أي ناس هذا الورى ما أرى

أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأىإلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَة
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأسِ من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكونِ وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوهاوتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابوها وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَرضَ ليَغْوى أَبناؤُها وذووها
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستجدي ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّعلى النَّاسِ فاتكاً جبَّارا
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكيحيثما حلَّ في الجوانحِ نارا
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّفكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّارُ بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوايَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّىفي جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْآلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراهاخُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّفأَلفيتَ قلبَها ماخُورا
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْرِ قلباً مدَبَّساً شرِّيرا
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّىظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّاماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العالي فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّالشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌفوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْتبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّواوامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا
قصيدة أبو القاسم الشابي

نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان

نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــوانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة
نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــسِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ
نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للموتِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية
هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْسَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة
وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْفي مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي
قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْمَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ
فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَرضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي
هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحيفي سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي
هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌوضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا
وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــرُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا
والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الماضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا
هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبانِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا
قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاًوشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا
وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةًفي شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا
وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْناوشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلامَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّنيا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها
في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّامي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍمحزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا
جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــاكي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا
قصيدة أبو القاسم الشابي

مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ،

مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ، العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ ‍!
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري هي التي أحسبها منْ عمري
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ! وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ !
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ ” الشامِ ” ، ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ، عندَ انتباهي ، سحراً من نومي
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ، وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ! فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا! عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا !
ويا شرابي البلقسياتِ تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا! واجتنبوا الكثرة َ والفضولا !
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا! وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا!
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا، عشرينَ ، أو فويقها قليلا
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ، معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ، مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ، ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ ناديتهمْ : ” حيَّ على الفلاحِ ! “
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ، إليهِ يمضي ما يفرُّ منا
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ، كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ
فما استوينا كلنا حتى وقفْ لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ ! فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي، وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ، لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ
وَضَجّتِ الكِلابُ في المَقَاوِد، تَطْلُبُهَا وَهْيَ بِجُهْدٍ جَاهِدِ
وَصِحْتُ بِالأسْوَدِ كَالخُطّافِ ليسَ بأبيضٍ ولا غطرافِ
ثمَّ دعوتُ القومَ : هذا بازي ! فأيكم ْ ينشطُ للبرازِ ؟
فقالَ منهمْ رشأٌ : ” أنا ، أنا! “ وَلَوْ دَرَى مَا بِيَدي لأذْعَنَا!
فَقُلْتُ: قَابِلْني وَرَاءَ النّهْرِ، أنْتَ لِشَطْرٍ وَأنَا لِشَطْرِ!
طارتْ لهُ دراجة ٌ فأرسلا أحْسَنَ فِيهَا بَازُهُ وَأجمَلا
عَلَّقَهَا فَعَطْعَطُوا، وَصَاحُوا، و الصيدُ منْ آلتهِ الصياحُ !
فقلتُ : ما هذا الصياحُ والقلقْ ؟ أكُلُّ هذا فَرَحٌ بِذا الطَّلَقْ؟
فقالَ : إنَّ الكلبَ يشوي البازا قَد حَرَزَ الكَلْبُ، فَجُزْ، وَجَازَا
فلمْ يزلْ يزعقُ : يا مولائي ! وَهْوَ كَمِثْلِ النّارِ في الحَلْفَاءِ
طارتْ ، فأرسلتُ فكانتْ سلوى حَلّتْ بِهَا قَبْلَ العُلُوّ البَلْوَى
فَمَا رَفَعْتُ البَازَ حَتى طَارَا آخَرُ عَوْداً يُحْسِنُ الفِرَارَا
أسودُ ، صياحٌ ، كريمٌ ، كرَّزُ ، مُطرَّزٌ، مُكَحَّلٌ، مُلَزَّزُ
عليهِ ألوانُ منَ الثيابِ مِنْ حُلَلِ الدّيبَاجِ وَالعُنّابي
فلمْ يزلْ يعلو وبازي يسفلُ يحرزُ فضلَ السبقِ ليسَ يغفلُ
يَرْقُبُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِعَيْنِهِ، وَإنّمَا يَرْقُبُهُ لِحيْنِه
حتى إذا قاربَ ، فيما يحسبُ ، معقلهُ ؛ والموتُ منهُ أقربُ
أرْخَى لَهُ بِنَبْجِهِ رِجْلَيْهِ، والموتُ قدْ سابقهُ إليهِ
صِحْتُ وَصَاحَ القَوْمُ بالتّكْبيرِ، وغيرنا يضمرُ في الصدورِ
ثمّ تَصَايَحْنَا فَطَارَتْ وَاحِدَهْ شيطانة ٌ منْ الطيورِ ماردهْ
من قربٍ فأرسلوا إليها وَلَمْ تَزَلْ أعْيُنُهُمْ عَلَيْهَا
فَلَمْ يُعَلِّقْ بَازُهُ وَأدّى مِنْ بَعْدِ مَا قَارَبَهَا وَشَدّا
صحتُ : أهذا البازُ أمْ دجاجهْ ؟ ليتَ جناحيهِ على دراجهْ
فاحمرتِ الأوجهُ والعيونُ وَقَالَ: هَذا مَوْضِعٌ مَلْعُونُ
إنْ لزَّها البازُ أصابتْ نبجا أوْ سقطتْ لمْ تلقَ إلاَّ مدرجا
اعدلْ بنا للنبجِ الخفيفِ وَالمَوْضِعِ المُنْفَرِدِ المَكْشُوفِ
فقثلتُ : هذي حجة ٌ ضعيفة ْ وغرَّة ٌ ظاهرة ٌ معروفهْ
نحنُ جميعاً في مكانٍ واحدِ ، فَلا تُعَلِّلْ بِالكَلامِ البَارِدِ!
قصَّ جناحيهِ يكنْ في الدارِ معَ الدباسي ، ومعَ القماري !
وَاعْمِدْ إلى جُلْجُلِهِ البَدِيعِ، فاجعلهُ في عنزٍ منَ القطيعِ!
حتى إذا أبْصَرْتُهُ، وَقد خَجِلْ، قُلتُ: أرَاهُ، فارِهاً، على الحَجَلْ
دعهُ ، وهذا البازُ فاطردْ بهِ تَفَادِياً مِنْ غَمّهِ وَعَتْبِهِ!
وقلتُ للخيلِ ، التي حولينا : تَشَاهَدُوا كُلُّكُمُ عَلَيْنَا!
بِأنّهُ عَارِيَة ٌ مَضْمُونَه، يُقِيمُ فِيهَا جَاهَهُ وَدِينَهْ
جئتُ ببازٍ حسنٍ مبهرجِ دُونَ العُقَابِ وَفُوَيقَ الزُّمَّجِ
زينٍِ لرائيهِ ، وفوقَ الزينِ ، يَنْظُرُ مِنْ نَارَيْنِ في غَارَيْنِ
كأنَّ فوقَ صدرهِ والهادي آثَارَ مَشْيِ الذَّرّ في الرّمَادِ
ذِي مِنْسَرٍ فَخْمٍ وَعَيْنٍ غائِرَهْ، وفخذٍ ملءَ اليمينِ وافرهْ
ضَخْمٍ، قَرِيبِ الدَّسْتَبَانِ جِدّا يَلْقَى الّذِي يَحمِلُ مِنهُ كَدّا
وَرَاحة ٍ تَغْمُرُ كَفّي سَبْطَهْ زَادَ عَلى قَدْرِ البُزَاة ِ بَسْطَهْ
سُرّ، وَقالَ: هاتِ! قلتُ: مَهْلا! احلفْ على الردِّ‍!”فقالَ:كلاَ!
أما يميني ، فهي عندي غاليهْ وكلمتي مثلً يميني وافيه
قُلْتُ: فَخُذْهُ هِبَة ً بِقُبْلَة ! فَصَدّ عَني، وَعَلَتْهُ خَجْلَهْ
فلمْ أزلْ أمسحهُ حتى انبسطْ وَهَشّ للصّيدِ قَلِيلاً، وَنَشَطْ
صحتُ بهِ :اركبْ ‍! فاستقلَّ عنْ يدِ مُبادِراً أسرَعَ مِنْ قَوْلِ: قَدِ!
وَضَمّ ساقَيهِ وَقَالَ: قَدْ حَصَلْ! قلتُ لهُ:”الغدرة ُ منْ شرِّ العملْ ‍!”
سرتُ ، وسارَ الغادرُ العيارُ ليسَ لطيرٍ معنا مطارُ
ثمَّ عدلنا نحونهرِ الوادي ، وَالطّيْرُ فِيهِ عَدَدُ الجَرَادِ
أدَرْتُ شَاهِينَيْنِ في مَكَانِ لكثرة ِ الصيدِ معَ الإمكانِ
دارا علينا دورة ً وحلقا ، كِلاهُمَا، حَتى إذَا تَعَلّقَا
تَوَازَيَا، وَاطّرَدَا اطّرَادا، كالفارسينِ التقيا أو كادا
ثَمّتَ شَدَّا فَأصَابَا أرْبَعَا ثَلاثَة ً خُضْراً، وَطَيْراً أبْقَعَا
ثمَّ ذبحناها ، وخلصناهما وَأمْكَنَ الصّيْدُ فَأرْسَلْنَاهُمَا
فَجَدّلا خَمْساً مِنَ الطّيُورِ، فَزَادَني الرّحْمَنُ في سُرُورِي
أربعة ً منها أنيسيانِ وَطَائِراً يُعْرَفُ بالِبَيْضَاني
خَيْلٌ نُنَاجِيهِنّ كَيْفَ شِينَا طيعة ٌ ، ولجمها أيدينا
وهيَ إذا ما استصعبَ القيادهْ صَرّفَهَا الجُوعُ عَلى الإرَادَهْ
تَسَاقَطَتْ مَا بَيْنَنَا مِنَ الفَرَقْ
حتى أخذنا ما أردنا منها ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاغِبِينَ عَنْهَا
إلى كراكيَّ بقربِ النهرِ عشراً نراها ، أو فويقَ العشرْ
لَمّا رآها البَازُ، من بُعْدٍ، لَصَقْ وَحَدّدَ الطّرْفَ إلَيْهَا وَذَرَقْ
فَقُلْتُ: قد صَادَ، وَرَبِّ الكَعبهْ،
فدارَ حتى أمكنتْ ثمَّ نزلْ فَحَطّ مِنْهَا أفْرَعاً مِثلَ الجَمَلْ
ما انحطَّ إلاَّ وأنا إليهِ ممكناً رجليَّ منْ رجليهِ
جلستُ كيْ أشبعهُ إذا هيهْ قد سَقطَتْ من عَن يَمينِ الرَابِيَهْ
فَشلْتُهُ أرْغَبُ في الزّيَادَة ، وَتِلْكَ للطّرَادِ شَرُّ عَادَة
لَمْ أَجْزِهِ بِأحْسَنِ البَلاءِ، أطَعتُ حِرْصِي، وَعَصَيْتُ دَائي
فلمْ أزلْ أختلها وتختتلْ ، وإنما نختلها إلى أجلْ
عمدتُ منها لكبيرٍ مفردِ يمشي بعنقٍ كالرشاءِ المحصدِ
طارَ ، وما طارَ ليأتيهِ القدرْ ، وهلْ لما قدْ حانَ سمعٌ أوْ بصرْ ‍! ؟
حتى إذا جدلهُ كالعندلِ ، أيقنتُ أنَّ العظمَ غيرُ الفصلِ
ذَاكَ، عَلى مَا نِلْتُ مِنهُ، أمْرُ عثرتُ فيهِ وأقالَ الدهرُ ‍!
خيرٌ منَ النجاحِ للإنسانِ
صحتُ إلى الطباخِ : ماذا تنتظر؟ انزِلْ عنِ المهرِ، وَهَاتِ ما حَضَرْ
جَاءَ بِأوْسَاطٍ، وَجُرْدِ تَاجِ، منْ حجلِ الصيدِ ومنْ دراجِ
فما تنازلنا عنِ الخيولِ، يمنعنا الحرصُ عنِ النزولِ
وَجِيءَ بِالكَأسِ وَبالشّرَابِ، فَقُلتُ: وَفّرْهَا على أصْحابي!
أشْبَعَني اليَوْمَ وَرَوّاني الفَرَحْ، فقدْ كفاني بعضُ وسطٍ وقدحْ
ثمَّ عدلنا نطلبُ الصحراءَ ، نَلْتَمِسُ الوُحُوشَ وَالظّبَاءَ
عَنّ لَنَا سِرْبٌ بِبَطْنِ الوَادِي
قَدْ صَدَرَتْ عَنْ مَنهَلٍ رَوِيِّ، منْ غبرِ الوسميِّ والوليِّ
ليسَ بمطروقٍ ولا بكيِّ، ومرتعٍ مقتبلٍ جنيّ
رعينَ فيهِ ، غيرَ مذعوراتِ ،
مرَّ عليهِ غدقُ السحابِ بواكفٍ ، متصلِ الربابِ
مازالَ في خفضٍ ، وحسنِ حالِ حَتى أصَابَتْهُ بِنَا اللّيَالي
سِرْبٌ حَمَاهُ الدّهْرُ مَا حَمَاهُ لَمّا رَآنَا ارْتَدّ مَا أعْطَاهُ
بادرتُ بالصقارِ والفهادِ حَتى سَبَقْنَاهُ إلى المِيعَادِ
فَجَدَّلَ الفَهْدُ الكَبِيرَ الأقْرَنَا، شدَّ على مذبحهِ واستبطنا
وجدَّلَ الآخرُ عنزاً حائلاً رَعَتْ حمى الغَوْرَينِ حَوْلاً كاملا
ثُمّ رَمَيْنَاهُنّ بِالصّقُورِ فَجِئْنَهَا بِالقَدَرِ المَقْدُورِ
أفْرَدْنَ مِنها في القَرَاحِ وَاحِدَة قدْ ثقلتْ بالخصرِ وهيَ جاهدهْ
مَرّتْ بِنَا، وَالصّقْرُ في قَذالِهَا يُؤذِنُهَا بِسيِّءٍ مِنْ حَالِهَا
ثمَّ ثناها وأتاها الكلبُ هما ، عليها ، والزمانُ إلبُ
فَلَمْ نَزَلْ نَصِيدُهَا وَنَصْرَعُ حَتى تَبَقّى في القطِيعِ أرْبَعُ
ثمَّ عدلنا عدلة ً إلى الجبلْ إلى الأراوي ، والكباشِ والحجلْ
فَلَمْ نَزَلْ بِالخَيْلِ وَالكِلابِ نحوزها حوزاً ، إلى الغيابِ
ثمَّ انصرفنا ، والبغالُ موقرهْ ، في لَيلَة ٍ، مثلِ الصّبَاحِ، مُسفِرَهْ
حتى أتينا رحلنا بليلِ ، وَقَدْ سُبِقْنَا بِجِيَادِ الخَيْلِ
حتى عددنا مئة ً وزيدا
فلمْ نَزَلْ نَقلي، وَنشِوي، وَنصُبْ، حَتى طَلَبْنَا صَاحِياً فَلَمْ نُصِبْ
شُرْباً، كمَا عَنّ، مِنَ الزِّقَاقِ بغيرِ ترتيبٍ ، وغيرِ ساقِ
فَلَمْ نَزَلْ سَبْعَ لَيَالٍ عَدَدا أسعدَ مَن رَاحَ، وَأحظَى مَن غَدا

ياشعر

ياشعر أنت فم الشعور ، وصرخة الروح الكئيب
ياشعر أنت صدى نحيب القلب ، والصب الغريب
ياشعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة
ياشعر أنت دم ، تفجر من كلوم الكائنات
ياشعر ! قلبي ـ مثلما تدري ـ شقي ، مظلم
فيه الجراح ، النجل ، يقطر من مغاورها الدم
جمدت على شفتيه أزراء الحياة العابسه
فهو التعيس ، يذيبه نوح القلوب البائسه
ابدا ينوح بحرقة ، بين الأماني الهاويه
كالبلبل الغريد مابين الزهور الذاويه
كم قد نصحت له بأن يسلو ، وكم عزيته
فأبى وماأصغى إلى قولي ، فما أجديته
كم قلت : صبرا يافؤاد ! ألا تكف عن النحيب ؟
فإذا تجلدت الحياة تبددت شعل اللهيب
ياقلب ! لاتجزع أمام تصلب الدهر الهصور
فإذا صرخت توجعا هزأت بصرختك الدهور
ياقلب ! لاتسخط على الأيام ، فالزهر البديع
يصغي لضجات العواصف قبل أنغام الربيع
ياقلب ! لاتقنع بشوك اليأس من بين الزهور
فوراء أوجاع الحياة عذوبة الأمل الجسور
ياقلب ! لاتسكب دموعك بالفضاء فتندم
فعلى ابتسامات الفضاء قساوة المتهكم
لكن قلبي وهم ـ مخضل الجوانب بالدموع ـ
جاشت به الأحزان ، ّا طفحت بها تلك الصدوع
يبكي على الحلم البعيد بلوعة ، لاتنجلي
غردا ، كصداح الهواتف في الفلا ، ويقول لي :
طهر كلومك بالدموع ، وخلّها وسبيلها
إن المدامع لاتضيع حقيرها وجليلها
فمن المدامع ماتدفع جارفا حسك الحياه
يرمي لهاوية الوجود بكل مايبني الطغاه
ومن المدامع ماتألق في الغياهب كالنجوم
ومن المدامع ماأراح النفس من عبء الهموم
فارحم تعاسته ، ونح معه على أحلامه
فقد قضى الحلم البديع على لظى آلامه .

أقضيه فى الأشواق إلا أقله

أقضيه فى الأشواق إلا أقلهبطئ سرى أبدى إلى اللبث ميله
و ليس اشتياقى عن غرام بشادنو لكنه شوق امرئ فات أهله
فيا لك من ليل أعرت نجومهتوقد أنفاسي و عانيت مثله
و مل كلانا من أخيه و هكذاإذا طال عهد المرء بالشئ مله
أبيات الشاعر حافظ إبراهيم

سينية

اختلاف النهار والليل ينسياذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شبابصورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرتسنة حـلوة ولذة خلس
وسلا مصر: هل سلا القلب عنهاأو أسا جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الـليالـي عليهرق، والعهد فـي الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنتأول الليل، أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطنكلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيلماله مولعاً بمنع وحبس
أحرام على بلابـله الدوححلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلافي خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل، وقلبي شراعبهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراكيـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس)
وطـني لو شغلت بالخلد عنهنازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيلظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفونيشخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرارفيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولاًطالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطافأو غريق، ولا يصاخ لحس
فلـك يكسف الشموس نـهـاراًويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا مابلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنـاتبقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوارلطمت كل رب (روم) و(فرس)
سددت بالهلال قوساً وسلتخنجراً ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا)وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس)
أين (مروان) في المشارق عرشأموي وفي الـمغارب كرسي؟
سقمت شمسهم فرد عليهانورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيكتبلى، وتنطوي تحت رمس
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى)شفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليل سريت والبرق طرفيوبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغربوأطوي البلاد حزنـاً لدهس
في ديار من الخلائف درسومـنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتونخضر، وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعـني سوى ثرى قرطبيلمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منهوسقى صفوت الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كنتتمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطتلجة الروم من شراع وقلس
ركب الدهر خاطري في ثراهافأتى ذلك الحمى بــعد حدس
فتجلت لي القصور ومن فيهامن العز في منازل قعس
سنة من كرى وطيف أمـانوصحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيسوإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيقجاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من (محمد) وتراثصار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهىبين (ثهلان) في الأساس و(قدس)
مرمر تسبح النواظر فيهويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواءألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريهاما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها! كم تزينت لعليمواحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العينملاء مدنرات الدمقس
ومكان الكتاب يغريك رياًورده غائباً فتدنو للمس
صنعة (الداخل) المبارك فيالغرب وآل له ميامين شمس
من (لحمراء) جللت بغبارالدهر كالجرح بين بـرء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاًلمحتها العيون من طول قبس
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمرمن غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس (شيرى)فبدا منه في عـصائب برس
سرمد شيبه، ولم أر شيئاًقبله يـرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء)مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضتسدة الباب من سمير وأنسي
عرصات تخلت الخيل عنهاواستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاءلم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التاريخساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطـرف في نضارة آسمن نقوش، وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبركالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعانيولألفاظها بأزيـن لبس
وترى مجلس السباع خلاءمقفر القاع من ظباء وخنس
لا (الثريا) ولا جواري الثريايتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليهكلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جماناًيـتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانتبعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول: راية جيشباد بالأمس بـين أسر وحـس
ومفاتيحها مقاليد ملكباعها الوارث المضـيع ببخس
خرج القوم في كتائب صمعن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشاً وكانتتحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم، وجموعلمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنىلجبــان ولا تسنى لجبس
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاًوجـنى دانياً وسلسال أنس
محسنات الفصول لا نـاجر فيهابقيظ ولا جمادى بـقرس
لا تحش العيون فوق ربــاهاغير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشاًوربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهمبمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقفوجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظاتمن جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الماضيفقد غاب عنك وجه التأسي
قصيدة مشهورة لأمير الشعراء أحمد شوقي