إني خيرتك فاختاري
ما بين الموت على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
إختاري الحب.. أو اللاحب
فجبنٌ ألا تختاري
لا توجد منطقةٌ وسطى
ما بين الجنة والنار
إرمي أوراقك كاملةً
وسأرضى عن أي قرار
قولي. إنفعلي. إنفجري
لا تقفي مثل المسمار
لا يمكن أن أبقى أبداً
كالقشة تحت الأمطار
إختاري قدراً بين اثنين
وما أعنفها أقداري
مرهقةٌ أنت.. وخائفةٌ
وطويلٌ جداً.. مشواري
غوصي في البحر.. أو ابتعدي
لا بحرٌ من غير دوار
الحب مواجهةٌ كبرى
إبحارٌ ضد التيار
صلبٌ.. وعذابٌ.. ودموعٌ
ورحيلٌ بين الأقمار
يقتلني جبنك يا امرأةً
تتسلى من خلف ستار
إني لا أؤمن في حبٍ
لا يحمل نزق الثوار
لا يكسر كل الأسوار
لا يضرب مثل الإعصار
آهٍ.. لو حبك يبلعني
يقلعني.. مثل الإعصار
إني خيرتك.. فاختاري
ما بين الموت على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
لا توجد منطقةٌ وسطى
ما بين الجنة والنار
نزار قباني
نزار بن توفيق القباني شاعر و دبلوماسي سوري ولد في دمشق و توفي في لندن عام ١٩٩٨م. مجموعة من قصائد شعر للشاعر نزار قباني.
إغضب
إغضب كما تشاء..
واجرح أحاسيسي كما تشاء
حطم أواني الزهر والمرايا
هدد بحب امرأةٍ سوايا..
فكل ما تفعله سواء..
كل ما تقوله سواء..
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم.. مهما لنا أساؤوا..
إغضب!
فأنت رائعٌ حقاً متى تثور
إغضب!
فلولا الموج ما تكونت بحور..
كن عاصفاً.. كن ممطراً..
فإن قلبي دائماً غفور
إغضب!
فلن أجيب بالتحدي
فأنت طفلٌ عابثٌ..
يملؤه الغرور..
وكيف من صغارها..
تنتقم الطيور؟
إذهب..
إذا يوماً مللت مني..
واتهم الأقدار واتهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمت كبرياء
والحزن كبرياء
إذهب..
إذا أتعبك البقاء..
فالأرض فيها العطر والنساء..
والأعين الخضراء والسوداء
وعندما تريد أن تراني
وعندما تحتاج كالطفل إلى حناني..
فعد إلى قلبي متى تشاء..
فأنت في حياتي الهواء..
وأنت.. عندي الأرض والسماء..
إغضب كما تشاء
واذهب كما تشاء
واذهب.. متى تشاء
لا بد أن تعود ذات يومٍ
وقد عرفت ما هو الوفاء…
إكبري عشرين عاما
إكبري عشرين عاماً.. ثم عودي..
إن هذا الحب لا يرضي ضميري
حاجز العمر خطيرٌ.. وأنا
أتحاشى حاجز العمر الخطير..
نحن عصران.. فلا تستعجلي
القفز، يا زنبقتي، فوق العصور..
أنت في أول سطر في الهوى
وأنا أصبحت في السطر الأخير..
إلا معي
ستذكرين دائماً أصابعي..
لو ألف عام عشت.. يا عزيزتي
ستذكرين دائماً
أصابعي..
فضاجعي من شئت أن تضاجعي..
ومارسي الحب..
على أرصفة الشوارع
نامي مع الحوذي، واللوطي،
والإسكاف.. والمزارع..
نامي مع الملوك، واللصوص،
والنساك في الصوامع..
نامي مع النساء – لا فرق-
مع الريح، مع الزوابع..
فلن تكوني امرأةً..
إلا معي..
إلا معي…
إلى الأمير الدمشقي توفيق قباني
1
مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات..
ومقصوصة ، كجناح أبيك، هي المفردات
فكيف يغني المغني؟
وقد ملأ الدمع كل الدواه..
وماذا سأكتب يا بني؟
وموتك ألغى جميع اللغات..
2
لأي سماء نمد يدينا؟
ولا أحدا في شوارع لندن يبكي علينا..
يهاجمنا الموت من كل صوب..
ويقطعنا مثل صفصافتين
فأذكر، حين أراك، عليا
وتذكر حين تراني ، الحسين
3
أشيلك، يا ولدي ، فوق ظهري
كمئذنة كسرت قطعتين..
وشعرك حقل من القمح تحت المطر..
ورأسك في راحتي وردة دمشقية .. وبقايا قمر
أواجه موتك وحدي..
وأجمع كل ثيابك وحدي
وألثم قمصانك العاطرات..
ورسمك فوق جواز السفر
وأصرخ مثل المجانين وحدي
وكل الوجوه أمامي نحاس
وكل العيون أمامي حجر
فكيف أقاوم سيف الزمان؟
وسيفي انكسر..
4
سأخبركم عن أميري الجميل
سأخبركم عن أميري الجميل
عن الكان مثل المرايا نقاء، ومثل السنابل طولا..
ومثل النخيل..
وكان صديق الخراف الصغيرة، كان صديق العصافير
كان صديق الهديل..
سأخبركم عن بنفسج عينيه..
هل تعرفون زجاج الكنائس؟
هل تعرفون دموع الثريات حين تسيل..
وهل تعرفون نوافير روما؟
وحزن المراكب قبل الرحيل
سأخبركم عنه..
كان كيوسف حسنا.. وكنت أخاف عليه من الذئب
كنت أخاف على شعره الذهبي الطويل
… وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي
وقد صبغته دماء الأصيل
فما حيلتي يا قصيدة عمري؟
إذا كنت أنت جميلا..
وحظي جميلا..
5
لماذا الجرائد تغتالني؟
وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات
أحاول أن لا أصدق موتك، كل التقارير كذب،
وكل كلام الأطباء كذب.
وكل الأكاليل فوق ضريحك كذب..
وكل المدامع والحشرجات..
أحاول أن لا أصدق أن الأمير الخرافي توفيق مات..
وأن الجبين المسافر بين الكواكب مات..
وأن الذي كان يقطف من شجر الشمس مات..
وأن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات..
فموتك يا ولدي نكتة .. وقد يصبح الموت أقسى النكات
6
أحاول أن لا أصدق . ها أنت تعبر جسر الزمالك،
ها أنت تدخل كالرمح نادي الجزيرة، تلقي على الأصدقاء التحيه،
تمرق مثل الشعاع السماوي بين السحاب وبين المطر..
وها هي شفتك القاهرية، هذا سريرك، هذا مكان
جلوسك، ها هي لوحاتك الرائعات..
وأنت أمامي بدشداشة القطن، تصنع شاي الصباح،
وتسقي الزهور على الشرفات..
أحاول أن لا أصدق عيني..
هنا كتب الطب ما زال فيها بقية أنفاسك الطيبات
وها هو ثوب الطبيب المعلق يحلم بالمجد والأمنيات
فيا نخلة العمر .. كيف أصدق أنك ترحل كالأغنيات
وأن شهادتك الجامعية يوما .. ستصبح صك الوفاه!!
7
أتوفيق..
لو كان للموت طفل، لأدرك ما هو موت البنين
ولو كان للموت عقل..
سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين
ولو كان للموت قلب .. تردد في ذبح أولادنا الطيبين.
أتوفيق يا ملكي الملامح.. يا قمري الجبين..
صديقات بيروت منتظرات..
رجوعك يا سيد العشق والعاشقين..
فكيف سأكسر أحلامهن؟
وأغرقهن ببحر الذهول
وماذا أقول لهن حبيبات عمرك، ماذا أقول؟
8
أتوفيق ..
إن جسور الزمالك ترقب كل صباح خطاك
وإن الحمام الدمشقي يحمل تحت جناحيه دفء هواك
فيا قرة العين .. كيف وجدت الحياة هناك؟
فهل ستفكر فينا قليلا؟
وترجع في آخر الصيف حتى نراك..
أتوفيق ..
إني جبان أمام رثائك..
فارحم أباك…
إلى تلميذة
قل لي – ولو كذباً – كلاماً ناعماً
قد كادً يقتلني بك التمثال
مازلت في فن المحبة .. طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبال
لم تستطيعي ، بعد ، أن تتفهمي
أن الرجال جميعهم أطفال
إني لأرفض أن أكون مهرجاً
قزماً .. على كلماته يحتال
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمت في حرم الجمال جمال
كلماتنا في الحب .. تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تقال..
قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها
غيبوبة .. وخرافةٌ .. وخيال
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا ان الوصول محال
هو أن تظل على الأصابع رعشةٌ
وعلى الشفاه المطبقات سؤال
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله .. وغلال..
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً ..
فنموت نحن .. وتزهر الآمال
هو أن نثور لأي شيءٍ تافهٍ
هو يأسنا .. هو شكنا القتال
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونقبل الكف التي تغتال
*
لا تجرحي التمثال في إحساسه
فلكم بكى في صمته .. تمثال
قد يطلع الحجر الصغير براعماً
وتسيل منه جداولٌ وظلال
إني أحبك من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله ليس يطال
حسبي وحسبك .. أن تظلي دائماً
سراً يمزقني .. وليس يقال ..