| بِعَينِكَ لَوعَةُ القَلبِ الرَهينِ | وَفَرطُ تَتابُعِ الدَمعِ الهَتونِ |
| وَقَد أَصغَيتِ لِلواشينَ حَتّى | رَكَنتِ إِلَيهِمُ بَعضَ الرُكونِ |
| وَلَو جازَيتِ صَبّاً عَن هَواهُ | لَكانَ العَدلُ أَلّا تَهجُريني |
| نَظَرتُ وَكَم نَظَرتُ فَأقصَدَتني | فُجاءاتُ البُدورِ عَلى الغُصونِ |
| وَرُبَّةَ نَظرَةٍ أَقلَعتُ عَنها | بِسُكرٍ في التَصابي أَو جُنونِ |
| فَيا لِلَّهِ ما تَلقى القُلوبُ ال | هَوائِمُ مِن جِناياتِ العُيونِ |
| وَقَد يَإِسَ العَواذِلُ مِن فُؤادٍ | لَجوجٍ في غَوايَتِهِ حَرونِ |
| فَمَن يَذهَل أَحِبَّتَهُ فَإِنّي | كَفَيتُ مِنَ الصَبابَةِ ما يَليني |
| وَلي بَينَ القُصورِ إِلى قُوَيقٍ | أَليفٌ أَصطَفيهِ وَيَصطَفيني |
| يُعارِضُ ذِكرُهُ في كُلّ وَقتٍ | وَيَطرُقُ طَيفُهُ في كُلِّ حينِ |
| لَقَد حَمَلَ الخِلافَةَ مُستَقِلٌّ | بِها وَبِحَقِّهِ فيها المُبينِ |
| يَسوسُ الدينَ وَالدُنيا بِرَأيٍ | رِضىً للهِ في دُنيا وَدينِ |
| تَناوَلَ جودُهُ أَقصى الأَماني | وَصَدَّقَ فِعلُهُ حُسنَ الظُنونِ |
| فَما بِالدَهرِ مِن بَهجٍ وَحُسنٍ | وَما بِالعَيشِ مِن خَفضٍ وَلينِ |
| وَلَم تُخلَق يَدُ المُعتَزِّ إِلّا | لِحَوزِ الحَمدِ بِالخَطَرِ الثَمينِ |
| تَروعُ المالَ ضِحكَتُهُ إِذا ما | غَدا مُتَهَلِّلاً طَلقَ الجَبينِ |
| أَمينَ اللَهِ وَالمُعطى تُراثَ ال | أَمينِ وَصاحِبُ البَلَدِ الأَمينِ |
| تَتابَعَتِ الفُتوحُ وَهُنَّ شَتّى ال | أَماكِنِ في العِدى شَتّى الفُنونِ |
| فَما تَنفَكُّ بُشرى عَن تَرَدّي | عَدُوٍّ خاضِعٍ لَكَ مُستَكينِ |
| فِرارُ الكَوكَبِيِّ وَخَيلُ موسى | تُثيرُ عَجاجَةَ الحَربِ الزَبونِ |
| وَفي أَرضِ الدَيالِمِ هامُ قَتلى | نِظامُ السَهلِ مِنها وَالحُزونِ |
| وَقَد صَدَمَت عَظيمَ الرومِ عُظمى | مِنَ الأَحداثِ قاطِعَةُ الوَتينِ |
| بِنُعمى اللَهِ عِندَكَ غَيرَ شَكٍّ | وَريحِكَ أَقصَدَتهُ يَدُ المَنونِ |
| نُصِرتَ عَلى الأَعادي بِالأَعادي | غَداةَ الرومِ تَحتَ رَحىً طَحونِ |
| يُقَتِّلُ بَعضُها بَعضاً بِضَربٍ | مُبينٍ لِلسَواعِدِ وَالشُؤونِ |
| إِذِ الأَبدانُ ثَمَّ بِلا رُؤوسٍ | تَهاوى وَالسُيوفُ بِلا جُفونِ |
| فَدُمتَ وَدامَ عَبدُ اللَهُ بَدرُ ال | دُجى في ضَوإِهِ وَحَيا الدُجونِ |
| تُطيفُ بِهِ المَوالي حينَ يَبدو | إِطافَتَها بِمَعقِلِها الحَصينِ |
| تَرى الأَبصارَ تُغضي عَن مَهيبٍ | وَقورٍ في مَهابَتِهِ رَكينِ |
| جَوادٌ غَلَّسَت نُعماهُ فينا | وَلَم يُظهِر بِها مَطلَ الضَنينِ |
| ظَنَنتُ بِهِ الَّتي سَرَّت صَديقي | فَكانَ الظَنُّ قُدّامَ اليَقينِ |
| وَكُنتَ إِلَيهِ في وَعدٍ شَفيعي | فَصِرتَ عَلَيهِ في نُجحٍ ضَميني |
| وَما وَلِيَ المَكارِمَ مِثلُ خِرقٍ | أَغَرَّ يَرى المَواعِدَ كَالدُيونِ |
| وَصَلتَ بِيونُسَ بنِ بُغاءَ حَبلي | فَرُحتُ أَمُتُّ بِالسَبَبِ المَتينِ |
| فَقَد بَوَّأتَني أَعلى مَحَلٍّ | شَريفٍ في المَكانِ بِكَ المَكينِ |
| وَما أَخشى تَعَذرَ ما أُعاني | مِنَ الحاجاتِ إِذ أَمسى مُعيني |
| وَإِنَّ يَدي وَقَد أَسنَدتَ أَمري | إِلَيهِ اليَومَ في يَدِكَ اليَمينِ |
ثياب العلم
| يا من تزيَّا بثوب العلمِ مختالًا | وفي طواياهُ جهلٌ دامسٌ سالا |
| تُباهي الناسَ، ظننتَ النفسَ أرفعهم | وفيك نَقصٌ بدا كالشمسِ إذ مالا |
| تتلو الحديثَ بلا فهمٍ ولا دركٍ | كأنما أنتَ من سَفْسافِها قالا |
| تُعلي الكلامَ، وزهرُ القولِ منطفئٌ | كأنما الجهلُ في أعماقكَ اشتعلا |
| ما كلُّ من قرأَ الأسفارَ قد عَلِمَتْ | ولا كلُّ من نطقَ الألفاظَ قد مالا |
| العلمُ بحرٌ، وأنتَ في شواطئهِ | تلهو كصبيٍّ يرى الأمواجَ إذ جالا |
| أين الفصاحةُ؟ أين الحِلمُ؟ قد خَفَتَتْ | كأنَّ ما فيك من فكرٍ هوى زالا |
| يا مدَّعي الحكمةَ الكبرى بلا عملٍ | كأنَّما فيك جهلُ القومِ قد حَلا |
| أما رأيتَ أديبَ العصرِ في شغَفٍ | يُحيي المعاني ويرقى الفكرَ إذ عَلا؟ |
| فكُن كعاقلِ قومٍ، لا كجاهلهم | فالجهلُ عارٌ، ولُبُّ الجاهلِ ابتلى |
رؤية بأعين زرقاء
| ماذَا رَأَيْتَ؟ كَوَاكِبَاً فِي الْمَاءِ | وَسَفِينَةً فِي شَاطِئِ الْجَوْزَاءِ |
| وَصَحَارِيًا نَبَتَتْ وَأَعْشَبَ رَمْلُهَا | وَحَدَائِقاً تَخْضَرُّ فِي الْبَيْدَاءِ |
| وَأَرَى مُرُوجًا وَالْكَوَاثِرُ حَوْلُهَا | تَجْرِي وَفَيءَ الظلِّ فِي الرَّمْضَاءِ |
| وَأَرَى خِيَامًا فِي السَّحَابِ غَمَائِمًا | وَعَمَائِمَ الْبُنْيَانِ فِي الْعَلْيَاءِ |
| وَأَرَى كُنُوزًا دَلَّلْتْ أَقْتَابَهَا | وَلَأَلِئُ الْمَرْجَانِ فِي الْأَحْشَاءِ |
| وَأَرَى نُجُومًا فِي النَّهَارِ مُضِيئَةً | وَأَهِلَّةً وَالشَّمْسُ فِي الْأَرْجَاءِ |
| وَأَرَى ذُرَى الْمَجْدِ التَّلِيدِ تَذَلَّلْتْ | لِبَنِيْ سُعُودَ تَذَلَّلِ الْبَطْحَاءِ |
| وَتَفَتَّحَتْ زَهْرُ الْحِجَازِ وَازْهَرَتْ | رَوْضَاتُ نَجْدَ لِكَثْرَةِ الْإرْوَاءِ |
| هِيَ رُؤْيَةُ لِغَدٍ بِمُقْلَةٍ يَوْمِنَا | مِنْ ثَاقِبٍ النَّظَرَاتِ كَالزَّرْقَاءِ |
| هِيَ فِكْرَةٌ خَطَرَتْ لَهُ فَتَتَرْجَمَتْ | وَقْعَاً عَلَى الطُّرُقَاتِ وَالْأَحْيَاءِ |
| كَيْفَ اسْتَطَاعَ بِأَنْ يَرَى إِطْلَالَةً | لِلْفَجْرِ فِي غَيْبُوبَةِ الظَلّمَاءِ |
| هِيَ خُطْوَةٌ أُولَى إِلَى هَرَمِ الْعُلَا | وَقَفْزَةٌ طُولَى إِلَى الْعَلْيَاءِ |
| وَفِي تَحَقُّقِهَا حَدِيثُ نَبوةٍ | بِتَطَاوُلِ الْبُنْيَانِ فِي الصَّحْرَاءِ |
| وَتُزَينُ الْفَلَوَاتِ وَعْدٌ صَادِقٌ | مِنْ صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ وَالْأُسَرَاءِ |
| وَلِمَنْ يَقُولُ نَرَى شَرَارَةَ شَرِّهَا | فَالْخَيْرُ لَا يَأْتِي. . بِغَيْرِ بَلَاءٍ |
| فِرَايَةُ التَّوْحِيدِ تُخْفِقُ عَالِيًاً | عَلَى ذَرَى أُحُدٍ وَغَارِ حِراءِ |
| فِي دَوْلَةٍ لِبَنِي سُعُودٍ أُسٍّسَتْ | بِالْخَيْرو وَفْقَ مَنَاهِجِ الْعُلَمَاءِ |
| أَنْعَمَ بِهَا وَبِحُكْمِهَا وبشعبها | و مُلُوكِهِا الْعُظَمَاءِ والأُمراءِ |
| فِي خِدْمَةِ الْحَرَمَيْنِ مُنْذُ تَأَسَّسَتْ | لَبِسَتْ لِبَذْلِ الْخَيْرِ كُلَّ رِدَاءِ |
| فَأَتَوْنِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِمِثْلِهَا | وَصَنَّفُونِ أَكذَبَ الشُّعَرَاءِ |
أناة أيها الفلك المدار
| أناةً أيُّها الفَلَكُ المُدارُ | أنَهبٌ ما تَطَرَّفُ أم جُبارُ |
| سَتَفنى مِثلَ ما تُفني وَتَبلى | كَما تُبلي فَيُدرَكُ مِنكَ ثارُ |
| تُنابُ النائِباتُ إِذا تَناهَت | وَيَدمُرُ في تَصَرُّفِهِ الدَمارُ |
| وَما أَهلُ المَنازِلِ غَيرُ رَكبٍ | مَطاياهُم رَواحٌ وَاِبتِكارُ |
| لَنا في الدَهرِ آمالٌ طِوالٌ | نُرَجّيها وَأَعمارٌ قِصارُ |
| وَأَهوِن بِالخُطوبِ عَلى خَليعٍ | إِلى اللَذاتِ لَيسَ لَهُ عِذارُ |
| فَآخِرُ يَومِهِ سُكرٌ تَجَلّى | غَوايَتُهُ وَأَوَّلُهُ خُمارُ |
| وَيَومٍ بِالمَطيرَةِ أَمطَرَتنا | سَماءٌ صَوبُ وابِلِها العُقارُ |
| نَزَلنا مَنزِلَ الحَسَنِ بنِ وَهبٍ | وَقَد دَرَسَت مَغانِهِ القِفارُ |
| تَلَقَّينا الشِتاءَ بِهِ وَزُرنا | بَناتَ اللَهوِ إِذ قَرُبَ المَزارُ |
| أَقَمنا أَكلُنا أَكلُ اِستِلابٍ | هُناكَ وَشُربُنا شُربٌ بِدارُ |
| تَنازَعنا المُدامَةَ وَهيَ صِرفٌ | وَأَعجَلنا الطَبائِخَ وَهيَ نارُ |
| وَلَم يَكُ ذاكَ سُخفاً غَيرَ أَنّي | رَأَيتُ الشَربَ سُخفُهُمُ الوَقارُ |
| رَضينا مِن مُخارِقَ وَاِبنِ خَيرٍ | بِصَوتِ الأَثلِ إِذ مَتَعَ النَهارُ |
| تُزَعزِعُهُ الشَمالُ وَقَد تَوافى | عَلى أَنفاسِها قَطرٌ صِغارُ |
| غَداةَ دُجُنَّةٍ لِلغَيثِ فيها | خِلالَ الرَوضِ حَجٌّ وَاِعتِمارُ |
| كَأَنَّ الريحَ وَالمَطَرَ المُناجي | خَواطِرَها عِتابٌ وَاِعتِذارُ |
| كَأَنَّ مُدارَ دِجلَةَ إِذ تَوافَت | بِأَجمَعِها هِلالٌ أَو سِوارُ |
| أَما وَأَبي بَني حارِ بنِ كَعبٍ | لَقَد طَرَدَ الزَمانُ بِهِم فَساروا |
| أَصابَ الدَهرُ دَولَةَ آلِ وَهبٍ | وَنالَ اللَيلُ مِنهُم وَالنَهارُ |
| أَعارَهُمُ رِداءَ العِزِّ حَتّى | تَقاضاهُم فَرَدّوا ما اِستَعاروا |
| وَما كانوا فَأَوجُهُهُم بُدورٌ | لِمُختَبِطٍ وَأَيدِهِم بِحارُ |
| وَإِنَّ عَوائِدَ الأَيّامِ فيها | لِما هاضَت بَوادِؤُها اِنجِبارُ |
متاهة الذات
| يا نفسُ، كيف السبيلُ إلى عُلاه؟ | وأين ينبتُ ضوءُ الحقِّ في مَداه؟ |
| أأسأل الدربَ عن سرٍّ يلفُّ خطاي؟ | أم أكتفي بصدى الأحلامِ في سماه؟ |
| أبحثُ عنّي، أيا أزليّةَ الرؤيا | فكيف تكتملُ الأسئلةُ في صَفاه؟ |
| أسائلُ الوقتَ عن سِرٍّ يُزيحُ ظلامي | لكنّه ينثرُ الألغازَ في خُطاه |
| يا ظلَّ قلبي، أجبني: هل أنا يقين؟ | أم أنّني ضائعٌ في وهجِ اشتباه؟ |
| كلُّ الجواباتِ نارٌ، ما لها قرار | وكلُّ صوتٍ يُنادي سرَّه اشتكاه |
| يا نفسُ، مهلاً، فقد يُولدُ الضياءُ | حينَ التقتْ في حنايا الصمتِ نجواه |
بلوت الحب موصولا وصولا
| بَلَوتُ الحُبَّ مَوصولاً وَصولاً | وَمَهجوراً أُثابُ سِوى ثَوابي |
| فَلا عَيشٌ كَوَصلٍ بَعدَ هَجرٍ | وَلا شَيءٌ أَلَذُّ مِنَ العِتابِ |