| يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ | قد أخذت من الثرى بجانبِ |
| وابتَهجَتْ بالوطنِ الكريمِ | ومثلِ العيالِ والحريمِ |
| فاختاره الفيلُ له طريقا | ممزِّقاً أصحابنا تمزيقا |
| وكان فيهم أرنبٌ لبيبُ | أذهبَ جلَّ صوفهِ التَّجريب |
| نادى بهم: يا مَعشرَ الأَرانبِ | من عالِمٍ، وشاعرٍ، وكاتب |
| اتَّحِدوا ضِدَّ العَدُوِّ الجافي | فالاتحادُ قوّة ُ الضِّعاف |
| فأقبلوا مستصوبين رايهْ | وعقدوا للاجتماعِ رايه |
| وانتخبوا من بينِهم ثلاثه | لا هَرَماً راعَوْا، ولا حَداثه |
| بل نظروا إلى كمالِ العقلِ | واعتَبروا في ذاك سِنَّ الفضْل |
| فنهض الأولُ للخطِاب | فقال : إنّ الرأيَ ذا الصواب |
| أن تُتركَ الأرضُ لذي الخرطومِ | كي نستريحَ من أَذى الغَشوم |
| فصاحت الأرانبُ الغوالي : | هذا أضرُّ من أبي الأهوال |
| ووثبَ الثاني فقال: إني | أَعهَدُ في الثعلبِ شيخَ الفنِّ |
| فلندْعُه يُمِدّنا بحِكمتِهْ | ويأخذ اثنيْنِ جزاءَ خدمتِه |
| فقيلَ : لا يا صاحبَ السموِّ | لا يدفعُ العدوُّ بالعدوِّ |
| وانتَدَبَ الثالثُ للكلامِ | فقال : يا معاشرَ الأقوامِ |
| اجتمِعوا؛ فالاجتِماع قوّه | ثم احفِروا على الطريق هُوَّه |
| يهوى إليها الفيلُ في مروره | فنستَريحُ الدهرَ من شرورِه |
| ثم يقولُ الجيلُ بعدَ الجيلِ | قد أَكلَ الأَرنبُ عقلَ الفيل |
| فاستصوبوا مقالهُ ، واستحسنوا | وعملوا من فورهم ، فأحسنوا |
| وهلكَ الفيلُ الرفيعُ الشَّانِ | فأَمستِ الأُمَّة ُ في أَمان |
| وأقبلتْ لصاحبِ التدبير | ساعية ً بالتاجِ والسرير |
| فقال : مهلا يا بني الأوطانِ | إنّ محلِّي للمحلُّ الثاني |
| فصاحبُ الصَّوتِ القويِّ الغالبِ | منْ قد دعا : يا معشرَ الأرانب |
امير الشعراء
هو لقب للشاعر الكبير أحمد شوقي وهو شاعر مصري من شعراء العصر الحديث.
مرَّتْ على الخُفاشِ
| مرَّتْ على الخُفاشِ | مليكة ُ الفراشِ |
| تطيرُ بالجموعِ | سعياً إلى الشموعِ |
| فعطفتْ ومالت | واستضحكت فقالتْ : |
| أَزْرَيْتَ بالغرامِ | يا عاشقَ الظلامِ |
| صفْ لي الصديقَ الأسودا | الخاملَ المُجَرَّدا |
| قال: سأَلتِ فيه | أصدقَ واصفيهِ |
| هو الصديقُ الوافي | الكاملُ الأَوصافِ |
| جِوارُهُ أَمانُ | وسرُّه كتمانُ |
| وطرفُه كليلُ | إذا هفا الخليلُ |
| يحنو على العشَّاقِ | يسمعُ للمشتاق |
| وجملة ُ المقالِ | هو الحبيبُ الغالي |
| فقالتِ الحمقاءُ | وقولها استهزاءُ |
| أَين أَبو المِسْكِ الخَصِي | ذو الثَّمَنِ المُسْتَرْخَصِ |
| منْ صاحبي الأميرِ | الظاهرِ المنيرِ ؟ |
| إن عُدَّ فيمن أَعرِفُ | أَسمُو بِه وأَشرُفُ |
| وإن سئلتُ عنهُ | وعن مكاني منهُ |
| أُفاخِرُ الأَترابا | وأَنثني إعجابَا |
| فقال : يا مليكهْ | ورَبَّة َ الأَريكهْ |
| إنّ منَ الغُرُورِ | ملامة َ المغرورِ |
| فأَعطِني قفاك | وامضي إلى الهلاك |
| فتركتهْ ساخرهْ | وذهَبتْ مُفاخِرهْ |
| وبعد ساعة ٍ مضَتْ | من الزمانِ فانقضَتْ |
| مَرَّتْ على الخُفَّاشِ | مليكة ُ الفراشِ |
| ناقصة َ الأعضاءِ | تشكو من الفناءِ |
| فجاءَها مُنهَمِكا | يُضحِكه منها البُكا |
| قال : ألم أقل لكِ | هَلكْتِ أَو لم تَهلِكي |
| رُبَّ صديقٍ عبدِ | أبيضُ وجهِ الودّ |
| يَفديك كالرَّئِيسِ | بالنَّفْسِ والنفيسِ |
| وصاحبٍ كالنورِ | في الحسنِ والظهورِ |
| معتكرِ الفؤادِ | مضيِّع الودادِ |
| حِبالُه أَشراكُ | وقُرْبُه هلاكُ؟ |
اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ
| اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ | وما تضمُّ الصًّحاري |
| سَعت إليه الرعايا | يوماً بكلِّ انكسار |
| قالت : تعيشُ وتبقى | يا داميَ الأَظفار |
| ماتَ الوزيرُ فمنْ ذا | يَسوسُ أَمرَ الضَّواري؟ |
| قال : الحمارُوزيري | قضى بهذا اختياري |
| فاستضحكت ، ثم قال : | «ماذا رأَى في الحِمارِ؟» |
| وخلَّفتهُ ، وطارت | بمضحكِ الأخبار |
| حتى إذا الشَّهْرُ ولَّى | كليْلة ٍ أَو نَهار |
| لم يَشعُرِ اللَّيثُ إلا | ومُلكُهُ في دَمار |
| القردُ عندَ اليمين | والكلبُ عند اليسار |
| والقِطُّ بين يديه | يلهو بعظمة ِ فار ! |
| فقال : من في جدودي | مثلي عديمُ الوقار ؟ ! |
| أينَ اقتداري وبطشي | وهَيْبتي واعتباري؟! |
| فجاءَهُ القردُ سرّاً | وقال بعدَ اعتذار: |
| يا عاليَ الجاه فينا | كن عاليَ الأنظار |
| رأَيُ الرعِيَّة ِ فيكم | من رأيكم في الحمار! |
كانت النَّملة تمشي
| كانت النَّملة تمشي | مرة ً تحتَ المُقطَّمْ |
| فارتخى مَفصِلُها من | هَيبة ِ الطَّوْدِ المعظَّمْ |
| وانثنتْ تنظرُ حتى | أوجد الخوف وأعدم |
| قالت : اليوم هلاكي | حلَّ يومي وتحتم ! |
| ليت شعري : كيف أنجو | ـ إنْ هوى هذا ـ وأَسلم؟ |
| فسعت تجري ، وعينا | ها ترى الطَّود فتندم |
| سقطتْ في شبرِ ماءٍ | هو عند النّمل كاليمّ |
| فبكت يأساً ، وصاحت | قبل جري الماء في الفمّ |
| ثم قالت وهي أدرى | بالذي قالت وأَعلَم: |
| ليتني لم أتأخَّر | ليتني لم أتقدَّم |
| ليتني سلَّمت ، فالعا | قل من خاف فسلَّم ! |
| صاح لا تخش عظيما | فالذي في الغيْب أَعظم |
كان فيما مضى من الدهر بيتُ
| كان فيما مضى من الدهر بيتُ | من بيوت الكرام فيه غزال |
| يَطعَم اللَّوْزَ والفطيرَ ويُسقى | عسلاَ لم يشبه إلا الزَّلال |
| فأَتى الكلبَ ذاتَ يومٍ يُناجيـ | ـهِ وفي النفسِ تَرحَة ٌ وملال |
| قال : يا صاحب الأمانة ، قل لي | كيف حالُ الوَرَى ؟ وكيف الرجال؟ |
| فأجاب الأمين وهو القئول الصّـَ | ـادِقُ الكامل النُّهَى المِفضال |
| سائلي عن حقيقة الناس ، عذراً | ليس فيهم حقيقة ُ فتقال |
| إنما هم حقدٌ ، وغشٌّ ، وبغضُ | وأَذاة ٌ، وغيبة ٌ، وانتحال |
| ليت شعري هل يستريحُ فؤادي ؟ | كم أداريهم ! وكم أحتال ! |
| فرِضا البعض فيه للبعضِ سُخْطٌ | ورضا الكلِّ مطلبٌ لا يُنال |
| ورضا اللهِ نرتجيهِ ، ولكن | لا يؤدِّي إليه إلا الكمال |
| لا يغرَّنكَ يا أخا البيدِ من موْ | لاكَ ذاك القبولُ والإقبال |
| أنتَ في الأسرِ ما سلمتَ ، فإن تمـ | ـرض تقطَّعْ من جسمك الأوصال |
| فاطلبِ البِيدَ، وارض بالعُشبِ قوتاً | فهناك العيشُ الهنِيُّ الحلال |
| أنا لولا العظامُ وهيَ حياتي | لم تَطِبْ لي مع ابنِ آدمَ حال |
برز الثعلبُ يوماً
| برز الثعلبُ يوماً | في شعار الواعِظينا |
| فمشى في الأرضِ يهذي | ويسبُّ الماكرينا |
| ويقولُ : الحمدُ للـ | ـهِ إلڑهِ العالمينا |
| يا عِباد الله، تُوبُوا | فهموَ كهفُ التائبينا |
| وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـ | ـعيشَ عيشُ الزاهدينا |
| واطلبوا الدِّيك يؤذنْ | لصلاة ِ الصُّبحِ فينا |
| فأَتى الديكَ رسولٌ | من إمام الناسكينا |
| عَرَضَ الأَمْرَ عليه | وهْوَ يرجو أَن يَلينا |
| فأجاب الديك : عذراً | يا أضلَّ المهتدينا ! |
| بلِّغ الثعلبَ عني | عن جدودي الصالحينا |
| عن ذوي التِّيجان ممن | دَخل البَطْنَ اللعِينا |
| أَنهم قالوا وخيرُ الـ | ـقولِ قولُ العارفينا: |
| ” مخطيٌّ من ظنّ يوماً | أَنّ للثعلبِ دِينا» |