علونا جوشنا بأشد منه

علونا جوشنا بأشدَّ منهُ  وَأثْبَتَ عِنْدَ مُشْتَجَرِ الرّماحِ
بجيشٍ جاشَ ، بالفرسانِ ، حتى ظننتَ ، البرَّ بحراً منْ سلاحِ
و ألسنة ٍ منَ العذباتِ حمرٍ تخاطبنا بأفواهِ الرماحِ
و أروعَ ، جيشهُ ليلٌ بهيمٌ  و غرتهُ عمودٌ منْ صباحِ
صفوحٌ عندَ قدرتهِ كريمٌ قليلُ الصفحِ ما بينَ الصفاحِ
فكانَ ثباتهُ للقلبِ قلباً وَهَيْبَتُهُ جَنَاحاً للجَنَاحِ

أوصيك بالحزن لا أوصيك بالجلد

أوصيكَ بالحزنِ ، لا أوصيكَ بالجلدِ جلَّ المصابُ عن التعنيفِ والفندِ
إني أجلكَ أن تكفى بتعزية ٍ عَنْ خَيرِ مُفْتَقَدٍ، يا خَيرَ مُفتقِدِ
هيَ الرّزِيّة ُ إنْ ضَنّتْ بِمَا مَلَكَتْ منها الجفونُ فما تسخو على أحدِ
بي مثلُ ما بكَ منْ جزنٍ ومنْ جزعٍ وَقَدْ لجَأتُ إلى صَبرٍ، فَلَمُ أجِدِ
لمْ يَنْتَقِصْنيَ بُعدي عَنْكَ من حُزُنٍ، هيَ المواساة ُ في قربٍ وفي بعدِ
لأشركنكَ في اللأواءِ إنْ طرقتْ كما شركتكَ في النعماءِ والرغدِ
أبكي بدَمعٍ لَهُ من حسرَتي مَدَدٌ، وَأسْتَرِيحُ إلى صَبْرٍ بِلا مَدَدِ
وَلا أُسَوِّغُ نَفْسي فَرْحَة ً أبَداً، و قدْ عرفتُ الذي تلقاهُ منْ كمدِ
وأمنعُ النومَ عيني أنْ يلمَّ بها عِلْمَاً بإنّكَ مَوْقُوفٌ عَلى السُّهُدِ
يا مُفْرَداً بَاتَ يَبكي لا مُعِينَ لَهُ، أعانَكَ اللَّهُ بِالتّسْلِيمِ والجَلَدِ
هَذا الأسِيرُ المُبَقّى لا فِدَاءَ لَهُ يَفديكَ بالنّفسِ والأَهْلينَ وَالوَلَدِ

إن زرت خرشنة أسِيرا

إنْ زُرْتُ «خَرْشَنَة ً» أسِيرَا فَلَكَمْ أحَطْتُ بها مُغِيرا
وَلَقَدْ رَأيْتُ النّارَ تَنْـ ـتَهِبُ المَنَازِلَ وَالقُصُورَا
وَلَقَدْ رَأيْتُ السّبْيَ يُجْـ ـلبُ نحونا حوَّا ، وحورا
نَخْتَارُ مِنْهُ الغَادَة َ الْـ ـحسناءَ ، والظبيَ الغريرَا
إنْ طالَ ليلي في ذرا كِ فقدْ نعمتُ بهِ قصيرا
و لئنْ لقيتُ الحزن فيـ ـكَ فقدْ لقيتُ بكِ السرورا
وَلَئِنْ رُمِيتُ بِحادِثٍ، فلألفينَّ لهُ صبورا
صبرا ً لعلَّ اللهَ يفـ ـتحُ بعدهُ فتحاً يسيراً
منْ كانَ مثلي لمْ يبتْ إلاّ أسِيراً، أوْ أمِيرا
لَيْسَتْ تَحُلّ سَرَاتُنَا إلا الصدورَ أو القبورا

دع العبرات تنهمر انهما

دَعِ العَبَرَاتِ تَنهَمِرُ انْهِمَارَا، و نارَ الوجدِ تستعرُ استعارا
أتطفأُ حسرتي ، وتقرُّ عيني ، و لمْ أوقدْ ، معَ الغازينَ ، نارا؟
رأيتُ الصبرَ أبعدَ ما يرجَّى ، إذَا ما الجَيْشُ بِالغَازِينَ سَارَا
وَأعْدَدْتُ الكَتَائِبَ مُعْلَماتٍ تنادي ، كلَّ آنٍ ، بي : سعارا
وَقَدْ ثَقّفْتُ للهَيْجَاءِ رُمْحي، وَأضْمَرْتُ المَهَارِي والمِهَارَا
و كانَ إذا دعانا الأمرُ حفَّتْ بِنَا الفِتْيَانُ، تَبتَدِرُ ابْتِدَارَا
بخيلٍ لاَ تعاندُ منْ عليها ، وَقَوْمٍ لا يَرَوْنَ المَوْتَ عَارَا
وراءَ القافلينَ بكلِّ أرضٍ ، وَأَوَّلُ مَنْ يُغِيرُ، إذَا أغَارَا
ستذكرني ، إذا طردتْ ، رجالٌ ، دفقتُ الرمحَ بينهمُ مرارا
و أرضٌ ، كنتُ أملؤها خيولاً ، و جوٍّ ، كنتُ أرهقهُ غبارا
لَعَلّ الله يُعْقِبُني صَلاحاً قويماً ، أو يقليني العثارا
فأشفي منْ طعانِ الخيلِ صدراً وَأُدرِكُ من صُرُوفِ الدّهرِ ثَارَا
أقمتُ على ” الأميرِ ” ، وكنتُ ممنْ يعزُّ عليهِ فرقتهُ ، اختيارا
إذا سارَ ” الأميرُ ” ، فلا هدوا لنفسي أو يؤوبَ ، ولا قرارا
أكابدُ بعدهُ همَّـا ، وغمَّـا ، و نوماً ، لا ألذُّ به غرارا
وَكُنْتُ بِهِ أشَدّ ذَوِيّ بَطشاً، وَأبْعَدَهُم، إذا رَكِبُوا، مَغَارَا
أشُقّ، وَرَاءهُ، الجَيشَ المُعَبّا، و أخرقُ ، بعدهُ ، الرهجَ المثارا
إذَا بَقِيَ الأمِيرُ قَرِيرَ عَيْنٍ فديناهُ ، اختياراً ، لا اضطرار
أبٌ برٌّ ، ومولى ، وابنُ عمٍ ، و مستندٌ ، إذا ما الخطبُ جارا
يَمُدّ عَلى أكَابِرِنَا جَنَاحاً، و يكفلُ ، في مواطننا ، الصغارا
أراني اللهُ طلعتهُ ، سريعاً ، وَأصْحَبَهُ السّلامَة َ، حَيثُ سَارَا
وَبَلّغَهُ أمَانِيَهُ جَمِيعاً، و كانَ لهُ منَ الحدثانِ جارا

أمن ازديارك في الدجى الرقباء

أمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجى الرُّقَبَاءُإذْ حَيثُ كنتِ مِنَ الظّلامِ ضِياءُ
قَلَقُ المَليحَةِ وِهْيَ مِسْكٌ هَتكُهاومَسيرُها في اللّيلِ وهيَ ذُكاءُ
أسَفي على أسَفي الذي دَلّهْتِنيعَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَليّ خَفَاءُ
وَشَكِيّتي فَقْدُ السّقامِ لأنّهُقَدْ كانَ لمّا كانَ لي أعضاءُ
مَثّلْتِ عَيْنَكِ في حَشايَ جِراحَةًفتَشابَها كِلْتاهُما نَجْلاءُ
نَفَذَتْ عَلَيّ السّابِرِيَّ ورُبّماتَنْدَقّ فيهِ الصَّعدَةُ السّمْراءُ
أنا صَخْرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْوإذا نَطَقْتُ فإنّني الجَوْزاءُ
وإذا خَفِيتُ على الغَبيّ فَعَاذِرٌأنْ لا تَراني مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ
شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتيصَدْري بها أفضَى أمِ البَيداءُ
فَتَبيتُ تُسْئِدُ مُسْئِداً في نَيّهاإسْآدَها في المَهْمَهِ الإنْضاءُ
بَيْني وبَينَ أبي عليٍّ مِثْلُهُشُمُّ الجِبالِ ومِثْلُهنّ رَجاءُ
وعِقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقَطْعِهاوهُوَ الشّتاءُ وصَيفُهُنّ شِتاءُ
لَبَسَ الثُّلُوجُ بها عَليّ مَسَالِكيفَكَأنّها بِبيَاضِها سَوْداءُ
وكَذا الكَريمُ إذا أقامَ ببَلْدَةٍسَالَ النُّضارُ بها وقامَ الماءُ
جَمَدَ القِطارُ ولَوْ رَأتْهُ كمَا تَرَىبُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجّسِ الأنْواءُ
في خَطّهِ من كلّ قَلبٍ شَهْوَةٌحتى كأنّ مِدادَهُ الأهْواءُ
ولكُلّ عَيْنٍ قُرّةٌ في قُرْبِهِحتى كأنّ مَغيبَهُ الأقْذاءُ
مَنْ يَهتَدي في الفِعْلِ ما لا تَهْتَديفي القَوْلِ حتى يَفعَلَ الشّعراءُ
في كلّ يَوْمٍ للقَوافي جَوْلَةٌفي قَلْبِهِ ولأُذْنِهِ إصْغَاءُ
وإغارَةٌ في ما احْتَواهُ كأنّمَافي كُلّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ
مَنْ يَظلِمُ اللّؤماءَ في تَكليفِهِمْأنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أكْفاءُ
ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُوبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ
مَنْ نَفْعُهُ في أنْ يُهاجَ وضَرُّهُفي تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الأعداءُ
فالسّلمُ يَكسِرُ من جَناحَيْ مالهِبنَوالِهِ ما تَجْبُرُ الهَيْجاءُ
يُعطي فتُعطَى من لُهَى يدِهِ اللُّهَىوتُرَى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ
مُتَفَرّقُ الطّعْمَينِ مُجْتَمعُ القُوَىفكأنّهُ السّرّاءُ والضّرّاءُ
وكأنّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُمُتَمَثّلاً لوُفُودِهِ ما شَاؤوا
يا أيّهَا المُجدَى علَيْهِ رُوحُهُإذْ لَيسَ يأتيهِ لها اسْتِجداءُ
إحْمَدْ عُفاتَكَ لا فُجِعْتَ بفَقدِهمفَلَتَرْكُ ما لم يأخُذوا إعْطاءُ
لا تَكْثُرُ الأمواتُ كَثرَةَ قِلّةٍإلاّ إذا شَقِيَتْ بكَ الأحْياءُ
والقَلْبُ لا يَنْشَقّ عَمّا تَحْتَهُحتى تَحِلّ بهِ لَكَ الشّحْناءُ
لمْ تُسْمَ يا هَرُونُ إلاّ بَعدَمَا اقْــتَرَعَتْ ونازَعتِ اسمَكَ الأسماءُ
فغَدَوْتَ واسمُكَ فيكَ غيرُ مُشارِكٍوالنّاسُ في ما في يَدَيْكَ سَواءُ
لَعَمَمْتَ حتى المُدْنُ منكَ مِلاءُولَفُتَّ حتى ذا الثّناءُ لَفَاءُ
ولجُدْتَ حتى كِدْتَ تَبخَلُ حائِلاًللمُنْتَهَى ومنَ السّرورِ بُكاءُ
أبْدَأتَ شَيئاً ليسَ يُعرَفُ بَدْؤهُوأعَدْتَ حتى أُنْكِرَ الإبْداءُ
فالفَخْرُ عَن تَقصِيرِهِ بكَ ناكِبٌوالمَجْدُ مِنْ أنْ يُسْتَزادَ بَراءُ
فإذا سُئِلْتَ فَلا لأنّكَ مُحوِجٌوإذا كُتِمتَ وشَتْ بكَ الآلاءُ
وإذا مُدِحتَ فلا لتَكسِبَ رِفْعَةًللشّاكِرينَ على الإلهِ ثَنَاءُ
وإذا مُطِرْتَ فَلا لأنّكَ مُجْدِبٌيُسْقَى الخَصِيبُ ويُمْطَرُ الدّأمَاءُ
لم تَحْكِ نائِلَكَ السّحابُ وإنّماحُمّتْ بهِ فَصَبيبُها الرُّحَضاءُ
لم تَلْقَ هَذا الوَجْهَ شَمسُ نَهارِنَاإلاّ بوَجْهٍ لَيسَ فيهِ حَيَاءُ
فَبِأيّما قَدَمٍ سَعَيْتَ إلى العُلَىأُدُمُ الهِلالِ لأخمَصَيكَ حِذاءُ
ولَكَ الزّمانُ مِنَ الزّمانِ وِقايَةٌولَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ
لوْ لم تكنْ من ذا الوَرَى اللّذْ منك هُوْعَقِمَتْ بمَوْلِدِ نَسْلِها حَوّاءُ
شعر أبو الطيب المتنبي

لعيني كل يوم منك حظ

لِعَيْني كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ حَظٌّ تَحَيّرُ مِنْهُ في أمْرٍ عُجابِ
حِمَالَةُ ذا الحُسَامِ عَلى حُسَامٍ وَمَوْقعُ ذا السّحابِ عَلى سَحابِ
تَجِفّ الأرْضُ من هذا الرَّبابِ وَيَخْلُقُ مَا كَسَاهَا مِنْ ثِيابِ
وَما يَنفَكّ مِنْكَ الدّهْرُ رَطْباً وَلا يَنفَكّ غَيْثُكَ في انْسِكابِ
تُسايِرُكَ السّوارِي وَالغَوَادي مُسايَرَةَ الأحِبّاءِ الطِّرابِ
تُفيدُ الجُودَ مِنْكَ فَتَحْتَذيهِ وَتَعجِزُ عَنْ خَلائِقِكَ العِذابِ