و قفت في حر الهجيرة ارعى غنمي |
و ارتشفت الماء من سُقم الغدير |
ما اقسى وهج الشمس في الظهيرة |
و غدا وجهيَ اسفع من لفح السعير |
الشمس اطبقت على سطح البسيطة |
حتى تبولت دماً من وطأها الحمير |
جودي علينا يا سماء انا نستغيث |
فوددنا بغبار السافيات نستجير |
خيّم اليأس على القرية و الاسى |
و شهدت بها الغربان اسراب تطير |
كفي اللوم عني فلن تجدي الملامة |
فكلانا في هذه القرية عبدٌ و أجير |
شقيت بها حتى جفت اقدامي من |
الصبر و تجرعت بؤساً ما له قط نظير |
فاذا كانت تصاريف الحياة هكذا |
فبئس مورداً لها و بها ذاك المصير |
اذا شهدتها تقول أهذه دنيا تعاش |
يعقبها حساب و نار تصلى و سعيرْ |
اشفقت على البهائم من جور الجفاف |
بديار ليس فيها من سقف يجير |
اقول لها صبرا نصمد ما استطعنا |
فلا حول لنا و كلانا في هذي اسير |
اقول لها من هذي الديار لابد من رحيل |
فاصبري يا نفس ريثما يأتينا البشير |
انني أُخبرت أن في المدينة ناس تشرب |
شهدا والغانيات ترتدي ثيابا من حرير |
لكن دونها سور منيع يحمي اهلها |
و الدرب نحوها ملغوم طويل و عسيرْ |
لا تلمني يا ابي على الرحيل و دعني |
اسلك الدرب فاني في الملمات قديرْ |
جمعت الحقائب و الكتب و عزمت |
و احضرت رفيقا و هممتُ بالمسيرْ |
سأغادر نحو ارض و بلاد فيها ماء |
حيث لا شمس تشرق و العيش اليسير |
يقول صحبي ليت هذي الدار ماتت |
ليتها نهبٌ هنا يتلقفها جحيم و سعير |
يا حادي الأضغان جئت معاتبا ما اخبرت |
اني في عداد الكون محض عصفور صغير |
و ما اخبرتني بأن جل الناس حمقى |
و بعضهم أحقاد و أضغان و شرٌ يستطير |
فهذا المخبر السري و ذاك واشٍ |
و ذا منافق يقبل أيدي سلطان حقير |
صالح مهدي عباس المنديل
قصائد الشاعر العربي الدكتور صالح مهدي عباس المنديل في مكتبة قصائد العرب.
ندم
الآن ادركت أني عشريني |
من العمر لم تكن سوى وهمْ |
و جُلّ افعالي و الحماقات |
التي تجرعتها محض ندمْ |
اقول يا صحابي اعذروني |
انني خُلقتُ من لحم و دمْ |
ليتنى عدتُ الى شرخ الصبا |
لاهياً خلف قطيع من بهمْ |
ان بعض الناس إن نصحته |
انكر كأنهُ بهيمة اصابها الصمم |
ما جنينا من دهر مضى |
الّا حادثات من شجون و ألمْ |
لا رعى الله المشيب انه |
الا نذيرُ للعاهات و السقمْ |
عمرٌ سرت ايامه على عجل |
و ما جنى الى الفناء و العدمْ |
نُفنى غداً كأن لا يد جنت |
و لا سارت على الارض قدم |
سنة الله في خلق الورى |
ما تبدلت عن عهد ايام إرَمْ |
لن يغني عن فنائها سلطان |
و لا مال و لا عروش او حشم |
رغمَ انني صلت بها صولة |
الحارث يوم تحلاق اللمم |
فنعم صاحب الدنيا اخاً |
اذا انت دعوته قال نعمْ |
ليس من عاداته عند دعوةِ |
متسائلا كيف و إن و لمْ |
و اذا نخوته قال ابشر |
و اكراماً لأجل عينيك نعمْ |
فأنا لبيت كل من رابه عسر |
دنياه و وفيتُ الذممْ |
فالندى و الجود إن رُزقتها |
ظفرتَ بالنهى و خيرة الشيم |
جرح فقدان الاحبة غائر |
رغم تقادم الايام ما كان التأم |
له هناك في صوب الرصافة |
من بغداد نصب كالعلمْ |
إحرص على النشأ الجديد |
فهو ما لقنتهُ من القيمْ |
شر من سار على درب الحياة |
ذاك من تعدّى أو ظلمْ |
لله في سمائه عدلٌ سرى |
على عباده منذ القدمْ |
فكل ظالمِ و إن تقادم عهده |
يبوء بالإثم كما ظلمْ |
و خير سجية ترزق بها |
هي الندى و السماحة و الكرمْ |
لا تبخل اذا دعيت للجُّللى |
و من يبخل و يضنُ بالمال يُذمْ |
اهديكِ
أهديكِ وردة حمراء خضبها السواد |
كبنان الخود خضبها دمي |
يا لوعتي على الزمان حين صّدت |
و خلتني غريق ببحر المندمِ |
ما أبقت الأيام الا صور في خيالي |
الحان و ترانيم يتلوها فمي |
رسم محياك لم يزل يا أجمل |
لوحة جوّدها الرسام بالقلمِ |
بعطر شذاها و مياس قدها |
و لذيذ حديثها و قوس المباسمِ |
يا ريح الصبا سيري في سما نجد |
و عرجي ببغداد عليهم سلمي |
و خليني في صنعاء وحدي فريداً |
و نار الشوق في صدري تَّضرمِ |
و قولي لهم ذكرى المودة جمرها |
يكوي العروق و يسري في دمي |
و خذي مني قبلة تلثم قانية |
اللمى عهدتها حمراً مشابهة الدمِ |
سيبقى خاطري يرسم من خيالِ |
احلام الصبا يبني القصور و يهدمِ |
الحسناء
أُغازِلُ الحسناء وقد |
أيقنتُ يقيناً بأنيَ خاسرٌ |
ويدي من ودِّها صفرُ |
أغرتكَ الحسناء |
صعبٌ منالها وقد عزتْ عليك |
ولو راياتُها حُمْرُ |
لَهثتُ وراء منالَها طوال |
الدهرْ واستعنتُ عليها |
بالترغيب والصبرُ |
فلَمّا أدركتُ مرامي |
بها وجدتُها لا العلياءُ تزهو |
ولا في خَمرِها سكرُ |
لقد نلتُ الرجاءَ |
بعدَ العناء |
إذ عرفتُ بأنَّني قد صابني خُسرُ |
إن سألتني عن الدنيا وغرورها |
احذر فإنها |
مغريةٌ راياتها حمرُ |
حسناء تنادي |
من يظفر بها له النيشان والتيجان |
والنهيُ والأمرُ |
توعدك بالمزيد |
والثراء والجمال |
صعب منالها دونها سترُ |
أوهمتني بأنهر في الجنان |
فطاردتها وحين استبنت الرشد |
قد رحل العمرُ |
سفينة في بحر مظلمٍ |
تلاطمها الأمواج |
صانعوها هواةٌ وربانها غمرُ |
مها
تسألني متى الوعد يا هذا |
فأجاب وجداني المضرج بالأسى |
وهلا عرفت |
وهذي صروف الدهر غالت حميتي |
فهذا ليل الصد أرخى ذوائبه |
حتى طويتُ منه على اليأس أمالي |
وضعف الحال أوهنَ همتي |
ولو كنت في الناس ميسوراً |
لهانت بغيتي وأدركت |
على معسر الأيام نيلاً لغايتي |
يمينا إذا أودت يد الأيام |
بالعهد بيننا ساترك باليراعة |
سفراً على الأيام يتلو محنتي |
سفرٌ يحدث الأجيال عن شغفي |
بقاصرات الطرف اللواتي |
على مدى الدهر هيّمنَ مهجتي |
وان أقفرت الغبراء عن ماء دجلة |
سأرويها ما حييت |
مدادا من الحبر حتى تخور عزيمتي |
سأكتب على جدار الصمت ملحمةً |
تحدث الأجيال |
عن ألم الأشجان تروي حكايتي |
وتشهد أني ذقت نعماء المودة |
منكمُ ومنها الطيب |
حتى اليوم يسقي جناني |
في المنام وصحوتي |
فاني ما زلت سادرًا أعاتب القلب |
ثم ألومه على فقد الأحبة |
وتحيا على الم الصبابة عفتي |
يخبركِ من عَهِدَ الوفاء بصحبتي |
بان عهدي الوفاء ولكن |
كدّرت بنات الدهر عزمي وشيمتي |
أتيت اليوم معتذرٌ وقد تجلى الوهم |
من بعد حَيْرَة |
فهيا يا ابنة الأبرار |
هذي قصتي |
اغمض عيني كل ليلة |
وما شغفي بالنوم حبا به |
ولكن ارتجي خيال العامرية بنومتي |
جائتني
جاءتني جريا ولها انفاساً |
تتقطع مثل غزال مذعور |
و الدمع على خديها قطرات |
تتلألأ بيضاء مثل البلور |
ظبي يتمايل اذ داعبت كتفيها |
امواج الشعر الجعد المنثور |
انسة يتسامى من وحي صباها |
ايات تتلى بكتاب منشور |
في عينيها بحر ازرق يتمادى |
عمقه في وجداني طغيانا و يمور |
عيناها لن ترى مثليهما |
قسما بالله و بالبيت المعمور |
عينان ينبض في قعريها |
حلم ذو اشجان و سرور |
فتيات الحي غيارى منها و هن |
لها علاقة يُفدين قربانا و نذور |
نبرتها الحان بنان موسيقى في |
عرس تُنشد بالوقع المسرور |
نظرت و الشك يساورها |
خوف مصير صباها المجهول |
فوق جبينها خال دريٌّ |
يلمع كالماس المصقول |
قالت و العبرة تخنقها |
كيف تودعنا جهاراً بفتور |
اذ نضج الحب و اينع |
في صدري وجداناً و شعور |
و سار النهر الخالد في حبكِ |
امواجاً تسري و تمور |
صمتك هذا يا فرحة عمري |
يؤرقني خشية هجران و نفور |
يا زهرة روضي معذرةً فسمائي |
ملبدة و طريقي قفر مهجور |
قالت يا حبي الأول لا ترحل عهودك |
ما زالت في صدري وعد مبرور |
يا ألف ربيع العمر اجيبيني |
هل يرجع قلبي مخذول مدحور |
اهكذا يا حبي الاوحد ثانيةً |
زمني ايام شتى تأتي و تدور |
من بعدك ابقى عذراء و ليالي |
الدهر تكابدها احزان و سرور |
اذكر كيف شربنا من نهر |
الحب كؤوسا من شهد و خمور |
و مشيت كثيرا فيي دروب |
الحب الأبهى نشوانا بحبور |
و بنينا في الأحلام لعينيك |
ابراج خيال كبرى و قصور |
يا فرحة عمري ما ودعتك |
لو كنت غني الحال و ميسور |
حسبي من حبك ذكرى |
ازهاراً ذبلا ، أريجا و عطور |
لا بل اصبحنا سوى ماضي |
كلمات من حبر فوق سطور |
لو مرت في الخاطر ذكراك يوماً |
عدتُ الى اهلي فرحاناً مسرور |
عدنا بعد رحيل العمر و بيني |
و بينك حالت قيعان و بحور |
كيف لقيانا و قد حالت |
دوني سنوناً و عصور |
و حبك سيدتي ما زال |
كتابٌ في صدري منشور |
جمرٌ يتلظى حبكِ في |
سوح القلب المهجور |
قالت اسفا يا حبي ما جئت |
اليوم به امر ممنوع محضور |
لا تخشي اقوال الناس أنْ عهداً |
ياحبي امرك ماض مكتوم مستور |
عصفور الشوق يرفرف في |
دنيا سماها اقمار و بدور |
لكن اسفاً دنيانا غادرة ، سماء تسبح |
عقبان في متنيها و صقور |
اقلامي و عيناك سماء ممطرة |
ألق يسقيها سحر سناكِ الموفور |
سقطت ايامي سهواً في الدنيا |
و هي غدا تلقاني في لوح منشور |
عدت بترحالي مبتهجاً و سنى عيناك |
ببغداد صحائف تتلى بحروف من نور |
اوهام تتلاشى عمدا في بحرٍ |
فوق حطام الأمل المكسور |