على قدر الهوى يأتي العتاب | ومن عاتبت تفديه الصحاب |
أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي | فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ |
وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ | وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ |
وَلي قَلبٌ بِأَن يَهوى يُجازى | وَمالِكُهُ بِأَن يَجني يُثابُ |
وَلَو وُجِدَ العِقابُ فَعَلتُ لَكِن | نِفارُ الظَبيِ لَيسَ لَهُ عِقابُ |
يَلومُ اللائِمونَ وَما رَأَوهُ | وَقِدماً ضاعَ في الناسِ الصَوابُ |
صَحَوتُ فَأَنكَرَ السُلوانَ قَلبي | عَلَيَّ وَراجَعَ الطَرَبَ الشَبابُ |
كَأَنَّ يَدَ الغَرامِ زِمامُ قَلبي | فَلَيسَ عَلَيهِ دونَ هَوىً حِجابُ |
كَأَنَّ رِوايَةَ الأَشواقِ عَودٌ | عَلى بَدءٍ وَما كَمُلَ الكِتابُ |
كَأَنِّيَ وَالهَوى أَخَوا مُدامٍ | لَنا عَهدٌ بِها وَلَنا اِصطِحابُ |
إِذا ما اِعتَضتُ عَن عِشقٍ بِعِشقِ | أُعيدَ العَهدُ وَاِمتَدَّ الشَرابُ |
قصيدة احمد شوقي
مجموعة مميزة لقصائد أمير الشعراء و احد شعراء العصر الحديث أحمد شوقي.
يا مصر سماؤك جوهرة
يا مصر سماؤك جوهرة | وثراك بحار عسجده |
والنيل حياة دافقة | ونعيم عذب مورِده |
والملك سعيد حاضره | لك في الدنيا حر غده |
والعصر إليك تقرّبه | وإلى حاميك تودّده |
والشرق رقيك مظهره | وحضارة جيلك سؤدده |
لسريرك بين أسرّته | أعلى التاريخ وأمجده |
بعلو الهمة نرجعه | وبنشر العلم نجدّده |
سعت لك صورتي وأتاك شخصي
سَعَت لَكَ صورَتي وَأَتاكَ شَخصي | وَسارَ الظِلُّ نَحوَكَ وَالجِهاتُ |
لِأَنَّ الروحَ عِندَكَ وَهيَ أَصلٌ | وَحَيثُ الأَصلُ تَسعى المُلحَقاتُ |
وَهَبها صورَةً مِن غَيرِ روح | أَلَيسَ مِنَ القَبولِ لَها حَياةُ |
أما العتاب فبالأحبة أخلق
أَمّا العِتابُ فَبِالأَحِبَّةِ أَخلَقُ | وَالحُبُّ يَصلُحُ بِالعِتابِ وَيَصدُقُ |
يا مَن أُحِبُّ وَمَن أُجِلُّ وَحَسبُهُ | في الغيدِ مَنزِلَةً يُجَلُّ وَيُعشَقُ |
البُعدُ أَدناني إِلَيكَ فَهَل تُرى | تَقسو وَتَنفُرُ أَم تَلينُ وَتَرفُقُ |
في جاهِ حُسنِكَ ذِلَّتي وَضَراعَتي | فَاِعطِف فَذاكَ بِجاهِ حُسنِكَ أَليَقُ |
خَلُقَ الشَبابُ وَلا أَزالُ أَصونُهُ | وَأَنا الوَفِيُّ مَوَدَّتي لا تَخلُقُ |
صاحَبتُهُ عِشرينَ غَيرَ ذَميمَةٍ | حالي بِهِ حالٍ وَعَيشِيَ مونِقُ |
قَلبي اِدَّكَرتَ اليَومَ غَيرُ مُوَفَّقٍ | أَيّامَ أَنتَ مَعَ الشَبابِ مُوَفَّقُ |
فَخَفَقتَ مِن ذِكرى الشَبابِ وَعَهدِهِ | لَهفي عَلَيكَ لِكُلِّ ذِكرى تَخفُقُ |
كَم ذُبتَ مِن حُرَقِ الجَوى وَاليَومَ مِن | أَسَفٍ عَلَيهِ وَحَسرَةٍ تَتَحَرَّقُ |
كُنتَ الشِباكَ وَكانَ صَيداً في الصِبا | ما تَستَرِقُّ مِنَ الظِباءِ وَتُعتِقُ |
خَدَعَت حَبائِلُك المِلاحَ هُنَيَّةً | وَاليَومَ كُلُّ حِبالَةٍ لا تَعلَقُ |
هَل دونَ أَيّامِ الشَبيبَةِ لِلفَتى | صَفوٌ يُحيطُ بِهِ وَأُنسٌ يُحدِقُ |
أعقاب في عنان الجو لاح
أَعُقابٌ في عَنانِ الجَوِّ لاح | أَم سَحابٌ فَرَّ مِن هَوجِ الرِياح |
أَم بِساطُ الريحِ رَدَّتهُ النَوى | بَعدَ ما طَوَّفَ في الدَهرِ وَساح |
أَو كَأَنَّ البُرجَ أَلقى حوتَهُ | فَتَرامى في السَماواتِ الفِساح |
أَقبَلَت مِن بُعُدٍ تَحسَبُها | نَحلَةً عَنَّت وَطَنَّت في الرِياح |
يا سِلاحَ العَصرِ بُشِّرنا بِهِ | كُلُّ عَصرٍ بِكَمِيٍّ وَسِلاح |
إِنَّ عِزّاً لَم يُظَلَّل في غَدٍ | بِجَناحَيكَ ذَليلٌ مُستَباح |
فَتَكاثَر وَتَأَلَّف فَيلَقاً | تَعصِمُ السِلمَ وَتَعلو لِلكِفاح |
مِصرُ لِلطَيرِ جَميعاً مَسرَحٌ | ما لَنا فيهِ ذُنابى أَو جَناح |
رُبَّ سِربٍ قاطِعٍ مَرَّ بِهِ | هَبَطَ الأَرضَ مَلِيّاً وَاِستَراح |
لِمَ لا يُفتَنُ فِتيانَ الحِمى | ذَلِكَ الإِقدامُ أَو ذاكَ الطِماح |
مِن فَتىً حَلَّ مِنَ الجَوِّ بِهِم | فَتَلَقّوهُ عَلى هامٍ وَراح |
إِنَّهُ أَوَّلُ عُصفورٍ لَهُم | هَزَّ في الجَوِّ جَناحَيهِ وَصاح |
دَبَّت الهِمَّةُ فيهِ وَمَشَت | عَزَماتٌ مِنكَ يا حَربُ صِحاح |
ناطَحَ النَجمَ فَتىً عَلَّمتُهُ | في حَياةٍ حُرَّةٍ كَيفَ النِطاح |
لَكَ في الأَجيالِ تِمثالٌ مَشى | وَجَدوا الرُشدَ عَلَيهِ وَالصَلاح |
جاوَزَ النيلَ وَعَبرَيهِ إِلى | أَكَمِ الشامِ وَهاتيكَ البِطاح |
فارِسَ الجَوِّ سَلامٌ في الذُرى | وَعَلى الماءِ وَمِن كُلِّ النَواح |
ثِب إِلىالنَجمِ وَزاحِم رُكنَهُ | وَاِمتَلِئ مِن خُيَلاءٍ وَمِراح |
إِنَّ هَذا الفَتحَ لا عَهدَ بِهِ | لِضِفافِ النيلِ مِن عَهدِ فِتاح |
تِلكَ أَبوابُ السَماءِ اِنفَتَحَت | ما وَراءَ البابِ يا طَيرَ النَجاح |
أَسَماءُ النيلِ أَيضاً حَرَمٌ | مِن طَريقِ الهِندِ أَم جَوٌّ مُباح |
عَينُ شَمسٍ مُلِأَت مِن مَوكِبٍ | كانَ لِلأَبطالِ أَحياناً يُتاح |
رُبَّما جَلَّلَ وَجهَ الأَرضِ أَو | رُبَّما سَدَّ عَلى الشَمسِ السَراح |
إِن يَفُتهُ الجَيشُ أَو رَوَّعتُهُ | لَم يَفُتهُ النَشَأُ الزُهرُ الصِباح |
وَفِدى فائِزَةٍ سُمرُ القَنا | وَفِدى حارِسِها بيضُ الصِفاح |
وَلَقَد أَبطَأَت حَتّى لَم يَنَم | لِلحِمى لَيلٌ وَلَم يَنعَم صَباح |
فَاِبتَغي العُذرَ كِرامٌ وَاِنبَرَت | أَلسُنٌ في الثَلمِ وَالهَدمِ فِصاح |
تَلتَوي الخَيلُ عَلى راكِبِها | كَيفَ بِالعاصِفِ في يَومِ الجِماح |
لَيسَ مَن يَركَبُ سَرجاً لَيِّناً | مِثلَ مَن يَركَبُ أَعرافَ الرِياح |
سِر رُوَيداً في فَضاءٍ سافِرٍ | ضاحِكِ الصَفحَةِ كَالفِردَوسِ صاح |
طَرَفَت عَيناً بِهِ الشَمسُ فَلَو | خُيِّرَت لَم تَتَحَفَّز لِلرَواح |
وَتَكادُ الطَيرُ مِن خِفَّتِهِ | تَتَعالى فيهِ مِن غَيرِ جَناح |
قِف تَأَمَّل مِن عُلُوٍّ قُبَّةً | رُفِعَت لِلفَصلِ وَالرَأيِ الصُراح |
نَزَلَ النُوّابُ فيها فِتيَةً | في جَناحٍ وَشُيوخاً في جَناح |
حَمَلوا الحَقَّ وَقاموا دونَهُ | كَرَعيلِ الخَيلِ أَو صَفِّ الرِماح |
يا أَبا الفاروقِ مَن تَرعى فَفي | كَنَفِ الفَضلِ وَفي ظِلِّ السِماح |
أَنتَ مِن آباؤُكِ السُحبُ وَما | في بِناءِ السُحُبِ الأَيدي الشِحاح |
يَدُكَ السَمحَةُ في الخَيرِ وَفي | هِمَّةِ الغَرسِ وَفي أُسوِ الجِراح |
نَحنُ أَفلَحنا عَلى الأَرضِ بِكُم | وَرَجَونا في السَماواتِ الفَلاح |
عادت أغاني العرس رجع نواح
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ | وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ |
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ | وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ |
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ | في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ |
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ | وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ |
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ | تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ |
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ | أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ |
وَأَتَت لَكِ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَمًا | فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ |
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ | قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ |
إِنَّ الَّذينَ أَسَتْ جِراحَكِ حَربُهُمْ | قَتَلَتكِ سَلمُهُمُ بِغَيرِ جِراحِ |
هَتَكوا بِأَيديهِمْ مُلاءَةَ فَخرِهِمْ | مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ |
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ | وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ |
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ | قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ |
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها | كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ |
جَمَعَتْ عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما | جَمَعَتْ عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ |
نَظَمَتْ صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُمْ | في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ |
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ | بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ |
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً | وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ |
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِمْ فِقهُهُ | خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ |
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ | أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ |
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ | مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي |
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما | قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي |
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ | وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ |
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ | وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي |
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً | وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ |
فَامدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُمُ | أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ |
وَمِنَ الرِجالِ إِذا انبَرَيتَ لِهَدمِهِمْ | هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ |
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ | تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ |
أَدُّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِحْ | إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ |
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ | كَيفَ احتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ |
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى | وَالناسَ نَقْلَ كَتائِبٍ في الساحِ |
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ | لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ |
هُمْ أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمُ | حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ |
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ | وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ |
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ | لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ |
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً | لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ |
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ | عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ |
حُبٌّ لِذاتِ اللهِ كانَ وَلَم يَزَلْ | وَهَوًى لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ |
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ | حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ |
غَزَواتُ (أَدهَمَ) كُلِّلَت بَذَوابِلٍ | وَفُتوحُ (أَنوَرَ) فُصِّلَت بِصِفاحِ |
وَلَّتْ سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما | وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ |
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ | عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ |
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً | وَاليَومَ مَدَّ لَهُمْ يَدَ الجَرّاحِ |
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا | يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ |
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً | فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ |
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ | وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ |