أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى | إلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَة |
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأسِ | من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ |
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكونِ | وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ |
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوها | وتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها |
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابوها | وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها |
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَرضَ | ليَغْوى أَبناؤُها وذووها |
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستجدي | ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا |
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّ | على النَّاسِ فاتكاً جبَّارا |
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكي | حيثما حلَّ في الجوانحِ نارا |
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّ | فكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا |
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّارُ | بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى |
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوا | يَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا |
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّى | في جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما |
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْ | آلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما |
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراها | خُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما |
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّ | فأَلفيتَ قلبَها ماخُورا |
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْرِ | قلباً مدَبَّساً شرِّيرا |
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّى | ظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا |
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّا | ماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ |
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العالي | فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ |
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّ | الشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ |
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌ | فوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا |
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْ | تبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا |
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّوا | وامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا |
نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان
نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــ | وانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة |
نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــ | سِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ |
نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للمو | تِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية |
هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْ | سَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة |
وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْ | في مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي |
قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْ | مَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ |
فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَر | ضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي |
هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحي | في سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي |
هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌ | وضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا |
وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــ | رُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا |
والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الما | ضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا |
هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبا | نِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا |
قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاً | وشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا |
وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةً | في شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا |
وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْنا | وشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا |
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلا | مَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا |
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّن | يا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها |
في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّا | مي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها |
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍ | محزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا |
جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــا | كي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا |
مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ،
مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ، | العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ ! |
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري | هي التي أحسبها منْ عمري |
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ! | وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ ! |
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا | عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا |
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ ” الشامِ ” ، | ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ |
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ، | عندَ انتباهي ، سحراً من نومي |
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً | كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا |
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ، | وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ |
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ | ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين |
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ! | فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ |
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ | وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ |
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ | وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ |
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا! | عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا ! |
ويا شرابي البلقسياتِ | تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ |
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا! | واجتنبوا الكثرة َ والفضولا ! |
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا! | وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا! |
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا، | عشرينَ ، أو فويقها قليلا |
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ، | معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه |
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ | مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ |
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ | تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب |
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ، | مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي |
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ، | ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ |
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي | أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ |
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ | ناديتهمْ : ” حيَّ على الفلاحِ ! “ |
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ | مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ |
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ | وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ |
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ، | إليهِ يمضي ما يفرُّ منا |
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ، | كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ |
فما استوينا كلنا حتى وقفْ | لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ |
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ ! | فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ |
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ | ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ |
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي، | وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ |
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ، | لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ |
وَضَجّتِ الكِلابُ في المَقَاوِد، | تَطْلُبُهَا وَهْيَ بِجُهْدٍ جَاهِدِ |
وَصِحْتُ بِالأسْوَدِ كَالخُطّافِ | ليسَ بأبيضٍ ولا غطرافِ |
ثمَّ دعوتُ القومَ : هذا بازي ! | فأيكم ْ ينشطُ للبرازِ ؟ |
فقالَ منهمْ رشأٌ : ” أنا ، أنا! “ | وَلَوْ دَرَى مَا بِيَدي لأذْعَنَا! |
فَقُلْتُ: قَابِلْني وَرَاءَ النّهْرِ، | أنْتَ لِشَطْرٍ وَأنَا لِشَطْرِ! |
طارتْ لهُ دراجة ٌ فأرسلا | أحْسَنَ فِيهَا بَازُهُ وَأجمَلا |
عَلَّقَهَا فَعَطْعَطُوا، وَصَاحُوا، | و الصيدُ منْ آلتهِ الصياحُ ! |
فقلتُ : ما هذا الصياحُ والقلقْ ؟ | أكُلُّ هذا فَرَحٌ بِذا الطَّلَقْ؟ |
فقالَ : إنَّ الكلبَ يشوي البازا | قَد حَرَزَ الكَلْبُ، فَجُزْ، وَجَازَا |
فلمْ يزلْ يزعقُ : يا مولائي ! | وَهْوَ كَمِثْلِ النّارِ في الحَلْفَاءِ |
طارتْ ، فأرسلتُ فكانتْ سلوى | حَلّتْ بِهَا قَبْلَ العُلُوّ البَلْوَى |
فَمَا رَفَعْتُ البَازَ حَتى طَارَا | آخَرُ عَوْداً يُحْسِنُ الفِرَارَا |
أسودُ ، صياحٌ ، كريمٌ ، كرَّزُ ، | مُطرَّزٌ، مُكَحَّلٌ، مُلَزَّزُ |
عليهِ ألوانُ منَ الثيابِ | مِنْ حُلَلِ الدّيبَاجِ وَالعُنّابي |
فلمْ يزلْ يعلو وبازي يسفلُ | يحرزُ فضلَ السبقِ ليسَ يغفلُ |
يَرْقُبُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِعَيْنِهِ، | وَإنّمَا يَرْقُبُهُ لِحيْنِه |
حتى إذا قاربَ ، فيما يحسبُ ، | معقلهُ ؛ والموتُ منهُ أقربُ |
أرْخَى لَهُ بِنَبْجِهِ رِجْلَيْهِ، | والموتُ قدْ سابقهُ إليهِ |
صِحْتُ وَصَاحَ القَوْمُ بالتّكْبيرِ، | وغيرنا يضمرُ في الصدورِ |
ثمّ تَصَايَحْنَا فَطَارَتْ وَاحِدَهْ | شيطانة ٌ منْ الطيورِ ماردهْ |
من قربٍ فأرسلوا إليها | وَلَمْ تَزَلْ أعْيُنُهُمْ عَلَيْهَا |
فَلَمْ يُعَلِّقْ بَازُهُ وَأدّى | مِنْ بَعْدِ مَا قَارَبَهَا وَشَدّا |
صحتُ : أهذا البازُ أمْ دجاجهْ ؟ | ليتَ جناحيهِ على دراجهْ |
فاحمرتِ الأوجهُ والعيونُ | وَقَالَ: هَذا مَوْضِعٌ مَلْعُونُ |
إنْ لزَّها البازُ أصابتْ نبجا | أوْ سقطتْ لمْ تلقَ إلاَّ مدرجا |
اعدلْ بنا للنبجِ الخفيفِ | وَالمَوْضِعِ المُنْفَرِدِ المَكْشُوفِ |
فقثلتُ : هذي حجة ٌ ضعيفة ْ | وغرَّة ٌ ظاهرة ٌ معروفهْ |
نحنُ جميعاً في مكانٍ واحدِ ، | فَلا تُعَلِّلْ بِالكَلامِ البَارِدِ! |
قصَّ جناحيهِ يكنْ في الدارِ | معَ الدباسي ، ومعَ القماري ! |
وَاعْمِدْ إلى جُلْجُلِهِ البَدِيعِ، | فاجعلهُ في عنزٍ منَ القطيعِ! |
حتى إذا أبْصَرْتُهُ، وَقد خَجِلْ، | قُلتُ: أرَاهُ، فارِهاً، على الحَجَلْ |
دعهُ ، وهذا البازُ فاطردْ بهِ | تَفَادِياً مِنْ غَمّهِ وَعَتْبِهِ! |
وقلتُ للخيلِ ، التي حولينا : | تَشَاهَدُوا كُلُّكُمُ عَلَيْنَا! |
بِأنّهُ عَارِيَة ٌ مَضْمُونَه، | يُقِيمُ فِيهَا جَاهَهُ وَدِينَهْ |
جئتُ ببازٍ حسنٍ مبهرجِ | دُونَ العُقَابِ وَفُوَيقَ الزُّمَّجِ |
زينٍِ لرائيهِ ، وفوقَ الزينِ ، | يَنْظُرُ مِنْ نَارَيْنِ في غَارَيْنِ |
كأنَّ فوقَ صدرهِ والهادي | آثَارَ مَشْيِ الذَّرّ في الرّمَادِ |
ذِي مِنْسَرٍ فَخْمٍ وَعَيْنٍ غائِرَهْ، | وفخذٍ ملءَ اليمينِ وافرهْ |
ضَخْمٍ، قَرِيبِ الدَّسْتَبَانِ جِدّا | يَلْقَى الّذِي يَحمِلُ مِنهُ كَدّا |
وَرَاحة ٍ تَغْمُرُ كَفّي سَبْطَهْ | زَادَ عَلى قَدْرِ البُزَاة ِ بَسْطَهْ |
سُرّ، وَقالَ: هاتِ! قلتُ: مَهْلا! | احلفْ على الردِّ!”فقالَ:كلاَ! |
أما يميني ، فهي عندي غاليهْ | وكلمتي مثلً يميني وافيه |
قُلْتُ: فَخُذْهُ هِبَة ً بِقُبْلَة ! | فَصَدّ عَني، وَعَلَتْهُ خَجْلَهْ |
فلمْ أزلْ أمسحهُ حتى انبسطْ | وَهَشّ للصّيدِ قَلِيلاً، وَنَشَطْ |
صحتُ بهِ :اركبْ ! فاستقلَّ عنْ يدِ | مُبادِراً أسرَعَ مِنْ قَوْلِ: قَدِ! |
وَضَمّ ساقَيهِ وَقَالَ: قَدْ حَصَلْ! | قلتُ لهُ:”الغدرة ُ منْ شرِّ العملْ !” |
سرتُ ، وسارَ الغادرُ العيارُ | ليسَ لطيرٍ معنا مطارُ |
ثمَّ عدلنا نحونهرِ الوادي ، | وَالطّيْرُ فِيهِ عَدَدُ الجَرَادِ |
أدَرْتُ شَاهِينَيْنِ في مَكَانِ | لكثرة ِ الصيدِ معَ الإمكانِ |
دارا علينا دورة ً وحلقا ، | كِلاهُمَا، حَتى إذَا تَعَلّقَا |
تَوَازَيَا، وَاطّرَدَا اطّرَادا، | كالفارسينِ التقيا أو كادا |
ثَمّتَ شَدَّا فَأصَابَا أرْبَعَا | ثَلاثَة ً خُضْراً، وَطَيْراً أبْقَعَا |
ثمَّ ذبحناها ، وخلصناهما | وَأمْكَنَ الصّيْدُ فَأرْسَلْنَاهُمَا |
فَجَدّلا خَمْساً مِنَ الطّيُورِ، | فَزَادَني الرّحْمَنُ في سُرُورِي |
أربعة ً منها أنيسيانِ | وَطَائِراً يُعْرَفُ بالِبَيْضَاني |
خَيْلٌ نُنَاجِيهِنّ كَيْفَ شِينَا | طيعة ٌ ، ولجمها أيدينا |
وهيَ إذا ما استصعبَ القيادهْ | صَرّفَهَا الجُوعُ عَلى الإرَادَهْ |
تَسَاقَطَتْ مَا بَيْنَنَا مِنَ الفَرَقْ | |
حتى أخذنا ما أردنا منها | ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاغِبِينَ عَنْهَا |
إلى كراكيَّ بقربِ النهرِ | عشراً نراها ، أو فويقَ العشرْ |
لَمّا رآها البَازُ، من بُعْدٍ، لَصَقْ | وَحَدّدَ الطّرْفَ إلَيْهَا وَذَرَقْ |
فَقُلْتُ: قد صَادَ، وَرَبِّ الكَعبهْ، | |
فدارَ حتى أمكنتْ ثمَّ نزلْ | فَحَطّ مِنْهَا أفْرَعاً مِثلَ الجَمَلْ |
ما انحطَّ إلاَّ وأنا إليهِ | ممكناً رجليَّ منْ رجليهِ |
جلستُ كيْ أشبعهُ إذا هيهْ | قد سَقطَتْ من عَن يَمينِ الرَابِيَهْ |
فَشلْتُهُ أرْغَبُ في الزّيَادَة ، | وَتِلْكَ للطّرَادِ شَرُّ عَادَة |
لَمْ أَجْزِهِ بِأحْسَنِ البَلاءِ، | أطَعتُ حِرْصِي، وَعَصَيْتُ دَائي |
فلمْ أزلْ أختلها وتختتلْ ، | وإنما نختلها إلى أجلْ |
عمدتُ منها لكبيرٍ مفردِ | يمشي بعنقٍ كالرشاءِ المحصدِ |
طارَ ، وما طارَ ليأتيهِ القدرْ ، | وهلْ لما قدْ حانَ سمعٌ أوْ بصرْ ! ؟ |
حتى إذا جدلهُ كالعندلِ ، | أيقنتُ أنَّ العظمَ غيرُ الفصلِ |
ذَاكَ، عَلى مَا نِلْتُ مِنهُ، أمْرُ | عثرتُ فيهِ وأقالَ الدهرُ ! |
خيرٌ منَ النجاحِ للإنسانِ | |
صحتُ إلى الطباخِ : ماذا تنتظر؟ | انزِلْ عنِ المهرِ، وَهَاتِ ما حَضَرْ |
جَاءَ بِأوْسَاطٍ، وَجُرْدِ تَاجِ، | منْ حجلِ الصيدِ ومنْ دراجِ |
فما تنازلنا عنِ الخيولِ، | يمنعنا الحرصُ عنِ النزولِ |
وَجِيءَ بِالكَأسِ وَبالشّرَابِ، | فَقُلتُ: وَفّرْهَا على أصْحابي! |
أشْبَعَني اليَوْمَ وَرَوّاني الفَرَحْ، | فقدْ كفاني بعضُ وسطٍ وقدحْ |
ثمَّ عدلنا نطلبُ الصحراءَ ، | نَلْتَمِسُ الوُحُوشَ وَالظّبَاءَ |
عَنّ لَنَا سِرْبٌ بِبَطْنِ الوَادِي | |
قَدْ صَدَرَتْ عَنْ مَنهَلٍ رَوِيِّ، | منْ غبرِ الوسميِّ والوليِّ |
ليسَ بمطروقٍ ولا بكيِّ، | ومرتعٍ مقتبلٍ جنيّ |
رعينَ فيهِ ، غيرَ مذعوراتِ ، | |
مرَّ عليهِ غدقُ السحابِ | بواكفٍ ، متصلِ الربابِ |
مازالَ في خفضٍ ، وحسنِ حالِ | حَتى أصَابَتْهُ بِنَا اللّيَالي |
سِرْبٌ حَمَاهُ الدّهْرُ مَا حَمَاهُ | لَمّا رَآنَا ارْتَدّ مَا أعْطَاهُ |
بادرتُ بالصقارِ والفهادِ | حَتى سَبَقْنَاهُ إلى المِيعَادِ |
فَجَدَّلَ الفَهْدُ الكَبِيرَ الأقْرَنَا، | شدَّ على مذبحهِ واستبطنا |
وجدَّلَ الآخرُ عنزاً حائلاً | رَعَتْ حمى الغَوْرَينِ حَوْلاً كاملا |
ثُمّ رَمَيْنَاهُنّ بِالصّقُورِ | فَجِئْنَهَا بِالقَدَرِ المَقْدُورِ |
أفْرَدْنَ مِنها في القَرَاحِ وَاحِدَة | قدْ ثقلتْ بالخصرِ وهيَ جاهدهْ |
مَرّتْ بِنَا، وَالصّقْرُ في قَذالِهَا | يُؤذِنُهَا بِسيِّءٍ مِنْ حَالِهَا |
ثمَّ ثناها وأتاها الكلبُ | هما ، عليها ، والزمانُ إلبُ |
فَلَمْ نَزَلْ نَصِيدُهَا وَنَصْرَعُ | حَتى تَبَقّى في القطِيعِ أرْبَعُ |
ثمَّ عدلنا عدلة ً إلى الجبلْ | إلى الأراوي ، والكباشِ والحجلْ |
فَلَمْ نَزَلْ بِالخَيْلِ وَالكِلابِ | نحوزها حوزاً ، إلى الغيابِ |
ثمَّ انصرفنا ، والبغالُ موقرهْ ، | في لَيلَة ٍ، مثلِ الصّبَاحِ، مُسفِرَهْ |
حتى أتينا رحلنا بليلِ ، | وَقَدْ سُبِقْنَا بِجِيَادِ الخَيْلِ |
حتى عددنا مئة ً وزيدا | |
فلمْ نَزَلْ نَقلي، وَنشِوي، وَنصُبْ، | حَتى طَلَبْنَا صَاحِياً فَلَمْ نُصِبْ |
شُرْباً، كمَا عَنّ، مِنَ الزِّقَاقِ | بغيرِ ترتيبٍ ، وغيرِ ساقِ |
فَلَمْ نَزَلْ سَبْعَ لَيَالٍ عَدَدا | أسعدَ مَن رَاحَ، وَأحظَى مَن غَدا |
ياشعر
ياشعر أنت فم الشعور ، وصرخة الروح الكئيب | |
ياشعر أنت صدى نحيب القلب ، والصب الغريب | |
ياشعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة | |
ياشعر أنت دم ، تفجر من كلوم الكائنات | |
ياشعر ! قلبي ـ مثلما تدري ـ شقي ، مظلم | |
فيه الجراح ، النجل ، يقطر من مغاورها الدم | |
جمدت على شفتيه أزراء الحياة العابسه | |
فهو التعيس ، يذيبه نوح القلوب البائسه | |
ابدا ينوح بحرقة ، بين الأماني الهاويه | |
كالبلبل الغريد مابين الزهور الذاويه | |
كم قد نصحت له بأن يسلو ، وكم عزيته | |
فأبى وماأصغى إلى قولي ، فما أجديته | |
كم قلت : صبرا يافؤاد ! ألا تكف عن النحيب ؟ | |
فإذا تجلدت الحياة تبددت شعل اللهيب | |
ياقلب ! لاتجزع أمام تصلب الدهر الهصور | |
فإذا صرخت توجعا هزأت بصرختك الدهور | |
ياقلب ! لاتسخط على الأيام ، فالزهر البديع | |
يصغي لضجات العواصف قبل أنغام الربيع | |
ياقلب ! لاتقنع بشوك اليأس من بين الزهور | |
فوراء أوجاع الحياة عذوبة الأمل الجسور | |
ياقلب ! لاتسكب دموعك بالفضاء فتندم | |
فعلى ابتسامات الفضاء قساوة المتهكم | |
لكن قلبي وهم ـ مخضل الجوانب بالدموع ـ | |
جاشت به الأحزان ، ّا طفحت بها تلك الصدوع | |
يبكي على الحلم البعيد بلوعة ، لاتنجلي | |
غردا ، كصداح الهواتف في الفلا ، ويقول لي : | |
طهر كلومك بالدموع ، وخلّها وسبيلها | |
إن المدامع لاتضيع حقيرها وجليلها | |
فمن المدامع ماتدفع جارفا حسك الحياه | |
يرمي لهاوية الوجود بكل مايبني الطغاه | |
ومن المدامع ماتألق في الغياهب كالنجوم | |
ومن المدامع ماأراح النفس من عبء الهموم | |
فارحم تعاسته ، ونح معه على أحلامه | |
فقد قضى الحلم البديع على لظى آلامه . |
أقضيه فى الأشواق إلا أقله
أقضيه فى الأشواق إلا أقله | بطئ سرى أبدى إلى اللبث ميله |
و ليس اشتياقى عن غرام بشادن | و لكنه شوق امرئ فات أهله |
فيا لك من ليل أعرت نجومه | توقد أنفاسي و عانيت مثله |
و مل كلانا من أخيه و هكذا | إذا طال عهد المرء بالشئ مله |
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي | اذكرا لي الصبا وأيام أنسي |
وصفا لي ملاوة من شباب | صورت من تصورات ومس |
عصفت كالصبا اللعوب ومرت | سنة حـلوة ولذة خلس |
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها | أو أسا جرحه الزمان المؤسي |
كلما مرت الـليالـي عليه | رق، والعهد فـي الليالي تقسي |
مستطار إذا البواخر رنت | أول الليل، أو عوت بعد جرس |
راهب في الضلوع للسفن فطن | كلما ثرن شاعهن بنقس |
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل | ماله مولعاً بمنع وحبس |
أحرام على بلابـله الدوح | حلال للطير من كل جنس؟ |
كل دار أحق بالأهل إلا | في خبيث من المذاهب رجس |
نفسي مرجل، وقلبي شراع | بهما في الدموع سيري وأرسي |
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك | يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس) |
وطـني لو شغلت بالخلد عنه | نازعتني إليه في الخلد نفسي |
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل | ظمأ للسواد مـن (عين شمس) |
شهد الله لم يغب عن جـفوني | شخصه ساعة ولم يخل حسي |
يا فؤادي لكل أمر قرار | فيه يبدو وينجلي بعد لبس |
عقلت لجة الأمور عقولاً | طالت الحوت طول سبح وغس |
غرقت حيث لا يصاح بطاف | أو غريق، ولا يصاخ لحس |
فلـك يكسف الشموس نـهـاراً | ويسوم البدور ليلة وكس |
ومواقيت للأمور إذا ما | بلغتها الأمور صارت لعكس |
دول كالرجال مرتهنـات | بقيام من الجدود وتعس |
وليال من كل ذات سوار | لطمت كل رب (روم) و(فرس) |
سددت بالهلال قوساً وسلت | خنجراً ينفذان من كل ترس |
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) | وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس) |
أين (مروان) في المشارق عرش | أموي وفي الـمغارب كرسي؟ |
سقمت شمسهم فرد عليها | نورها كل ثاقب الرأي نطس |
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك | تبلى، وتنطوي تحت رمس |
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) | شفتني القصور من (عبد شمس) |
رب ليل سريت والبرق طرفي | وبساط طويت والريح عنسي |
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب | وأطوي البلاد حزنـاً لدهس |
في ديار من الخلائف درس | ومـنار من الطوائف طمس |
وربى كالجنان في كنف الزيتون | خضر، وفي ذرا الكرم طلس |
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي | لمست فيه عبرة الدهر خمسي |
يا وقى الله ما أصبح منه | وسقى صفوت الحيا ما أمسي |
قرية لا تعد في الأرض كنت | تمسك الأرض أن تميد وترسي |
غشيت ساحل المحيط وغطت | لجة الروم من شراع وقلس |
ركب الدهر خاطري في ثراها | فأتى ذلك الحمى بــعد حدس |
فتجلت لي القصور ومن فيها | من العز في منازل قعس |
سنة من كرى وطيف أمـان | وصحا القلب مـن ضلال وهجس |
وإذا الدار ما بها من أنيس | وإذا القوم ما لهم من محس |
ورقيق من البيوت عتيق | جاوز الألف غير مذموم حرس |
أثر من (محمد) وتراث | صار (للروح) ذي الولاء الأمس |
بلغ النجم ذروة وتناهى | بين (ثهلان) في الأساس و(قدس) |
مرمر تسبح النواظر فيه | ويطول المدى عليها فترسي |
وسوار كأنها في استواء | ألفات الوزير في عرض طرس |
فترة الدهر قد كست سطريها | ما اكتسى الهدب من فتور ونعس |
ويحها! كم تزينت لعليم | واحد الدهر واستعدت لخمس |
وكأن الرفيف في مسرح العين | ملاء مدنرات الدمقس |
ومكان الكتاب يغريك رياً | ورده غائباً فتدنو للمس |
صنعة (الداخل) المبارك في | الغرب وآل له ميامين شمس |
من (لحمراء) جللت بغبار | الدهر كالجرح بين بـرء ونكس |
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً | لمحتها العيون من طول قبس |
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر | من غافل ويقظان ندس |
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) | فبدا منه في عـصائب برس |
سرمد شيبه، ولم أر شيئاً | قبله يـرجى البقاء وينسي |
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) | مشي النعي في دار عرس |
هتكت عزة الحجاب وفضت | سدة الباب من سمير وأنسي |
عرصات تخلت الخيل عنها | واستراحت من احتراس وعس |
ومغان على الليالي وضاء | لم تجد للعشي تكرار مس |
لا ترى غير وافدين على التاريخ | ساعين في خشوع ونكس |
نقلوا الطـرف في نضارة آس | من نقوش، وفي عصارة ورس |
وقباب من لازورد وتبر | كالربى الشم بين ظل وشمس |
وخطوط تكفلت للمعاني | ولألفاظها بأزيـن لبس |
وترى مجلس السباع خلاء | مقفر القاع من ظباء وخنس |
لا (الثريا) ولا جواري الثريا | يتنزلن فيه أقمار إنس |
مرمر قامت الأسود عليه | كلة الظفر لينات المجس |
تنثر الماء في الحياض جماناً | يـتنزى على ترائب ملس |
آخر العهد بالجزيرة كانت | بعد عرك من الزمان وضرس |
فتراها تقول: راية جيش | باد بالأمس بـين أسر وحـس |
ومفاتيحها مقاليد ملك | باعها الوارث المضـيع ببخس |
خرج القوم في كتائب صم | عن حفاظ كموكب الدفن خرس |
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت | تحت آبائهم هي العرش أمس |
رب بان لهادم، وجموع | لمشت ومحسن لمخس |
إمرة الناس همة لا تأنى | لجبــان ولا تسنى لجبس |
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً | وجـنى دانياً وسلسال أنس |
محسنات الفصول لا نـاجر فيها | بقيظ ولا جمادى بـقرس |
لا تحش العيون فوق ربــاها | غير حور حو المراشف لعس |
كسيت أفرخي بظلك ريشاً | وربا في رباك واشتد غرسي |
هم بنو مصر لا الجميل لديهم | بمضاع ولا الصنيع بمنسي |
من لسان على ثنائك وقف | وجنان على ولائك حبس |
حسبهم هذه الطلول عظات | من جديد على الدهور ودرس |
وإذا فاتك التفات إلى الماضي | فقد غاب عنك وجه التأسي |