| أيْها الشعبُ ليتني كنتُ حطَّاباً | فأهوي على الجذوعِ بفأسي |
| ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ | تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ |
| ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي | ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس |
| ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي | كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي |
| ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي | فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي |
| ليت لي قوة َ الأعاصيرِ إن ضجَّتْ | فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي |
| ليت لي قوة َ الأعاصيرِ لكْ | أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ |
| أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور | وتقضي الدهور في ليل مَلْس |
| أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ | حواليكَ دون مسّ وجسِ |
| في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي | وأترعتُها بخمرة ِ نفسي |
| ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ | رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي |
| فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي | وكفكفتُ من شعوري وحسّي |
| ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي | باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي |
| ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ | ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ |
| ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً | وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي |
| إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي | لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي |
| إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي | في صميم الغابات أدفنُ بؤسي |
| ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت | بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي |
| سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي | وأُفضي لها بأشواق نَفْسي |
| فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري | أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ |
| ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل | وأُلقي إلى الوجود بيأسي |
| ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو | تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي |
| وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي | ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس |
| وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ | كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي |
| أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ | لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ |
| أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها | فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ |
| أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها | ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ |
| والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي | في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي |
| هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ | رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ |
| فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا | واستخفُّوا به، وقالوا بيأس |
| “قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ | فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ |
| طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ | ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي |
| طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ | ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس |
| طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي | وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ |
| إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ | الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ |
| فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ | إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ |
| «أطردوه، ولا تُصيخوا إليه | فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ |
| هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ | عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ |
| جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها | فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ |
| فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ | وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ |
| هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ | ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ |
| وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب | الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ |
| في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ | يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ |
| في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير | ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي |
| نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ | ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ |
| شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ | على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ |
| والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه | وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ |
| وترا عند الأصيل، لدى الجدول | يرنو للطَّائرِ المتحسِّي |
| أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو | إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي |
| فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ | ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي |
| كان في كوخه الجميل، مقيماً | يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ |
| عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ | وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي |
| وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ | ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي |
| وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ | وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ |
| وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها | سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي |
| هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني | حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ |
| يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ | تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي |
| يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا | نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ |
| يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون | حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ |
شاعر الخضراء
أبو القاسم الشابي هو شاعر تونسي لقب بشاعر الخضراء مجموعة مميزة من قصائد شاعر الخضراء.
الحُبُّ شُعْلَة ُ نُورٍ ساحرٍ، هَبَطَتْ
| الحُبُّ شُعْلَة ُ نُورٍ ساحرٍ، هَبَطَتْ | منَ السَّماءِ، فكانتْ ساطعَ الفَلَقِ |
| وَمَزّقتْ عَن جفونِ الدَّهْرِ أَغْشِيَة ً | وعن وجوه الليالي بُرقُعَ الغسقِ |
| الحبُّ رُوحُ إلهيٌّ، مجنّحة ٌ | أيامُه بضياء الفجر والشّفقِ |
| يطوفُ في هذهِ الدُّنيا، فَيَجْعَلُها | نجْماً، جميلاً، ضحوكاً، جِدَّ مؤتلقِ |
| لولاهُ ما سُمِعتْ في الكون أغنية ٌ | ولا تألف في الدنيا بَنْو أُفْقِ |
| الحبُّ جَدْولٌ خمرٍ، مَنْ تَذَوَّقَهُ | خاضَ الجحيمَ، ولم يُشْفِق من الحرقِ |
| الحبُّ غاية ُ آمالِ الحياة ِ، فما | خوْفِي إذا ضَمَّني قبرٌ؟ وما فَرَقِي؟ |
ضعفُ العزيمة ِ لَحْدٌ، في سكينَتهِ
| ضعفُ العزيمة ِ لَحْدٌ، في سكينَتهِ | تقْضِي الحياة ُ، بَنَاهُ اليأسُ والوجَلُ |
| وفِي العَزِيمَة ِ قُوَّاتٌ، مُسَخَّرَة ٌ | يخِرّ دونَ مَداها اليأسُ والوجَلُ |
| والنّاسُ شَخْصان: ذا يسْعى به قَدَمٌ | من القُنوطِ، وذا يسعَى به الأملُ |
| هذا إلى الموتِ، والأجداثُ ساخرة ٌ، | وَذَا إلى المَجْدِ، والدُّنْيَا لَهُ خَوَلُ |
| ما كلُّ فعل يُجِلُّ النَّاسُ فَاعلَه | مجداً، فإنَّ الورى في رأَيِهم خطَلُ |
| ففي التماجد تمويهٌ، وشعْوذَة ٌ، | وَفِي الحَقِيقَة مَا لا يُدْرِكُ الدَّجِلُ |
| مَا المَجْدُ إلا ابتِسَامَاتٌ يَفِيضُ بها | فمُ الزمانْ، إذا ما انسدَّتِ الحِيَلُ |
| وليسَ بالمَجدْ ما تشْقى الحياة ُ به | فَيَحْسُدُ اليَوْمُ أمْساً، ضَمَّهُ الأَزَلُ |
| فما الحروبُ سوى وحْشيَّة ٍ، نهضَتْ | في أنفُسِ النّاسِ فانقادَتْ لها الدّولُ |
| وأيقظتْ في قلوبِ النّاسِ عاصفة ً | غامَ الوجودُ لها، واربْدَّت السُّبُلُ |
| فَالدَّهْرُ مُنْتَعِلٌ بالنَّارِ، مُلْتَحِفٌ | بالهوْلِ، والويْلِ، والأيامُ تَشْتَعِلُ |
| وَالأَرْضُ دَامية ٌ، بالإثْمِ طَامِيَة ٌ، | وَمَارِدُ الشَّرِّ في أَرْجَائِهَا ثَمِلُ |
| والموْتُ كالماردِ الجبَّارِ، منتصِبٌ | فِي الأرضِ، يَخْطُفُ مَنْ قَدْ خَانَهُ الأَجَلْ |
| وَفِي المَهَامِهِ أشلاءٌ، مُمَزَّقَة ٌ | تَتْلُو على القَفْرِ شِعْراً، لَيْسَ يُنْتَحَلُ |
قَدَّس اللَّهُ ذِكْرَهُ مِن صَبَاحٍ
| قَدَّس اللَّهُ ذِكْرَهُ مِن صَبَاحٍ | سَاحِرٍ، في ظِلال غابٍ جميلِ |
| كان فيه النّسيم، يرقصُ سكراناً | على الوردِ، والنّباتِ البَليلِ |
| وضَبابُ الجبالِ، يَنْسَابُ في رفقٍ | بديعٍ، على مُروج السُّهولِ |
| وأغاني الرعاة ِ، تخفقُ في الأغوارِ | والسّهلِ، والرّبا، والتّلولِ |
| ورحابُ الفضاءِ، تَعْبُقُ بالألحانِ | والعطرِ، والذّياءِ الجميلِ |
| والمَلاَكُ الجميلُ، ما بين ريحانٍ | وعُشْبٍ، وسِنديانٍ، ظَليلِ |
| يتغنَّى مع العَصَافيرِ، في الغاب | ويرنو إلى الضَّباب الكَسُولِ |
| وشعورُ الملاك ترقصُ بالأزهار | والضوءِ، والنَّسيمِ العَليل |
| حُلُمٌ ساحرٌ، به حَلُمَ الغابُ | فَوَاهاً لِحُلْمِهِ المَعْسُولِ! |
| مثلُ رؤيا تلوحُ للشّاعر الفنَّان | في نشوة ِ الخيال الجليلِ |
| قد تملَّيْتُ سِحرَهُ في أناة ٍ | وحنانٍ، وَلَذَّة ٍ، وَذُهولِ |
| ثُمَّ ناديتُ، حينما طفحَ السِّحرُ | بأرجاءِ قَلبي المبتولِ |
| يا شعورٌ تميد في الغَاب بالر | يحانِ، والنّور، والنّسيم البليلِ |
| كَبَّليني بهاتِهِ الخِصَلِ المرخَاة ِ | في فتنة ِ الدَّلال المَلُولِ |
| كبّلي يا سَلاسلَ الحبِّ أفكا | ري، وأحلامَ قلبيَ الضَّلِّيلِ |
| كبِّليني بكل ما فيكِ من عِطْرٍ | وسحرٍ مُقَدّسٍ، مَجْهولِ |
| كبِّليني، فإنَّما يُصْبِحُ الفنّان | حرّاً في مثل هذي الكبولِ |
| ليت شعري! كَمْ بينَ أمواجِكِ السّو | دِ، وطيّاتِ ليلِكِ المسدولِ |
| من غرامٍ، مُذَهَّبِ التاجِ، ميْتٍ | وفؤادٍ، مصفَّدٍ، مغلولِ |
| وزهورٍ من الأمانيِّ تَذوِي | في شُحُوبٍ، وخيبة ٍ، وخمولِ |
| أنتِ لا تعلمين..، واللَّيلُ لا يعلَمُ | كم في ظلامِه من قَتيلِ |
| أنتِ أُرْجُوحَة ُ النسيمِ فميلي | بالنسيمِ السعيدِ كِلَّ مَمِيلِ |
| ودَعي الشَّمسَ والسماءَ تُسَوِّي | لكِ تاجاً، من الضياء الجميلِ |
| ودِعي مُزْهِرَ الغُصُونِ يُغَشِّيـ | ـكِ بأوراقِ وَردِه المطلولِ |
| للشّعاع الجميلِ أنتِ، وللأنسا | مِ، والزَّهر، فالعبي، وأطيلي |
| ودعي للشقيِّ أشواقَه الظمْأى | وأَوهامَ ذِهْنه المعلولِ |
| يا عروسَ الجبالِ، يا وردة َ الآ | مالِ، يا فتنة َ الوجودِ الجليل |
| ليتني كنتُ زهرة ً، تتثنَّى | بين طيّات شَعْرِكِ المصقولِ! |
| أو فَراشاً، أحومُ حولكِ مسحوراً | غريقاً، في نشوتي، وَذُهُولي! |
| أو غصوناً، أحنو عليكِ بأوراقي | حُنُوَّ المُدَلَّهِ، المتْيولِ! |
| أو نسيماً، أضمُّ صدركِ في رِفقٍ، | إلى صَدْرِيَ الخفوقِ، النَّحيلِ |
| آهِ! كم يُسْعِدُ الجمالُ، ويُشْقي | |
كل قلب حمل الخسف وما
| كلُّ قلبٍ حملَ الخسفَ، وما | ملَّ من ذلِّ الحياة ِ الأرْذلِ |
| كُلُّ شَعْبٍ قَدْ طَغَتْ فِيهِ الدِّمَا | دونَ أن يثْأَرَ للحقّ الجلي |
| خَلِّهِ لِلْمَوْتِ يَطْوِيهِ فَمَا | حظُّه غيرُ الفَناء الأنكلِ |
بيت بنته لي الحياة من الشذى
| بيْتٌ، بَنَتْه ليَ الحياة ُ من الشذَى | والظلّ، والأَضْواءِ، والأنغامِ |
| بيتٌ، من السِّحرِ الجميلِ، مشَيَدٌ | للحبِّ، والأحلامِ، والالهامِ |
| في الغابِ سِحْرٌ، رائعٌ متجدِّدٌ | باقٍ على الأَيامِ والأعْوامِ |
| وشذًى كأجنحة الملائكِ، غامضٌ | سَاهٍ يُرفرف في سُكونٍ سَامِ |
| وجداولٌ، تشْدو بمعسول الغِنا | وتسيرُ حالمة ً، بغيرِ نِظَامِ |
| ومخارفٌ نَسَجَ الزمانُ بساطَها | من يابسِ الأوراقِ والأكمامِ |
| وَحَنَا عليها الدّوّحُ، في جَبَرُوتِهِ | بالظلِّ، والأغصان والنسام |
| في الغاب، في تلك المخارف، والرُّبى | وعلى التِّلاع الخُضرِ، والآجامِ |
| كم من مشاعرِ، حلْة ٍ، مجْهولة ٍ | سَكْرَى ، ومِنْ فِكَرٍ، ومن أوهامِ |
| غَنَّتْ كأسرابِ الطُّيورِ، ورفرفت | حولي، وذابتْ كالدّخان، أمامي |
| ولَكَمْ أَصَخْتُ إلى أناشيد الأسى | وتنهُّدِ الآلام والأسقامِ |
| وإلى الرياحِ النائحاتِ كأنّها | في الغاب تبكي ميِّت الأيَّامِ |
| وإلَى الشبابِ، مُغَنَّياً، مُتَرَنِّماً | حوْلي بألحان الغَرامِ الظَّامي |
| وسمعتُ للطير، المغرِّد في الفضا | والسِّنديانِ، الشامخ، المتَسامي |
| وإلى أناشيد الرّعاة ِ، مُرِفَّة ً | في الغاب، شَادية ً كسِرْبِ يَمامِ |
| وإلى الصّدى ، المِمراح، يهتفُ راقصاً | بين الفِجَاجِ الفيحِ والآكامِ |
| حتى غَدَا قلبي كنَايٍ، مُت}رَع | ثَمِلٍ من الألحان والنغامِ |
| فَشَدَوْتُ باللَّحنِ الغَريب مجنَّحاً | بكآبة ِ الأحلامِ والآلامِ |
| في الغاب، دنيا للخيال، وللرُّؤى | والشِّعرِ، والتفكيرِ، والأحلامِ |
| لله يومَ مضيتُ أوّلَ مرّة ٍ | للغابِ، أرزحُ تحت عبءِ سَقامي |
| ودخَلتُه وحدي، وحوْلي موكبٌ | هَزِجٌ، من الأحلامِ والأوهامِ |
| ومشيْتُ تحت ظِلاله مُتَهَيِّباً | كالطفل، في صضمتٍ، وفي استسلامِ |
| أرنو إلى الأّدْوَاحِ، في جبروتها | فإخَالُها عَمَدَ السَّماءِ، أمامي |
| قَد مسَّها سِحْرُ الحياة ، فأوْرَقَتْ | وتَمَايَلَتْ في جَنَّة ِ الأحلامِ |
| وأُصِيخُ للصّمتِ المفكّر، هاتِفاً | في مِسْمعي بغرائب الأنغامِ |
| فإذا أنا في نَشْوَة ٍ شعرّية ٍ | فَيَّاضة ٍ بالوحي والإلهامِ |
| ومشاعري في يقظة ٍ مسحورة ٍ | ……. |
| وَسْنَى كيقظة ِ آدَمٍ لمَّا سَرَى | في جسمه، رُوحُ الحياة ِ النّامي |
| وشَجَتْه مْوسيقى الوجودِ، وعانـ | ـقتُ أحلامَهُ، في رِقّة ٍ وسلامِ |
| ورأى الفَراديسَ، الأَنيقة َ، تنثني | في مُتْرَفِ الأزهار والكمامِ |
| ورأى الملائكَ، كالأشعَّة في الفَضَا | تنسابُ سابحة ً، بغير نظامِ |
| وأحسّ رُوحَ الكون تخفقُ حوله | في الظِّلِّ، والأضواءِ، والأنسامِ |
| والكائناتِ، تحوطُهُ بِحَنَانها | وبحبِّها، الرَّحْبِ، العميقِ، الطَّامي |
| حتى تملأَ بالحياة كِانُه | وسَعى وراءَ مواكبِ الأيامِ |
| ولَرُبَّ صُبْحٍ غائمٍ، مُتَحجِّبٍ | في كِلَّة ٍ من زَعْزَعٍ وغَمامِ |
| تتنفَّسُ الدُّنيا ضَباباً، هائماً | مُتدفِّعاً في أفْقه المُترامي |
| والرِّيحُ تخفقُ في الفضاءِ، وفي الثَّرى | وعلى الجبال الشُّمِّ، والآكام |
| باكَرْتُ فيه الغابَ، مَوْهُونَ القُوى َ | متخاذِلَ الخُطُواتِ والأَقدامِ |
| وجلستُ تحتَ السّنديانة ِ، واجماً | أرنو إلى الأفُق الكئيب، أمامي |
| فأرى المبانيَ في الضباب، كأنها | فِكْرٌ، بأرضِ الشَّكِّ والإبهامِ |
| أو عَالَمٌ، ما زال يولَدُ في فضا | الكونِ، بين غياهبٍ وسِدامِ |
| وأرى الفجاجَ الدامساتِ، خلالَه | ومشاهدَ الوديان والآجامَ |
| فكأنها شُعَبُ الجحيم،رهيبة ُ | ملفوفَة في غُبشة ٍ وظَلامِ |
| صُوَرٌ، من الفنِّ المُرَوِّعِ، أعجزت | وَحْيَ القريضِ وريشة َ الرسّامِ |
| وَلَكَمْ مَسَاءٍ، حَالمٍ متوَشِّحٍ | بالظّلِ، والضّوءِ الحزين الدامي |
| قدْ سِرْتُ في غابي، كَفِكرٍ، هَائمٍ | في نشوة ِ الأحلام والإلهامِ |
| شَعَري، وأفكاري، وكُلُّ مشاعري | منشورة ٌ للنُّور والأنسام |
| والأفق يزخَرُ بالأشعَّة ِ والشَّذَى | والأرضُ بِالأعشابِ والأكمامِ |
| والغابُ ساجٍ، والحياة ُ مصيخة ٌ | والأفقُ، والشفقُ الجميلُ، أمامي |
| وعروسُ أحلامي تُداعبُ عُودَها | فيَرنُّ قلبي بالصَّدَى وعِظامي |
| روحٌ أنا، مَسْحُورة ٌ، في عَالمٍ | فوق الزمان الزّاخر الدَّوَّامِ |
| في الغابِ، في الغابِ الحبيبِ، وإنَّه | حَرَمُ الطَّبيعة ِ والجمالِ السَّامي |
| طَهَّرْتُ فينار الجمال مشاعِري | ولقِيتُ في دنيا الخيال سَلامي |
| ونسيتُ دنيا النّاس، فهي سخافة ٌ | سَكْرَى من الأَوهامِ والآثامِ |
| وَقَبسْتُ من عَطْفِ الوجود وحُبِّه | وجمالهِ قبساً، أضاءَ ظلامي |
| فرأيتُ ألوانَ الحياة ِ نضيرة ً | كنضارة ِ الزّهرِ الجميلِ النّامي |
| ووجدتُ سحْرَ الكون أسمى عنصراً | وأجلَّ من حزني ومن آلامي |
| فأهَبْتُ ـ مسحورَ المشاعر، حالماً | نشوانَ ـ بالقلب الكئيب الدّامي |
| المعبدُ الحيُّ المقدَّسُ هاهنا | يا كاهنَ الأحزان والآلامِ |
| فاخلعْ مُسُوحَ الحزنِ تحت ظِلالِهِ | والبسْ رِدَاءَ الشِّعرِ والأَحلام |
| وارفعْ صَلاَتكَ للجمالِ، عَميقة ً | مشبوبة ً بحرارة الإلهامِ |
| واصدحْ بألحان الحياة ، جميلة ً | كجمال هذا العالم البسَّامِ |
| واخفقْ مع العِطْر المرفرفِ في الفضا | وارقصْ مع الأضواء والأنسامِ |
| ومعَ الينابيعِ الطليقة ِ، والصَّدَى | …… |
| وَذَرَوْتُ أفكاري الحزِينة َ للدّجى | ونَثَرْتُها لِعَواصِفِ الأَيَّامِ |
| ومَضَيْتُ أشدُو للأشعَّة ِ ساحراً | من صوت أحزاني، وبطش سقامي |
| وهتفتُ: “ياروحَ الجمالِ تدَفَّقِي | كالنَّهرِ في فِكرِي، وفي أحْلامي |
| وتغلغلي كالنّور، في رُوحي التي | ذَبُلتْ من الأحزان والآلامِ |
| أنتِ الشعورُ الحيُّ يزخرُ دافقاً | كالنّار، في روح الوجودِ النَّامي |
| ويصوغ أحلامَ الطبيعة ِ، فاجعـ | ـلي عُمري نشيداً، ساحِرَ الأتغامِ |
| وشذًى يَضُوعُ مع الأشعَّة ِ والرُّؤى | في معبد الحق الجليل السامي |