| لهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ | عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ |
| يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى | لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ |
| رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَياضِ بمَفْرِقي | وَلَوَ انّهَا الأولى لَرَاعَ الأسْحَمُ |
| لَوْ كانَ يُمكِنُني سفَرْتُ عن الصّبى | فالشّيبُ مِنْ قَبلِ الأوَانِ تَلَثُّمُ |
| وَلَقَدْ رَأيتُ الحادِثاتِ فَلا أرَى | يَقَقاً يُمِيتُ وَلا سَوَاداً يَعصِمُ |
| وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً | وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ |
| ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ | وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ |
| وَالنّاسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ | يَنسَى الذي يُولى وَعَافٍ يَنْدَمُ |
| لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ | وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ |
| لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى | حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ |
| يُؤذي القَليلُ مِنَ اللّئَامِ بطَبْعِهِ | مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْؤمُ |
| وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ | ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ |
| وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي | عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ |
| وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا | مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ |
| وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ | قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ |
| يَقْلَى مُفَارَقَةَ الأكُفّ قَذالُهُ | حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمّمُ |
| وَتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً، | وَيكونُ أكذَبَ ما يكونُ وَيُقْسِمُ |
| وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّةً | وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ |
| وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ | وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ |
| أرْسَلْتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً | صَفْرَاءُ أضْيَقُ منكَ ماذا أزْعَمُ |
| فلَشَدّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً | وَلَشَدّ ما قَرُبَتْ عَلَيكَ الأنجُمُ |
| وَأرَغْتَ ما لأبي العَشَائِرِ خالِصاً | إنّ الثّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ |
| وَلمَنْ أقَمْتَ على الهَوَانِ بِبَابِهِ | تَدْنُو فيُوجأُ أخْدَعاكَ وَتُنْهَمُ |
| وَلمَنْ يُهِينُ المَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ | وَلمَنْ يَجُرّ الجَيشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ |
| وَلمَنْ إذا التَقَتِ الكُماةُ بمَأزِقٍ | فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَميُّ المُعْلِمُ |
| وَلَرُبّمَا أطَرَ القَنَاةَ بفَارِسٍ، | وَثَنى فَقَوّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ |
| وَالوَجْهُ أزْهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ | وَالرّمْحُ أسمَرُ وَالحُسامُ مُصَمِّمُ |
| أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ | وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ |
قصيدة المتنبي
أروع أبيات الشعر العربي للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي قصيدة المتنبي الرائعة من أجمل القصائد.
روينا يا ابن عسكر الهماما
| رَوِينَا يا ابنَ عَسْكَرٍ الهُمَامَا | ولم يَتْرُكْ نَداكَ لَنَا هُيَامَا |
| وصارَ أحَبُّ ما تُهْدي إلَينَا | لغَيرِ قِلًى وَداعَكَ والسّلامَا |
| ولم نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ المَوالي | ولم نَذْمُمْ أياديكَ الجِسامَا |
| ولَكِنّ الغُيُوثَ إذا تَوالَتْ | بأرْضِ مُسافِرٍ كَرِهَ الغَمامَا |
أعن إذني تمر الريح رهوا
| أعَنْ إذني تَمُرّ الرّيحُ رَهْواً | ويَسري كُلّما شِئتُ الغَمامُ |
| ولَكِنّ الغَمَامَ لَهُ طِباعٌ | تَبَجُّسُهُ بها وَكَذا الكِرامُ |
فراق ومن فارقت غير مذمم
| فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ | وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ |
| وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ | إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ |
| سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً | منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ |
| رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ | عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ |
| وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ | بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ |
| فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ | عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ |
| رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى | هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي |
| إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ | وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ |
| وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ | وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ |
| أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ | وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ |
| وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ | متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ |
| وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ | جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ |
| وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ | نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ |
| خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ | بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ |
| وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ | وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ |
| وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ | وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ |
| فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا | سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ |
| أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ | إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ |
| إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها | فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ |
| يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى | ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ |
| وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ | وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي |
| شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ | إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ |
| أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى | وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ |
| وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً | أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ |
| وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ | مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ |
| فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها | بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ |
| وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ | كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ |
| وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ | فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ |
| وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ | من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ |
| وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ | عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي |
| فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ | وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ |
| قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا | حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ |
| فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ | وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ |
| وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً | وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ |
| لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها | سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ |
| وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ | منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ |
| لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ | وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ |
| وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها | وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ |
| وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ | فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ |
| رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً | وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ |
| وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ | فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ |
الرأي قبل شجاعة الشجعان
| الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ | هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني |
| فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ | بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ |
| وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ | بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ |
| لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ | أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ |
| وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ | أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ |
| لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ | لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ |
| خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى | أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ |
| وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى | أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ |
| تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه | أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ |
| وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ | ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ |
| قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ | إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ |
| كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ | في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ |
| إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى | فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ |
| في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ | فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ |
| يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ | كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ |
| فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ | يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ |
| حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً | يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ |
| يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ | يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ |
| وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ | تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ |
| رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ | وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ |
| فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ | وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ |
| وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ | عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ |
| تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا | تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ |
| بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ | من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ |
| فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى | رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ |
| ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ | ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ |
| مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم | مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ |
| يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ | أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ |
| خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً | وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ |
| وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ | وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ |
| وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا | وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ |
| نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا | يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ |
| وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها | فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ |
| مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى | ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ |
| خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا | جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ |
| فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا | يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ |
| يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً | بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ |
| حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ | آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ |
| وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ | شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ |
| هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ | كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني |
| وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ | فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ |
| قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم | فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ |
| وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني | فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ |
| إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ | كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ |
| تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ | مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ |
| رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ | قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ |
| أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا | أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ |
| يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ | أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ |
| فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي | وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني |
الحب ما منع الكلام الألسنا
| الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الألْسُنَا | وألَذُّ شَكْوَى عاشِقٍ ما أعْلَنَا |
| ليتَ الحَبيبَ الهاجري هَجْرَ الكَرَى | من غيرِ جُرْمٍ واصِلي صِلَةَ الضّنى |
| بِتْنَا ولَوْ حَلّيْتَنا لمْ تَدْرِ مَا | ألْوانُنَا ممّا اسْتُفِعْنَ تَلَوُّنَا |
| وتَوَقّدَتْ أنْفاسُنا حتى لَقَدْ | أشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنَا |
| أفْدي المُوَدِّعَةَ التي أتْبَعْتُهَا | نَظَراً فُرادَى بَينَ زَفْراتٍ ثُنَا |
| أنْكَرْتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرّةً | ثُمّ اعْتَرَفتُ بها فصارَتْ دَيْدَنَا |
| وقَطَعْتُ في الدّنْيا الفَلا ورَكائِبي | فيها وَوَقْتيّ الضّحَى والمَوْهِنَا |
| فوَقَفْتُ منها حيثُ أوْقَفَني النّدَى | وبَلَغْتُ من بَدْرِ بنِ عَمّارَ المُنى |
| لأبي الحُسَينِ جَداً يَضيقُ وِعاؤهُ | عَنْهُ ولَوْ كانَ الوِعاءُ الأزْمُنَا |
| وشَجاعَةٌ أغْناهُ عَنْها ذِكْرُها | ونَهَى الجَبَانَ حَديثُها أن يجُبنَا |
| نِيطَتْ حَمائِلُهُ بعاتِقِ مِحْرَبٍ | ما كَرّ قَطُّ وهَلْ يكُرُّ وما کنْثَنَى |
| فكأنّهُ والطّعْنُ منْ قُدّامِهِ | مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلفِهِ أنْ يُطْعَنَا |
| نَفَتِ التّوَهُّمَ عَنْهُ حِدّةُ ذِهْنِهِ | فقَضَى على غَيبِ الأمورِ تَيَقُّنَا |
| يَتَفَزّعُ الجَبّارُ مِنْ بَغَتاتِهِ | فَيَظَلّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنَا |
| أمْضَى إرادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ | واستَقرَبَ الأقصَى فَثَمّ لهُ هُنَا |
| يَجِدُ الحَديدَ على بَضاضةِ جِلْدِهِ | ثَوْباً أخَفَّ مِنَ الحَريرِ وألْيَنا |
| وأمَرُّ مِنْ فَقْدِ الأحِبّةِ عِندَهُ | فَقْدُ السّيُوفِ الفاقِداتِ الأجْفُنَا |
| لا يَستَكِنّ الرّعبُ بَينَ ضُلُوعِهِ | يَوْماً ولا الإحسانُ أنْ لا يُحْسِنَا |
| مُسْتَنْبِطٌ من عِلْمِهِ ما في غَدٍ | فكأنّ ما سيَكونُ فيهِ دُوِّنَا |
| تَتَقاصَرُ الأفهامُ عَنْ إدْراكِهِ | مِثْلَ الذي الأفْلاكُ فيهِ والدُّنَى |
| مَنْ لَيسَ مِنْ قَتْلاهُ من طُلَقائِهِ | مَنْ لَيسَ ممّنْ دانَ ممّنْ حُيِّنَا |
| لمّا قَفَلْتَ مِنَ السّواحِلِ نَحْوَنَا | قَفَلَتْ إلَيْها وَحْشَةٌ من عِندِنا |
| أرِجَ الطّريقُ فَما مَرَرْتَ بمَوْضِعٍ | إلاّ أقامَ بهِ الشّذا مُسْتَوْطِنَا |
| لَوْ تَعْقِلُ الشّجَرُ التي قابَلْتَها | مَدّتْ مُحَيّيَةً إلَيكَ الأغْصُنَا |
| سَلَكَتْ تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ من | شَوْقٍ بها فأدَرْنَ فيكَ الأعْيُنَا |
| طَرِبَتْ مَراكِبُنَا فَخِلْنا أنّها | لَوْلا حَيَاءٌ عاقَها رَقَصَتْ بنا |
| أقْبَلْتَ تَبْسِمُ والجِيادُ عَوَابِسٌ | يَخْبُبْنَ بالحَلَقِ المُضاعَفِ والقَنَا |
| عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيْها عِثْيَراً | لوْ تَبتَغي عَنَقاً عَلَيْهِ لأمْكَنَا |
| والأمْرُ أمرُكَ والقُلُوبُ خوافِقٌ | في مَوْقِفٍ بَينَ المَنيّةِ والمُنى |
| فعَجِبْتُ حتى ما عَجبتُ من الظُّبَى | ورأيْتُ حتى ما رأيْتُ منَ السّنى |
| إنّي أراكَ منَ المَكارِمِ عَسكَراً | في عَسكَرٍ ومنَ المَعالي مَعْدِنَا |
| فَطَنَ الفُؤادُ لِما أتَيْتُ على النّوَى | ولِمَا تَرَكْتُ مَخافَةً أنْ تَفْطُنَا |
| أضحَى فِراقُكَ لي عَلَيْهِ عُقُوبَةً | لَيسَ الذي قاسَيْتُ منْهُ هَيّنَا |
| فاغْفِرْ فِدًى لكَ واحبُني مِنْ بعدها | لِتَخُصّني بِعَطِيّةٍ مِنْها أنَا |
| وَانْهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيّ بِضِلّةٍ | فالحُرُّ مُمْتَحَنٌ بأوْلادِ الزّنَى |
| وإذا الفتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضاً | في مجْلِسٍ أخذَ الكَلامَ اللَّذْ عَنى |
| ومَكايِدُ السّفَهاءِ واقِعَةٌ بهِمْ | وعَداوَةُ الشّعَراءِ بِئْسَ المُقْتَنى |
| لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللّئيمِ فإنّهَا | ضَيْفٌ يَجرُّ منَ النّدامةِ ضَيْفَنَا |
| غَضَبُ الحَسُودِ إذا لَقيتُكَ راضِياً | رُزْءٌ أخَفُّ عليّ مِنْ أنْ يُوزَنَا |
| أمسَى الذي أمْسَى برَبّكَ كافِراً | مِنْ غَيرِنا مَعَنا بفَضْلِكَ مُؤمِنَا |
| خَلَتِ البِلادُ منَ الغَزالَةِ لَيْلَها | فأعاضَهاكَ الله كَيْ لا تَحْزَنَا |