قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا | يا مديرَ الكؤوس فاصرفْ كؤوسَكْ |
واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ | وَخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ |
مالنا والكؤوس، نطلبُ منها | نشوة ً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ! |
خَلِّنا منكَ، فَالرّبيعُ لنا ساقٍ | وهذا الفضاءُ كاسٌ وخمرُ! |
نحن نحيا كالطّيرِ، في الأفُق السَّاجي | وكالنَّحْلِ، فوق غضِّ الزُّهُورِ |
لا ترى غيرَ فتنة ِ العالم الحيِّ | وأحلامِ قلبها المسحورِ… |
نحن نلهو تحتَ الظلالِ، كطفلينِ | سعيدين، في غُرورِ الطُّفولة ْ |
وعلى الصخرة ِ الجميلة ِ في الوادي | وبين المخاوفِ المجْهولَهْ |
نحن نغدو بين المروج ونُمسى | ونغنِّي مع النسيم المعنِّي |
ونناجي روحَ الطبيعة ِ في الكون | ونُصغي لِقَلْبها المتغنّي |
نحنُ مثلُ الرَبيعِ: نمشي على أرضٍ | مِنَ الزَّهرِ، والرُّؤى ، والخَيالِ |
فوقَها يرقصُ الغرامُ، ويلهو | ويغنّي، في نشوة ٍ ودلالِ |
نحن نحيا في جَنَّة ٍ مِنْ جِنَانِ السِّحْرِ | في عالمٍ بعيدٍ…،بعيدِ…، |
نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ، نتلو | سُوِرِ الحُبِّ للشَّبابِ السّعيدِ |
قد تركنا الوُجودَ للنَّاس، | ـضُوا عليه الحياة َ كيفَ أرادُوا |
وذهبنا بِلبِّه، وَهْوَ رُوحٌ | وَتَركنا القُشُورَ، وَهْيَ جَمادُ |
قد سِكْرنا بحبّنا، واكتَفْينا | طفَحَ الكأسُ، فاذهَبُوا يا سُقاة ُ |
نحن نحيا فلا نريدُ مزيداً | حَسْبُنا ما مَنَحْتِنَا يا حَياة ُ |
حَسْبُنا زهرُنَا الَّذي نَتَنَشَّى | حَسْبُنا كأسُنا التي نترشّفْ |
إنَّ في ثغرِنا رحيقاً سماويَّا | وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ |
أيُّها الدَّهْرُ، أيُّها الزَّمَنُ الجاري | إلى غيرِ وُجهة ٍ وقرارِ! |
أيُّها الكونُ! أيّها القَدَرُ الأَعمى ! | قِفُوا حيثُ أنتُمُ! أو فسيرُوا |
وَدَعُونا هنا: تُغنِّي لنا الأحْلامُ | والحبُّ، والوجودُ، الكبيرُ |
وإذا ما أبَيْتُمُ، فاحْمِلُونا | ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتْينا |
وزهورُ الحياة ، تعبقُ بالعطرِ | وبالسِّحْرِ، والصِّبا في يديْنَا |
في سكونِ الليل لما
في سكونِ الليل لما | عانقَ الكونَ الخشُوع |
وَاخْتَفَى صَوْتُ الأَمَانِي | خَلْفَ آفَاقِ الهُجُوعْ |
رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشِيداً | رَدَّدَتْهُ الكَائِنَاتْ |
مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صَا | حَ بأعماقِ الحيَاة |
يتهَادى بضَجيجٍ | في خلاَيا الأودَيهْ |
أَمْ هِيَ القُوَّة ُ تَسْعَى | بِاعْتِسَافٍ واصْطِخَابْ |
صَوْتِهَا رُوحُ العَذَابْ؟» | |
مِثْلَ جَبَّارِ بَنِي الجِنِّ بأَقْصَى الهَاوِيَة ْ |
يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ
يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ | مُدْبجٌ، تائهٌ. فأين شروقُكْ؟ |
ضَائعٌ، ظامىء ٌ، ف | َأَيْنَ رَحِيقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! قد وَجَمَ النَّايُ | وغام الفضا. فأين بروقُكْ؟ |
يا صميمَ الحياة ِ! إنّي فؤادٌ | فتحت النجومُ يُصغِي مَشوقُكْ |
كُنْتُ في فجركَ، الموشَّحِ بالأحلامِ، عِطْراً، يَرِفُّ فَوْقَ وُرودِكْ | |
حالماً، ينهل الضياءَ، ويُصغي | لكَ، في نشوة ٍ بوحي نَشِيدِكْ |
ثمَّ جاءَ الدّجى ..، فَأمسيتُ أوراقاً، بداداً، من ذابلاتِ الورودِ | |
بين هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ | |
كنتُ في فجرك المغلَّف بالسِّحرِ، | فضاءَ من النّشيد الهادي |
وسحاباً من الرَّؤى ، يتهادى | في ضميرِ الآزال والآبادِ |
يا صميمَ الحياة ! كم أنا في الدُّنيا غَريبٌ أشقى بغُرْبَة ِ نفسي | |
بين قومٍ، لا يفهمونَ أناشيدَ فؤادي، ولا معاني بؤسي | |
فاحتضِنِّي، وضُمَّني لك- كالماضي- فهذا الوجودُ علَّة ُ يأسي | |
وأمانيَّ، يُغرق الدمعُ أحلاها،ويُفنى يمُّ الزّمان صداها | |
وأناشيدَ، يأكُلُ اللَّهَبُ الدّامي مَسَرَّاتِها، ويُبْقِي أَساها | |
وَوُروداً، تموت في قبضة ِ الأشْواكِ ما هذه الحياة ُ المملَّة ْ؟ | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! | |
سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ | وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ |
ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! |
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ
أراكِ، فَتَحْلُو لَدَيّ الحياة ُ | ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأملْ |
وتنمو بصدرِي ورُودٌ، عِذابٌ | وتحنو على قلبيَ المشتعِلْ |
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحياة ِ | وذاك الشّبابُ، الوديعُ، الثَّمِلْ |
ويفتنُني سِحْرُ تلك الشِّفاهِ | ترفرفُ منْ حولهنّ القُبَلْ |
فأعبُدُ فيكِ جمالَ السّماء، | ورقَة َ وَرْدِ الرَّبيعِ، الخضِلْ |
وطُهْرَ الثلوج، وسِحْرَ المروج | مُوَشَّحَة ً بشعاعِ الطَّفَلْ |
أراكِ، فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً | كأنّيَ لم أَبْلُ حربَ الوجودْ |
ولم أحتمِلْ فيه عِبثاً، ثقيلاً | من الذِّكْريَاتِ التي لا تَبيدْ |
وأضغاثِ أيّاميَ، الغابراتِ | وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ |
ويْغْمُرُ روحِي ضياءٌ، رفيقٌ | تُكَلّلهُ رَائعاتُ الورودْ |
وتُسْمُعُني هَاتِهِ الكَائِنَاتُ | رقيقَ الأغاني، وحُلْوَ النشيدْ |
وترقصُ حولِي أمانٍ، طِرابٌ | وأفراحُ عُمْرِ خَلِيٍّ، سَعيدْ |
كأنِّيَ أصبَحْتُ فوقَ البَشَرْ | وتهتزُّ مثْلَ اهتزازِ الوتَرْ |
أناملَ، لُدْناً، كرَطْب الزَّهَرْ | |
فتخطو أناشيدُ قلبيَ، سكْرَى | تغرِّدُ، تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ |
وتملأَني نَشْوة ٌ، لا تُحَدُّ | |
أوَدُّ بروحي عناقَ الوجودِ | بما فيه من أنفسٍ، أو شجرْ |
وليلٍ يفرُّ، وفجرٍ يكرُّ | وغَيْمٍ، يُوَشِّي رداءَ السحرْ |
لو كانت الأيام في قبضتي
لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
كان قلبي فجر ونجوم
كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، | وبحارٌ لا تُغَشّيها الغيومْ |
وأناشيدٌ، وأطيارٌ تَحُومْ | وَرَبيعٌ، مُشْرِقٌ، حُلْوٌ، جَميلْ |
كانَ في قلبي صباحٌ، وإياهْ، | وابتِسَامَاتٌ ولكنْ… واأسَاهْ |
آه! ما أهولَ إعْصَارَ الحياة | آه! ما أشقى قُلُوبَ النّاسِ! آه |
كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ، | |
فإذا الكلُّ ظلامٌ، وسديمْ..، | |
كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ | |
يا بني أمِّي! تُرى أينَ الصّباح | قد تقضَّى العُمْرُ، والفجْرُ بعيدْ |
وَطَغى الوادي بِمَشْبُوبِ النواح | وانقَضَتْ أنشودة ُ الفَصْل السَّعيدْ |
أين نايي؟ هل ترامتْه الرياح | أين غابي؟ أين محرابُ السُّجُودْ.. |
خبِّروا قلبي. فما أقسى الجراحْ | كيف طارتْ نشوة ُ العيشِ الحَميد |
يا بني أمِّي! تُرى أين الصَّباح | |
أوراءَ البحر؟ أم خلفَ الوُجود | |
يا بني أمي؟ ترى أينَ الصباح | |
ليت شعري! هل سَتُسَلِيني الغَداة ْ | وتعزِّيني عن الأمسِ الفَقِيدْ |
وتُريني أن أفراحَ الحياة | زُمَرٌ تمضي، وأفواجٌ تعود |
فإذا قلبي صياح، وإيّاه.. | وإذا أحلاميَ الأولى وَرُودْ.. |
وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغماتْ.. | وإذا الغَابُ ضِيَاءٌ وَنَشِيدْ.. |
أم ستنساني، وتُبْقيني وحيد؟ | |
ليتَ شِعْري! هل تُعَزِّيني الغَدَاة ْ |