! | وصعبٌ على القلب هذا الهموذ! |
| وماذا على الَقدَر المستمرِّ | لو استمرَأَ الّناسُ طعمَ الخلود |
| ولم يُخْفَروا بالخرابِ المحيط | ولم يفُجعَوا في الحبيبِ الودود |
| ولم يَسلكوا للخلمودِ المرجَّى | سبيلَ الرّدى ، وظَلامَ اللّحودْ |
| فَدَامَ الشَّبابُ، وَسِحْرُ الغرامِ، | وفنُّ الربيعِ، ولطفُ الورُودْ |
| وعاش الورى في سَلامٍ، أمينٍ | وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رَغيد؟ |
| ولكنْ هو القَدَرُ المستبدُّ | يَلَذُّ له نوْحُنا، كالنّشيد |