| خلقنا لنبلغَ شَأوَ الكمالِ | وَنُصبحَ أهلاً لمجدِ الخُلُودْ |
| وتطهرُ أرواحنا في الحياة | بنار الأسى |
| وَنَكْسَبَ من عَثَراتِ الطَّريقِ | قُوى ً، لا تُهُدُّ بدأبِ الصّعود |
| ومجداً، يكون لنا في الخلود | أكاليلَ من رائعاتِ الورود |
ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ
| ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ | وَنِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ |
| فهل لا نَمَلُّ دوامَ البقاء؟ | وهل لا نَوَدُّ كمالا جديد |
| وكيف يكوننَّ هذا “الكمالُ”: | ماذا تراه؟ وكيف الحدود |
| وإنّ جمالَ «الكمال» «الطُّموحُ» | وما دامَ «فكراً» يُرَى من بعيدْ |
| فما سِحْرُهُ إنْ غدا «واقعاً» | يُحَسُّ، وأصبحَ شيئاً شهيدْ؟ |
| وهل ينطفي في النفوس الحنينُ | وتصبحُ أشواقُنا في خُمودْ |
| فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ | |
| إذا لم يَزُل شوْقُها في الخلودِ | فذاكَ لعمري شقاءُ الجدود |
| وحربٌ، ضروسٌ،_ كاقد عهدتُ_ | وَنَصْرٌ، وكسرٌ وهمُّ مديدْ |
| وإن زال عنُها فذاك الفَناءُ | وإن كانَ في عَرَصات الخُلود |
أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي
| أنتَ يا شعرُ، فلذة ٌ من فؤادي | تتغنَّى ، وقطعة ُ من وجودي |
| فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حَنينٍ | أبديِّ إلى صَميم الوجودِ |
| فيكَ مَا في خواطري من بكاءٍ | فيك ما في عواطفي مِنْ نَشيدِ |
| فيكَ ما في مَشَاعري مِنْ وُجومٍ | لا يغنِّي، ومن سرور عهيدِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ | سرمديّ، ومن صباحٍ وليدِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي من نجومٍ | ضاحكاتٍ خلف الغمام الشرودِ |
| فيكَ ما في عَوَالمي من ضَبَابِ | وسراب، ويقظة ، وهجودِ |
| فيكَ ما في طفولتي مِنْ سلامٍ، | وابتسامٍ، وغبطة ٍ، وَسُعودِ |
| فيكَ ما في شبيتي من حنينٍ، | وشجون، وبهجة ، وجمودِ |
| فيك- إن عانق الربيع فؤادي | تتثنَّى سَنَابلي وَوُرُودي |
| ويغنى الصّباحُ أنشودة َ الحب، | على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ |
| ثم أجنى في صيْف أحلاميَ | الساحر ما لذَّ من ثمار الخلودِ |
| فيك يبدو خريفُ نفسي مَلُولاً، | شاحبَ اللون، عاريَ الأملود |
| حَلَّلْته الحَياة ُ بالحَزَنِ الدّا | هُتافُ السَّؤُوم والمُسْتَعيدِ |
| فيك يمشي شتاءُ أيَّاميَ البا | كي، وتُرغي صَوَاعقي وَرُعُودي |
| وتجفُّ الزهورُ في قلبيَ الدا | جي، وَتَهْوي إلى قرارٍ بعيدِ. |
| أنت يا شعرُ-قصة ٌ عن حَياتي | أنت يا شعرُ صورة ٌ من وجودي |
| أنت يا شعر-إن فرحتُ-أغاريدي | وإن غنَّت الكآبة -عودي |
| أنت ياشعرُ كأسُ خمرٍ عجيبٍ | أتلَّهى به خلال اللحودِ.. |
| أتحسَّاهُ في الصَّباحِ، لأنسى | ما تقضَّى في أمسيَ المفقودِ |
| وأناجيه في المساءِ، لِيُلْهِيَني | |
| أنتَ ما نِلْتُ من كهوفِ الليالي | وتصفَّحتُ من كتاب الخلودِ |
| فيك ما في الوجودِ مِنْ حَلَكٍ، دا | جٍ، وما فيه من ضياءٍ، بَعيدِ |
| فيك ما في الوجودِ من نَغَمٍ، | حُلْوٍ، وما فيه مِن ضَجيجٍ، شَديدِ |
| فيك ما في الوجودِ مِنْ جَبَلٍ، | وعْرٍ، وما فيه من حَضِيضٍ، وَهِيدِ |
| فيك ما في الوجودِ من حَسَكٍ، | يُدْمِي، وما فيه من غَضيضِ الورودِ |
يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى
| يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى | وصدَّ الخميسَ المَجْرَ، والأسَدَ الوَرْدَا |
| لِيُدْرِكَ أمجادَ الحُروبِ، وَلَوْ دَرى | حَقِيقَتَها مَا رام مِنْ بيْنها مَجْدا |
| فَما المجدُ في أنْ تُسْكِرَ الأرضَ بالدِّما | وتركَبَ في هيجائها فرَساً نهْدَا |
| ولكنّه في أن تَصُدَّ بهمَّة ٍ | عن العالَمِ المرزوءِ، فيْضَ الأسى صدَّا |
لحن الحياة
| إذا الشعبُ يوما أراد الحياة | فلا بد أن يستجيب القـدر |
| ولا بـد لليـل أن ينجلي | ولا بـد للقيـد أن ينكسـر |
| ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياة | تبخر فــي جوها واندثر |
| فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة | من صفْعـة العــدَم المنتصر |
| كـذلك قـالت ليَ الكائناتُ | وحدثني روحُها المستترْ |
| ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج | وفوق الجبال وتحت الشجرْ |
| إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍ | ركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ |
| ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب | ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ |
| ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ |
| فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب | وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ |
| وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ | وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ |
| وقـالت لـي الأرضُ لمـا سـألت | أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر |
| أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح | ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ |
| وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ | ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ |
| هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة | ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ |
| فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ | ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ |
| ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم | لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ |
| فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا | ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ |
| وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف | مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ |
| ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم | وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ |
| سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ | لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر |
| فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلام | ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ |
| وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍ | مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ |
| يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـاب | شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ |
| فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِ | وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ |
| وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُ | وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ |
| وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــا | وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ |
| وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ | ويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ |
| ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ | تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ |
| وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ | ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ |
| وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍ | وأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ |
| معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِ | وتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ |
| لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ | وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ |
| وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ | وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ |
| ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ | وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ |
| وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً | مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ |
| تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ | وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر |
| وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق | ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر |
| وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ | وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر |
| ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ | ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ |
| ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ | يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ |
| ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ | وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ |
| ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ | وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر |
| هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ | وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ |
| ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا | حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ |
| فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا | وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ |
| وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه | وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ |
| وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ | تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ |
| وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ | وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ |
| وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي | شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ |
| ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه | يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ |
| إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ | إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ |
| إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ! | إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ |
| فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِ | بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ |
| ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَ | ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ |
| ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها | وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ |
| وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ | يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ |
| ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ | يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ |
| وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ | وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ |
| ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـال | بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ |
| ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ | سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ |
| وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَ | لهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ |
| إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ | فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر |
يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ
| يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ | هذا الوجودَ، ومِنْ أعدائها القَدَرُ؟ |
| ترضى وَتَسْكُتُ؟ هذا غيرُ محتَمَلٍ! | إذاً، فهل ترفضُ الدنيا، وتنتحرُ؟ |
| وذا جنونٌ، لَعَمْري، كلُّه جَزَعٌ | باكٍ، ورأيٌ مريضٌ، كُلُّه خَوَرُ! |
| فإنما الموتُ ضَرْبٌ من حَبائِله | لا يُفلتُ الخلقُ ما عاشوا، فما النَّظرُ؟ |
| هذا هو اللّغْزُ، عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ | على الخليقة ِ، وحْشٌ، فاتكٌ حذِرُ |
| قد كَبَّلَ القدرُ الضّاري فرائسَه | فما استطاعُو له دفْعاً، ولا حَزَروا |
| وخاطَ أعينَهم، كي لا تُشَاهِدَهُ | عينٌ، فتعلمَ ما يأتي وما يذرُ |
| وَحَاطَهُمْ بفنونٍ من حَبَائِلِهِ | فما لَهُمْ أبداً مِنْ بطشِه وَزرُ |
| لا الموتُ يُنقذُهم من هَوْل صولَتهِ | ولا الحياة ُ، تَسَاوَى النّاسُ والحَجَرُ! |
| حَارَ المساكينُ، وارتاعُوا، وأَعْجَزَهم | أن يحذروهُ، وهَلْ يُجْديهمُ الحذرُ |
| وَهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدة ٍ | منَ الخطوب، وكونٍ كلَّه خَطرُ؟ |
| وكيف يحذرُ أعمَى ، مُدْلِجٌ، تَعِبٌ | هولَ الظَّلامِ، ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ؟ |
| قد أيقنوا أنه لا شيءَ يُنقذهُم | فاستسلموا لِسُكُونِ الرُّعْبِ، وانتظروا.. |
| ولو رأوه لسَارتْ كي تحارِبَه | مِنَ الورى زُمَرٌ، في إثرِهَا زُمَرُ |
| وثارت الجنّ، والأملاك ناقمة ً | والبحرُ، والبَرُّ، والأفلاكُ، والعُصُر |
| لكنه قوَّة ٌ تُملي إرادتها | سِرَّا، فَنَعْنو لها قهراً، ونأتمرُ |
| حقيقة مُرَّة ، يا ليلُ، مُبْغَضَة ٌ | كالموت، لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ |
| تَنَهَّدَ اللَّيْلُ، حتَّى قلتُ: «قد نُثِرَتْ | تلك النجومُ، ومات الجنُّ والبشرُ |
| وَعَاد للصّمتِ..، يُصغي في كآبته | كالفيلسوف-إلى الدنيا، ويفتكرُ.. |
| وقَهْقَهَ القَدرُ الجبّارُ، سخرية ً | بالكائنات. تَضَاحَكْ أيّها القدرُ! |
| تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ، باكية ً | طوائفُ الخلق، والأشكالُ والصورُ |
| وأنتَ فوقَ الأسى والموت، مبتسمٌ | ترنو إلى الكون، يُبْنَى ، ثمّ يندَثِرُ |