الحسناء

أُغازِلُ الحسناء وقد
أيقنتُ يقيناً بأنيَ خاسرٌ
ويدي من ودِّها صفرُ
أغرتكَ الحسناء
صعبٌ منالها وقد عزتْ عليك
ولو راياتُها حُمْرُ
لَهثتُ وراء منالَها طوال
الدهرْ واستعنتُ عليها
بالترغيب والصبرُ
فلَمّا أدركتُ مرامي
بها وجدتُها لا العلياءُ تزهو
ولا في خَمرِها سكرُ
لقد نلتُ الرجاءَ
بعدَ العناء
إذ عرفتُ بأنَّني قد صابني خُسرُ
إن سألتني عن الدنيا وغرورها
احذر فإنها
مغريةٌ راياتها حمرُ
حسناء تنادي
من يظفر بها له النيشان والتيجان
والنهيُ والأمرُ
توعدك بالمزيد
والثراء والجمال
صعب منالها دونها سترُ
أوهمتني بأنهر في الجنان
فطاردتها وحين استبنت الرشد
قد رحل العمرُ
سفينة في بحر مظلمٍ
تلاطمها الأمواج
صانعوها هواةٌ وربانها غمرُ
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس

مها

تسألني متى الوعد يا هذا
فأجاب وجداني المضرج بالأسى
وهلا عرفت
وهذي صروف الدهر غالت حميتي
فهذا ليل الصد أرخى ذوائبه
حتى طويتُ منه على اليأس أمالي
وضعف الحال أوهنَ همتي
ولو كنت في الناس ميسوراً
لهانت بغيتي وأدركت
على معسر الأيام نيلاً لغايتي
يمينا إذا أودت يد الأيام
بالعهد بيننا ساترك باليراعة
سفراً على الأيام يتلو محنتي
سفرٌ يحدث الأجيال عن شغفي
بقاصرات الطرف اللواتي
على مدى الدهر هيّمنَ مهجتي
وان أقفرت الغبراء عن ماء دجلة
سأرويها ما حييت
مدادا من الحبر حتى تخور عزيمتي
سأكتب على جدار الصمت ملحمةً
تحدث الأجيال
عن ألم الأشجان تروي حكايتي
وتشهد أني ذقت نعماء المودة
منكمُ ومنها الطيب
حتى اليوم يسقي جناني
في المنام وصحوتي
فاني ما زلت سادرًا أعاتب القلب
ثم ألومه على فقد الأحبة
وتحيا على الم الصبابة عفتي
يخبركِ من عَهِدَ الوفاء بصحبتي
بان عهدي الوفاء ولكن
كدّرت بنات الدهر عزمي وشيمتي
أتيت اليوم معتذرٌ وقد تجلى الوهم
من بعد حَيْرَة
فهيا يا ابنة الأبرار
هذي قصتي
اغمض عيني كل ليلة
وما شغفي بالنوم حبا به
ولكن ارتجي خيال العامرية بنومتي
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

جائتني

جاءتني جريا ولها انفاساً
تتقطع مثل غزال مذعور
و الدمع على خديها قطرات
تتلألأ بيضاء مثل البلور
ظبي يتمايل اذ داعبت كتفيها
امواج الشعر الجعد المنثور
انسة يتسامى من وحي صباها
ايات تتلى بكتاب منشور
في عينيها بحر ازرق يتمادى
عمقه في وجداني طغيانا و يمور
عيناها لن ترى مثليهما
قسما بالله و بالبيت المعمور
عينان ينبض في قعريها
حلم ذو اشجان و سرور
فتيات الحي غيارى منها و هن
لها علاقة يُفدين قربانا و نذور
نبرتها الحان بنان موسيقى في
عرس تُنشد بالوقع المسرور
نظرت و الشك يساورها
خوف مصير صباها المجهول
فوق جبينها خال دريٌّ
يلمع كالماس المصقول
قالت و العبرة تخنقها
كيف تودعنا جهاراً بفتور
اذ نضج الحب و اينع
في صدري وجداناً و شعور
و سار النهر الخالد في حبكِ
امواجاً تسري و تمور
صمتك هذا يا فرحة عمري
يؤرقني خشية هجران و نفور
يا زهرة روضي معذرةً فسمائي
ملبدة و طريقي قفر مهجور
قالت يا حبي الأول لا ترحل عهودك
ما زالت في صدري وعد مبرور
يا ألف ربيع العمر اجيبيني
هل يرجع قلبي مخذول مدحور
اهكذا يا حبي الاوحد ثانيةً
زمني ايام شتى تأتي و تدور
من بعدك ابقى عذراء و ليالي
الدهر تكابدها احزان و سرور
اذكر كيف شربنا من نهر
الحب كؤوسا من شهد و خمور
و مشيت كثيرا فيي دروب
الحب الأبهى نشوانا بحبور
و بنينا في الأحلام لعينيك
ابراج خيال كبرى و قصور
يا فرحة عمري ما ودعتك
لو كنت غني الحال و ميسور
حسبي من حبك ذكرى
ازهاراً ذبلا ، أريجا و عطور
لا بل اصبحنا سوى ماضي
كلمات من حبر فوق سطور
لو مرت في الخاطر ذكراك يوماً
عدتُ الى اهلي فرحاناً مسرور
عدنا بعد رحيل العمر و بيني
و بينك حالت قيعان و بحور
كيف لقيانا و قد حالت
دوني سنوناً و عصور
و حبك سيدتي ما زال
كتابٌ في صدري منشور
جمرٌ يتلظى حبكِ في
سوح القلب المهجور
قالت اسفا يا حبي ما جئت
اليوم به امر ممنوع محضور
لا تخشي اقوال الناس أنْ عهداً
ياحبي امرك ماض مكتوم مستور
عصفور الشوق يرفرف في
دنيا سماها اقمار و بدور
لكن اسفاً دنيانا غادرة ، سماء تسبح
عقبان في متنيها و صقور
اقلامي و عيناك سماء ممطرة
ألق يسقيها سحر سناكِ الموفور
سقطت ايامي سهواً في الدنيا
و هي غدا تلقاني في لوح منشور
عدت بترحالي مبتهجاً و سنى عيناك
ببغداد صحائف تتلى بحروف من نور
اوهام تتلاشى عمدا في بحرٍ
فوق حطام الأمل المكسور
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

اسلوب الكلام

مكارم البأس و الجود قد تذهب
سُدى ما لم تزيِّنها
البشاشة و البشرُ
و لن تكسب ود امريء
بادرته كبرا
و منك نصيبه التأنيب و الزجرُ
كمن اعطى بيدٍ و باليد الأخرى
يجلد بالسوط و النُذرُ
فما السحاب بالصواعق و البروق
ما لم يصيبك منها وابل القطرُ
و لن يسرُكَ من صاحب حديثه
مبطّنٌ ظاهرُهُ حلوٌ و باطنهُ مُرُّ
و لا تسدي للأصحاب عهدا لست تحفظه
و لا ضير إن أملتهم خيرُ
لا عتب على نمام يسعى للخراب
و العتب كل العتب
لمن يسمع له عذرُ
وما اذا ارتجي من صديق
يسرني علنا و أعلمُ
أن أنامله من دمي حمرُ
شيَمُ الكرام اذا رأوا في
الناس مثلبةً
كان دوائها التجميل و السترُ
لكلٍّ من بني الانسان غايتهم
و كل امرىء
يسعدهُ العرفان و العذر
و الصمت عند اشتداد الغيض
و ضبط النفس من سبل الفخرُ
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

كربة

تجلد فبعد كل الكروب
فرجٌ سيأتي عن قريبْ
إنّهُ لابد آتٍ
بعد كل مأساةٍ تنوبْ
معشر بني الانسان يا صاحبي
قد خُلقنا للنوائب كي تنوبْ
و اذكر كيف كادت الشمس في تموز
تحرق الارض فأدركها الغروبْ
كم بلاد عُمِّرت
بعد أهوال الحروبْ
و نادب لهالك بالأمس
بعد حزن الأمس قد اصبح طروبْ
و سموم القيض بددته
للصبا انسام من صوب الجنوبْ
هذه بغداد تنهض من جديد
تتعافى بعد نكبات الخطوبْ
نحمد الله اللذي جعلَ السلوى
شفاءً للقلوبْ
فكم من حادث يُنسى
و إن كادت إلأنفس
من هول الحوادث أن تذوبْ
و كذا شأن الحوادث
فهي تولد ثم تكبر
و تأول للنضوب
شأنها شأن الحياة
في كل المسالك و الدروب
لست وحيدا بها وحدك
و هل تجد مسلكاً خالٍ من عيوب
و أحذر الناس وجدتُ انهم
جواسيس الوشاية تبحث عن عيوب
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل

بغداد ١٩٩١

هذي قرانا يا بني امحلت إذ تولتنا
على نكبات الدهر ألوان الخطوبْ
سمراء قاحلة ارض الفرات و أرى
الفتيان فيها تهرع كل يوم للهروبْ
و انحسر نهر الفرات يمشي خجلاً
ريثما الماء يصل إلى ارض الجنوبْ
بغداد بها الشجعان صرعى يشنقون
كيف يشنق من كانوا اسودا في الحروب
يشنق الصنديد بارق في الوغى غدراً
و جبان القوم من هولها لاذ بالهروب
فوق بغداد دخان اليأس خيم مثقلا
على صدر الأزقة و الشوارع و الدروب
:::::
سقط هذا اليوم في بغداد
سعد و غدا يسقط سعيد
كيف تقتل الأبطال شنقا كيف
لمن كان للأوطان بالنفس يجود
وجديد القلب بالأمل الوضاح يغريني أن
أزهار الصبى أينعت خلف أسوار الحدود
تمتم الأهل بشيء من حذر هل تغادر
قالو لي بشيئ من اسى خشيةً ًالا تعود
هيّا يا رفيق الدرب ننجو نتمرد
آنت الثورة على البغي و تكسير القيود
::::
و يأتيني نذير الشؤم في كل مساء
فيوسوس ما النجاة إلا في الهروب
و دفاع الخوف يأتي في الصباح
كيف تنجو أوصدت كل الدروب
كتبها الشاعر الدكتور صالح مهدي عباس المنديل