| كان فيما مضى من الدهر بيتُ | من بيوت الكرام فيه غزال |
| يَطعَم اللَّوْزَ والفطيرَ ويُسقى | عسلاَ لم يشبه إلا الزَّلال |
| فأَتى الكلبَ ذاتَ يومٍ يُناجيـ | ـهِ وفي النفسِ تَرحَة ٌ وملال |
| قال : يا صاحب الأمانة ، قل لي | كيف حالُ الوَرَى ؟ وكيف الرجال؟ |
| فأجاب الأمين وهو القئول الصّـَ | ـادِقُ الكامل النُّهَى المِفضال |
| سائلي عن حقيقة الناس ، عذراً | ليس فيهم حقيقة ُ فتقال |
| إنما هم حقدٌ ، وغشٌّ ، وبغضُ | وأَذاة ٌ، وغيبة ٌ، وانتحال |
| ليت شعري هل يستريحُ فؤادي ؟ | كم أداريهم ! وكم أحتال ! |
| فرِضا البعض فيه للبعضِ سُخْطٌ | ورضا الكلِّ مطلبٌ لا يُنال |
| ورضا اللهِ نرتجيهِ ، ولكن | لا يؤدِّي إليه إلا الكمال |
| لا يغرَّنكَ يا أخا البيدِ من موْ | لاكَ ذاك القبولُ والإقبال |
| أنتَ في الأسرِ ما سلمتَ ، فإن تمـ | ـرض تقطَّعْ من جسمك الأوصال |
| فاطلبِ البِيدَ، وارض بالعُشبِ قوتاً | فهناك العيشُ الهنِيُّ الحلال |
| أنا لولا العظامُ وهيَ حياتي | لم تَطِبْ لي مع ابنِ آدمَ حال |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
برز الثعلبُ يوماً
| برز الثعلبُ يوماً | في شعار الواعِظينا |
| فمشى في الأرضِ يهذي | ويسبُّ الماكرينا |
| ويقولُ : الحمدُ للـ | ـهِ إلڑهِ العالمينا |
| يا عِباد الله، تُوبُوا | فهموَ كهفُ التائبينا |
| وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـ | ـعيشَ عيشُ الزاهدينا |
| واطلبوا الدِّيك يؤذنْ | لصلاة ِ الصُّبحِ فينا |
| فأَتى الديكَ رسولٌ | من إمام الناسكينا |
| عَرَضَ الأَمْرَ عليه | وهْوَ يرجو أَن يَلينا |
| فأجاب الديك : عذراً | يا أضلَّ المهتدينا ! |
| بلِّغ الثعلبَ عني | عن جدودي الصالحينا |
| عن ذوي التِّيجان ممن | دَخل البَطْنَ اللعِينا |
| أَنهم قالوا وخيرُ الـ | ـقولِ قولُ العارفينا: |
| ” مخطيٌّ من ظنّ يوماً | أَنّ للثعلبِ دِينا» |
اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي
| اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي | وافهمهُ فهمَ لبيبٍ ناقدٍ واعي |
| كانت على زَعمهِمْ فيما مَضى غَنَمٌ | بأَرضِ بغدادَ يَرعَى جَمْعَها راعي |
| قد نام عنها، فنامَتْ غيْرَ واحدة ٍ | لم يدعها في الدَّياجي للكرى داعي |
| أمُّ الفطيمِ ، وسعدٍ ، والفتى علفٍ | وابنِ کمِّهِ، وأَخيه مُنْية ِ الرَّاعي |
| فبينَما هي تحتَ الليْل ساهرة ٌ | تحييهِ ما بين أوجالٍ وأوجاعِ |
| بدا لها الذِّئبُ يسعى في الظلامِ على | بُعْدٍ، فصاحت: أَلا قوموا إلى الساعي! |
| فقامَ راعي الحمى المرعيِّ منذعراً | يقولُ : أين كلابي أين مقلاعي ؟ |
| وضاقَ بالذِّئْبِ وجهُ الأَرض من فَرَق | فانسابَ فيه انسيابَ الظَّبي في القاع |
| فقالتِ الأُمُّ: يا للفخرِ! كان أبي | حُرّاً، وكان وفِيّاً طائلَ الباعِ |
| إذا الرُّعاة على أَغنامها سَهِرَتْ | سَهرْتُ من حُبِّ أَطفالي على الرّاعي! |
فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ
| فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ | مُعَذَّباً في أَضيَقِ الحِصار |
| والكلبُ في حالتهِ المعهوده | مستجمعاً للوثبة ِ الموعوده |
| فحاولَ الفأرُ اغتنامَ الفرصه | وقال أكفي القطَّ هذي الغصَّه |
| لعلّه يكتبُ بالأمانِ | لي ولأَصحابي من الجيران |
| فسارَ للكلبِ على يديهِ | ومَكَّنَ الترابَ من عينَيه |
| فاشتغل الرّاعي عن الجدار | ونزلَ القطُّ على بدار |
| مبتهجاً يفكر في وليمه | وفي فريسة ٍ لها كريمه |
| يجعلها لِخَطْبِه علامه | يذكرُها فيذكرُ السَّلامه |
| فجاءَ ذاكَ الفأرُ في الأثناءِ | وقال: عاشَ القِطُّ في هَناءِ |
| رأَيتَ في الشِّدّة ِ من إخلاصِي | ما كان منها سببَ الخلاص |
| وقد أتيتُ أطلبُ الأمانا | فامنُنْ به لِمعشَري إحسانا |
| فقال: حقّاً هذه كرامَه | غنيمة ٌ وقبلَها سَلامه |
| يكفيكَ فخراً يا كريمَُ الشِّمه | أَنك فأرُ الخطْبِ والوليمه |
| وانقَضَّ في الحالِ على الضَّعيفِ | يأكلُه بالمِلحِ والرغيف |
| فقلت في المقام قوْلاً شاعا | «مَنْ حفِظَ الأَعداءَ يوماً ضاعا» |
وقف الهدهد في باب سليمان بذله
| وقفَ الهُدْهُدُ في با | بِ سليمانَ بذلِّهْ |
| قال: يا مولايَ، كن لي | عشتي صارت مملَّه |
| متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّ | أحدثتْ في الصدر علَّه |
| لا مياهُ النيلِ ترويـ | ـها، ولا أَمواهُ دِجْله |
| وإذا دامت قليلا | قتلتْني شرَّ قِتْلَه |
| فأشار السيد العا | لي غلى من كان حوله: |
| قد جنى الهدهدُ ذنباً | وأتى في اللؤوم فعله |
| تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدْ | رِ، وذي الشكوى تَعِلَّه |
| ما أرى الحبة إلا | سُرِقت من بيتِ نمله |
| إن للظالم صَدْراً | يشتكي من غير عله |
سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً
| سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً | أَتى يوماً سليمانا |
| يُجَرِّرُ دون وفْدِ الطَّيْـ | ـرِ أذيالاً وأردانا |
| ويُظْهِرُ ريشَهُ طوْراً | ويُخفي الرِّيشَ أَحيانا |
| فقال: لدَيَّ مسأَلة ٌ | أَظنُّ أَوانَها آنا |
| وها قد جئتُ أَعرضُها | على أَعتابِ مولانا: |
| ألستُ الروضَ بالأزها | رِ والأَنوارِ مُزْدانا؟ |
| ألم أستوفِ آيَ الظرْ | ف أشكالاً وألوانا؟ |
| ألم أصبح ببابكمُ | لجمعِ الطيرِ سلطانا؟ |
| فكيف يَليقُ أَن أَبقَى | وقوْمِي الغُرُّ أَوثانا؟! |
| فحسنُ الصوتِ قد أمسى | نصيبي منه حرمانا |
| فما تيَّمتُ أفئدة ً | ولا أَسكَرْتُ آذانا |
| وهذي الطيرُ أحقرها | يزيدُ الصَّبَّ أَشجانا |
| وتهتزُّ الملوكُ له | إذا ما هزَّ عيدانا؟ |
| فقال له سليمانُ | لقد كان الذي كانا |
| تعالت حكمة ُ الباري | وجلَّ صنيعُهُ شانا |
| لقد صغرتَ يا مغرو | رُ نعمى الله كفرانا |
| وملك الطير لم تحفل | به، كبرا وطغيانا |
| فلو أَصبَحت ذا صوْت | لمَا كلَّمْتَ إنسانا! |