لا تَلُومَنّ اليَهُودِيَّ عَلى

لا تَلُومَنّ اليَهُودِيَّ عَلى أنْ يَرى الشّمسَ فلا يُنكِرُهَا
إنّما اللّوْمُ على حاسِبِهَا ظُلْمَةً مِنْ بَعدِ ما يُبصِرُهَا

إنّما أحْفَظُ المَديحَ بعَيْني

إنّما أحْفَظُ المَديحَ بعَيْني لا بِقَلْبي لِمَا أرَى في الأمِيرِ
مِنْ خِصالٍ إذا نَظَرْتُ إلَيها نَظَمَتْ لي غَرائبَ المَنْثُورِ

تَرْكُ مَدحيكَ كالهِجاءِ لنَفسِي

تَرْكُ مَدحيكَ كالهِجاءِ لنَفسِي وقَليلٌ لَكَ المَديحُ الكَثيرُ
غيرَ أنّي ترَكْتُ مُقْتَضَبَ الشّعْـ ـرِ لأمْرٍ مِثْلي بهِ مَعْذُورُ
وسَجاياكَ مادِحاتُكَ لا لَفْـ ـظي وَجُودٌ على كَلامي يُغِيرُ
فَسَقَى الله مَنْ أُحبُّ بكَفّيْـ ـكَ وأسْقاكَ أيّهذا الأمِيرُ

بُسَيْطَةُ مَهْلاً سُقِيتِ القِطارَا

بُسَيْطَةُ مَهْلاً سُقِيتِ القِطارَا تَرَكْتِ عُيُونَ عَبيدي حَيَارَى
فَظَنّوا النَّعَامَ عَلَيْكِ النّخِيلَ وَظَنّوا الصِّوَارَ عَلَيْكِ المَنَارَا
فَأمْسَكَ صَحْبي بِأكْوَارِهِمْ وَقد قَصَدَ الضّحكُ فِيهِمْ وَجارَا

أُطاعِنُ خَيْلاً مِنْ فَوارِسِها الدّهْرُ

أُطاعِنُ خَيْلاً مِنْ فَوارِسِها الدّهْرُ وَحيداً وما قَوْلي كذا ومَعي الصّبرُ
وأشْجَعُ مني كلَّ يوْمٍ سَلامَتي وما ثَبَتَتْ إلاّ وفي نَفْسِها أمْرُ
تَمَرّسْتُ بالآفاتِ حتى ترَكْتُهَا تَقولُ أماتَ المَوْتُ أم ذُعِرَ الذُّعْرُ
وأقْدَمْتُ إقْدامَ الأتيّ كأنّ لي سوَى مُهجَتي أو كان لي عندها وِتْرُ
ذَرِ النّفْسَ تأخذْ وُسعَها قبلَ بَينِها فمُفْتَرِقٌ جارانِ دارُهُما العُمْرُ
ولا تَحْسَبَنّ المَجْدَ زِقّاً وقَيْنَةً فما المَجدُ إلاّ السّيفُ والفتكةُ البِكرُ
وتَضريبُ أعناقِ المُلوكِ وأن تُرَى لكَ الهَبَواتُ السّودُ والعسكرُ المَجْرُ
وترْكُكَ في الدّنْيا دَوِيّاً كأنّما تَداوَلَ سَمْعَ المَرْءِ أنْمُلُهُ العَشرُ
إذا الفضْلُ لم يَرْفَعكَ عن شكرِ ناقصٍ على هِبَةٍ فالفَضْلُ فيمَن له الشّكْرُ
ومَنْ يُنفِقِ السّاعاتِ في جمعِ مالِهِ مَخافَةَ فَقْرٍ فالذي فَعَلَ الفَقْرُ
عَليّ لأهْلِ الجَوْرِ كُلُّ طِمِرّةٍ عَلَيْها غُلامٌ مِلْءُ حَيزُومِهِ غِمرُ
يُديرُ بأطْرافِ الرّماحِ عَلَيْهِمُ كُؤوسَ المَنَايا حيثُ لا تُشتهَى الخمرُ
وكم من جِبالٍ جُبتُ تَشهَدُ أنّني الـ ـجِبالُ وبَحْرٍ شاهِدٍ أنّني البَحْرُ
وخَرْقٍ مكانُ العِيسِ منهُ مكانُنَا من العِيسِ فيهِ واسطُ الكورِ والظّهرُ
يَخِدْنَ بنَا في جَوْزِهِ وكأنّنَا على كُرَةٍ أوْ أرْضُهُ مَعنا سَفْرُ
ويَوْمٍ وَصَلْناهُ بلَيْلٍ كأنّمَا على أُفْقِهِ من بَرْقِهِ حُلَلٌ حُمْرُ
ولَيْلٍ وصَلْناهُ بيَوْمٍ كأنّمَا على مَتنِهِ من دَجنِهِ حُلَلٌ خُضرُ
وغَيثٍ ظَنَنّا تَحْتَهُ أنّ عامِراً عَلا لم يَمُتْ أو في السّحابِ لهُ قَبرُ
أوِ ابنَ ابنِهِ الباقي عَليَّ بنَ أحْمَدٍ يَجُودُ بهِ لوْ لم أجُزْ ويدي صِفْرُ
وإنّ سَحاباً جَوْدُهُ مِثْلُ جُودِهِ سَحابٌ على كلّ السّحابِ له فَخرُ
فَتًى لا يضُمّ القلبُ هِمّاتِ قَلبِهِ ولَوْ ضَمّها قَلْبٌ لمَا ضَمّهُ صَدرُ
ولا يَنْفَعُ الإمكانُ لَوْلا سَخاؤهُ وهل نافعٌ لوْلا الأكفُّ القنا السُّمْرُ
قِرانٌ تَلاقَى الصَّلْتُ فيهِ وعامِرٌ كمَا يَتَلاقَى الهِنْدُوَانيُّ والنّصرُ
فَجاءَ بهِ صَلْتَ الجَبينِ مُعَظَّماً ترَى النّاسَ قُلاًّ حَوْلَهُ وهُمُ كُثْرُ
مُفَدًّى بآباءِ الرّجالِ سَمَيْذَعاً هُوَ الكرَمُ المَدُّ الذي ما لهُ جَزْرُ
وما زِلْتُ حتى قادَني الشّوْقُ نحوَهُ يُسايرُني في كُلّ رَكْبٍ لهُ ذِكْرُ
وأستَكْبِرُ الأخبارَ قَبلَ لِقائِهِ فلَمّا التَقَيْنَا صَغّرَ الخَبَرَ الخُبرُ
إليكَ طَعَنّا في مَدَى كلّ صَفْصَفٍ بكُلّ وَآةٍ، كلُّ ما لَقِيَتْ نَحْرُ
إذا وَرِمَتْ من لَسعَةٍ مَرِحَتْ لهَا كأنّ نَوالاً صَرّ في جِلدِها النِّبرُ
فجئناكَ دونَ الشّمسِ والبدرِ في النّوَى ودونَكَ في أحوالِكَ الشّمسُ والبدرُ
كأنّكَ بَرْدُ الماءِ لا عَيشَ دونَهُ ولوْ كنتَ بَرْدَ الماءِ لم يكُنِ العِشرُ
دَعاني إلَيكَ العِلمُ والحِلمُ والحِجَى وهذا الكلامُ النّظمُ والنّائلُ النّثرُ
وما قُلتُ من شِعْرٍ تكادُ بُيُوتُهُ إذا كُتِبَتْ يَبْيَضّ من نورِها الحبرُ
كأنّ المَعاني في فَصاحَةِ لَفْظِهَا نُجُومُ الثّرَيّا أو خلائقُكَ الزُّهرُ
وجَنّبَني قُرْبَ السّلاطِينِ مَقْتُهَا وما يَقْتضِيني مِن جَماجِمِها النَّسرُ
وإنّي رأيتُ الضُّرّ أحسَنَ مَنظراً وأهْوَنَ مِنْ مَرْأى صَغيرٍ بهِ كِبْرُ
لِساني وعَيْني والفُؤادُ وهِمّتي أوُدُّ اللّواتي ذا اسمُها منكَ والشَّطرُ
وما أنا وَحدي قلتُ ذا الشّعرَ كُلّهُ ولكنْ لشعري فيكَ من نَفسه شعرُ
وما ذا الذي فيهِ منَ الحُسنِ رَوْنَقاً ولكنْ بَدا في وجهِهِ نحوَكَ البِشْرُ
وإنّي ولوْ نِلْتَ السّماءَ لَعالِمٌ بأنّكَ ما نِلتَ الذي يوجبُ القَدْرُ
أزالَتْ بكَ الأيّامُ عَتْبي كأنّمَا بَنُوها لهَا ذَنْبٌ وأنتَ لهَا عُذْرُ

لحن الحياة

إذا الشعبُ يوما أراد الحياةفلا بد أن يستجيب القـدر
ولا بـد لليـل أن ينجليولا بـد للقيـد أن ينكسـر
ومن لم يعانقْـه شـوْقُ الحياةتبخر فــي جوها واندثر
فويل لمن لم تَشُـقهُ الحياة من صفْعـة العــدَم المنتصر
كـذلك قـالت ليَ الكائناتُوحدثني روحُها المستترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاجوفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلــى غايةٍركبتُ المُنى, ونسِـيت الحذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعابولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن يتهيب صعود الجباليعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـبابوضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِوعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ  لمـا سـألتأيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــر
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوحومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاةويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوملَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـاة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريفمثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوموغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُلمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــر
فلـــم تتكلّم شــفاه الظــلامولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقال ليَ الغــابُ في رقَّـةٍمُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ
يجــئ الشــتاءُ شــتاء الضبـابشــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ سـحرُ الغصـونِوســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ الشـجيُّ الـوديعُوســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ وأوراقُهــاوأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍويدفنُهَــا الســيلُ أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍتـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ ورؤيـا حيـاةٍوأشــباحَ دنيــا تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً وهـي تحـت الضبـابِوتحــت الثلـوجِ وتحـت المَـدَرْ
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّوقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِوعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌوتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةًمُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِوسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـر
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــقونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــر
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُوأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــر
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِيغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِوهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُوأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــر
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِوفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــاحِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــاوأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــهوأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِتعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَوخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبليشــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــهيُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَإليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ
فميـدي كمـا شئتِ فوق الحقولِبحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ ونـاجي الغيـومَونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَهاوفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍيشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌيُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِوضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ غــريبُ الجمـالبأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّسُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون أنّ الطمـوحَلهيـــبُ الحيــاةِ ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُفــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر
من أشعار أبو القاسم الشابي