| أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى | إلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَة |
| جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأسِ | من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ |
| فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكونِ | وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ |
| كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوها | وتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها |
| فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابوها | وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها |
| أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَرضَ | ليَغْوى أَبناؤُها وذووها |
| وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستجدي | ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا |
| أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّ | على النَّاسِ فاتكاً جبَّارا |
| يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكي | حيثما حلَّ في الجوانحِ نارا |
| ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّ | فكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا |
| وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّارُ | بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى |
| ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوا | يَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا |
| وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّى | في جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما |
| والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْ | آلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما |
| يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراها | خُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما |
| وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّ | فأَلفيتَ قلبَها ماخُورا |
| ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْرِ | قلباً مدَبَّساً شرِّيرا |
| وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّى | ظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا |
| وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّا | ماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ |
| وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العالي | فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ |
| ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّ | الشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ |
| كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌ | فوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا |
| لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْ | تبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا |
| فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّوا | وامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا |
أبو القاسم الشابي
الشاعر أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء, شاعر مميز من شعراء العصر الحديث, من تونس.
نحن نمشي وحولنا هاته الأكوان
| نحنُ نمشي وحولَنَا هاته الأَكــ | وانُ تمشي لكنْ لأَيَّةِ غايَة |
| نحنُ نشدو مع العَصافيرِ للشَّمْــ | سِ وهذا الرَّبيعُ ينفُخُ نَايَهْ |
| نحنُ نَتْلو روايَةَ الكونِ للمو | تِ ولكنْ ماذا خِتامُ الرِّواية |
| هكذا قلتُ للرِّياحِ فقالتْ | سَلْ ضميرَ الوُجُودِ كيف البدايَة |
| وتغشَّى الضَّبابُ نفسي فصاحتْ | في مَلالٍ مُرٍّ إلى أَيْنَ أَمشي |
| قلتُ سيري معَ الحَيَاةِ فقالتْ | مَا جنينا تُرى من السَّيْرِ أَمسِ |
| فَتَهافَتُّ كالهشيمِ على الأَر | ضِ وناديتُ أَيْنَ يا قلبُ رفشي |
| هاتِهِ علَّني أَخُطُّ ضريحي | في سكونِ الدُّجى وأَدفُنُ نفسي |
| هاتِهِ فالظَّلامُ حولي كثيفٌ | وضبابُ الأَسى مُنيخٌ عليَّا |
| وكؤوسُ الغرامِ أَترعَهَا الفَجْــ | رُ ولكنْ تَحَطَّمَتْ في يدَيَّا |
| والشَّبابُ الغرير ولَّى إلى الما | ضي وخلَّى النَّحيبَ في شَفَتَيَّا |
| هاتِهِ يا فؤادُ إنَّا غَريبا | نِ نَصُوعُ الحَيَاةَ فنًّا شَجِيَّا |
| قَدْ رقصْنا معَ الحَيَاةِ طويلاً | وشدوْنا مع الشَّبابِ سنينا |
| وعدَوْنا مع اللَّيالي حُفاةً | في شِعابِ الحَيَاةِ حتَّى دَمينا |
| وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْنا | وشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا |
| ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلا | مَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا |
| ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّن | يا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها |
| في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّا | مي ولا أستطيعُ حتَّى بكاها |
| وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍ | محزنٍ مُضْجِرٍ على قدميَّا |
| جَفَّ سِحْرُ الحَيَاةِ يا قلبيَ البــا | كي فهيَّا نُجَرِّبُ الموتَ هيَّا |
ياشعر
| ياشعر أنت فم الشعور ، وصرخة الروح الكئيب | |
| ياشعر أنت صدى نحيب القلب ، والصب الغريب | |
| ياشعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة | |
| ياشعر أنت دم ، تفجر من كلوم الكائنات | |
| ياشعر ! قلبي ـ مثلما تدري ـ شقي ، مظلم | |
| فيه الجراح ، النجل ، يقطر من مغاورها الدم | |
| جمدت على شفتيه أزراء الحياة العابسه | |
| فهو التعيس ، يذيبه نوح القلوب البائسه | |
| ابدا ينوح بحرقة ، بين الأماني الهاويه | |
| كالبلبل الغريد مابين الزهور الذاويه | |
| كم قد نصحت له بأن يسلو ، وكم عزيته | |
| فأبى وماأصغى إلى قولي ، فما أجديته | |
| كم قلت : صبرا يافؤاد ! ألا تكف عن النحيب ؟ | |
| فإذا تجلدت الحياة تبددت شعل اللهيب | |
| ياقلب ! لاتجزع أمام تصلب الدهر الهصور | |
| فإذا صرخت توجعا هزأت بصرختك الدهور | |
| ياقلب ! لاتسخط على الأيام ، فالزهر البديع | |
| يصغي لضجات العواصف قبل أنغام الربيع | |
| ياقلب ! لاتقنع بشوك اليأس من بين الزهور | |
| فوراء أوجاع الحياة عذوبة الأمل الجسور | |
| ياقلب ! لاتسكب دموعك بالفضاء فتندم | |
| فعلى ابتسامات الفضاء قساوة المتهكم | |
| لكن قلبي وهم ـ مخضل الجوانب بالدموع ـ | |
| جاشت به الأحزان ، ّا طفحت بها تلك الصدوع | |
| يبكي على الحلم البعيد بلوعة ، لاتنجلي | |
| غردا ، كصداح الهواتف في الفلا ، ويقول لي : | |
| طهر كلومك بالدموع ، وخلّها وسبيلها | |
| إن المدامع لاتضيع حقيرها وجليلها | |
| فمن المدامع ماتدفع جارفا حسك الحياه | |
| يرمي لهاوية الوجود بكل مايبني الطغاه | |
| ومن المدامع ماتألق في الغياهب كالنجوم | |
| ومن المدامع ماأراح النفس من عبء الهموم | |
| فارحم تعاسته ، ونح معه على أحلامه | |
| فقد قضى الحلم البديع على لظى آلامه . |