الدهر يومان ذا ثبت وذا زلل

الدّهرُ يَوْمانِ ذا ثبتٌ وَذا زَلَلُوَالعيشُ طعمان ذا صَابٌ وَذا عسَلُ
كذا الزمانُ  فما في نعمة ٍ بطرٌللعارفينَ  ولا في نقمة ٍ فشلُ
سعادة ُ المَرْءِ في السّرَاءِ إنْ رَجَحَتْوَالعَدْلُ أنْ يَتَساوَى الهَمّ وَالجذَلُ
وما الهمومُ وإنْ حاذرتَ ، ثابتة ٌولا السرورُ وإنْ أمَّلتَ يتصلُ
فما الأسى لهمومِ لابقاءَ لها وَما السّرُورُ بنُعمَى سَوْفَ تَنتَقِلُ
لَكِنّ في النّاسِ مَغْروراً بِنِعْمَتِهِما جاءهُ اليأسُ حتى جاءهُ الأجلُ
شعر أبو فراس الحمداني

اللوم للعاشقين لوم

اللومُ للعاشقينَ لومُ لأنَّ خطبَ الهوى عظيمُ
فكيفَ ترجونَ لي سلواًوَعِنْدِيَ المُقْعِدُ المُقِيمُ
و مقلتي ملؤها دموعٌ وَأضْلُعي حَشْوُهَا كُلُومُ
يَا قَوْمِ! إني امرُؤٌ كَتُومٌتَصْحَبُني مُقْلَة ٌ نَمُومُ
ألليلُ للعاشقينَ سترٌ يَا لَيْتَ أوْقَاتَهُ تَدُومُ
نديميَ النجمُ ، طولَ ليليحتى إذا غارتِ النجومُ
أسلمني الصبحُ للبلايا فَلا حَبِيبٌ، وَلا نَدِيمُ
بـ ” رملتيْ عالجٍ ” رسومٌ يَطُولُ مِنْ دُونِهَا الرّسِيمُ
أنَخْتُ فيهِنّ يُعْمَلاتٍ،ما عهدُ إرقالها ذميمُ 
آجدها قطعُ كلِّ وادٍ أخْصَبَهُ نَبْتُهُ العَمِيمُ
رَدّتْ عَلى الدّهرِ، في سُرَاهَاما وهبَ النجمُ ، والنجومُ
تِلْكَ سَجَايَا مِنَ اللّيَالي،للبؤسِ ما يخلقُ النعيمُ
بَينَ ضُلُوعي هَوى ً مُقِيمٌلآلِ ” ورقاءَ ” لا يريمُ
يُغَيّرُ الدّهْرُ كُلّ شَيْءٍ،و هوَ صحيحٌ لهمْ ، سليمُ 
أمْنَعُ مَنْ رَامَهُ سِوَاهُمْمنهُ ، كما تمنعُ الحريمُ
وَهَلْ يُسَاوِيهِمُ قَرِيبٌأمْ هَلْ يُدَانِيهِمُ حَمِيمُ؟
و نحنُ في عصبة ٍ وأهلٍ تَضُمّ أغْصَانَنَا أُرُومُ
لمْ تتفرقْ بنا خؤول في جذمِ عزٍّ ، ولا عمومُ 
سَمَتْ بِنَا وَائِلٌ، وَفَازَتْبالعزِّ أخوالنا ” تميمُ ” 
ودادهم خالصٌ ، صحيحٌ وعهدهمْ ثابتٌ ، مقيمُ 
فذاكَ منهمْ بنا حديثٌ وَهْوَ لآبَائِنَا قَدِيمُ
نَرْعَاهُ، مَا طُرّقَتْ بِحَمْلٍأنثى ، وما أطفلتْ بغومُ
نُدْني بَني عَمّنَا إلَيْنا،فَضْلاً، كمَا يَفْعَلُ الكَرِيمُ
أيدٍ لهمْ ، عندَ كلِّ خطبٍ يثني بها الفادحُ الجسيمُ 
وألسنٌ ، دونهمْ ، حدادٌلُدٌّ إذَا قَامَتْ الخُصُومُ
لمْ تَنْأ، عَنّا، لَهُمْ قُلُوبٌوإنْ نأتْ منهمُ ، جسومُ
فلاَ عدمنا لهمْ ثناءً كَأنّهُ اللّؤلُؤ النّظِيمُ
لقدْ نمتنا لهمْ أصولٌ مَا مَسّ أعْرَاقَهُنّ لُومُ
تبقى ويبقونَ في نعيمٍمَا بَقيَ الرّكْنُ، وَالحَطِيمُ
شعر ابو فراس الحمداني

يعز على الأحبة بالشام

يعزُّ على الأحبة ِ بـ الشامِ حَبيبٌ، بَاتَ مَمْنُوعَ المَنَامِ
وَإني لَلصّبُورُ عَلى الرّزَايَاوَلَكِنّ الكِلامَ عَلى الكِلامِ
جُرُوحٌ لا يَزَلْنَ يَرِدْنَ مِنّيعلى جرحٍ قريبِ العهدِ ، دامِ
تاملني ” الدمستقُ ” إذ رآني فَأبْصَرَ صِيغَة َ اللّيْثِ، الهُمَامِ
أتُنكِرُني كَأنّكَ لَسْتَ تَدْريبِأني ذَلِكَ البَطَلُ، المُحَامي
وَأني إذْ نَزَلْتُ عَلى دُلُوكٍتَرَكْتُكَ غَيْرَ مُتّصِلِ النّظَامِ
وَلَمّا أنْ عَدَدْتُ صَلِيبَ رَأيِيتَحَلّلَ عِقْدُ رَأيِكَ في المَقَامِ
وَكُنْتَ تَرَى الأنَاة َ، وَتَدّعِيهافأعجلكَ الطعانُ عنِ الكلامِ
و بتَّ مؤرقاً ، منْ غيرِ سهدٍ حمى جفنيكَ طيبَ النومِ حامِ
و لا أرضى الفتى ما لمْ يكملْ برأيِ الكهلِ ، إقدامَ الغلامِ
فَلا هُنّئْتَهَا نُعْمَى بِأسْرِيوَلا وُصِلَتْ سُعُودُكَ بِالتّمَامِ
أمَا مِنْ أعْجَبِ الأشْيَاءِ عِلْجٌيُعَرّفُني الحَلالَ مِنَ الحَرَامِ
و تكنفهُ بطارقة ٌ تيوسُ تباري بالعثانينِ الضخامِ
لهمْ خلقُ الحميرِ فلستَ تلقىفتى ً منهمْ يسيرُ بلاَ حزامِ
يُرِيغُونَ العُيُوبَ، وَأعجَزَتْهُمْوأيُّ العيبِ يوجدُ في الحسامِ 
و أصعبُ خطة ٍ ، وأجلُّ أمرٍمُجَالَسَة ُ اللّئَامِ عَلى الكِرَامِ
أبِيتُ مُبَرّأ من كُلّ عَيبٍو أصبحُ ، سالماً منْ كلِّ ذامِ
وَمَنْ لَقيَ الّذي لاقَيْتُ هَانَتْعَلَيْهِ مَوَارِدُ المَوْتِ الزّؤامِ
ثناءٌ طيبٌ ، لا خلفَ فيهِ وَآثَارٌ كَآثَارِ الغَمَامِ
و علمُ فوارسِ الحيينِ أنيقَلِيلٌ مَنْ يَقُومُ لَهُمْ مَقَامي
وَفي طَلَبِ الثّنَاءِ مَضَى بُجَيْرٌوَجَادَ بِنَفْسِهِ كَعبُ بنُ مَامِ
أُلامُ عَلى التّعَرّضِ للمَنَايَا،وَلي سَمَعٌ أصَمُّ عَنِ المَلامِ
بنو الدنيا إذا ماتوا سواءٌوَلَوْ عَمَرَ المُعَمّرُ ألْفَ عَامِ
إذَا مَا لاَحَ لي لَمَعَانُ بَرْقٍبَعَثْتُ إلى الأحِبّة ِ بِالسّلامِ
أبو فراس الحمداني

به وبمثله شق الصفوف

بِهِ وبِمِثْلِهِ شُقّ الصّفُوفُوزَلّتْ عَن مُباشِرِها الحُتُوفُ
فَدَعْهُ لَقًى فإنّكَ مِنْ كِرامٍجَواشِنُها الأسِنّةُ والسّيوفُ
قصيدة أبو الطيب المتنبي

لك يا منازل في القلوب منازل

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَا أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العاقِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ
أللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ
ألرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ
كافأنَنَا عَنْ شِبْهِهِنّ مِنَ المَهَا فَلَهُنّ في غَيرِ التّرابِ حَبَائِلُ
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جآذِرٌ ومِنَ الرّماحِ دَمَالِجٌ وخَلاخِلُ
ولِذا اسمُ أغطِيَةِ العُيُونِ جُفُونُها مِنْ أنّها عَمَلَ السّيُوفِ عَوامِلُ
كم وقْفَةٍ سَجَرَتكَ شوْقاً بَعدَما غَرِيَ الرّقيبُ بنا ولَجّ العاذِلُ
دونَ التّعانُقِ ناحِلَينِ كشَكْلَتيْ نَصْبٍ أدَقَّهُمَا وضَمَّ الشّاكِلُ
إنْعَمْ ولَذّ فَلِلأمورِ أواخِرٌ أبَداً إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ
ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما رَوْقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ
للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خالِصٌ ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ
حتى أبو الفَضْلِ ابنُ عَبْدِالله رُؤ يَتُهُ المُنى وهيَ المَقامُ الهَائلُ
مَمْطُورَةٌ طُرُقي إلَيهَا دونَهَا مِنْ جُودِهِ في كلّ فَجٍّ وابِلُ
مَحْجُوبَةٌ بسُرادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ تَثْني الأزِمّةَ والمَطيُّ ذَوامِلُ
للشّمسِ فيهِ وللسّحابِ وللبِحَا رِ وللأسُودِ وللرّياحِ شَمَائِلُ
ولَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ والأدَبِ المُفَا دِ ومِلْحيَاةِ ومِلْمَماتِ مَنَاهِلُ
لَوْ لم يَهَبْ لجَبَ الوُفُودِ حَوَالَهُ لَسَرَى إلَيْهِ قَطَا الفَلاةِ النّاهِلُ
يَدْري بمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ مِن ذِهْنِهِ ويُجيبُ قَبْلَ تُسائِلُ
وتَراهُ مُعْتَرِضاً لَهَا ومُوَلّياً أحْداقُنا وتَحارُ حينَ يُقابِلُ
كَلِماتُهُ قُضُبٌ وهُنّ فَوَاصِلٌ كلُّ الضّرائبِ تَحتَهُنّ مَفاصِلُ
هَزَمَتْ مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلّهَا حتى كأنّ المَكْرُماتِ قَنَابِلُ
وقَتَلْنَ دَفْراً والدُّهَيْمَ فَما تَرَى أُمُّ الدُّهَيْمِ وأُمُّ دَفْرٍ ثَاكِلُ
عَلاّمَةُ العُلَمَاءِ واللُّجُّ الّذي لا يَنْتَهي ولِكُلّ لُجٍّ ساحِلُ
لَوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حَيٍّ مِثْلِهِ وَلَدَ النّساءُ وما لَهنّ قَوابِلُ
لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ لَدَرَتْ بهِ ذَكَرٌ أمْ أنثى الحامِلُ
ليَزِدْ بَنُو الحَسَنِ الشِّرافُ تَواضُعاً هَيهاتِ تُكْتَمُ في الظّلامِ مشاعلُ
جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ
مُتَشابِهُو وَرَعِ النّفُوسِ كَبيرُهم وصَغيرُهمْ عَفُّ الإزارِ حُلاحِلُ
يا کفخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَةٌ مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِلُ
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَا عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِلُ
أُثْني عَلَيْكَ ولَوْ تَشاءُ لقُلتَ لي قَصّرْتَ فالإمْساكُ عنّي نائِلُ
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَاسِلُ
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ شِعْرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ
مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ
وأمَا وحَقّكَ وهْوَ غايَةُ مُقْسِمٍ لَلْحَقُّ أنتَ وما سِواكَ الباطِلُ
ألطِّيبُ أنْتَ إذا أصابَكَ طِيبُهُ والماءُ أنتَ إذا اغتَسَلْتَ الغاسِلُ
ما دارَ في الحَنَكِ اللّسانُ وقَلّبَتْ قَلَماً بأحْسَنَ مِنْ ثَنَاكَ أنَامِلُ

لحن الحياة

إذا الشعبُ يوما أراد الحياةفلا بد أن يستجيب القـدر
ولا بـد لليـل أن ينجليولا بـد للقيـد أن ينكسـر
ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياةتبخر فــي جوها واندثر
فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة من صفْعـة العــدَم المنتصر
كـذلك قـالت ليَ الكائناتُوحدثني روحُها المستترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاجوفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعابولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن يتهيب صعود الجباليعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـبابوضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِوعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ  لمـا سـألتأيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوحومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاةويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوملَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـاة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريفمثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوموغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُلمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر
فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلامولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍمُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ
يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـابشــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِوســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُوســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــاوأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍتـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍوأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِوتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّوقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِوعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌوتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةًمُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِوسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــقونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُوأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِيغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِوهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُوأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِوفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــاحِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــاوأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــهوأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِتعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَوخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبليشــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــهيُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَإليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ
فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِبحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَهاوفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍيشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌيُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِوضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـالبأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّسُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَلهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُفــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر
من أشعار أبو القاسم الشابي