برز الثعلبُ يوماً | في شعار الواعِظينا |
فمشى في الأرضِ يهذي | ويسبُّ الماكرينا |
ويقولُ : الحمدُ للـ | ـهِ إلڑهِ العالمينا |
يا عِباد الله، تُوبُوا | فهموَ كهفُ التائبينا |
وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـ | ـعيشَ عيشُ الزاهدينا |
واطلبوا الدِّيك يؤذنْ | لصلاة ِ الصُّبحِ فينا |
فأَتى الديكَ رسولٌ | من إمام الناسكينا |
عَرَضَ الأَمْرَ عليه | وهْوَ يرجو أَن يَلينا |
فأجاب الديك : عذراً | يا أضلَّ المهتدينا ! |
بلِّغ الثعلبَ عني | عن جدودي الصالحينا |
عن ذوي التِّيجان ممن | دَخل البَطْنَ اللعِينا |
أَنهم قالوا وخيرُ الـ | ـقولِ قولُ العارفينا: |
” مخطيٌّ من ظنّ يوماً | أَنّ للثعلبِ دِينا» |
شعر أحمد شوقي
أجمل قصائد امير الشعراء الشاعر المصري أحمد شوقي.
اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي
اسمَعْ نفائس ما يأْتيكَ مِنْ حِكَمي | وافهمهُ فهمَ لبيبٍ ناقدٍ واعي |
كانت على زَعمهِمْ فيما مَضى غَنَمٌ | بأَرضِ بغدادَ يَرعَى جَمْعَها راعي |
قد نام عنها، فنامَتْ غيْرَ واحدة ٍ | لم يدعها في الدَّياجي للكرى داعي |
أمُّ الفطيمِ ، وسعدٍ ، والفتى علفٍ | وابنِ کمِّهِ، وأَخيه مُنْية ِ الرَّاعي |
فبينَما هي تحتَ الليْل ساهرة ٌ | تحييهِ ما بين أوجالٍ وأوجاعِ |
بدا لها الذِّئبُ يسعى في الظلامِ على | بُعْدٍ، فصاحت: أَلا قوموا إلى الساعي! |
فقامَ راعي الحمى المرعيِّ منذعراً | يقولُ : أين كلابي أين مقلاعي ؟ |
وضاقَ بالذِّئْبِ وجهُ الأَرض من فَرَق | فانسابَ فيه انسيابَ الظَّبي في القاع |
فقالتِ الأُمُّ: يا للفخرِ! كان أبي | حُرّاً، وكان وفِيّاً طائلَ الباعِ |
إذا الرُّعاة على أَغنامها سَهِرَتْ | سَهرْتُ من حُبِّ أَطفالي على الرّاعي! |
فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ
فأْرٌ رأَى القِطَّ على الجِدارِ | مُعَذَّباً في أَضيَقِ الحِصار |
والكلبُ في حالتهِ المعهوده | مستجمعاً للوثبة ِ الموعوده |
فحاولَ الفأرُ اغتنامَ الفرصه | وقال أكفي القطَّ هذي الغصَّه |
لعلّه يكتبُ بالأمانِ | لي ولأَصحابي من الجيران |
فسارَ للكلبِ على يديهِ | ومَكَّنَ الترابَ من عينَيه |
فاشتغل الرّاعي عن الجدار | ونزلَ القطُّ على بدار |
مبتهجاً يفكر في وليمه | وفي فريسة ٍ لها كريمه |
يجعلها لِخَطْبِه علامه | يذكرُها فيذكرُ السَّلامه |
فجاءَ ذاكَ الفأرُ في الأثناءِ | وقال: عاشَ القِطُّ في هَناءِ |
رأَيتَ في الشِّدّة ِ من إخلاصِي | ما كان منها سببَ الخلاص |
وقد أتيتُ أطلبُ الأمانا | فامنُنْ به لِمعشَري إحسانا |
فقال: حقّاً هذه كرامَه | غنيمة ٌ وقبلَها سَلامه |
يكفيكَ فخراً يا كريمَُ الشِّمه | أَنك فأرُ الخطْبِ والوليمه |
وانقَضَّ في الحالِ على الضَّعيفِ | يأكلُه بالمِلحِ والرغيف |
فقلت في المقام قوْلاً شاعا | «مَنْ حفِظَ الأَعداءَ يوماً ضاعا» |
وقف الهدهد في باب سليمان بذله
وقفَ الهُدْهُدُ في با | بِ سليمانَ بذلِّهْ |
قال: يا مولايَ، كن لي | عشتي صارت مملَّه |
متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّ | أحدثتْ في الصدر علَّه |
لا مياهُ النيلِ ترويـ | ـها، ولا أَمواهُ دِجْله |
وإذا دامت قليلا | قتلتْني شرَّ قِتْلَه |
فأشار السيد العا | لي غلى من كان حوله: |
قد جنى الهدهدُ ذنباً | وأتى في اللؤوم فعله |
تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدْ | رِ، وذي الشكوى تَعِلَّه |
ما أرى الحبة إلا | سُرِقت من بيتِ نمله |
إن للظالم صَدْراً | يشتكي من غير عله |
سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً
سمعتُ بأَنَّ طاوُوساً | أَتى يوماً سليمانا |
يُجَرِّرُ دون وفْدِ الطَّيْـ | ـرِ أذيالاً وأردانا |
ويُظْهِرُ ريشَهُ طوْراً | ويُخفي الرِّيشَ أَحيانا |
فقال: لدَيَّ مسأَلة ٌ | أَظنُّ أَوانَها آنا |
وها قد جئتُ أَعرضُها | على أَعتابِ مولانا: |
ألستُ الروضَ بالأزها | رِ والأَنوارِ مُزْدانا؟ |
ألم أستوفِ آيَ الظرْ | ف أشكالاً وألوانا؟ |
ألم أصبح ببابكمُ | لجمعِ الطيرِ سلطانا؟ |
فكيف يَليقُ أَن أَبقَى | وقوْمِي الغُرُّ أَوثانا؟! |
فحسنُ الصوتِ قد أمسى | نصيبي منه حرمانا |
فما تيَّمتُ أفئدة ً | ولا أَسكَرْتُ آذانا |
وهذي الطيرُ أحقرها | يزيدُ الصَّبَّ أَشجانا |
وتهتزُّ الملوكُ له | إذا ما هزَّ عيدانا؟ |
فقال له سليمانُ | لقد كان الذي كانا |
تعالت حكمة ُ الباري | وجلَّ صنيعُهُ شانا |
لقد صغرتَ يا مغرو | رُ نعمى الله كفرانا |
وملك الطير لم تحفل | به، كبرا وطغيانا |
فلو أَصبَحت ذا صوْت | لمَا كلَّمْتَ إنسانا! |
كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ
كان برَوْضٍ غُصُنٌ ناعمٌ | يقولُ: جلَّ الواحدُ المنفردْ |
فقامتي في ظرفها قامتي | ومثلُ حسني في الورى ما عهدْ |
فأَقبلت خُنفُسَة ٌ تنثَني | ونجلها يمشي بجنبِ الكبدْ |
تقول: يا زَيْنَ رياضِ البَها | إنّ الذي تطلبهُ قد وجد |
فانظر لقدِّ ابني، ولا تفتخر | ما دام في العالم أمٌّ تلد! |