وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً – كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي |
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ – كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي |
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرقِ – وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي |
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ – جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي |
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ – وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ |
أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ – عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ |
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا – مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ |
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا – مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ |
إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها – صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ |
فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها – كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ |
أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي – لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي |
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً – مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي |
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت – ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي |
إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي – رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي |
وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دانَيتُ – حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي |
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي – مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي |
هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَكبَرِ – يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي |
هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي – أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي |
حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَهدِ – وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ |
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي – مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي |
ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَهرَ – وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي |
قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَونَ – فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ |
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ – مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي |
أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرومانُ – عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ |
وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت – في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي |
وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي – قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ |
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي – فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي |
قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطولي – سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ |
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني – وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي |
أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي – في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي |
أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ – وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ |
أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ الماءَ – صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي |
أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ الأُسدَ – مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي |
نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني – ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ |
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنائي – فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ |
إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي – يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي |
قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ – مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي |
أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ – تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ |
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى – يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي |
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخلاقِ – فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي |
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فارَقَ – قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ |
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَومَ – وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ |
شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ – صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ |
فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَربِ – وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ |
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ – كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ |
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا – كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ |
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ – غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ |
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم – رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ |
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآراءُ – فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي |
وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً – مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي |
وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ – فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي |
وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ – وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي |
فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا – جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ |
إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ – قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ |
غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ – وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ |
وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ – وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ |
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا – فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ |
حافظ إبراهيم
محمد حافظ ابراهيم ولقبه شاعر النيل هو شاعر مصري كبير ولد في اسيوط وتوفي في القاهرة, وايضا يلقب بشاعر الشعب.
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي ~ وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي |
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني ~ عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي |
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي ~ رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي |
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً ~ وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ |
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ~ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ |
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِن ~ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي |
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني ~ وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي |
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني ~ أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي |
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً ~ وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ |
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّنا ~ فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِمات |
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِب ~ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي |
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُم ~ بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتات |
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً ~ يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي |
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُه ~ لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَرات |
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِق ~ حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ |
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً ~ مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ |
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّة ~ فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي |
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ ~ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ |
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى ~ لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ |
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً ~ مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ |
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ ~ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي |
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى ~ وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي |
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ ~ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ |
سما الخطيبان في المعالي
سمَا الخطيبانِ في المعالِي | وجازَ شَأْواهُما السَّماكا |
جالاَ فلمْ يترُكَا مجالاً | و اعْتَرَكَا بالنُّى عِراكَا |
فلَستُ أدري على اختياري | منْ منهُمَا جَلَّ أَنْ يُحاكَى |
فوحْيُ عقْلي يقولُ:هذَا | ووَحيُ قلبي يقولُ: ذاكا |
وَدِدْتُ لوْ كلُّ ذِي غُرورٍ | أمسِى لنعليهِمَا شِراكَا |
حيا بكور الحيا أرباع لبنان
حَيَّا بَكُورُ الحَيا أرباعَ لُبنانِ | وطالَعَ اليُمنُ مَن بالشَّأمِ حَيّاني |
أهلَ الشَّآمِ لقد طَوَّقتُمُ عُنُقي | بِمنَّة ٍ خرجتْ عن طَوْقِ تبيانِي |
قُلْ للكريمِ الذي أَسْدَى إليَّ يدَّاً | أّنَى نَزَحْتَ فأنتَ النازِحَ الدَاني |
ما إِنْ تَقَاضَيْتُ نَفْسِي ذِكْرَ عارِفَة ٍ | هل يَحدثُ الذِّكرُ إلاّ بَعدَ نِسيانِ |
ولا عَتَبتُ على خِلٍّ يَضَنُّ بها | ما دام يَزْهَدُ في شُكْرِي وعِرفاني |
أَقَرَّ عَيْنِيَ أنَّي قُمْتُ أنْشِدُكُمْ | في مَعهَدٍ بحُلى العِرفانِ مُزدانِ |
وشاعَ فيَّ سُرورٌ لا يُعادِلُه | رَدُّ الشَّبابِ إلى شَعْرِي وجُثمانِي |
لي مَوطِنٌ في رُبُوعِ النِّيلِ أعظِمُه | ولِي هُنا في حِماكُمْ مَوْطنٌ ثانِي |
إنِّي رأيتُ على أهْرامِها حُلَلاً | مِن الجَلالِ أراهَا فَوْقَ لبنانِ |
لم يَمحُ منها ولا من حُسنِ جِدَّتها | على التَّعاقُبِ ما يَمحُو الجَديدانِ |
حَسِبتُ نَفسي نَزيلاً بينكم فإذا | أهلي وصَحبي وأحبابي وجيراني |
مِنْ كلِّ أَبْلَجَ سامِي الطَّرْفِ مُضطلِعٍ | بالخَطْبِ مُبْهَجٍ بالضَّيْفِ جَدْلانِ |
يَمشي إلى المَجدِ مُختالاً ومُبتَسِماً | كأنّه حين يَبدُو عُودُ مُرّانِ |
سكنتمْ جنة فيحاء ليس بها | عَيبٌ سوى أنّها في العالَمِ الفاني |
إذا تَأمَّلتَ في صُنعِ الإِله بها | لَم تَلقَ في وَشْيهِ صُنعاً لإنسانِ |
في سَهْلِها وأعاليهَا وسَلْسَلِها | بُرْءُ العليلِ وسَلْوَى العاشِقِ العانِي |
وفي تَضَوُّعِ أنفاسِ الرِّياضِ بها | رَوْحٌ لكلِّ حَزِينِ القَلْبِ أَسْوانِ |
اَنَّى تَخَيَّرْتَ مِنْ لبنان مَنْزِلَة ً | في كلِّ مَنزِلَة ٍ رَوضٌ وعَينانِ |
يا لَيتَني كنتُ من دُنيايَ في دَعَة ٍ | قَلْبي جَميعٌ وأَمْرِي طَوْع وِجْدَانِي |
أقضي المَصِيفَ بلُبنانٍ على شَرَفٍ | ولا أحُولُ عن المَشتى بحُلوانِ |
يا وقفة ً في جبالِ الأرزِ أَنْشُدُها | بينَ الصنوبرِ والشربينِ والبانِ |
تَستِهبِطُ الوَحْيَ نَفسي من سَماوَتها | ويَنثَني مَلَكاً في الشِّعرِ شَيطاني |
عَلِّي أُجاوِدُكُم في القَولِ مُقْتَدِياً | بشاعِرِ الأرزِ في صُنعٍ وإتْقانِ |
لاَ بِدْعَ إنْ أخصبتْ فيها قرائحُكُمْ | فأعجزتْ وأعادتْ عهدَحسَّانِ |
طيبُ الهَواءِ وطِيبُ الرَّوضِ قدْ صَقَلاَ | لَوحَ الخَيالِ فأغراكُم وأغراني |
مَن رامَ أن يَشهَدَ الفِردَوسَ ماثِلة ً | فليَغشَ أحياءَكُم في شهرِ نَيسانِ |
تاهتْ بقبرِصلاحِ الدِّيِنِتُرْبَتُهَا | وتاهَ أحياؤُها تِيهاً بمَطرانِ |
يَبْنِي ويَهْدِمُ في الشَّعْرِ القدِيم وفي | الشِّعر الحدِيثِ فَنعْمَ الهَادِمُ الباني |
إذا لَمَحْتُمْ بشِعْري وَمْضَ بَارِقَة ٍ | فَبَعْضُ إحْسانِه في القَوْلِ إحْسانِي |
رَعياً لشاعِرِكُم، رَعياً لكاتِبِكُم | جَزاهُما اللهُ عَنِّي ما يَقُولانِ |
ارَى رِجالاً مِن الدُّنيا الجَدِيدَة ِ في | الدُّنيا القَدِيمَة ِ تَبْنِي خَيْرَ بُنْيانِ |
قد شيَّدواآية ً بالشَّامِ خالِدَة ً | شَتَّى المَناهلِ تَروي كلَّ ظَمآنِ |
لئِن هَدَوْكُم لقد كانت أوائِلُكُم | تَهْدِي أَوائلَهُمْ أَزمْانَ أَزْمانِ |
لا غَرَو إنْ عَمَّروا في الأرضِ وابتَكَروا | فيها افَانِينَ إصْلاحٍ وعُمْرانِ |
فتِلْكَ دُنْياهُمُ في الجَوِّ قد نَزَعَتْ | أعِنّة َ الرِّيحِ مِنْ دُنْيا سُلَيْمانِ |
أَبَتْ أُمَيّة ُ أَنْ تَفْنَي محَامِدُها | على المَدى وأبى أبناءُ غَسّانِ |
فمِن غَطارِفَة ٍ في جِلِّقٍ نُجُبٍ | ومِنْ غَطَارِفَة ٍ في أَرْضِحَوْرانِ |
عافُوا المَذَلَّة َ في الدّنيا فعندهمُ | عِزُّ الحياة ِ وعِزُّ المَوْتَ سِيّانِ |
لا يَصْبِرُونَ على ضَيْمٍ يُحاوِلُه | باغٍ مِنَ الإنسِ أو طاغٍ من الجانِ |
شَقَقْتُ أسْواقَبَيرُوتٍفما أَخَذَتْ | عينايَ في ساحِهَا حانوتَ يونانِي |
فقلتُ في غِبطَة ٍ: للهِ دَرُّهُمُ | وَلَّوْا سِراعاً وخَلَّوْا ذلك الواني |
تَيَمَّمُوا أرضَ كُولُمبٍ فما شَعَرَت | منهم بَوطءِ غَريبِ الدارِ حَيرانِ |
سادُوا وشادُوا وأبلَوا في مَناكِبِها | بلاءَ مُضظَلِعٍ بالأمرِ مَعوانِ |
إنْ ضاقَ ميدانُ سبقٍ منْ عزائمِهِمْ | صاحتْ بهمْ فأروهَا الفَ ميدانِ |
لا يستشيرونَ إِن همّوا سوى همَهم | تأبَى المُقامَ على ذّلٍّ وإِذعانِ |
ولا يُبالونَ إنْ كانت قُبُورُهُمْ | ذُرا الشَّوامِخ أو أجوافَ حِيتانِ |
في الكونِ مورقهمْ في الشامِ مغرسهمْ | والغرسُ يزكو نقالاً بينَ بلدانِ |
إنْ لم يَفُوزا بسلطانٍ يُقِرُّهُمُ | ففي المُهاجَرِقد عَزُّوا بسلطانِ |
أو ضاقتِ الشأمُ عن برهانِ قدرتهَمْ | ففي المُهاجَرِ قد جاءُوا ببرهانِ |
إنّا رأينا كراماً من رجالهمُ | كانوا عليهمْ لدينا خير عنوانِ |
أنّى التقينا التقَى في كلِ مجتمعٍ | أهلٌ بأهلٍ وإخوانٌ باخوانِ |
كمْ في نواحي ربوعِ النّيلِ من طرفٍ | لليازجيِّ وصروفٍ وزيدانِ |
وكم لأحيائِهِم في الصُّحفِ من أثَرٍ | له المقطّمُ والأهرامُ رنانِ |
متى أرى الشّرقَ أدناهُ أبعده | عن مَطمَعِ الغَرب فيه غيرَ وَسْنانِ |
تجري المودّة من أعراقه طلقاً | كجرية ِ الماءِ في أثناءِ أفنانِ |
لافرقَ بين بوذيِّ يعيشُ به | ومسلمٍ ويهوديٍ ونصرانِي |
مابالُ دُنياهُ لمّا فاءَ وارِفُها | عليه أدبرتْ من غيرِ إيذانِ |
عهدُ الرشيدِ ببغدادَ عفا ومَضَى | وفي دِمَشق انطوى عهدُ ابنِ مروانِ |
لاتسلْ بعده عن عهدِ قرطبة ٍ | كيف انمحى ْ بين أسيافٍ ونيرانِ |
فعَلِّموا كلَّ حَيٍّ عندَ مَولِدِه | عليكَ للهِ والأوطانِ دينانِ |
حَتمٌ قَضاؤُهُما حَتمٌ جَزاؤُهُما | فآربأ بنفسكَ أن تمنَى بخسرانِ |
النَّيلُ وهو إلى الأُردُنِّ في شَغَفٍ | يُهدي إلى بَرَدى أشواقَ وَلهانِ |
وفي العِراقِ به وَجدٌ بدِجلَتِه | وبالفراتِ وتحنانٌ لسيحانِ |
إِن دامَ ما نَحنُ فيهِ مِن مُدابَرَةٍ وَفِتنَةٍ بَينَ أَجناسٍ وَأَديانِ | |
رأيتُ رأى َ المعرّي حين أرهقَه | ما حلّ بالناسِ من بغيٍ وعدوانِ |
لا تطهرُ الأرضَ من رجسٍ ومن درنٍ | حتى يُعاوِدَها نُوحٌ بطُوفانِ |
ولّى الشبابُ وجازتني فتوتُه | وهَدَّمَ السُّقمُ بعدَ السُّقمِ أركاني |
وَقَد وَقَفتُ عَلى السِتّينِ أَسأَلُها | أسوّفت أم أعدّت حرَّ أكفاني |
شاهَدتُ مَصرَعَ أترابي فَبَشَّرَني | بضجعة ٍ عندها روحي وريحاني |
كم منْ قريبٍ نأى عنّي فأوجَعَني | وكم عَزيزٍ مَضَى قبلي فأبكاني |
من كانَ يسألُ عن قومي فإنّهمُ وَلَّوا سِراعاً وَخَلَّوا ذَلِكَ الواني | |
إني مللّتُ وقوفي كلِ آونة ٍ | أبكي وأنظِمُ أحزاناً بأحزانِ |
إذا تَصَفَّحتَ ديواني لتَقَرأَني | وجدتَ شعرَ المراثي نصفَ ديواني |
أتيتُ مستشفياً والشوقُ يدفعُ بي | إلى رُباكُم وعودِي غيرُ فينانِ |
فأنزِلُوني مَكاناً أستَجِمُّ به | ويَنجلي عن فؤادي بَرحُ أحزاني |
وجنبّوني على شكرٍ موائدكُم | بما حَوَتْ من أفاوِيهٍ وألوانِ |
حسبي وحسبُ النُّهى ما نلتُ من كرمٍ | قد كدتُ أنسى به أَهلي وخُلاّني |
جرائد ما خط حرف بها
جرائِدٌ ما خُطَّ حَرفٌ بها | لغيرِ تَفريقٍ وتَضليلِ |
يحلُو بهَا الكِذْبُ لأَرْبابِهَا | كأنَّها أوّل إبريلِ |
يا ساكن البيت الزجاج
يا ساكِنَ البيتِ الزُّجاجِ | هَبِلتَ، لا تَرمِ الحُصُونا |
أرأيتَ قبلكَ عارياً | يَبغي نِزالَ الدَّارِعينا |