قردٌ رأى الفيلَ على الطريقِ | مهرولاً خوفاً من التعويقِ |
وكان ذاك القِردُ نصفَ أَعمى | يُريد يُحْصِي كلَّ شيءٍ عِلما |
فقال: أهلا بأبي الأهوالِ | ومرْحباً بِمُخْجِلِ الجِبالِ |
نقدي الرؤوسُ رأسكَ العظيما | فقف أشاهدْ حسنك الوسيما |
للهِ ما أظرفَ هذا القدَّا | وألطف العظمَ وأبهى الجلدا! |
وأَملَح الأذْنَ في الاستِرسالِ | كأَنها دائرة ُ الغِربالِ! |
وأَحسَنَ الخُرطومَ حين تاهَا | كأَنه النخلة ُ في صِباها! |
وظَهرُك العالي هو البِساطُ | للنفْسِ في رُكوبِه کنبِساطُ |
فعدَّها الفيلُ من السعودِ | وأمرَ الشاعرَ بالصُّعود |
فجالَ في الظهر بلا توانِ | حتى إذا لم يَبقَ من مكان |
أَوفى على الشيءِ الذي لا يُذكرُ | وأدخلَ الاصبعَ فيه يخبرُ |
فاتهم الفيلُ البعوضَ، واضطربْ | وضيَّقَ الثقب، وصالَ بالذنبْ |
فوقَعَ الضربُ على السليمه | فلحِقَتْ بأُختِها الكريمه |
ونزل البصيرُ ذا اكتئابِ | يشكو إلى الفيلِ من المُصابِ |
فقال: لا مُوجِب للندامه | الحمد لله على السلامه |
من كان في عينيْه هذا الداءُ | ففي العَمى لنفسِه وقاءُ |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
مر الغراب بشاة
مرَّ الغرابُ بشاة ٍ | قد غابَ عنها الفطيمُ |
تقولُ والدمعُ جار | والقلبُ منها كلِيم |
يا ليْت شِعْريَ يا کبنِي | وواحِدِي، هل تَدوم |
وهل تكونُ بجَنْبي | عداً على ما أروم |
فقال: يا أمَّ سعدٍ | هذا عذابُ أليم |
فكَّرتِ في الغَدِ، والفِكـرُ | مقعدٌ ومقيم |
لكلِّ يومٍ خُطُوبٌ | تكفي، وشُغلٌ عظيم |
وبينما هُوَ يهذِي | أتى النَّعيُّ الذَّميم |
يقول: خَلَّفْتُ سعْداً | والعظمُ منه هشيم |
رأَى منَ الذِّئْبِ ما قد | رأَى أَبوه الكريم |
فقال ذو البَيْنِ للأُم | حين ولَّتْ تَهيم |
إن الحكيمَ نبيُّ | لسانه معصوم |
ألم أقلْ لكِ توا | لكل يومٍ هُموم |
قالت صدقتَ ولكِنْ | هذا الكلامُ قديم |
فإن قَوْميَ قالوا | وجْهُ الغُراب مَشوم |
يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ
يَحكون أَن أُمَّة َ الأَرانِبِ | قد أخذت من الثرى بجانبِ |
وابتَهجَتْ بالوطنِ الكريمِ | ومثلِ العيالِ والحريمِ |
فاختاره الفيلُ له طريقا | ممزِّقاً أصحابنا تمزيقا |
وكان فيهم أرنبٌ لبيبُ | أذهبَ جلَّ صوفهِ التَّجريب |
نادى بهم: يا مَعشرَ الأَرانبِ | من عالِمٍ، وشاعرٍ، وكاتب |
اتَّحِدوا ضِدَّ العَدُوِّ الجافي | فالاتحادُ قوّة ُ الضِّعاف |
فأقبلوا مستصوبين رايهْ | وعقدوا للاجتماعِ رايه |
وانتخبوا من بينِهم ثلاثه | لا هَرَماً راعَوْا، ولا حَداثه |
بل نظروا إلى كمالِ العقلِ | واعتَبروا في ذاك سِنَّ الفضْل |
فنهض الأولُ للخطِاب | فقال : إنّ الرأيَ ذا الصواب |
أن تُتركَ الأرضُ لذي الخرطومِ | كي نستريحَ من أَذى الغَشوم |
فصاحت الأرانبُ الغوالي : | هذا أضرُّ من أبي الأهوال |
ووثبَ الثاني فقال: إني | أَعهَدُ في الثعلبِ شيخَ الفنِّ |
فلندْعُه يُمِدّنا بحِكمتِهْ | ويأخذ اثنيْنِ جزاءَ خدمتِه |
فقيلَ : لا يا صاحبَ السموِّ | لا يدفعُ العدوُّ بالعدوِّ |
وانتَدَبَ الثالثُ للكلامِ | فقال : يا معاشرَ الأقوامِ |
اجتمِعوا؛ فالاجتِماع قوّه | ثم احفِروا على الطريق هُوَّه |
يهوى إليها الفيلُ في مروره | فنستَريحُ الدهرَ من شرورِه |
ثم يقولُ الجيلُ بعدَ الجيلِ | قد أَكلَ الأَرنبُ عقلَ الفيل |
فاستصوبوا مقالهُ ، واستحسنوا | وعملوا من فورهم ، فأحسنوا |
وهلكَ الفيلُ الرفيعُ الشَّانِ | فأَمستِ الأُمَّة ُ في أَمان |
وأقبلتْ لصاحبِ التدبير | ساعية ً بالتاجِ والسرير |
فقال : مهلا يا بني الأوطانِ | إنّ محلِّي للمحلُّ الثاني |
فصاحبُ الصَّوتِ القويِّ الغالبِ | منْ قد دعا : يا معشرَ الأرانب |
مرَّتْ على الخُفاشِ
مرَّتْ على الخُفاشِ | مليكة ُ الفراشِ |
تطيرُ بالجموعِ | سعياً إلى الشموعِ |
فعطفتْ ومالت | واستضحكت فقالتْ : |
أَزْرَيْتَ بالغرامِ | يا عاشقَ الظلامِ |
صفْ لي الصديقَ الأسودا | الخاملَ المُجَرَّدا |
قال: سأَلتِ فيه | أصدقَ واصفيهِ |
هو الصديقُ الوافي | الكاملُ الأَوصافِ |
جِوارُهُ أَمانُ | وسرُّه كتمانُ |
وطرفُه كليلُ | إذا هفا الخليلُ |
يحنو على العشَّاقِ | يسمعُ للمشتاق |
وجملة ُ المقالِ | هو الحبيبُ الغالي |
فقالتِ الحمقاءُ | وقولها استهزاءُ |
أَين أَبو المِسْكِ الخَصِي | ذو الثَّمَنِ المُسْتَرْخَصِ |
منْ صاحبي الأميرِ | الظاهرِ المنيرِ ؟ |
إن عُدَّ فيمن أَعرِفُ | أَسمُو بِه وأَشرُفُ |
وإن سئلتُ عنهُ | وعن مكاني منهُ |
أُفاخِرُ الأَترابا | وأَنثني إعجابَا |
فقال : يا مليكهْ | ورَبَّة َ الأَريكهْ |
إنّ منَ الغُرُورِ | ملامة َ المغرورِ |
فأَعطِني قفاك | وامضي إلى الهلاك |
فتركتهْ ساخرهْ | وذهَبتْ مُفاخِرهْ |
وبعد ساعة ٍ مضَتْ | من الزمانِ فانقضَتْ |
مَرَّتْ على الخُفَّاشِ | مليكة ُ الفراشِ |
ناقصة َ الأعضاءِ | تشكو من الفناءِ |
فجاءَها مُنهَمِكا | يُضحِكه منها البُكا |
قال : ألم أقل لكِ | هَلكْتِ أَو لم تَهلِكي |
رُبَّ صديقٍ عبدِ | أبيضُ وجهِ الودّ |
يَفديك كالرَّئِيسِ | بالنَّفْسِ والنفيسِ |
وصاحبٍ كالنورِ | في الحسنِ والظهورِ |
معتكرِ الفؤادِ | مضيِّع الودادِ |
حِبالُه أَشراكُ | وقُرْبُه هلاكُ؟ |
اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ
اللَّيثُ مَلْكُ القِفارِ | وما تضمُّ الصًّحاري |
سَعت إليه الرعايا | يوماً بكلِّ انكسار |
قالت : تعيشُ وتبقى | يا داميَ الأَظفار |
ماتَ الوزيرُ فمنْ ذا | يَسوسُ أَمرَ الضَّواري؟ |
قال : الحمارُوزيري | قضى بهذا اختياري |
فاستضحكت ، ثم قال : | «ماذا رأَى في الحِمارِ؟» |
وخلَّفتهُ ، وطارت | بمضحكِ الأخبار |
حتى إذا الشَّهْرُ ولَّى | كليْلة ٍ أَو نَهار |
لم يَشعُرِ اللَّيثُ إلا | ومُلكُهُ في دَمار |
القردُ عندَ اليمين | والكلبُ عند اليسار |
والقِطُّ بين يديه | يلهو بعظمة ِ فار ! |
فقال : من في جدودي | مثلي عديمُ الوقار ؟ ! |
أينَ اقتداري وبطشي | وهَيْبتي واعتباري؟! |
فجاءَهُ القردُ سرّاً | وقال بعدَ اعتذار: |
يا عاليَ الجاه فينا | كن عاليَ الأنظار |
رأَيُ الرعِيَّة ِ فيكم | من رأيكم في الحمار! |
كانت النَّملة تمشي
كانت النَّملة تمشي | مرة ً تحتَ المُقطَّمْ |
فارتخى مَفصِلُها من | هَيبة ِ الطَّوْدِ المعظَّمْ |
وانثنتْ تنظرُ حتى | أوجد الخوف وأعدم |
قالت : اليوم هلاكي | حلَّ يومي وتحتم ! |
ليت شعري : كيف أنجو | ـ إنْ هوى هذا ـ وأَسلم؟ |
فسعت تجري ، وعينا | ها ترى الطَّود فتندم |
سقطتْ في شبرِ ماءٍ | هو عند النّمل كاليمّ |
فبكت يأساً ، وصاحت | قبل جري الماء في الفمّ |
ثم قالت وهي أدرى | بالذي قالت وأَعلَم: |
ليتني لم أتأخَّر | ليتني لم أتقدَّم |
ليتني سلَّمت ، فالعا | قل من خاف فسلَّم ! |
صاح لا تخش عظيما | فالذي في الغيْب أَعظم |