أيْها الشعبُ ليتني كنتُ حطَّاباً |
فأهوي على الجذوعِ بفأسي |
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ |
تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ |
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي |
ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس |
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي |
كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي |
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي |
فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي |
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ إن ضجَّتْ |
فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي |
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ لكْ |
أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ |
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور |
وتقضي الدهور في ليل مَلْس |
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ |
حواليكَ دون مسّ وجسِ |
في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي |
وأترعتُها بخمرة ِ نفسي |
ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ |
رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي |
فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي |
وكفكفتُ من شعوري وحسّي |
ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي |
باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي |
ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ |
ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ |
ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً |
وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي |
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي |
لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي |
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي |
في صميم الغابات أدفنُ بؤسي |
ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت |
بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي |
سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي |
وأُفضي لها بأشواق نَفْسي |
فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري |
أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ |
ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل |
وأُلقي إلى الوجود بيأسي |
ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو |
تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي |
وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي |
ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس |
وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ |
كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي |
أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ |
لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ |
أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها |
فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ |
أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها |
ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ |
والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي |
في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي |
هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ |
رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ |
فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا |
واستخفُّوا به، وقالوا بيأس |
“قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ |
فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ |
طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ |
ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي |
طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ |
ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس |
طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي |
وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ |
إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ |
الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ |
فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ |
إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ |
«أطردوه، ولا تُصيخوا إليه |
فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ |
هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ |
عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ |
جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها |
فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ |
فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ |
وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ |
هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ |
ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ |
وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب |
الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ |
في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ |
يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ |
في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير |
ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي |
نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ |
ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ |
شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ |
على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ |
والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه |
وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ |
وترا عند الأصيل، لدى الجدول |
يرنو للطَّائرِ المتحسِّي |
أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو |
إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي |
فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ |
ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي |
كان في كوخه الجميل، مقيماً |
يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ |
عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ |
وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي |
وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ |
ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي |
وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ |
وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ |
وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها |
سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي |
هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني |
حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ |
يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ |
تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي |
يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا |
نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ |
يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون |
حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ |