تذكرتُ كيفَ انتشلكَ الدهرُ و |
قد هاجتْ مواضعَ الأشجانِ |
ذهلتُ بفقدك يا إبنَ إبيْ فلا البكاءً |
مطاوعٌ و لا سبيلٌ لسلوةَ الأحزانِ |
فلمْ تجري المدامعْ و لو كان فؤاديَ |
نازفٌاً دما عبيطاً بلون الأرجوانِ |
غالتكَ منيْ صروفُ الحربْ و مثلكَ |
غالتْ شباباً يانعاً كزهرِ الاقحوانِ |
بكيتكَ طولَ العمرِ بدموعٍ من دمٍ و |
أني لقدْ أقسمتُ لا تركٌ لأشجاني |
طويتُ الأسى و تطبعتُ بهِ و أينما |
حللتُ و جدتُ للأسى حيزاً بوجداني |
يلومونيَ صحبيْ عل طولِ الأسى |
و هلْ يفيدُ لومٌ و الأسى محض كيانيْ |
صالح مهدي عباس المنديل
قصائد الشاعر العربي الدكتور صالح مهدي عباس المنديل في مكتبة قصائد العرب.
رمتني
رمتني بلحظها الفتاكِ فاتنةٌ |
في الحيِ هيفاءُ عشاقها كُثرُ |
تطوفُ على الحيِ غادةٌ ميساءُ |
نحيلةِ الخصرْ فرعاءُ باسمةُ الثغرِ |
إن تَبَسمَّت كشفتْ درراً ما |
بعدِ شفاهها واللمى السمرُ |
جَلَ الذي سوى الملاحةَ آيةً في |
الوجناتِ السمرْ والمقلُ الخضرُ |
إذا تَحَدَّثَتْ لها بسمةٌ بيضاءُ |
سَلَبَتْ مَنيَّ سنى الألبابِ والفكرُ |
تقولُ مهلاً فمنْ يُجارينا نحنُ |
الناجياتُ السمرُ آيتهُ الصبرُ |
واحذرْ فَمودةُ الحسانُ الحورْ |
أثمانها البيضُ والضمرُ الشقرُ |
لها أقراطٌ ترنحُ على الخدينْ |
صفائحٌ من لجينٍ زانها التبرُ |
تقولُ ليْ مهلاً إذ أوشكَ البعدُ |
بيننا فهذهِ الأيامُ شيمتها الغدرُ |
قلتُ لها عهودي مواثقٌ وإنْ |
جارتْ الأيامُ أو غدرَ الدهرُ |
لكن تفرقُ بيننا الأيامُ جوراً ولمْ |
يبقى سوى الآلامُ أو طيبْ الذكرُ |
فَما عزاء الثاكلينَ أحبةً |
سوى طيبُ السلوانُ والصبرُ |
وما نحنُ بعدَكِ يا سمراء إلا |
حُطَام الدهرْ والأحداثْ والقهرُ |
سيبقى رسمُكِ في عيني على المدىْ |
ويصونُ سرُّكِ الأحشاءُ والصدرُ |
شمائل
ألمحتُ في المدينةٍ ظبياً | سمراءُ و ذي تمائمْ |
سُبحانَ الذي اثرى على | يديْ ريا المعاصمْ |
فودها اريجُ وردٌ | و الثغرُ يجودُ بالمكارمْ |
و الجمرُ على الخدينِ وهجاً | و الشذى على حمرِ المباسمْ |
شعرُها على المتنينِ دانيٍ | اسودٌ كلونِ الليلِ قاتمْ |
و على الفودينِ كثٌّ | يَسعى كما تسعى النسائمْ |
في أصلِها فرعُ عدنانْ | و النهى و جودُ حاتمْ |
تَنأى عن الوشاةِ عمداً | و هديلها صوتُ الحمائمْ |
كريمةُ المحتدْ و النهى | ومن صلبِ الأكارمْ |
هيفاء على الجيدِ ترنحْ | و الثغرُ على الدوامِ باسمْ |
و الكلامُ منها بلسمْ | سلافُ تسقيهُ الغمائمْ |
ما اطيبُ عهدنا و أجمَلْ | و الفؤادُ في هواكِ هائم ْ |
فليذهبُ العذالُ شتى | ما دامتُ في هواكِ ناعمْ |
أجوبُ في بحرِ الهوى و اسرفْ | طَرِبٌ فيه و لستُ نادمْ |
مدينتي الدجيل
خليليَّ منْ رهطِ السلاميَ و خزرجٍ |
عوجا عليَّ بالدارِ و انتظرانيْ |
و قصّا عليَّ الحوادثَ كلها و عنْ |
صروفِ الدهرِ قولا و حدثانيْ |
وافياني بأخبارِ الأحبةِ كلهمُ و مآثرَ |
الجيلِ من الفتياتِ و الصبيانِ |
تذكرتُ المرابعَ و ايامَ الصبا |
و هاجتْ ليَ الذكرى اسى الوجدانِ |
يقرُ بعينيْ أنَّ الدُجيلَ فخورةٌ |
بأننيَ صغتُ الجراحةَ طوعَ بنانيْ |
أُقَلِبُ أطرافَ الحَديثِ و صُحبَةٍ |
كأني أُناجيَ التوبادَ و الريانِ |
يا حبذا ارضُ الدجيلُ اذا سرتْ |
ريحُ الصبا و إخضَّرتْ الوديانِ |
فيها بساتينُِ النخيلُ ظليلةٌ و بها |
لذيذُ التمرُ و الأعنابِ و الرمانِ |
هنا تعلمتُ الحديثَ و نظمه و |
تداولتْ اطرافَ الكتابِ بنانيْ |
فان ليَّ في ارضِ الدجيلِ لبانةٌ لما |
تزلْ تُشجي سويدا القلبِ بالخفقانِ |
خذاني إلى كلِ الأزقةِ بالحمى و خبرا |
جميعَ اهلِ الحي و الجيرانِ |
خذاني إلى دارِ المعلمِ كي اشيدُ |
بهم و أواسيهمُ بالشكرِ و العرفانِ |
خذني إلى النهرينِ جفتْ منابعهمْ |
و أقرأُ على تلِ الأببترِ شجوَ أحزاني |
بلغني أنَّ المنونَ وافتْ بعضهمْ |
خبرٌ يهيّجُ الوجدانَ و الأشجانِ |
فكتبتُ ابياتاً حزينةً ومزجتُ |
المدادَ بدمعِ العينِ سطّرتُ بيانيْ |
تغربتُ فاصبتُ بها شهداً و صاباً |
و نقشتُ بها على جدارِ الصمتِ احزانيْ |
إنّي التمستُ قاضي الدهرَ ثمَ |
اشتكيتُهُ فالويلْ كلَ الويلِ للحدثانِ |
خليلي
خليليَّ من رهط السلامي وخزرجٍ | عوجا علي بالدار وانتظراني |
وقصّا عليَّ الحوادث كلها | وعن صروف الدهر قولا وحدثاني |
وافياني بأخبار الأحبة كلهم ومآثر | الجيلِ من الفتيات والصبيانِ |
تذكرت المرابع وأيام الصبا | وهاجت لي الذكرى أسي الوجدان |
يقر بعيني أنَّ الدُجيل فخورة بأنني | صغتُ الجراحةَ طوعَ بناني |
يا حبذا أرض الدجيل إذا سرت | ريح الصبا واخضرت الوديانِ |
فيها بساتين النخيل ظليلة وبها | لذيذ التمر والأعناب والرمانِ |
فان ليَّ في ارض الدجيل لبانة لما | تزل تشجي سويدا القلب بالخفقان |
خذاني إلى كل الأزقة بالحمى وخبرا | جميع أهل الحي والجيرانِ |
خذاني إلى دار المعلم كي أشيد بهم | وأواسيهمُ بالشكر والعرفانِ |
خذني إلى النهرين جفت منابعهم | وأقرأ على تل الأبتر شجو أحزاني |
بلغني أن المنون وافت بعضهم خبرٌ | يهيّج الوجدان والأشجانِ |
فكتبت أبياتاً حزينة ومزجتُ المداد | بدمع العين سطّرتُ بياني |
تغربت فأصبتُ بها شهداً وصابا | ونقشت بها على جدار الصمت أحزاني |
إني التمست قاضي الدهر ثم | اشتكيته فالويل كل الويل للحدثانِ |
يا أم هالة
يا أم هالةَ جودي علينا بلقاء |
و نظرةٍ فيها اللقاءُ بموعدِ |
هل تحكمْ الأيامُ أنْ لا لقاءَ |
لنا بعدَ اليومِ حكماً مؤكدِ |
ألمُ الصبابةَ صاحبٌ يراودُني |
في كلِ يومٍ ينامُ معي ثم يقعدِ |
ألمُ الصبابةَ ثوبٌ البكاءِ ارتضيتهُ |
و مَسحتُ مجرى المدامعِ باليدِ |
و لمْ أرى مثل الصبابة ألماً |
استزيدُ منهُ و هو يجود و يزددِ |
جرّبتُ بناتَ العُربِ من حضرٍ |
و ما عرفت ُالاكِ يا ابهى فصائدي |
ما الود بعدكِ إلا صحراءَ مقفرةً |
شحتْ عليَّ و شُلَتْ ايادي المساعدِ |
ما زالَ شَوقي إليكمْ يؤرقني ولنْ |
يهونَ و قد هانتْ جميع الشدائدِ |
عودي ولو طالتْ الأزمانْ يا أمَ |
هالةِ و لا تبخلي علينا بموعدِ |
أنا بعدكمْ في صحراءِ مقفرةٍ |
كأنَ دنيايَ ما بها قطُ من أحدِ |