القَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ | وَأحَقُّ مِنْكَ بجَفْنِهِ وبِمَائِهِ |
فَوَمَنْ أُحِبُّ لأعْصِيَنّكَ في الهوَى | قَسَماً بِهِ وَبحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ |
أأُحِبّهُ وَأُحِبّ فيهِ مَلامَةً؟ | إنّ المَلامَةَ فيهِ من أعْدائِهِ |
عَجِبَ الوُشاةُ من اللُّحاةِ وَقوْلِهِمْ | دَعْ ما نَراكَ ضَعُفْتَ عن إخفائِهِ |
ما الخِلُّ إلاّ مَنْ أوَدُّ بِقَلْبِهِ | وَأرَى بطَرْفٍ لا يَرَى بسَوَائِهِ |
إنّ المُعِينَ عَلى الصّبَابَةِ بالأسَى | أوْلى برَحْمَةِ رَبّهَا وَإخائِهِ |
مَهْلاً فإنّ العَذْلَ مِنْ أسْقَامِهِ | وَتَرَفُّقاً فالسّمْعُ مِنْ أعْضائِهِ |
وَهَبِ المَلامَةَ في اللّذاذَةِ كالكَرَى | مَطْرُودَةً بسُهادِهِ وَبُكَائِهِ |
لا تَعْذُلِ المُشْتَاقَ في أشْواقِهِ | حتى يَكونَ حَشاكَ في أحْشائِهِ |
إنّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بدُمُوعِهِ | مِثْلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بدِمائِهِ |
وَالعِشْقُ كالمَعشُوقِ يَعذُبُ قُرْبُهُ | للمُبْتَلَى وَيَنَالُ مِنْ حَوْبَائِهِ |
لَوْ قُلْتَ للدّنِفِ الحَزينِ فَدَيْتُهُ | مِمّا بِهِ لأغَرْتَهُ بِفِدائِه |
وُقِيَ الأميرُ هَوَى العُيُونِ فإنّهُ | مَا لا يَزُولُ ببَأسِهِ وسَخَائِهِ |
يَسْتَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بنَظْرَةٍ | وَيَحُولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ |
إنّي دَعَوْتُكَ للنّوائِبِ دَعْوَةً | لم يُدْعَ سامِعُهَا إلى أكْفَائِهِ |
فأتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزّمانِ وَتَحْتِهِ | مُتَصَلْصِلاً وَأمَامِهِ وَوَرائِهِ |
مَنْ للسّيُوفِ بأنْ يكونَ سَمِيَّهَا | في أصْلِهِ وَفِرِنْدِهِ وَوَفَائِهِ |
طُبِعَ الحَديدُ فكانَ مِنْ أجْنَاسِهِ | وَعَليٌّ المَطْبُوعُ مِنْ آبَائِهِ |
قصيدة المتنبي
أروع أبيات الشعر العربي للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي قصيدة المتنبي الرائعة من أجمل القصائد.
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي | وتَحْسَبُ ماءَ غَيرِي من إنائي؟ |
أأنْطِقُ فيكَ هُجْراً بعدَ عِلْمي | بأنّكَ خَيرُ مَن تَحْتَ السّماءِ |
وأكْرَهُ مِن ذُبابِ السّيفِ طَعْماً | وأمْضَى في الأمورِ منَ القَضاءِ |
ومَا أرْبَتْ على العِشْرينَ سِنّي | فكَيفَ مَلِلْتُ منْ طولِ البَقاءِ؟ |
وما استَغرقتُ وَصْفَكَ في مَديحي | فأنْقُصَ مِنْهُ شَيئاً بالهِجَاءِ |
وهَبْني قُلتُ: هذا الصّبْحُ لَيْلٌ | أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياءِ؟ |
تُطيعُ الحاسِدينَ وأنْتَ مَرْءٌ | جُعِلْتُ فِداءَهُ وهُمُ فِدائي |
وهاجي نَفْسِهِ مَنْ لم يُمَيّزْ | كَلامي مِنْ كَلامِهِمِ الهُراءِ |
وإنّ مِنَ العَجائِبِ أنْ تَراني | فَتَعْدِلَ بي أقَلّ مِنَ الهَبَاءِ |
وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ | طَلَعْتُ بمَوْتِ أوْلادِ الزّناءِ |
أمن ازديارك في الدجى الرقباء
أمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجى الرُّقَبَاءُ | إذْ حَيثُ كنتِ مِنَ الظّلامِ ضِياءُ |
قَلَقُ المَليحَةِ وِهْيَ مِسْكٌ هَتكُها | ومَسيرُها في اللّيلِ وهيَ ذُكاءُ |
أسَفي على أسَفي الذي دَلّهْتِني | عَنْ عِلْمِهِ فَبِهِ عَليّ خَفَاءُ |
وَشَكِيّتي فَقْدُ السّقامِ لأنّهُ | قَدْ كانَ لمّا كانَ لي أعضاءُ |
مَثّلْتِ عَيْنَكِ في حَشايَ جِراحَةً | فتَشابَها كِلْتاهُما نَجْلاءُ |
نَفَذَتْ عَلَيّ السّابِرِيَّ ورُبّما | تَنْدَقّ فيهِ الصَّعدَةُ السّمْراءُ |
أنا صَخْرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْ | وإذا نَطَقْتُ فإنّني الجَوْزاءُ |
وإذا خَفِيتُ على الغَبيّ فَعَاذِرٌ | أنْ لا تَراني مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ |
شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتي | صَدْري بها أفضَى أمِ البَيداءُ |
فَتَبيتُ تُسْئِدُ مُسْئِداً في نَيّها | إسْآدَها في المَهْمَهِ الإنْضاءُ |
بَيْني وبَينَ أبي عليٍّ مِثْلُهُ | شُمُّ الجِبالِ ومِثْلُهنّ رَجاءُ |
وعِقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقَطْعِها | وهُوَ الشّتاءُ وصَيفُهُنّ شِتاءُ |
لَبَسَ الثُّلُوجُ بها عَليّ مَسَالِكي | فَكَأنّها بِبيَاضِها سَوْداءُ |
وكَذا الكَريمُ إذا أقامَ ببَلْدَةٍ | سَالَ النُّضارُ بها وقامَ الماءُ |
جَمَدَ القِطارُ ولَوْ رَأتْهُ كمَا تَرَى | بُهِتَتْ فَلَمْ تَتَبَجّسِ الأنْواءُ |
في خَطّهِ من كلّ قَلبٍ شَهْوَةٌ | حتى كأنّ مِدادَهُ الأهْواءُ |
ولكُلّ عَيْنٍ قُرّةٌ في قُرْبِهِ | حتى كأنّ مَغيبَهُ الأقْذاءُ |
مَنْ يَهتَدي في الفِعْلِ ما لا تَهْتَدي | في القَوْلِ حتى يَفعَلَ الشّعراءُ |
في كلّ يَوْمٍ للقَوافي جَوْلَةٌ | في قَلْبِهِ ولأُذْنِهِ إصْغَاءُ |
وإغارَةٌ في ما احْتَواهُ كأنّمَا | في كُلّ بَيْتٍ فَيْلَقٌ شَهْبَاءُ |
مَنْ يَظلِمُ اللّؤماءَ في تَكليفِهِمْ | أنْ يُصْبِحُوا وَهُمُ لَهُ أكْفاءُ |
ونَذيمُهُمْ وبهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ | وبِضِدّها تَتَبَيّنُ الأشْياءُ |
مَنْ نَفْعُهُ في أنْ يُهاجَ وضَرُّهُ | في تَرْكِهِ لَوْ تَفْطَنُ الأعداءُ |
فالسّلمُ يَكسِرُ من جَناحَيْ مالهِ | بنَوالِهِ ما تَجْبُرُ الهَيْجاءُ |
يُعطي فتُعطَى من لُهَى يدِهِ اللُّهَى | وتُرَى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ |
مُتَفَرّقُ الطّعْمَينِ مُجْتَمعُ القُوَى | فكأنّهُ السّرّاءُ والضّرّاءُ |
وكأنّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُ | مُتَمَثّلاً لوُفُودِهِ ما شَاؤوا |
يا أيّهَا المُجدَى علَيْهِ رُوحُهُ | إذْ لَيسَ يأتيهِ لها اسْتِجداءُ |
إحْمَدْ عُفاتَكَ لا فُجِعْتَ بفَقدِهم | فَلَتَرْكُ ما لم يأخُذوا إعْطاءُ |
لا تَكْثُرُ الأمواتُ كَثرَةَ قِلّةٍ | إلاّ إذا شَقِيَتْ بكَ الأحْياءُ |
والقَلْبُ لا يَنْشَقّ عَمّا تَحْتَهُ | حتى تَحِلّ بهِ لَكَ الشّحْناءُ |
لمْ تُسْمَ يا هَرُونُ إلاّ بَعدَمَا اقْـ | ـتَرَعَتْ ونازَعتِ اسمَكَ الأسماءُ |
فغَدَوْتَ واسمُكَ فيكَ غيرُ مُشارِكٍ | والنّاسُ في ما في يَدَيْكَ سَواءُ |
لَعَمَمْتَ حتى المُدْنُ منكَ مِلاءُ | ولَفُتَّ حتى ذا الثّناءُ لَفَاءُ |
ولجُدْتَ حتى كِدْتَ تَبخَلُ حائِلاً | للمُنْتَهَى ومنَ السّرورِ بُكاءُ |
أبْدَأتَ شَيئاً ليسَ يُعرَفُ بَدْؤهُ | وأعَدْتَ حتى أُنْكِرَ الإبْداءُ |
فالفَخْرُ عَن تَقصِيرِهِ بكَ ناكِبٌ | والمَجْدُ مِنْ أنْ يُسْتَزادَ بَراءُ |
فإذا سُئِلْتَ فَلا لأنّكَ مُحوِجٌ | وإذا كُتِمتَ وشَتْ بكَ الآلاءُ |
وإذا مُدِحتَ فلا لتَكسِبَ رِفْعَةً | للشّاكِرينَ على الإلهِ ثَنَاءُ |
وإذا مُطِرْتَ فَلا لأنّكَ مُجْدِبٌ | يُسْقَى الخَصِيبُ ويُمْطَرُ الدّأمَاءُ |
لم تَحْكِ نائِلَكَ السّحابُ وإنّما | حُمّتْ بهِ فَصَبيبُها الرُّحَضاءُ |
لم تَلْقَ هَذا الوَجْهَ شَمسُ نَهارِنَا | إلاّ بوَجْهٍ لَيسَ فيهِ حَيَاءُ |
فَبِأيّما قَدَمٍ سَعَيْتَ إلى العُلَى | أُدُمُ الهِلالِ لأخمَصَيكَ حِذاءُ |
ولَكَ الزّمانُ مِنَ الزّمانِ وِقايَةٌ | ولَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ |
لوْ لم تكنْ من ذا الوَرَى اللّذْ منك هُوْ | عَقِمَتْ بمَوْلِدِ نَسْلِها حَوّاءُ |
ماذا يقول الذي يغني
ماذا يَقولُ الّذي يُغَنّي | يا خيرَ مَنْ تَحتَ ذي السّماءِ |
شَغَلْتَ قَلْبي بلَحْظِ عَيْني | إلَيكَ عَنْ حُسْنِ ذا الغِناءِ |
إنما التهنئات للأكفاء
إنّمَا التّهْنِئَاتُ لِلأكْفَاءِ | ولمَنْ يَدَّني مِنَ البُعَدَاءِ |
وَأنَا مِنْكَ لا يُهَنّىءُ عُضْوٌ | بالمَسَرّاتِ سائِرَ الأعْضَاءِ |
مُسْتَقِلٌّ لَكَ الدّيَارَ وَلَوْ كَا | نَ نُجُوماً آجُرُّ هَذا البِنَاءِ |
وَلَوَ انّ الذي يَخِرّ مِنَ الأمْـ | ـوَاهِ فيهَا مِنْ فِضّةٍ بَيضَاءِ |
أنْتَ أعلى مَحَلّةً أنْ تُهَنّا | بمَكانٍ في الأرْضِ أوْ في السّماءِ |
وَلَكَ النّاسُ وَالبِلادُ وَمَا يَسْـ | ـرَحُ بَينَ الغَبراءِ وَالخَضرَاءِ |
وَبَساتينُكَ الجِيادُ وَمَا تَحْـ | ـمِلُ مِنْ سَمْهَرِيّةٍ سَمْرَاءِ |
إنّمَا يَفْخَرُ الكَريمُ أبُو المِسْـ | ـكِ بِمَا يَبْتَني مِنَ العَلْياءِ |
وَبأيّامِهِ التي انسَلَخَتْ عَنْـ | ـهُ وَمَا دارُهُ سِوَى الهَيجاءِ |
وَبِمَا أثّرَتْ صَوَارِمُهُ البِيـ | ـضُ لَهُ في جَمَاجِمِ الأعْداءِ |
وَبمسْكٍ يُكْنى بهِ لَيسَ بالمِسْـ | ـكِ وَلَكِنّهُ أرِيجُ الثّنَاءِ |
لا بمَا يَبتَني الحَواضرُ في الرّيـ | ـفِ وَمَا يَطّبي قُلُوبَ النّساءِ |
نَزَلَتْ إذْ نَزَلْتَهَا الدّارُ في أحْـ | ـسَنَ منها مِنَ السّنى وَالسّنَاءِ |
حَلّ في مَنْبِتِ الرّياحينِ مِنْهَا | مَنْبِتُ المَكْرُماتِ وَالآلاءِ |
تَفضَحُ الشّمسَ كلّما ذرّتِ الشمـ | ـسُ بشَمْسٍ مُنيرَةٍ سَوْداءِ |
إنّ في ثَوْبِكَ الذي المَجْدُ فيهِ | لَضِيَاءً يُزْري بكُلّ ضِيَاءِ |
إنّما الجِلدُ مَلبَسٌ وَابيضَاضُ الـ | ـنّفسِ خَيرٌ من ابيضَاضِ القَبَاءِ |
كَرَمٌ في شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ | في بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ في وَفَاءِ |
مَن لبِيضِ المُلُوكِ أن تُبدِلَ اللوْ | نَ بلَوْنِ الأستاذِ وَالسّحْنَاءِ |
فَتَرَاهَا بَنُو الحُرُوبِ بأعْيَا | نٍ تَرَاهُ بها غَداةَ اللّقَاءِ |
يا رَجاءَ العُيُونِ في كلّ أرْضٍ | لم يكُنْ غيرَ أنْ أرَاكَ رَجَائي |
وَلَقَدْ أفْنَتِ المَفَاوِزُ خَيْلي | قَبلَ أنْ نَلتَقي وَزَادي وَمَائي |
فَارْمِ بي ما أرَدْتَ مني فإنّي | أسَدُ القَلْبِ آدَميُّ الرُّوَاءِ |
وَفُؤادي مِنَ المُلُوكِ وَإن كا | نَ لِساني يُرَى منَ الشّعراءِ |
أرى مرهفا مدهش الصيقلين
أرَى مُرْهَفاً مُدهِشَ الصّيقَلِينَ | وبابَةَ كُلّ غُلامٍ عَتَا |
أتأذَنُ لي ولَكَ السّابِقاتُ | أُجَرّبُهُ لَكَ في ذا الفَتى |