راعها منهُ صَمتُه ووجُومُه

راعها منهُ صَمتُه ووجُومُه وشجاها شكوبهُ وسُهُومهُ
فأمَرَّتْ كفَّا على شَعْره العا ري برفقٍ، كأنَّها ستُنِيمُهْ
وأطلّتْ بوجهها الباسمِ الحلْـ ـوِ على خدِّه وقالتْ تَلُومُهْ:
“أيّها الطائرُ الكئيب تَغَرَّد إنّ شَدْوَ الطُّيورِ حلوٌ رَخِيمُهْ»
وأجبني- فدتكَ نفسي- ماذا؟ أَمُصَابٌ؟ أَمْ ذاك أمرٌ ترومُهْ؟»
«بل هو الفنُّ واكتئابُه، والفنَّـ جمٌّ أحزانهُ وهمومُهُ
«أبداً يحملُ الوجودَ بما فيـ ـه كأنْ ليسَ للوجودِ زعيمُهْ:»
خلِّ عبءَ الحياة عنك، وهيَّا بمحيّاً، كالصّبح، طلْقٍ أديمُه
«فَكثيرٌ عليكَ أن تحْمل الدّنـ ـيا وتمشي بِوقْرِها لا تَريمُهْ»
«والوجودُ العظيم أُقْعِدَ في الما ضي وما أنتَ رَبُّهُ فَتُقِيمُهْ»
وامشِ في روضة ِ الشباب طروباً فحواليكَ وَرْدُهُ وَكُرومُهْ»
«واتلُ للحُبِّ والحياة ِ أغانيـ ـكَ وَخلِّ الشَّقاءَ تدمَى كُلُومُهْ»
واحتضنَّي، فإنني لكَ، حتّى يتوارى هذا الدُّجَى ونجومُهْ»
ودعِ الحُبّ يُنشدُ الشعر لِلّيل.، فكم يُسكر الظلامَ رنيمهُ…
واقطفِ الورد من خدودي، وجيـ وَنُهودي..، وافْعَلْ بِهِ ما تَرُومُهْ»
إنِ للبيت لهوة َ، الناعمَ الحلوَ، وللكونِ حربُه وهمومُهُ
والاتشفْ من فمي الأناشيدَ شكرى َ، فالهوى ساحرُ الدلالِ، وسَيمُه
وانسَ فَيَّ الحياة َ..، فالعمرُ قفرٌ مرعبٌ، إنْ ذوى وجفَّ نعيمَه
وارمِ لِلّيل، والضّبابِ، بعيداً فَنَّكَ العَابسَ، الكثيرَ وُجومهْ»
فالهوى ، والشبابُ، والمرحُ، المعـ ـسولُ تشدو أفنانُهُ ونسيمهُ
«هي فنُّ الحياة ، يا شاعري الفنّا بل لُبُّ فنّها وصميمهُ
«تلك يا فيلسوفُ، فلسفة ُ الكوْ ن، ووَحيُ الوجودِ هذا قديمهُ
وهي إنجيليَ الجميلُ، فصدُّقه ـه وإلاّ..، فلِلغرامِ جَحِيمُهْ..»
فرماها بنظرة ٍ، غشيتُها سَكْرة ُ الحبِّ، والأسى وغيومُهْ
وتلاهى ببسمة ٍ، رشفتها منهُ سَكْرَانة ُ الشَّبابِ، رؤومُهْ
والتقتْ عندها الشفّاهُ..، وغنَّت قُبلٌ أجفلت لديها همومه
مَا تريدُ الهُمومُ من عالَمٍ، ضَا مسراتهُّ، وغنّت نجومه؟
ليلة ٌ أسبلَ الغرامُ عليها سحرهُ، الناعمة الطريرَ نعيمَهُ
وتغنَّى في ظلها الفرحُ اللاهي هي فَجَفَّ الأسى وَخَرّ هَشِيمُهْ
أَغْرَقَ الفيلسوفُ فلسفة َ الأحـ ـزان في بحرها..، فَمَنْ ذا يلومُهْ
إنَّ في المرأة ِ الجميلة ِ سِحْراً عبقريَّاً، يذكي الأسى ، وينيمهُ

تسائلني مالي سكت ولا أهب

تُسائلني مالي سكتُّ ولا أُهِبْبقومي وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ
وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ متدفّعٌعضوبٌ وجه الدّهر أربدُ أقتمُ
سَكَتُّ وقد كانت قناتيَ غضَّة ًتصيحُ إلى همس النسَّيم وتحلمُ
وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ًفجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ
وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطريكما جاش صخَّابُ الأواذيِّ، أسْحَمُ
أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاًًعلى حَسَكِ الآلم يغمرهُ الدَّمُ
وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ باسماًيهبُّ إلى الجلَّى ولا يَتَبَرّمُ
فيا إيها الظلمُ المصَّعرُ حدَّهيرويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ
سيثارُ للعز المحطَّم تاجهرجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ
رجالٌ يرون الذَُلَّ عاراً وسبَّة ًولا يرهبون الموت والموتُ مقدمُ
وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة ٌتصدَّع أغلالَ الهوانِ وتَحطِمُ
شعر أبو القاسم الشابي

ترجو السعادة يا قلبي ولو وجدت

تَرجُو السَّعادة َ يا قلبي ولو وُجِدَتْ في الكون لم يشتعلْ حُزنٌ ولا أَلَمُ
ولا استحالت حياة ُ الناس أجمعها وزُلزلتْ هاتِهِ الأكوانُ والنُّظمُ
فما السَّعادة في الدُّنيا سوى حُلُمٍ ناءٍ تُضَحِّي له أيَّامَهَا الأُمَمُ
ناجت به النّاسَ أوهامٌ معربدة ٌ لمَّا تغَشَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ والظُّلَمُ
فَهَبَّ كلٌ يُناديهِ وينْشُدُهُ كأنّما النَّاسُ ما ناموا ولا حلُمُوا
خُذِ الحياة َ كما جاءتكَ مبتسماً في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العدمُ
وارقصْ على الوَرِد والأشواكِ متَّئِداً غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّت لكَ الرُّجُمُ
وأعمى كما تأمرُ الدنيّا بلا مضضٍ والجم شعورك فيها، إنها صنمُ
فمن تآلّم لن ترحم مضاضتهُ وَمَنْ تجلّدَ لم تَهْزأ به القمَمُ
هذي سعادة ُ دنيانا، فكن رجلاً ـ إن شئْتَها ـ أَبَدَ الآباد يَبْتَسِمُ!
وإن أردت قضاء العيشِ في دعَة ٍ شعريّة ٍ لا يغشّي صفوها ندمُ
فاتركْ إلى النّاس دنياهمْ وضجَّتهُمْ وما بنوا لِنِظامِ العيشِ أو رَسَموا
واجعلْ حياتكَ دوحاً مُزْهراً نَضِراً في عُزْلَة ِ الغابِ ينمو ثُمّ ينعدمُ
واجعل لياليك أحلاماً مُغَرِّدة ً إنَّ الحياة َ وما تدوي به حُلُمُ

يقولون صوت المستذلين خافت

يَقُولونَ: «صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ وسمعَ طغاة الأرض “أطرشُ” أضخم
وفي صَيْحَة ِ الشَّعْبِ المُسَخَّر زَعْزَعٌ تَخُرُّ لَهَا شُمُّ العُرُوشِ، وَتُهْدَمُ
ولعلة ُ الحقّ الغضوضِ لها صدى ً وَدَمْدَمَة ُ الحَربِ الضَّروسِ لَهَا فمُ
إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ
لَكَ الوَيْلُ يَا صَرْحَ المَظَالمِ مِنْ غَدٍ إذا نهضَ المستضعفونَ، وصمّموا!
إذا حَطَّمَ المُسْتَعبِدُونَ قيودَهُمْ وصبُّوا حميمَ السُّخط أيَّان تعلمُ..!
أغَرّك أنَّ الشَّعْبَ مُغْضٍ عَلَى قَذًى وأنّ الفضاءَ الرَّحبَ وسنانُ، مُظلمُ؟
ألاّ إنَّ أحلام البلادِ دفينة ٌ تُجَمْجِمُ فِي أعْماقِهَا مَا تُجَمْجِمُ
ولكن سيأتي بعد لأي نشورها وينبث اليومُ الذي يترنَّمُ
هُوَ الحقُّ يَغْفَى .. ثُمَّ يَنْهَضُ سَاخِطاً فيهدمُ ما شادَ الظلاّمُ، ويحطمُ
غدا الرّوعِ، إن هبَّ الضعيف ببأسه، ستعلم من منّا سيجرفه الدمُّ
إلى حيث تجنى كفَّهُ بذرَ أمسهِ وَمُزْدَرعُ الأَوْجَاع لا بُدَّ يَنْدَمُ
ستجرعُ أوصابَ الحياة ، وتنتشي فَتُصْغِي إلى الحَقِّ الذي يَتَكَلَّمُ
إذا ما سقاك الدهرُ من كأسِهِ التي قُرَارَتُها صَابٌ مَرِيرٌ، وَعَلْقَمُ
إذا صعق الجبّارُ تحتَ قيوده يُصِيخُ لأوجاعِ الحَياة ِ وَيَفْهَمُ!!

يا قلب كم فيك من دنيا محجبة

يا قلبُ كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍكأنَّها حين يبدو فجرُها إرَمُ
يا قلبُ كم فيكَ من كونٍ، قد اتقدَتْفيه الشُّموسُ وعاشتْ فَوقُه الأممُ
يا قلبُ كمْ فيكَ من أفقٍ تُنَمِّقْهُكواكبٌ تتجلَّى ثُمَّ تَنعِدمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ من قبرٍ، قد انطفَأَتْفيهالحياة ُ وضجَّت تحتُه الرِّمَمُ
يا قلبُ كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبَجَسَتْمنه الجداولُ تجري مالها لُجُمُ
تمشي فتحملُ غُصناً مُزْهِراً نَضِراًأو وَرْدَة ً لمْ تشَوِّهْ حُسنَها قَدَمُ
أو نَحْلة ً جرَّها التَّيارُ مُندَفِعاًإلى البحارِ تُغنّي فوقها الدِّيَمُ
أو طائراً ساحراً مَيتْاً قد انفجرتْفي مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جَمَّة ٌ وَدَمُ
يا قلبُ إنَّك كونٌ، مُدهِشٌ عَجَبٌإنْ يُسألِ الناسُ عن آفاقه يَجِمُوا
كأنَّكَ الأبدُ المجهولُ قد عَجَزَتْعنكَ النُّهَى ، واكْفَهَرَّتْ حَوْلَكَ الظُّلَمُ
يا قلبُ كمْ من مسرَّاتٍ وأخْيِلة ِولذَّة ٍ، يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ
غَنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً، فَرِحاًنَشْوَانَ ثم توارتْ، وانقضَى النَّغمْ
وكم رأي لَيْلُك الأشباحَ هائمة ًمذعورة ً تتهاوى حولها الرُّجُمُ
ورَفْرَفَ الألمُ الدَّامِي، بأجنحة ٍمِنَ اللَّهيبِ، وأنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ
وكمْ مُشَتْ فوقكَ الدُّنيا بأجمعهاحتَّى توارتْ، وسار الموتُ والعدمُ
وشيَّدتْ حولك الأيامُ أبنية ًمِنَ الأناشيدِ تُبْنَى ، ثُمّ تَنْهدمُ
تمضي الحياة ُ بما ضيها،وحاضِرهاوتذْهَبُ الشمسُ والشُّطآنُ والقممُ
وأنتَ، أنتَ الخِضمُّ الرَّحْبُ، لا فَرَحٌيَبْقَى على سطحكَ الطَّاغي، ولا ألمُ
يا قلبُ كم قد تملَّيتَ الحياة َ، وككمْرقَّيتَها مَرَحاً، ما مَسَّك السَأمُ
وكمْ توشَّحتَ منليلٍ، ومن شَفَقٍومن صباحٍ تُوَشِّي ذَيْلَهُ السُّدُمُ
وكم نسجْتَ من الأحلام أردية ًقد مزَّقّتْها الليالي، وهيَ تَبْتَسِمُ
وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مُوَرَّدة ًطارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ
وَكَمْ رسمتَ رسوماً، لا تُشابِهُهَاهذي العَوَالمُ، والأحلامُ، والنُّظُمُ
كأنها ظُلَلُ الفِردَوْسِ، حافِلة ًبالحورِ، ثم تلاشَتْ، واختفى الحُلُمُ
تبلُو الحياة َ فتبلِيها وتخلَعُهاوتستجدُّ حياة ً، ما لها قِدمُ
وأنت أنتَ: شبابٌ خالدٌ، نضِرٌمِثلُ الطَّبيعة ِ لا شَيْبٌ ولا هرَمُ
قصيدة أبو القاسم الشابي