تسألني متى الوعد يا هذا |
فأجاب وجداني المضرج بالأسى |
وهلا عرفت |
وهذي صروف الدهر غالت حميتي |
فهذا ليل الصد أرخى ذوائبه |
حتى طويتُ منه على اليأس أمالي |
وضعف الحال أوهنَ همتي |
ولو كنت في الناس ميسوراً |
لهانت بغيتي وأدركت |
على معسر الأيام نيلاً لغايتي |
يمينا إذا أودت يد الأيام |
بالعهد بيننا ساترك باليراعة |
سفراً على الأيام يتلو محنتي |
سفرٌ يحدث الأجيال عن شغفي |
بقاصرات الطرف اللواتي |
على مدى الدهر هيّمنَ مهجتي |
وان أقفرت الغبراء عن ماء دجلة |
سأرويها ما حييت |
مدادا من الحبر حتى تخور عزيمتي |
سأكتب على جدار الصمت ملحمةً |
تحدث الأجيال |
عن ألم الأشجان تروي حكايتي |
وتشهد أني ذقت نعماء المودة |
منكمُ ومنها الطيب |
حتى اليوم يسقي جناني |
في المنام وصحوتي |
فاني ما زلت سادرًا أعاتب القلب |
ثم ألومه على فقد الأحبة |
وتحيا على الم الصبابة عفتي |
يخبركِ من عَهِدَ الوفاء بصحبتي |
بان عهدي الوفاء ولكن |
كدّرت بنات الدهر عزمي وشيمتي |
أتيت اليوم معتذرٌ وقد تجلى الوهم |
من بعد حَيْرَة |
فهيا يا ابنة الأبرار |
هذي قصتي |
اغمض عيني كل ليلة |
وما شغفي بالنوم حبا به |
ولكن ارتجي خيال العامرية بنومتي |
صالح مهدي عباس المنديل
قصائد الشاعر العربي الدكتور صالح مهدي عباس المنديل في مكتبة قصائد العرب.
جائتني
جاءتني جريا ولها انفاساً |
تتقطع مثل غزال مذعور |
و الدمع على خديها قطرات |
تتلألأ بيضاء مثل البلور |
ظبي يتمايل اذ داعبت كتفيها |
امواج الشعر الجعد المنثور |
انسة يتسامى من وحي صباها |
ايات تتلى بكتاب منشور |
في عينيها بحر ازرق يتمادى |
عمقه في وجداني طغيانا و يمور |
عيناها لن ترى مثليهما |
قسما بالله و بالبيت المعمور |
عينان ينبض في قعريها |
حلم ذو اشجان و سرور |
فتيات الحي غيارى منها و هن |
لها علاقة يُفدين قربانا و نذور |
نبرتها الحان بنان موسيقى في |
عرس تُنشد بالوقع المسرور |
نظرت و الشك يساورها |
خوف مصير صباها المجهول |
فوق جبينها خال دريٌّ |
يلمع كالماس المصقول |
قالت و العبرة تخنقها |
كيف تودعنا جهاراً بفتور |
اذ نضج الحب و اينع |
في صدري وجداناً و شعور |
و سار النهر الخالد في حبكِ |
امواجاً تسري و تمور |
صمتك هذا يا فرحة عمري |
يؤرقني خشية هجران و نفور |
يا زهرة روضي معذرةً فسمائي |
ملبدة و طريقي قفر مهجور |
قالت يا حبي الأول لا ترحل عهودك |
ما زالت في صدري وعد مبرور |
يا ألف ربيع العمر اجيبيني |
هل يرجع قلبي مخذول مدحور |
اهكذا يا حبي الاوحد ثانيةً |
زمني ايام شتى تأتي و تدور |
من بعدك ابقى عذراء و ليالي |
الدهر تكابدها احزان و سرور |
اذكر كيف شربنا من نهر |
الحب كؤوسا من شهد و خمور |
و مشيت كثيرا فيي دروب |
الحب الأبهى نشوانا بحبور |
و بنينا في الأحلام لعينيك |
ابراج خيال كبرى و قصور |
يا فرحة عمري ما ودعتك |
لو كنت غني الحال و ميسور |
حسبي من حبك ذكرى |
ازهاراً ذبلا ، أريجا و عطور |
لا بل اصبحنا سوى ماضي |
كلمات من حبر فوق سطور |
لو مرت في الخاطر ذكراك يوماً |
عدتُ الى اهلي فرحاناً مسرور |
عدنا بعد رحيل العمر و بيني |
و بينك حالت قيعان و بحور |
كيف لقيانا و قد حالت |
دوني سنوناً و عصور |
و حبك سيدتي ما زال |
كتابٌ في صدري منشور |
جمرٌ يتلظى حبكِ في |
سوح القلب المهجور |
قالت اسفا يا حبي ما جئت |
اليوم به امر ممنوع محضور |
لا تخشي اقوال الناس أنْ عهداً |
ياحبي امرك ماض مكتوم مستور |
عصفور الشوق يرفرف في |
دنيا سماها اقمار و بدور |
لكن اسفاً دنيانا غادرة ، سماء تسبح |
عقبان في متنيها و صقور |
اقلامي و عيناك سماء ممطرة |
ألق يسقيها سحر سناكِ الموفور |
سقطت ايامي سهواً في الدنيا |
و هي غدا تلقاني في لوح منشور |
عدت بترحالي مبتهجاً و سنى عيناك |
ببغداد صحائف تتلى بحروف من نور |
اوهام تتلاشى عمدا في بحرٍ |
فوق حطام الأمل المكسور |
اسلوب الكلام
مكارم البأس و الجود قد تذهب |
سُدى ما لم تزيِّنها |
البشاشة و البشرُ |
و لن تكسب ود امريء |
بادرته كبرا |
و منك نصيبه التأنيب و الزجرُ |
كمن اعطى بيدٍ و باليد الأخرى |
يجلد بالسوط و النُذرُ |
فما السحاب بالصواعق و البروق |
ما لم يصيبك منها وابل القطرُ |
و لن يسرُكَ من صاحب حديثه |
مبطّنٌ ظاهرُهُ حلوٌ و باطنهُ مُرُّ |
و لا تسدي للأصحاب عهدا لست تحفظه |
و لا ضير إن أملتهم خيرُ |
لا عتب على نمام يسعى للخراب |
و العتب كل العتب |
لمن يسمع له عذرُ |
وما اذا ارتجي من صديق |
يسرني علنا و أعلمُ |
أن أنامله من دمي حمرُ |
شيَمُ الكرام اذا رأوا في |
الناس مثلبةً |
كان دوائها التجميل و السترُ |
لكلٍّ من بني الانسان غايتهم |
و كل امرىء |
يسعدهُ العرفان و العذر |
و الصمت عند اشتداد الغيض |
و ضبط النفس من سبل الفخرُ |
كربة
تجلد فبعد كل الكروب |
فرجٌ سيأتي عن قريبْ |
إنّهُ لابد آتٍ |
بعد كل مأساةٍ تنوبْ |
معشر بني الانسان يا صاحبي |
قد خُلقنا للنوائب كي تنوبْ |
و اذكر كيف كادت الشمس في تموز |
تحرق الارض فأدركها الغروبْ |
كم بلاد عُمِّرت |
بعد أهوال الحروبْ |
و نادب لهالك بالأمس |
بعد حزن الأمس قد اصبح طروبْ |
و سموم القيض بددته |
للصبا انسام من صوب الجنوبْ |
هذه بغداد تنهض من جديد |
تتعافى بعد نكبات الخطوبْ |
نحمد الله اللذي جعلَ السلوى |
شفاءً للقلوبْ |
فكم من حادث يُنسى |
و إن كادت إلأنفس |
من هول الحوادث أن تذوبْ |
و كذا شأن الحوادث |
فهي تولد ثم تكبر |
و تأول للنضوب |
شأنها شأن الحياة |
في كل المسالك و الدروب |
لست وحيدا بها وحدك |
و هل تجد مسلكاً خالٍ من عيوب |
و أحذر الناس وجدتُ انهم |
جواسيس الوشاية تبحث عن عيوب |
بغداد ١٩٩١
هذي قرانا يا بني امحلت إذ تولتنا |
على نكبات الدهر ألوان الخطوبْ |
سمراء قاحلة ارض الفرات و أرى |
الفتيان فيها تهرع كل يوم للهروبْ |
و انحسر نهر الفرات يمشي خجلاً |
ريثما الماء يصل إلى ارض الجنوبْ |
بغداد بها الشجعان صرعى يشنقون |
كيف يشنق من كانوا اسودا في الحروب |
يشنق الصنديد بارق في الوغى غدراً |
و جبان القوم من هولها لاذ بالهروب |
فوق بغداد دخان اليأس خيم مثقلا |
على صدر الأزقة و الشوارع و الدروب |
::::: |
سقط هذا اليوم في بغداد |
سعد و غدا يسقط سعيد |
كيف تقتل الأبطال شنقا كيف |
لمن كان للأوطان بالنفس يجود |
وجديد القلب بالأمل الوضاح يغريني أن |
أزهار الصبى أينعت خلف أسوار الحدود |
تمتم الأهل بشيء من حذر هل تغادر |
قالو لي بشيئ من اسى خشيةً ًالا تعود |
هيّا يا رفيق الدرب ننجو نتمرد |
آنت الثورة على البغي و تكسير القيود |
:::: |
و يأتيني نذير الشؤم في كل مساء |
فيوسوس ما النجاة إلا في الهروب |
و دفاع الخوف يأتي في الصباح |
كيف تنجو أوصدت كل الدروب |
أميم القلب
يا أُميمَ القلبْ جودي كي نجودْ |
قد تَلَقّى صدري |
رشقاً من نبال |
نحوي صُوِبَتْ |
من لواحظٍ حوراءَ سودْ |
و أتتني قبلةٌ عبر امواج الأثير |
أُرسِلت من شفاهٍ ذابلات |
من شفاه حمرْ |
حمراءَ لها اطيافُ سودْ |
كأنها وردة “البكراء” راودها الصدود |
يا أميم القلب يا حوض الوجود |
لا تُلاقي وصلي بالصدود |
جود يا “حوض الجحود” |
ما لِسمح الخُلق شيمة الجحودْ |
أتعلمين أن هذه الدنيا حوضٌ للجحود |
و ما لحوضٍ من جحود أن يجودْ |
لا امطار فيها سوى برقٌ و رعودْ |
كَثُرتْ فيها ثعالبُ مكرٍ |
و أُناسٌ مُسِخوا مثل القرودْ |
و أختفت منها الأسود |
يا لهف نفسي |
لم تفي تلك المواثق و العهود |
عودي يا سويدا القلب |
إنني سأمتُ اكاذيبَ الوعودْ |
أيت زمان الوصل من قبل الصدود |
ليت ذاك الدهر يوماً سيعود |
أنما الآمال يا أُمَيمْ تكبر |
هناك خلفَ اسوار الحدودْ |
تُراودني كما اشباح سود |
أو جميلةٌ تُأملني بأنها سوف تعودْ |
قد سأمت هذه الدنيا |
فكلُّ ما فيها قيود |
أنا راحلٌ عبر الحدودْ |
رحلةٌ منها لن أعود |
هُناكَ أُجرب حظي |
خلف اسوار الحدودْ |