لا ينهض الشعب إلا حين يدفعه

لا ينهضُ الشعبُ إلاَّ حينَ يدفعهُعَزْمُ الحياة ِ، إذا ما استيقظتْ فيهِ
والحَبُّ يخترقُ الغَبْراءَ، مُنْدفعاًإلى السماء، إذا هبَّتْ تُناديهِ
والقيدُ يأَلَفُهُ الأمواتُ، ما لَبِثواأمَّا الحيَاة ُ فيُبْلها وتُبْليهِ
قصيدة قصيرة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

يا إله الوجود هذي جراح

يا إلهَ الوجودِ! هذي جراحٌ في فؤادي، تشْكو إليْك الدّواهي
هذه زفرة ٌ يُصعِّدها الهمُّ إلى مَسْمَعِ الفَضَاء السَّاهي
فلقد جرّعني صوتُ الظّلام
هَذِهِ مُهْجَة ُ الشَّقَاءِ تُنَاجيكَ فهلْ أنتَ سامعٌ يا إلهي؟
أنتَ أنزلتني إل ظلمة ِ الأرض وقد كنتُ في صباحٍ زارهِ
أَلَماً علّمني كرِهَ الحياة
كَجَدْولٍ في مَضَايِقِ السُّبُلُ
كالشّعاع الجميل، أَسْبَحُ في الأفق وأُصْغي إلى خرير المياهِ
وأُغنِّي بينَ الينابيعِ للفَجْر وأشدو كالبلبلِ التَّيَّاهِ
أَنَا كَئيبْ،
أنتَ أوصلتَني إلى سبل الدنيا وهذي كثيرة ُ الأشتباهِ
ثم خلَّفَتَني وحيداً، فريداً فَهْوَ يا ربِّ مَعْبَدُ الحقِّ،
أنتَ أوقفتَني على لُجَّة الحزْنِ وجَرَّعتني مرارة َ آهِ!
أنت أنشأتني غريباً بنفسي بين قوميْ، في نشْوتي وانتباهي
ـامي، وآياتِ فنِّهِ المتناهي وحبَّبْتَني جُمَودَ السَّاهي
وتلاشت في سكون الأكتئاب
أنتَ جَبَّلتَ بين جنبيَّ قلباً سرمديَّ الشُّعور والانتباهِ
عبقريَّ الأسى : تعذِّبه الدنيا وتُشْجيه ساحراتُ الملاهي!
أيها العصفورْ
أنتَ عذّبتني بِدِقَّة حِسِّي وتعقَّبْتَني بكلّ الدَّواهي
بالمنايا تَغْتال أشْهى أمانيَّ وتُذوِي محاجري، وَشِفاهي
فإذا من أحبُّ حفنة ُ تُرْبٍ تافهٍ، مِنْ تَرائبٍ وَجِبَاهِ
أنَّة َ الأوتار..!
غَرِيبَة ٌ فِي عَوَالِمِ الحَزَن
يتلاشى فوق الخضَمِّ: ويبقى الـ ـيمُّ كالعهدِ مُزْبدَ الأمواه…
مرّت ليالٍ خبَتْ مع الأمدِ
يا إلهَ الوجودِ! مالكَ لا تَرثي لحزن المُعَذَّب الأوَّاهِ؟
قد تأوَّهتُ في سكونِ اللّيالي ثم أطبقتُ في الصّباح شِفاهي
رُوحِي، وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ
يَا رِياحَ الوجود! سيري بعنفٍ وتغنِّيْ بصوتك الأوَّاه
وانفحيني مِنْ رُوحِكِ الفَخْم ما يُبْـ ـلغُ صَوْتي آذَانَ هذا الإلهِ
وانثُري الوَرْدَ للثُّلوجِ بدَاداً واصعقي كلّ بُلبلٍ تَيَّاه
فالوجودُ الشقيُّ غيرُ جديرٍ وَهْوَ نايُ الجمالِ، والحبِّ، والأحْـ
فالإله العظيم لميخلق لدنيا سوى للفناءِ تَحْتَ الدّواهي
مَشَاعِرِي فِي جَهَنَّمَ الأَلمِ

شعري نُفَاثة صدري

شعري نُفَاثة صدري إنْ جَاشَ فِيه شُعوري
لولاه ما أنجاب عنّي غَيْمُ الحياة ِ الخطيرِ
ولا وجدتَ أكتئابي ولا وجدت سروري
بِهِ تَراني حزيناً أبكي بدمعٍ غزيرِ
به تراني طروباً أجرّ ذيلَ خُبوري
لا أنظمُ الشعرَ أرجو به رضاءَ الأمير
بِمِدْحَة ٍ أو رثاءٍ تُهْدَى لربّ السريرِ
حسْبي إذا قلتُ شعراً أن يرتضيهِ ضَميري
مالشعرُ إلا فضاءٌ يَرفُّ فيه مَقالي
فيما يَسُرُّ بلادي وما يسرُّ المعالي
وما يُثِيرُ شُعوري من خافقاتِ خيالي
لا أقرضُ الشعرَ أبغي به اقتناصَ نَوال
الشِّعرُ إنْ لمْ يكنْ في جمالِهِ ذَا جَلالِ
فإنَّما هُوَ طيفٌ يَسْعَى بوادي الظِّلال
يقضي الحياة َ طريداً في ذِلّة ، واعتزال
يا شعرُ! أنت مِلاكي وطارِفِي، وتِلادي
أنا إليكَ مُرادٌ وأنتَ نِعْمَ مُرادي
قِف، لا تَدَعْني وحيداً ولا أدعك تنادي
فَهَلْ وجدتَ حُساماً يُناط دون نجادِ
كَمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ ذا هِمَّة ٍ كثيرَ الرّمادِ
ألقاه تَحْتَ نعالٍ من ذِلَّة وحِدادِ
رِفقاً بأَهْلِ بلادي! يا منجنون العَوادي!

إن الحياة صراع

إنَّ الحياة َ صِراعٌفيها الضّعيفُ يُداسْ
ما فَازَ في ماضِغيهاإلا شديدُ المراسْ
للخِبِّ فيها شجونٌفَكُنْ فتى الإحتراسْ
الكونُ كونُ شفاءٍالكونُ كونُ التباسْ
الكونُ كونُ اختلاقٍوضجّة ٌ واختلاسْ
السروروالابتئاسْ
بين النوائبِ بونٌللنّاس فيه مزايا
البعضُ لم يدرِ إلاالبِلى ينادي البلايا
والبعضُ مَا ذَاقَ منهاسوى حقيرِ الرزايا
إنَّ الحياة َ سُبَاتٌسينقضي بالمنايا
وما الرُّؤى فيهِ إلاَّ آمالُنَا، والخَطايا
فإن تيقّظَ كانتْبين الجفون بقايا
كلُّ البلايا…جميعاًتفْنى ويحْيا السلامْ
والذلُّ سبُّهُ عارٍلا يرتضيهِ الكِرامْ
الفجر يسطع بعد الدُّجى ، ويأتي الضِّياءْ
ويرقُدُ اللَّيْلُ قَسْراًعلى مِهَادِ العَفَاءْ
وللشّعوب حياة ٌحِينا وحِينا فَنَاءْ
واليأْسُ موتٌ ولكنْموتٌ يثيرُ الشّقاءْ
والجِدُّ للشَّعْبِ روحٌتُوحِي إليهِ الهَناءْ
فإن تولَّتْ تصدَّتحَيَاتُهُ لِلبَلاءْ
شعر أبو القاسم الشابي

قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا

قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا يا مديرَ الكؤوس فاصرفْ كؤوسَكْ
واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ وَخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ
مالنا والكؤوس، نطلبُ منها نشوة ً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ!
خَلِّنا منكَ، فَالرّبيعُ لنا ساقٍ وهذا الفضاءُ كاسٌ وخمرُ!
نحن نحيا كالطّيرِ، في الأفُق السَّاجي وكالنَّحْلِ، فوق غضِّ الزُّهُورِ
لا ترى غيرَ فتنة ِ العالم الحيِّ وأحلامِ قلبها المسحورِ…
نحن نلهو تحتَ الظلالِ، كطفلينِ سعيدين، في غُرورِ الطُّفولة ْ
وعلى الصخرة ِ الجميلة ِ في الوادي وبين المخاوفِ المجْهولَهْ
نحن نغدو بين المروج ونُمسى ونغنِّي مع النسيم المعنِّي
ونناجي روحَ الطبيعة ِ في الكون ونُصغي لِقَلْبها المتغنّي
نحنُ مثلُ الرَبيعِ: نمشي على أرضٍ مِنَ الزَّهرِ، والرُّؤى ، والخَيالِ
فوقَها يرقصُ الغرامُ، ويلهو ويغنّي، في نشوة ٍ ودلالِ
نحن نحيا في جَنَّة ٍ مِنْ جِنَانِ السِّحْرِ في عالمٍ بعيدٍ…،بعيدِ…،
نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ، نتلو سُوِرِ الحُبِّ للشَّبابِ السّعيدِ
قد تركنا الوُجودَ للنَّاس، ـضُوا عليه الحياة َ كيفَ أرادُوا
وذهبنا بِلبِّه، وَهْوَ رُوحٌ وَتَركنا القُشُورَ، وَهْيَ جَمادُ
قد سِكْرنا بحبّنا، واكتَفْينا طفَحَ الكأسُ، فاذهَبُوا يا سُقاة ُ
نحن نحيا فلا نريدُ مزيداً حَسْبُنا ما مَنَحْتِنَا يا حَياة ُ
حَسْبُنا زهرُنَا الَّذي نَتَنَشَّى حَسْبُنا كأسُنا التي نترشّفْ
إنَّ في ثغرِنا رحيقاً سماويَّا وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ
أيُّها الدَّهْرُ، أيُّها الزَّمَنُ الجاري إلى غيرِ وُجهة ٍ وقرارِ!
أيُّها الكونُ! أيّها القَدَرُ الأَعمى ! قِفُوا حيثُ أنتُمُ! أو فسيرُوا
وَدَعُونا هنا: تُغنِّي لنا الأحْلامُ والحبُّ، والوجودُ، الكبيرُ
وإذا ما أبَيْتُمُ، فاحْمِلُونا ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتْينا
وزهورُ الحياة ، تعبقُ بالعطرِ وبالسِّحْرِ، والصِّبا في يديْنَا

في سكونِ الليل لما

في سكونِ الليل لما عانقَ الكونَ الخشُوع
وَاخْتَفَى صَوْتُ الأَمَانِي خَلْفَ آفَاقِ الهُجُوعْ
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشِيداً رَدَّدَتْهُ الكَائِنَاتْ
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صَا حَ بأعماقِ الحيَاة
يتهَادى بضَجيجٍ في خلاَيا الأودَيهْ
أَمْ هِيَ القُوَّة ُ تَسْعَى بِاعْتِسَافٍ واصْطِخَابْ
صَوْتِهَا رُوحُ العَذَابْ؟»
مِثْلَ جَبَّارِ بَنِي الجِنِّ بأَقْصَى الهَاوِيَة ْ