أرق على أرق ومثلي يأرق

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ – وَجَوًى يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جَهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أُرى – عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ
ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ – إِلا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ
جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي – نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ – فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُمْ وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني – عَيَّرتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ – أَبَدًا غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ – جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى – كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ – حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا – أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ – وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ – وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي – مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
حَذَرًا عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ – حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ
أَمّا بَنو أَوسِ بنِ مَعنِ بنِ الرِضا – فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ
كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت – مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ
وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِمْ – مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ
وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ – لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ
مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلا أَنَّها – وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ
أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا – لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ
لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ – أَبَدًا وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ
يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ – أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ
أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً – وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ
كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ – ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ
قصيدة أبو الطيب المتنبي

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ – أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ ولا أمْرُ
بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ – ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى – وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ
تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي – إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ
مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوتُ دونَهُ – إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ
حَفِظْتُ وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا – وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ العُذْرُ
وما هذه الأيامُ إلاّ صَحائفٌ – ِلأحْرُفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْرُ
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غادَةً – هَوايَ لها ذنْبٌ، وبَهْجَتُها عُذْرُ
تَروغُ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي – لأُذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْرُ
بَدَوْتُ، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني – أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْرُ
وحارَبْتُ قَوْمي في هواكِ، وإنَّهُمْ – وإيّايَ، لو لا حُبُّكِ الماءُ والخَمْرُ
فإنْ يكُ ما قال الوُشاةُ ولمْ يَكُنْ – فقدْ يَهْدِمُ الإيمانُ ما شَيَّدَ الكفرُ
وَفَيْتُ، وفي بعض الوَفاءِ مَذَلَّةٌ – لإنسانَةٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْر
وَقورٌ، ورَيْعانُ الصِّبا يَسْتَفِزُّها – فَتَأْرَنُ، أحْياناً كما، أَرِنَ المُهْرُ
تُسائلُني من أنتَ؟ وهي عَليمَةٌ – وهل بِفَتىً مِثْلي على حالِهِ نُكْرُ
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لها الهوى – قَتيلُكِ! قالت: أيُّهمْ؟ فَهُمْ كُثْرُ
فقلتُ لها: لو شَئْتِ لم تَتَعَنَّتي – ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بي خُبْرُ
فقالتْ: لقد أَزْرى بكَ الدَّهْرُ بَعدنا – فقلتُ: معاذَ اللهِ بل أنتِ لا الدّهر
وما كان لِلأحْزان، ِ لولاكِ، مَسْلَكٌ – إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْر
وتَهْلِكُ بين الهَزْلِ والجِدِّ مُهْجَةٌ – إذا ما عَداها البَيْنُ عَذَّبها الهَجْرُ
فأيْقَنْتُ أن لا عِزَّ بَعْدي لِعاشِقٍ – و أنّ يَدي ممّا عَلِقْتُ بهِ صِفْرُ
وقلَّبْتُ أَمري لا أرى ليَ راحَة، – إذا البَيْنُ أنْساني ألَحَّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حُكم الزّمانِ وحُكمِها – لها الذّنْبُ لا تُجْزى بهِ وليَ العُذْرُ
كَأَنِّي أُنادي دونَ مَيْثاءَ ظَبْيَةً – على شَرَفٍ ظَمْياءَ جَلَّلَها الذُّعْرُ
تَجَفَّلُ حيناً، ثُمّ تَرْنو كأنّها – تُنادي طَلاًّ بالوادِ أعْجَزَهُ الحَُضْرُ
فلا تُنْكِريني، يابْنَةَ العَمِّ، إنّهُ – لَيَعْرِفُ من أنْكَرْتهِ البَدْوُ والحَضْرُ
ولا تُنْكِريني، إنّني غيرُ مُنْكَرٍ – إذا زَلَّتِ الأقْدامُ، واسْتُنْزِلَ النّصْرُ
وإنّي لَجَرّارٌ لِكُلِّ كَتيبَةٍ – مُعَوَّدَةٍ أن لا يُخِلَّ بها النَّصر
وإنّي لَنَزَّالٌ بِكلِّ مَخوفَةٍ – كَثيرٍ إلى نُزَّالِها النَّظَرُ الشَّزْرُ
فَأَظْمَأُ حتى تَرْتَوي البيضُ والقَنا – وأَسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذِّئْبُ والنَّسْرُ
ولا أًصْبَحُ الحَيَّ الخُلُوفَ بغارَةٍ – و لا الجَيْشَ ما لم تأْتِهِ قَبْلِيَ النُّذْرُ
ويا رُبَّ دارٍ، لم تَخَفْني، مَنيعَةً – طَلَعْتُ عليها بالرَّدى، أنا والفَجْر
وحَيٍّ رَدَدْتُ الخَيْلَ حتّى مَلَكْتُهُ – هَزيماً ورَدَّتْني البَراقِعُ والخُمْرُ
وساحِبَةِ الأذْيالِ نَحْوي، لَقيتُها – فلَم يَلْقَها جافي اللِّقاءِ ولا وَعْرُ
وَهَبْتُ لها ما حازَهُ الجَيْشُ كُلَّهُ – ورُحْتُ ولم يُكْشَفْ لأبْياتِها سِتْر
ولا راحَ يُطْغيني بأثوابِهِ الغِنى – ولا باتَ يَثْنيني عن الكَرَمِ الفَقْرُ
وما حاجَتي بالمالِ أَبْغي وُفورَهُ – إذا لم أَفِرْ عِرْضي فلا وَفَرَ الوَفْرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى – ولا فَرَسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غُمْرُ
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ – فليْسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ
وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى – فقلتُ:هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ
ولكنّني أَمْضي لِما لا يَعيبُني – وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهما الأَسْر
يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى – فقُلْتُ: أما واللهِ، ما نالني خُسْرُ
وهلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ ساعَةً – إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْرُ والضُّرُّ؟
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ – فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ
ولا خَيْرَ في دَفْعِ الرَّدى بِمَذَلَّةٍ – كما رَدَّها، يوماً، بِسَوْءَتِهِ عَمْرُو
يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما – عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ
وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ – وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ
سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ – وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ
فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ – وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ – وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفوا بهِ – وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَقَ الصُّفْرُ
ونَحْنُ أُناسٌ، لا تَوَسُّطَ عندنا – لنا الصَّدْرُ دونَ العالمينَ أو القَبْرُ
تَهونُ علينا في المعالي نُفوسُنا – ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْرُ
أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلى ذَوي العُلا – وأكْرَمُ مَنْ فَوقَ التُّرابِ ولا فَخْرُ
قصيدة رائعة للشاعر أبو فراس الحمداني

أرى ذلك القرب صار ازورارا

أَرى ذَلِكَ القُربَ صارَ ازوِرارا – وَصارَ طَويلُ السَلامِ اختِصارا
تَرَكتَني اليَومَ في خَجلَةٍ – أَموتُ مِرارًا وَأَحيا مِرارا
أُسارِقُكَ اللَحظَ مُستَحيِيًا – وَأَزجُرُ في الخَيلِ مُهري سِرارا
وَأَعلَمُ أَنّي إِذا ما اعتَذَرتُ – إِلَيكَ أَرادَ اعتِذاري اعتِذارا
وَلَكِن حَمى الشِعرَ إِلّا القَليلَ – هَمٌّ حَمى النَومَ إِلّا غِرارا
كَفَرتُ مَكارِمَكَ الباهِراتِ – إِن كانَ ذَلِكَ مِنّي اختِيارا
وَما أَنا أَسقَمتُ جِسمي بِهِ – وَما أَنا أَضرَمتُ في القَلبِ نارا
فَلا تُلزِمَنّي ذُنوبَ الزَمانِ – إِلَيَّ أَساءَ وَإِيّايَ ضارا
وَعِندي لَكَ الشُرُدُ السائِراتُ – لا يَختَصِصنَ مِنَ الأَرضِ دارا
قَوافٍ إِذا سِرنَ عَن مِقوَلي – وَثَبنَ الجِبالَ وَخُضنَ البِحارا
وَلي فيكَ ما لَم يَقُل قائِلٌ – وَما لَم يَسِر قَمَرٌ حَيثُ سارا
فَلَو خُلِقَ الناسُ مِن دَهرِهِمْ – لَكانوا الظَلامَ وَكُنتَ النَهارا
أَشَدُّهُمُ في النَدى هِزَّةً – وَأَبدُهُمْ في عَدُوٍّ مُغارا
سَما بِكَ هَمِّيَ فَوقَ الهُمومِ – فَلَستُ أَعُدُّ يَسارًا يَسارا
وَمَن كُنتَ بَحرًا لَهُ يا عَلِييُ – لَم يَقبَلِ الدُرَّ إِلّا كِبارا
قصيدة لأبو الطيب المتنبي

عيد بأية حال عدت يا عيد

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ – بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ – فَلَيتَ دونَكَ بيدًا دونَها بيدُ
لَولا العُلا لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها – وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ
وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً – أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ
لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي – شَيئًا تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما – أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ
أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني – هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً – وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ
ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُا – أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ
أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِنًا وَيَدًا – أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ
إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ – عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ
جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ – مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ
ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نُفوسِهِمُ – إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ
مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ – لا في الرِجالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ
أَكُلَّما اغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ – أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ
صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها – فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ
نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها – فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ
العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ – لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ – إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ
ما كُنتُ أَحسَبُني أبقى إِلى زَمَنٍ – يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ
وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا – وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ
وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ – تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ
جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني – لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ
إِنَّ امرأً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ – لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ
وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها – لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القُودُ
وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ – إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ
مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً – أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ
أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً – أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ
أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ – في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ – عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

لكل امرئ من دهره ماتعودا

لِكُلِّ امرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا – وَعادَتُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا
وَأَن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ بِضِدِّهِ – وَيُمسي بِما تَنوي أَعاديهِ أَسعَدا
وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفسَهُ – وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ أَهدى وَما هَدى
وَمُستَكبِرٍ لَم يَعرِفِ اللهَ ساعَةً – رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا
هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ راكدًا – عَلى الدُرِّ وَاحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا
فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى – وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا
تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ – تُفارِقُهُ هَلكى وَتَلقاهُ سُجَّدا
وَتُحيِي لَهُ المالَ الصَوارِمُ وَالقَنا – وَيَقتُلُ ما يُحيِي التَبَسُّمُ وَالجَدا
ذَكيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَينِهِ – يَرى قَلبُهُ في يَومِهِ ما تَرى غَدا
وَصولٌ إِلى المُستَصعَباتِ بِخَيلِهِ – فَلَو كانَ قَرنُ الشَمسِ ماءً لَأَورَدا
لِذَلِكَ سَمّى ابنُ الدُمُستُقِ يَومَهُ – مَماتًا وَسَمّاهُ الدُمُستُقُ مَولِدا
سَرَيتَ إِلى جَيحانَ مِن أَرضِ آمِدٍ – ثَلاثًا لَقَد أَدناكَ رَكضٌ وَأَبعَدا
فَوَلّى وَأَعطاكَ ابنَهُ وَجُيوشَهُ – جَميعًا وَلَم يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَدا
عَرَضتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرفِهِ – وَأَبصَرَ سَيفَ اللهِ مِنكَ مُجَرَّدا
وَما طَلَبَت زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَ – وَلَكِنَّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدا
فَأَصبَحَ يَجتابُ المُسوحَ مَخافَةً – وَقَد كانَ يَجتابُ الدِلاصَ المُسَرَّدا
وَيَمشي بِهِ العُكّازُ في الدَيرِ تائِبًا – وَما كانَ يَرضى مَشيَ أَشقَرَ أَجرَدا
وَما تابَ حَتّى غادَرَ الكَرُّ وَجهَهُ – جَريحًا وَخَلّى جَفنَهُ النَقعُ أَرمَدا
فَلَو كانَ يُنجي مِن عَليٍّ تَرَهُّبٌ – تَرَهَّبَتِ الأَملاكُ مَثنى وَمَوحِدا
وَكُلُّ امرِئٍ في الشَرقِ وَالغَربِ بَعدَها – يُعِدُّ لَهُ ثَوبًا مِنَ الشَعرِ أَسوَدا
هَنيئًا لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ – وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ – تُسَلِّمُ مَخروقًا وَتُعطي مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى – كَما كُنتَ فيهِم أَوحَدًا كانَ أَوحَدَ
هُوَ الجَدُّ حَتّى تَفضُلَ العَينُ أُختَها – وَحَتّى يَصيرَ اليَومُ لِليَومِ سَيِّدا
فَيا عَجَبًا مِن دائِلٍ أَنتَ سَيفُهُ – أَما يَتَوَقّى شَفرَتَي ما تَقَلَّدا
وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازًا لِصَيدِهِ – يُصَيِّرُهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
رَأَيتُكَ مَحضَ الحِلمِ في مَحضِ قُدرَةٍ – وَلَو شِئتَ كانَ الحِلمُ مِنكَ المُهَنَّدا
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ – وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذي يَحفَظُ اليَدا
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ – وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا – مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأيًا وَحِكمَةً – كَما فُقتَهُم حالًا وَنَفسًا وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ – فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِمْ – فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُمْ لِيَ حُسَّدا
إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ – ضَرَبتُ بِنَصْلٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا
وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ – فَزَيَّنَ مَعروضًا وَراعَ مُسَدَّدا
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي – إِذا قُلتُ شِعرًا أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِدًا
فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا – وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا
أَجِزني إِذا أُنشِدتَ شِعرًا فَإِنَّما – بِشِعري أَتاكَ المادِحونَ مُرَدَّدا
وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني – أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وَالآخَرُ الصَدى
تَرَكتُ السُرى خَلفي لِمَن قَلَّ مالُهُ – وَأَنعَلتُ أَفراسي بِنُعماكَ عَسجَدا
وَقَيَّدتُ نَفسي في ذَراكَ مَحَبَّةً – وَمَن وَجَدَ الإِحسانَ قَيدًا تَقَيَّدا
إِذا سَأَلَ الإِنسانُ أَيّامَهُ الغِنى – وَكُنتَ عَلى بُعدٍ جَعَلنَكَ مَوعِدا
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

قد يسروا لدفين حان مصرعه

قد يَسّروا لدفينٍ، حانَ مَصْرَعُهُ – بيتاً من الخُشْبِ لم يُرْفَع ولا رحُبا
يا هؤلاءِ اتركوهُ والثرى فلهُ – أنُسٌ به وهو أولى صاحبٍ صُحِبا
وإنما الجسْمُ تُربٌ خيرُ حالته – سُقياً الغمائم، فاستسقوا له السُّحبا
صارَ البهيجُ من الأقوام، خطّ سفا – وقد يُراع إذا ما وجهُه شحُبا
سِيّانِ من لم يضِق ذَرعاً بُعيد رَدىً – وذارعٌ في مغاني فتيةٍ سُحبا
فافرِق من الضّحك واحذر أن تحالفه – أما ترى الغيمَ لما استُضحك انتحبا
قصيدة للشاعر أبو العلاء المعري