أنا كئيب

أَنَا كَئِيب – أَنَا غَريبْ
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَاغَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَةمَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ
لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَهابمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ
سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَاأَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَل
سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُهاصَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل
سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةًكَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ
سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُهاشوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها
ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْمِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها
كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتىمرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَد
أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَترُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ
أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ
وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْيحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ
كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْروحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ
كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَتمَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ
لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِهافي يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ
كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌتحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ
سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَاويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ
كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتىمرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ
أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْرُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ
قصيدة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

أقبل الصبح يغني

أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي – للحياةِ النَّاعِسَة
والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ – الغُصونِ المائِسَة
والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ – الزُّهورِ اليابسَة
وتَهادى النُّورَ في – تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَة
أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً – يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ
فتَمَطَّى الزَّهرُ والطَّيْرُ – وأَمواجُ المياهْ
قَدْ أَفاقَ العالم الحيُّ – وغَنَّى للحياة
فأَفيقي يا خِرافي – وهَلُمِّي يا شِياهْ
واتبعِيني يا شِياهي – بَيْنَ أَسرابِ الطُّيورْ
واملإِي الوادي ثُغاءً – ومِراحاً وحُبُورْ
واسمعي هَمْسَ السَّواقي – وانشقي عِطْرَ الزُّهُورْ
وانظري الوادي يُغَشِّيهِ – الضَّبابُ المُسْتَنيرْ
واقطُفي من كلإِ الأَرضِ – ومَرعاها الجَديدْ
واسمعي شبَّابتي تَشْدُو – بمعسولِ النَّشيدْ
نَغَمٌ يَصْعَدُ مِنْ قلبي – كأَنفاسِ الوُرودْ
ثمَّ يَسْمو طائراً كالبلبلِ – الشَّادي السَّعيدْ
وإذا جئْنا إلى الغابِ – وغطَّانا الشَّجَرْ
فاقطُفي مَا شئْتِ مِنْ عُشْبٍ – وزهرٍ وثَمَرْ
أرضَعَتْهُ الشَّمسُ بالضَّوءِ – وغذَّاهُ القَمَرْ
وارتَوَى مِنْ قَطَراتِ الظَّلِ – في وقتِ السَّحَرْ
وامْرَحي مَا شئتِ في الوديانِ – أَو فَوْقَ التِّلالْ
واربضي في ظلِّها الوارِفِ – إنْ خِفْتِ الكَلالْ
وامْضَغي الأَعشابَ والأَفكارَ – في صَمْتِ الظِّلالْ
واسمعي الرِّيحَ تُغَنِّي – في شَمَاريخِ الجِبَالْ
إنَّ في الغابِ أَزاهيراً – وأَعشاباً عِذابْ
يُنشِدُ النَّحْلُ حوالَيْها – أَهازيجاً طِرابْ
لمْ تُدَنِّسْ عِطرها الطَّاهر – أَنفاسَ الذِّئابْ
لا ولا طافَ بها الثَّعْلَبُ – في بعضِ الصِّحابْ
وشذاً حلواً وسِحْراً – وسَلاماً وظِلالْ
ونَسيماً ساحرَ الخطوَة – مَوْفُورَ الدَّلالْ
وغُصوناً يرقُصُ النُّور – عليها والجَمالْ
واخضراراً أَبديًّا – لَيْسَ تَمحوهُ اللَّيالْ
لن تَملِّي يا خِرافي – في حِمى الغابِ الظَّليلْ
فزَمَانُ الغابِ طفلٌ لاعب – عَذْبٌ جميلْ
وزمانُ النَّاسِ شَيْخ – عابِسُ الوجهِ ثَقيلْ
يتمشَّى في مَلال – فَوْقَ هاتيكَ السُّهولْ
لكِ في الغاباتِ مرعاكِ – ومَسْعاكِ الجميل
وليَ الإِنْشادُ والعَزْفُ – إلى وَقْتِ الأَصيلْ
فإذا طالتْ ظِلالُ الكَلإ – الغضِّ الضَّئيل
فهلمِّي نُرْجِعِ المَسْعَى – إلى الحيِّ النَّبيل
قصيدة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

خلقت طليقا كطيف النسيم

خُلقتَ طَليقاً كَطَيفِ النَّسيمِ ~ وحُرًّا كَنُورِ الضُّحى في سَمَاهْ
تُغَرِّدُ كالطَّيرِ أَيْنَ اندفعتَ ~ وتشدو بما شاءَ وَحْيُ الإِلهْ
وتَمْرَحُ بَيْنَ وُرودِ الصَّباحِ ~ وتنعَمُ بالنُّورِ أَنَّى تَرَاه
وتَمْشي كما شِئْتَ بَيْنَ المروج ~ وتَقْطُفُ وَرْدَ الرُّبى في رُبَاهْ
كذا صاغكَ اللهُ يا ابنَ الوُجُود ~ وأَلْقَتْكَ في الكونِ هذي الحيَاه
فما لكَ ترضَى بذُلِّ القيود ~ وتَحْني لمنْ كبَّلوكَ الجِبَاه
وتُسْكِتُ في النَّفسِ صوتَ الحَيَاة ~ القويَّ إِذا مَا تغنَّى صَدَاه
وتُطْبِقُ أَجْفانَكَ النَّيِّراتِ عن الفجر ~ والفجرُ عَذْبٌ ضيَاه
وتَقْنَعُ بالعيشِ بَيْنَ الكهوف ~ فأَينَ النَّشيدُ وأينَ الإِيَاه
أَتخشى نشيدَ السَّماءِ الجميلَ ~ أَتَرْهَبُ نورَ الفضَا في ضُحَاه
ألا انهضْ وسِرْ في سبيلِ الحَيَاة ~ فمنْ نامَ لم تَنْتَظِرْهُ الحَيَاه
ولا تخشى ممَّا وراءَ التِّلاع ~ فما ثَمَّ إلاَّ الضُّحى في صِبَاه
وإلاَّ رَبيعُ الوُجُودِ الغرير ~ يطرِّزُ بالوردِ ضافي رِدَاه
وإلاَّ أَريجُ الزُّهُورِ الصُّبَاح ~ ورقصُ الأَشعَّةِ بَيْنَ الميَاه
وإلاَّ حَمَامُ المروجِ الأَنيق ~ يغرِّدُ منطلِقاً في غِنَاه
إلى النُّورِ فالنُّورُ عذْبٌ جميل ~ إلى النُّورِ فالنُّورُ ظِلُّ الإِله
قصيدة رائعة لشاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

مرح الطفولة

إنا لفي زمن الطفولة والبراءة والطهور
نحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور
إذ نحن لم نعرف من الدنيا سوى مرح السرور
وبناء اكواخ الطفولة تحت اعشاش الطيور
مسقوفة بالورد والاعشاب والورق النضير
نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور
ونعود نضحك للمروج والزنابق والغدير
ونخاطب الاصداء وهي ترف في الوادي المنير
ونظل نركض خلف اسراب الفراش المستطير
نشدو ونرقص كالبلابل للحياة وللحبور
ونشيد في الأفق المخضب من امانينا قصور
لا نسأم اللهو الجميل وليس يدركنا الفتور
أبيات شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ ~ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها ~ وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ ~ وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ ~ وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحَهُ ~ نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ ~ وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها ~ وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ ~ فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا ~ وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَتْ ~ وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها ~ عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ ~ وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعًا ~ مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها ~ وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ ~ فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ ~ سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ ~ ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ ~ وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ ~ فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ
فَلِلهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ ~ فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ
تَقَطَّعَ ما لا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا ~ وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ ~ كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً ~ وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى ~ إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
ضَمَمتَ جَناحَيهِمْ عَلى القَلبِ ضَمَّةً ~ تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ
بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ ~ وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ
حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها ~ وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما ~ مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ
نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ نَثْرَةً ~ كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ
تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى ~ وَقَد كَثُرَتْ حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها ~ بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ
إِذا زَلِقت مَشَّيتَها بِبِطونِها ~ كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ
أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ ~ قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِم
أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ ~ وَقَد عَرَفَتْ ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ
وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ ~ وَبِالصِهرِ حَمْلاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ
مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبا ~ بِما شَغَلَتها هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمُ ~ عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ
يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ ~ وَلَكِنَّ مَغنومًا نَجا مِنكَ غانِمُ
وَلَستَ مَليكًا هازِمًا لِنَظيرِهِ ~ وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ
تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ ~ وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ ~ فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّيَ ناظِمُ
وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى ~ فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ
عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ ~ إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ
أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَدًا ~ وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ
هَنيئًا لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلا ~ وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ
وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى ~ وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِم
أشهر قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي

أليس الليل يجمعني وليلى

أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وَلَيلى ~ كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني
تَرى وَضَحَ النَهارِ كَما أَراهُ ~ وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني
أشهر قصائد مجنون ليلى الشاعر قيس بن الملوح