يا من شكاتك في القلوب جراح | بشفاء جسمك طابت الأرواح |
هي محنة عرضت لتكمل بعدها | لك بهجة الأيام والأفراح |
إن تعظم السراء فهي رهينة | بإجازة الضراء ثم تتاح |
لا كان بعد الآن إلا ما يرى | لك في الوجود الطالع المسماح |
الخير حولك والمعالي سلم | ترقى ذراها والزمان فلاح |
جبران خليل جبران
هو جبران خليل جبران ميخائيل بن سعد, نابغة الكتاب المعاصرين المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأصله من دمشق, ولد في لبنان و توفي في نيويورك.
أنت يا سيدي على ما علمنا
أنت يا سيدي على ما علمنا | أنت تأبى كل الإباء المديحا |
وصواب أن المديح إذا ما | جاوز الحد جاور التجريحا |
غير أن الحق الذي ينفع الناس | جدير بأن يقال صريحا |
فتفضل وادن بتهنئة | ادمج فيها ما عن لي تلميحا |
أنا يا سيدي وشانك شأني | أوثر الفعل لا الكلام مليحا |
أنا أهوى الرئيس حلو التعاطي | وأرى الزهو بالرئيس قبيحا |
أنا أهوى المقدام والعالم العامل | والواعظ التقي الفصيحا |
أنا أهوى المدبر الطاهر السيرة | والقادر الحليم الصفوحا |
أنا أهوى فيمن يسوس الرعايا | نظرا ثاقبا ورأيا رجيحا |
ذاك شيء مما منحت فأرضاك | وأرضى الورى وأرضى المسيحا |
من يسبح على المواهب مولاه | فزده يا سيدي تسبيحا |
يا بالغ الستين من عمره
يَا بَالِغَ السِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ | نَوَدُّ لَوْ بُلِّغْتَ فِيهِ المِئِينْ |
دُمْ رَافِعاً بَيْنَ مَنَارِ الهُدَى | مَنَارَةَ المَشْرِقِ فِي العَالَمِينْ |
مِنْ فَحَمَاتِ اللَّيْلِ تَجْلُو الضُّحَى | وَظُلُمَاتِ الرَّيْبِ تَجْلُو اليَقِينْ |
وَمِنْ طَوَايَا النَّاسِ تُبْدِي بِمَا | خَبْرْتَ مِنْهُمْ كُلَّ كَنْزٍ دَفِينْ |
يا بنت بيروت ويا نفحة
يا بنت بيروت ويا نفحة | من روح لبنان القديم الوقور |
إليك من أنبائه آية | عصرية أزرت بآي العصور |
مرت بذاك الشيخ في ليلة | ذكرى جمال وعبير ونور |
ذكرى صبا طابت لها نفسه | وافتر عنها رأسه من حبور |
أسر نجواها إلى أرزه | فلم يطقها في حجاب الضمير |
وبثها في زفرة فانبرت | بخفة البشرى ولطف السرور |
دارجة في السفح مرتادة | كل مكان فيه نبت نضير |
فضحك النبت ابتهاجا بها | عن زهر رطب ذكي قرير |
عن زهر حمل ريح الصبا | تبسما مستترا في عبير |
سرى لبيروت ولاقى شذا | من بحرها رأد الصباح المنير |
فعقدا في ثغرها درة | أجمل شيء بين در الثغور |
أسماء هل أبصرتها مرة | تزين مرآتك وقت البكور |
هذي رؤوس القمم الشماء
هذي رؤوس القمم الشماء | نواهضا بالقبة الزرقاء |
نواصع العمائم البيضاء | روائع المناطق الخضراء |
يا حسن هذي الرملة الوعساء | وهذه الأودية الغناء |
وهذه المنازل الحمراء | راقية معارج العلاء |
وهذه الخطوط في البيداء | كأنها أسرة العذراء |
وذلك التدبيج في الصحراء | من كل رسم باهر للرائي |
وهذه المياه في الصفاء | آنا وفي الإزباد والإرغاء |
تنساب في الروض على التواء | خفية ظاهرة اللألاء |
ونسم قواتل للداء | يشفين كل فاقد الشفاء |
ومعشر كأنجم الجوزاء | يلتمسون سترة المساء |
في ملعب للطيب والهواء | ومرتع للنفس والأهواء |
ومبعث للفكر والذكاء | ومنتدى للشعر والغناء |
يا وطنا نفديه بالدماء | والأنفس الصادقة الولاء |
ما أسعد الظافر باللقاء | والقرب بعد الهجر والجلاء |
إن أك باكيا من السراء | فإن طول الشوق في التنائي |
يا شاطيء البحر إن قلبي
يا شاطيء البحر إن قلبي | يحب فيك الهواء صدقا |
وكل قلب يحب شيئا | من صنع ربي أحب حقا |