| أتَزْعُمُ، يا ضخمَ اللّغَادِيدِ، أنّنَا | وَنحن أُسودُ الحرْبِ لا نَعرِفُ الحرْبَا |
| فويلكَ منْ للحربِ إنْ لمْ نكنْ لها | ومنْ ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا |
| و منْ ذا يلفّ الجيشَ منْ جنباتهِ | و منْ ذا يقودُ الشمَّ أو يصدمُ القلبا |
| وويلكَ منْ أردى أخاكَ بمرعشٍ | وَجَلّلَ ضرْباً وَجهَ وَالدِكَ العضبَا |
| وويلكَ منْ خلى ابنَ أختكَ موثقاً | وَخَلاّكَ بِاللَّقَّانِ تَبتَدرُ الشِّعبَا |
| أتوعدنا بالحربِ حتى كأننا | و إياكَ لمْ يعصبْ بها قلبنا عصبا |
| لَقد جَمَعْتنَا الحَرْبُ من قبلِ هَذِهِ | فكنا بها أسداً وكنتَ بها كلبا |
| فسلْ بردساً عنا أباك وصهرهُ | وسلْ آلَ برداليسَ أعظمكم خطبا |
| وَسَلْ قُرْقُوَاساً وَالشَّمِيشَقَ صِهْرَهُ | وَسَلْ سِبْطَهُ البطرِيقَ أثبَتكم قلبَا |
| وَسَلْ صِيدَكُمْ آلَ المَلايِنِ إنّنَا | نهبنا ببيضِ الهندِ عزهمُ نهبا |
| و سلْ آلَ بهرامٍ وآلَ بلنطسٍ | و سلْ آلَ منوالِ الجحاجحة َ الغلبا |
| و سلْ بالبرطسيسِ العساكرَ كلها | و سلْ بالمنسطرياطسِ الرومَ والعربا |
| ألَمْ تُفْنِهِمْ قَتْلاً وَأسْراً سُيُوفُنَا | وأسدَ الشرى الملأى وإنْ جمدتْ رعبا |
| بأقلامِنَا أُجْحِرْتَ أمْ بِسُيُوفِنَا | و أسدَ الشرى قدنا إليكَ أمِ الكتبا |
| تركناكَ في بطنِ الفلاة ِ تجوبها | كمَا انْتَفَقَ اليَرْبُوعُ يَلتَثِمُ التّرْبَا |
| تُفاخِرُنَا بالطّعنِ وَالضرب في الوَغى | لقد أوْسَعَتْك النفسُ يابنَ استها كِذبَا |
| رعى اللهُ أوفانا إذا قالَ ذمة ً | وَأنْفَذَنَا طَعْناً، وأَثْبَتَنَا قَلْبَا |
| وَجَدْتُ أبَاكَ العِلْجَ لمّا خَبَرْتُهُ | أقَلّكُمُ خَيراً، وَأكْثَرَكمْ عُجبَا |
قصائد خالدة
أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب
| أعِيدوا صَباحي فَهوَ عندَ الكَواعبِ | ورُدّوا رُقادي فَهوَ لحظُ الحبائِبِ |
| فإنّ نَهاري لَيْلَةٌ مُدْلَهِمّةٌ | على مُقْلَةٍ مِنْ بَعدِكمْ في غياهبِ |
| بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفُونِ كأنّمَا | عَقَدْتُمْ أعالي كلِّ هُدْبٍ بحاجِبِ |
| وأحْسَبُ أنّي لوْ هَوِيتُ فِراقَكُمْ | لَفارَقْتُهُ والدّهرُ أخبثُ صاحِبِ |
| فَيا لَيتَ ما بَيْني وبَينَ أحِبّتي | مِنَ البُعْدِ ما بَيني وبَينَ المَصائِبِ |
| أُراكِ ظَنَنْتِ السّلكَ جِسمي فعُقْتِه | عَلَيْكِ بدُرٍّ عن لِقاءِ التّرائِبِ |
| ولَوْ قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقّ رأسِهِ | من السّقمِ ما غيّرْتُ من خطّ كاتِبِ |
| تُخَوّفُني دونَ الذي أمَرَتْ بِهِ | ولم تَدْرِ أنّ العارَ شرُّ العَواقِبِ |
| ولا بُدّ مِنْ يَوْمٍ أغَرّ مُحَجَّلٍ | يَطولُ استِماعي بَعدَهُ للنّوادِبِ |
| يَهُونُ على مِثْلي إذا رامَ حاجَةً | وُقوعُ العَوالي دونَها والقَواضِبِ |
| كَثيرُ حَيَاةِ المَرْءِ مِثْلُ قَليلِهَا | يَزولُ وباقي عَيْشِهِ مِثْلُ ذاهِبِ |
| إلَيْكِ فإنّي لَسْتُ ممّنْ إذا اتّقَى | عِضاضَ الأفاعي نامَ فوقَ العقارِبِ |
| أتاني وَعيدُ الأدْعِياءِ وأنّهُمْ | أعَدّوا ليَ السّودانَ في كَفْرَ عاقِبِ |
| ولَوْ صَدَقوا في جَدّهمْ لَحَذِرْتُهمْ | فَهَلْ فيّ وَحدي قَوْلُهم غيرُ كاذِبِ |
| إليّ لَعَمري قَصْدُ كُلّ عَجيبَةٍ | كأنّي عَجيبٌ في عُيُونِ العَجائِبِ |
| بأيَّ بِلادٍ لم أجُرَّ ذُؤابَتي | وأيُّ مَكانٍ لم تَطأْهُ رَكائبِي |
| كأنّ رَحيلي كانَ منْ كَفّ طاهرٍ | فأثْبَتَ كُوري في ظهورِ المَواهِبِ |
| فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ لم يَرِدْنَ فِناءَهُ | وهُنّ لَهُ شِرْبٌ وُرُودَ المَشارِبِ |
| فَتًى عَلّمَتْهُ نَفْسُهُ وجُدودُهُ | قِراعَ العَوالي وابتِذالَ الرّغائبِ |
| فقَدْ غَيّبَ الشُّهّادَ عن كلّ مَوْطِنٍ | ورَدّ إلى أوطانِهِ كلَّ غائِبِ |
| كَذا الفاطِمِيّونَ النّدى في بَنانِهِمْ | أعَزُّ امّحاءً مِنْ خُطوطِ الرَّواجِبِ |
| أُناسٌ إذا لاقَوْا عِدًى فكأنّما | سِلاحُ الذي لاقَوْا غُبارُ السّلاهِبِ |
| رَمَوْا بنَواصِيها القِسِيَّ فجِئْنَها | دَوَامي الهَوادي سالماتِ الجَوانِبِ |
| أُولَئِكَ أحْلى مِنْ حَياةٍ مُعادَةٍ | وأكْثَرُ ذِكْراً مِنْ دُهورِ الشّبائِبِ |
| نَصَرْتَ عَلِيّاً يا ابْنَهُ ببَواتِرٍ | من الفِعْلِ لا فَلٌّ لها في المَضارِبِ |
| وأبْهَرُ آياتِ التّهاميّ أنّهُ | أبوكَ وأجدى ما لكُمْ من منَاقِبِ |
| إذا لم تكُنْ نَفْسُ النّسيبِ كأصْلِهِ | فماذا الذي تُغني كرامُ المَناصِبِ |
| وما قَرُبَتْ أشْباهُ قَوْمٍ أباعِدٍ | ولا بَعُدَتْ أشْباهُ قَوْمٍ أقارِبِ |
| إذا عَلَوِيٌّ لم يكنْ مِثْلَ طاهِرٍ | فَما هُوَ إلاّ حُجّةٌ للنّواصِبِ |
| يَقولونَ تأثِيرُ الكَواكِبِ في الوَرَى | فَما بالُهُ تأثِيرُهُ في الكَواكِبِ |
| عَلا كَتَدَ الدّنْيا إلى كُلّ غايَةٍ | تَسيرُ بهِ سَيْرَ الذَّلُولِ براكِبِ |
| وحُقّ لَهُ أن يَسْبِقَ النّاسَ جالِساً | ويُدْرِكَ ما لم يُدرِكُوا غيرَ طالِبِ |
| ويُحْذَى عَرانِينَ المُلوكِ وإنّها | لَمِنْ قَدَمَيْهِ في أجَلّ المَراتِبِ |
| يَدٌ للزّمانِه الجَمْعُ بَيْني وبَيْنَهُ | لتَفْريقِهِ بَيْني وبَينَ النّوائِبِ |
| هُوَ ابنُ رَسولِ الله وابنُ وَصِيّهِ | وشِبْهُهُما شَبّهْتُ بعدَ التّجارِبِ |
| يَرَى أنّ ما ما بانَ مِنكَ لضارِبٍ | بأقْتَلَ مِمّا بانَ منكَ لعائِبِ |
| ألا أيّها المالُ الذي قد أبادَهُ | تَعَزَّ فَهَذا فِعْلُهُ بالكَتائِبِ |
| لَعَلّكَ في وَقْتٍ شَغَلْتَ فُؤادَهُ | عنِ الجُودِ أوْ كَثّرْتَ جيشَ مُحارِبِ |
| حَمَلْتُ إلَيْهِ مِنْ لِسَاني حَديقَةً | سقاها الحجى سقيَ الرّياضِ السّحائِبِ |
| فَحُيّيتَ خيرَ ابنٍ لخَيرِ أبٍ بهَا | لأشرَفِ بَيْتٍ في لُؤيّ بنِ غالِبِ |
لحن الحياة
| إذا الشعبُ يوما أراد الحياة | فلا بد أن يستجيب القـدر |
| ولا بـد لليـل أن ينجلي | ولا بـد للقيـد أن ينكسـر |
| ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياة | تبخر فــي جوها واندثر |
| فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة | من صفْعـة العــدَم المنتصر |
| كـذلك قـالت ليَ الكائناتُ | وحدثني روحُها المستترْ |
| ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج | وفوق الجبال وتحت الشجرْ |
| إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍ | ركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ |
| ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب | ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ |
| ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ |
| فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب | وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ |
| وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ | وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ |
| وقـالت لـي الأرضُ لمـا سـألت | أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر |
| أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح | ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ |
| وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ | ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ |
| هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة | ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ |
| فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ | ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ |
| ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم | لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ |
| فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا | ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ |
| وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف | مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ |
| ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم | وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ |
| سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ | لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر |
| فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلام | ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ |
| وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍ | مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ |
| يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـاب | شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ |
| فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِ | وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ |
| وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُ | وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ |
| وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــا | وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ |
| وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ | ويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ |
| ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ | تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ |
| وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ | ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ |
| وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍ | وأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ |
| معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِ | وتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ |
| لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ | وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ |
| وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ | وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ |
| ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ | وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ |
| وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً | مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ |
| تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ | وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر |
| وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق | ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر |
| وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ | وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر |
| ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ | ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ |
| ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ | يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ |
| ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ | وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ |
| ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ | وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر |
| هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ | وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ |
| ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا | حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ |
| فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا | وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ |
| وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه | وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ |
| وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ | تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ |
| وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ | وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ |
| وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي | شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ |
| ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه | يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ |
| إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ | إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ |
| إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ! | إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ |
| فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِ | بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ |
| ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَ | ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ |
| ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها | وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ |
| وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ | يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ |
| ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ | يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ |
| وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ | وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ |
| ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـال | بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ |
| ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ | سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ |
| وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَ | لهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ |
| إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ | فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر |