هوامش على دفتر الهزيمة 1991

1
لا حربنا حربٌ، ولا سلامنا سلام
جميع ما يمر في حياتنا
ليس سوى أفلام …
زواجنا مرتجلٌ .
وحبنا مرتجلٌ .
كما يكون الحب في بداية الأفلام .
وموتنا مقررٌ .
كما يكون الموت في نهاية الأفلام .
لم ننتصر يوماً على ذبابةٍ
لكنها .. تجارة الأوهام .
فخالدٌ ، وطارقٌ ، وحمزةٌ ،
وعقبة بن نافعٍ ،
والزير ، والقعقاع ، والصمصام .
مكدسون كلهم ..
في علب الأفلام ..
3
وراءها هزيمةٌ ..
وراءها هزيمةٌ ..
كيف لنا أن نربح الحرب
إذا كان الذين مثلوا ..
وصوروا ..
وأخرجوا ..
تعلموا القتال في وزارة الإعلام ؟؟
4
في كل عشرين سنه ..
ليذبح الوحدة في سريرها
ويجهض الأحلام.
5
في كل عشرين سنه ..
يأتي إلينا حاكمٌ بأمره
ويأخذ الشمس إلى منصة الإعدام .
6
في كل عشرين سنه
يأتي إلينا نرجسيٌ عاشقٌ لذاته
ليدعي بأنه المهدي ، والمنقذ ،
والواحد ، والخالد ،
والحكيم ، والعليم ، والقديس ،
والإمام …
7
في كل عشرين سنه
يأتي إلينا رجلٌ مقامرٌ
ليرهن البلاد ، والعباد ، والتراث ،
والشروق ، والغروب ،
والذكور ، والإناث ،
والأمواج ، والبحر ،
على طاولة القمار ..
8
في كل عشرين سنه
يأتي إلينا رجلٌ معقدٌ
يحمل في جيوبه أصابع الألغام ..
9
ليس جديداً خوفنا
من يوم كنا نطفةً
في داخل الأرحام .
10
هل النظام ، في الأساس ، قاتلٌ ؟
عن صناعة النظام ؟
11
إن رضي الكاتب أن يكون مرةً
دجاجةً ..
تعاشر الديوك .. أو تبيض .. أو تنام ..
12
للأدباء عندنا نقابةٌ رسميةٌ
تشبه في تشكيلها
نقابة الأغنام …
ثم ملوكٌ أكلوا نساءهم
في سالف الأيام
لكنما الملوك في بلادنا
تعودوا أن يأكلوا الأقلام …
14
وأصبح التاريخ في أعماقنا
إشارة استفهام !!
15
هم يقطعون النخل في بلادنا
للسيد الرئيس ، غاباتٍ من الأصنام !
16
لم يطلب الخالق من عباده
أن ينحتوا يوماً له
مليون تمثالٍ من الرخام !!
تقاطعت في لحمنا خناجر العروبه
واشتبك الإسلام بالإسلام …
18
بعد أسابيع من الإبحار في مراكب الكلام
إلا الجلد والعظام ..
19
طائرة (الفانتوم) ..
تنقض على رؤوسنا
20
الحرب ..
لا تربحها وظائف الإنشاء .
ولا التشابيه .. ولا النعوت .. والأسماء
فكم دفعنا غالياً ضريبة الكلام …
21
من الذي ينقذنا من حالة الفصام ؟
ونحن كل ليلةٍ ..
نرى على الشاشات جيشاً جائعاً .. وعارياً ..
يشحذ من خنادق الأعداء (ساندويشةً)
وينحني .. كي يلثم الأقدام !!
قد دخل القائد – بعد نصره –
لغرفة الحمام ..
ونحن قد دخلنا
لملجأ الأيتام !!..
نموت مجاناً .. كما الذباب في إفريقيا
نموت كالذباب.
ويدخل الموت علينا ضاحكاً
ويقفل الأبواب.
نموت بالجملة في فراشنا
ويرفض المسؤول عن ثلاجة الموتى
نموت .. في حرب الإشاعات..
وفي حرب الإذاعات..
وفي حرب التشابيه..
وفي حرب الكنايات..
وفي خديعة السراب .
نموت.. مقهورين، منبوذين ، ملعونين..
منسيين كالكلاب ..
يفلسف الخراب…
24
مضحكةٌ مبكيةٌ.
معركة الخليج.
فلا النصال انكسرت فيها على النصال.
ولا رأينا مرةً..
آشور بانيبال
فكل ما تبقى.. لمتحف التاريخ .
أهرامٌ من النعال!!.
25
في كل عشرين سنه.
يجيئنا مهيار.
يحمل في يمينه الشمس،
وفي شماله النهار.
ويرسم الجنات في خيالنا
وينزل الأمطار.
وفجأةً..
يحتل جيش الروم كبرياءنا
وتسقط الأسوار!!.
26
في كل عشرين سنه.
يأتي امرؤ القيس على حصانه
27
أصواتنا مكتومةٌ.
شفاهنا مختومةٌ.
شعوبنا ليست سوى أصفار …
إن الجنون وحده،
يصنع في بلادنا القرار…
28
نكذب في قراءة التاريخ.
نكذب في قراءة الأخبار.
إلى انتصار!!.
29
يا وطني الغارق في دمائه
يا أيها المطعون في إبائه
مدينةً مدينةً..
نافذةً نافذةً ..
غمامةً غمامةً..
حمامةً حمامةً ..
مئذنةً مئذنةً ..
أخاف أن أقرئك السلام ..
يسافر الخنجر في عروبتي
يسافر الخنجر في رجولتي
هل هذه هزيمةٌ قطريةٌ ؟
أم هذه هزيمةٌ قوميةٌ ؟
30
يسافر الخنجر في عروبتي
يسافر الخنجر في رجولتي
هل هذه هزيمةٌ قطريةٌ ؟
أم هذه هزيمةٌ قوميةٌ ؟
أم هذه هزيمتي ؟؟

حزب المطر

أنا لا أسكن في أي مكانٍ
إن عنواني هو اللا منتظر ..
مبحراً كالسمك الوحشي في هذا المدى
في دمي نارٌ .. وفي عيني شرر
ذاهباً أبحث عن حرية الريح ،
التي يتقنها كل الغجر ..
راكضاً خلف غمامٍ أخضرٍ
شارباً بالعين آلاف الصور
ذاهباً .. حتى نهايات السفر ..
*
مبحراً .. نحو فضاءٍ آخرٍ
نافضاً عني غباري
ناسياً إسمي ..
وأسماء النباتات ..
وتاريخ الشجر ..
هارباً من هذه الشمس التي تجلدني
بكرابيج الضجر ..
هارباً من مدنٍ نامت قروناً
تحت أقدام القمر ..
تاركاً خلفي عيوناً من زجاجٍ
وسماءٍ من حجر ..
ومضافات تميمٍ ومضر ..
*
لا تقولي : عد إلى الشمس .. فإني
أنتمي الآن إلى حزب المطر ..

حزب الحزن

إذا كان الوطن منفياً مثلي..
ويفكر بشراشف أمه البيضاء مثلي..
وبقطة البيت السوداء، مثلي..
إذا كان الوطن ممنوعاً من ارتكاب الكتابة مثلي..
وارتكاب الثقافة مثلي..
فلماذا لا يدخل إلى المصحة التي نحن فيها؟
لماذا لا يكون عضواً في حزب الحزن
الذي يضم مئة مليون عربي؟؟؟
………………..مثلي

حقائب الدموع والبكاء

إذا أتى الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أحس يا صديقتي
بحاجة إلى البكاء
على ذراعيك..
على دفاتري..
إذا أتى الشتاء
وانقطعت عندلة العنادل
وأصبحت ..
كل العصافير بلا منازل
يبتدئ النزيف في قلبي .. وفي أناملي.
كأنما الأمطار في السماء
تهطل يا صديقتي في داخلي..
عندئذ .. يغمرني
شوق طفولي إلى البكاء ..
على حرير شعرك الطويل كالسنابل..
كمركب أرهقه العياء
كطائر مهاجر..
يبحث عن نافذة تضاء
يبحث عن سقف له ..
في عتمة الجدائل ..
*
إذا أتى الشتاء..
واغتال ما في الحقل من طيوب..
وخبأ النجوم في ردائه الكئيب
يأتي إلى الحزن من مغارة المساء
يأتي كطفل شاحب غريب
مبلل الخدين والرداء..
وأفتح الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه السرير .. والغطاء
أمنحه .. جميع ما يشاء
*
من أين جاء الحزن يا صديقتي ؟
وكيف جاء؟
يحمل لي في يده..
زنابقا رائعة الشحوب
يحمل لي ..
حقائب الدموع والبكاء..

حين أحبك

يتغير – حين أحبك – شكل الكرة الأرضيه..
تتلاقى طرق العالم فوق يديك.. وفوق يديه
يتغير ترتيب الأفلاك
تتكاثر في البحر الأسماك
ويسافر قمرٌ في دورتي الدمويه
يتغير شكلي:
أصبح شجراً.. أصبح مطراً..
أصبح أسود، داخل عينٍ إسبانيه..
***
تتكون – حين أحبك- أوديةٌ وجبال
تزداد ولادات الأطفال
تتشكل جزرٌ في عينيك خرافيه..
ويشاهد أهل الأرض كواكب لم تخطر في بال
ويزيد الرزق، يزيد العشق، تزيد الكتب الشعريه..
ويكون الله سعيداً في حجرته القمريه..
تتحضر – حين أحبك- آلاف الكلمات
تتشكل لغةٌ أخرى..
مدنٌ أخرى..
أممٌ أخرى..
تسرع أنفاس الساعات
ترتاح حروف العطف.. وتحبل تاءات التأنيث..
وينبت قمحٌ ما بين الصفحات
وتجيء طيورٌ من عينيك.. وتحمل أخباراً عسليه
وتجيء قوافل من نهديك.. وتحمل أعشاباً هنديه
يتساقط ثمر المانغو.. تشتعل الغابات
وتدق طبولٌ نوبيه..
***
يمتلئ البحر الأبيض – حين أحبك- أزهاراً حمراء
وتلوح بلادٌ فوق الماء
وتغيب بلادٌ تحت الماء
يتغير جلدي..
تخرج منه ثلاث حماماتٍ بيضاء
وثلاث ورودٍ جوريه
تكتشف الشمس أنوثتها..
تضع الأقراط الذهبيه
ويهاجر كل النحل إلى سرتك المنسيه
وبشارع ما بين النهدين..
تتجمع كل المدنيه..
يستوطن حزنٌ عباسيٌ في عينيك..
وتبكي مدنٌ شيعيه
وتلوح مآذن من ذهبٍ
وتضيء كشوفٌ صوفيه
وأنا الأشواق تحولني
نقشاً.. وزخارف كوفيه
أتمشى تحت جسور الشعر الأسود،
أقرأ أشعاري الليليه
أتخيل جزراً دافئةً
ومراكب صيدٍ وهميه
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جزر الهند الشرقيه..
***
يتخلص نهدك – حين أحبك – من عقدته النفسيه
يتحول برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليه..
تتظاهر – حين أحبك – كل المدن العربيه
تتظاهر ضد عصور القهر،
وضد عصور الثأر،
وضد الأنظمة القبليه..
وأنا أتظاهر – حين أحبك – ضد القبح،
وضد ملوك الملح،
وضد مؤسسة الصحراء..
ولسوف أظل أحبك حتى يأتي زمن الماء…
ولسوف أظل أحبك حتى يأتي زمن الماء…

حب إستثنائي لامرأة إستثنائية

1
أكثر ما يعذبني في حبك..
أنني لا أستطيع أن أحبك أكثر..
وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس..
أنها بقيت خمساً.. لا أكثر..
إن امرأةً إستثنائيةً مثلك
تحتاج إلى أحاسيس إستثنائيه..
وأشواقٍ إستثنائيه..
ودموعٍ إستثنايه..
وديانةٍ رابعه..
لها تعاليمها ، وطقوسها، وجنتها، ونارها.
إن امرأةً إستثنائيةً مثلك..
تحتاج إلى كتبٍ تكتب لها وحدها..
وحزنٍ خاصٍ بها وحدها..
وموتٍ خاصٍ بها وحدها
وزمنٍ بملايين الغرف..
تسكن فيه وحدها..
لكنني واأسفاه..
لا أستطيع أن أعجن الثواني
على شكل خواتم أضعها في أصابعك
فالسنة محكومةٌ بشهورها
والشهور محكومةٌ بأسابيعها
والأسابيع محكومةٌ بأيامها
وأيامي محكومةٌ بتعاقب الليل والنهار
في عينيك البنفسجيتين…
2
أكثر ما يعذبني في اللغة.. أنها لا تكفيك.
وأكثر ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتبك..
أنت امرأةٌ صعبه..
كلماتي تلهث كالخيول على مرتفعاتك..
ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئيه..
معك لا توجد مشكلة..
إن مشكلتي هي مع الأبجديه..
مع ثمانٍ وعشرين حرفاً، لا تكفيني لتغطية بوصة
واحدةٍ من مساحات أنوثتك..
ولا تكفيني لإقامة صلاة شكرٍ واحدةٍ لوجهك
الجميل…
إن ما يحزنني في علاقتي معك..
أنك امرأةٌ متعدده..
واللغة واحده..
فماذا تقترحين أن أفعل؟
كي أتصالح مع لغتي..
وأزيل هذه الغربه..
بين الخزف، وبين الأصابع
بين سطوحك المصقوله..
وعرباتي المدفونة في الثلج..
بين محيط خصرك..
وطموح مراكبي..
لاكتشاف كروية الأرض..
3
ربما كنت راضيةً عني..
لأنني جعلتك كالأميرات في كتب الأطفال
ورسمتك كالملائكة على سقوف الكنائس..
ولكني لست راضياً عن نفسي..
فقد كان بإمكاني أن أرسمك بطريقة أفضل.
وأوزع الورد والذهب حول إليتيك.. بشكلٍ أفضل.
ولكن الوقت فاجأني.
وأنا معلقٌ بين النحاس.. وبين الحليب..
بين النعاس.. وبين البحر..
بين أظافر الشهوة.. ولحم المرايا..
بين الخطوط المنحنية.. والخطوط المستقيمه..
ربما كنت قانعةً، مثل كل النساء،
بأية قصيدة حبٍ . تقال لك..
أما أنا فغير قانعٍ بقناعاتك..
فهناك مئاتٌ من الكلمات تطلب مقابلتي..
ولا أقابلها..
وهناك مئاتٌ من القصائد..
تجلس ساعات في غرفة الإنتظار..
فأعتذر لها..
إنني لا أبحث عن قصيدةٍ ما..
لإمرأةٍ ما..
ولكنني أبحث عن “قصيدتك” أنت….
4
إنني عاتبٌ على جسدي..
لأنه لم يستطع ارتداءك بشكل أفضل..
وعاتبٌ على مسامات جلدي..
لأنها لم تستطع أن تمتصك بشكل أفضل..
وعاتبٌ على فمي..
لأنه لم يلتقط حبات اللؤلؤ المتناثرة على امتداد
شواطئك بشكلٍ أفضل..
وعاتبٌ على خيالي..
لأنه لم يتخيل كيف يمكن أن تنفجر البروق،
وأقواس قزح..
من نهدين لم يحتفلا بعيد ميلادهما الثامن عشر..
بصورة رسميه…
ولكن.. ماذا ينفع العتب الآن..
بعد أن أصبحت علاقتنا كبرتقالةٍ شاحبة،
سقطت في البحر..
لقد كان جسدك مليئاً باحتمالات المطر..
وكان ميزان الزلازل
تحت سرتك المستديرة كفم طفل..
يتنبأ باهتزاز الأرض..
ويعطي علامات يوم القيامه..
ولكنني لم أكن ذكياً بما فيه الكفايه..
لألتقط إشاراتك..
ولم أكن مثقفاً بما فيه الكفايه…
لأقرأ أفكار الموج والزبد
وأسمع إيقاع دورتك الدمويه….
5
أكثر ما يعذبني في تاريخي معك..
أنني عاملتك على طريقة بيدبا الفيلسوف..
ولم أعاملك على طريقة رامبو.. وزوربا..
وفان كوخ.. وديك الجن.. وسائر المجانين
عاملتك كأستاذ جامعي..
يخاف أن يحب طالبته الجميله..
حتى لا يخسر شرفه الأكاديمي..
لهذا أشعر برغبةٍ طاغية في الإعتذار إليك..
عن جميع أشعار التصوف التي أسمعتك إياها..
يوم كنت تأتين إلي..
مليئةً كالسنبله..
وطازجةً كالسمكة الخارجة من البحر..
6
أعتذر إليك..
بالنيابة عن ابن الفارض، وجلال الدين الرومي،
ومحي الدين بن عربي..
عن كل التنظيرات.. والتهويمات.. والرموز..
والأقنعة التي كنت أضعها على وجهي، في
غرفة الحب..
يوم كان المطلوب مني..
أن أكون قاطعاً كالشفرة
وهجومياً كفهدٍ إفريقي..
أشعر برغبة في الإعتذار إليك..
عن غبائي الذي لا مثيل له..
وجبني الذي لا مثيل له..
وعن كل الحكم المأثورة..
التي كنت أحفظها عن ظهر قلب..
وتلوتها على نهديك الصغيرين..
فبكيا كطفلين معاقبين.. وناما دون عشاء..
7
أعترف لك يا سيدتي..
أنك كنت امرأةً إستثنائيه
وأن غبائي كان استثنائياً…
فاسمحي لي أن أتلو أمامك فعل الندامه
عن كل مواقف الحكمة التي صدرت عني..
فقد تأكد لي..
بعدما خسرت السباق..
وخسرت نقودي..
وخيولي..
أن الحكمة هي أسوأ طبقٍ نقدمه..
لامرأةٍ نحبها….