أي ناس هذا الورى ما أرى

أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأىإلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَة
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأسِ من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكونِ وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوهاوتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابوها وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَرضَ ليَغْوى أَبناؤُها وذووها
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستجدي ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّعلى النَّاسِ فاتكاً جبَّارا
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكيحيثما حلَّ في الجوانحِ نارا
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّفكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّارُ بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوايَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّىفي جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْآلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراهاخُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّفأَلفيتَ قلبَها ماخُورا
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْرِ قلباً مدَبَّساً شرِّيرا
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّىظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّاماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العالي فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّالشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌفوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْتبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّواوامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا
قصيدة أبو القاسم الشابي