قُضاعَةُ تَعْلَمُ أنّي الفَتى الّـ | ـذي ادّخَرَتْ لصُروفِ الزّمَانِ |
وَمَجْدي يَدُلّ بَني خِنْدِفٍ | عَلى أنّ كُلّ كَريمٍ يَمَانِ |
أنَا ابنُ اللّقاءِ أنَا ابنُ السَّخاءِ | أنا ابنُ الضِّرابِ أنا ابنُ الطِّعانِ |
أنَا ابنُ الفَيافي أنَا ابنُ القَوافي | أنَا ابنُ السُّروجِ أنَا ابنُ الرِّعانِ |
طَويلُ النِّجادِ طَوِيلُ العِمادِ | طَويلُ القَناةِ طَويلُ السِّنانِ |
حَديدُ اللّحاظِ حَديدُ الحِفاظِ | حَديدُ الحُسامِ حَديدُ الجَنَانِ |
يُسابِقُ سَيْفي مَنَايَا العِبادِ | إلَيْهِمْ كأنّهُمَا في رِهَانِ |
يَرَى حَدُّهُ غامِضاتِ القُلُوبِ | إذا كنتُ في هَبْوَةٍ لا أرَاني |
سَأجْعَلُهُ حَكَماً في النّفُوسِ | وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِساني كَفاني |
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِساني كَفاني |
كتمت حبك حتى منك تكرمة
كَتَمْتُ حُبّكِ حتى منكِ تكرمَةً | ثمّ اسْتَوَى فيهِ إسراري وإعْلاني |
كأنّهُ زادَ حتى فَاضَ عَن جَسَدي | فصارَ سُقْمي بهِ في جِسْمِ كِتماني |
إذا ما الكأس أرعشت اليدين
إذا ما الكأسُ أرْعشَتِ اليَدَينِ | صَحَوْتُ فلم تَحُلْ بَيْني وبَيني |
هجَرْتُ الخَمرَ كالذّهبِ المُصَفّى | فخَمري ماءُ مُزْن كاللُّجَينِ |
أغارُ مِنَ الزّجاجَةِ وهْيَ تَجري | على شَفَةِ الأميرِ أبي الحُسَينِ |
كأنّ بَياضَها والرّاحُ فيها | بَياضٌ مُحْدِقٌ بسَوادِ عَيْنِ |
أتَيْناهُ نُطالِبُهُ بِرِفْدٍ | فَطالَبَ نَفْسَهُ منهُ بدَينِ |
الحب ما منع الكلام الألسنا
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الألْسُنَا | وألَذُّ شَكْوَى عاشِقٍ ما أعْلَنَا |
ليتَ الحَبيبَ الهاجري هَجْرَ الكَرَى | من غيرِ جُرْمٍ واصِلي صِلَةَ الضّنى |
بِتْنَا ولَوْ حَلّيْتَنا لمْ تَدْرِ مَا | ألْوانُنَا ممّا اسْتُفِعْنَ تَلَوُّنَا |
وتَوَقّدَتْ أنْفاسُنا حتى لَقَدْ | أشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنَا |
أفْدي المُوَدِّعَةَ التي أتْبَعْتُهَا | نَظَراً فُرادَى بَينَ زَفْراتٍ ثُنَا |
أنْكَرْتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرّةً | ثُمّ اعْتَرَفتُ بها فصارَتْ دَيْدَنَا |
وقَطَعْتُ في الدّنْيا الفَلا ورَكائِبي | فيها وَوَقْتيّ الضّحَى والمَوْهِنَا |
فوَقَفْتُ منها حيثُ أوْقَفَني النّدَى | وبَلَغْتُ من بَدْرِ بنِ عَمّارَ المُنى |
لأبي الحُسَينِ جَداً يَضيقُ وِعاؤهُ | عَنْهُ ولَوْ كانَ الوِعاءُ الأزْمُنَا |
وشَجاعَةٌ أغْناهُ عَنْها ذِكْرُها | ونَهَى الجَبَانَ حَديثُها أن يجُبنَا |
نِيطَتْ حَمائِلُهُ بعاتِقِ مِحْرَبٍ | ما كَرّ قَطُّ وهَلْ يكُرُّ وما کنْثَنَى |
فكأنّهُ والطّعْنُ منْ قُدّامِهِ | مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلفِهِ أنْ يُطْعَنَا |
نَفَتِ التّوَهُّمَ عَنْهُ حِدّةُ ذِهْنِهِ | فقَضَى على غَيبِ الأمورِ تَيَقُّنَا |
يَتَفَزّعُ الجَبّارُ مِنْ بَغَتاتِهِ | فَيَظَلّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنَا |
أمْضَى إرادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ | واستَقرَبَ الأقصَى فَثَمّ لهُ هُنَا |
يَجِدُ الحَديدَ على بَضاضةِ جِلْدِهِ | ثَوْباً أخَفَّ مِنَ الحَريرِ وألْيَنا |
وأمَرُّ مِنْ فَقْدِ الأحِبّةِ عِندَهُ | فَقْدُ السّيُوفِ الفاقِداتِ الأجْفُنَا |
لا يَستَكِنّ الرّعبُ بَينَ ضُلُوعِهِ | يَوْماً ولا الإحسانُ أنْ لا يُحْسِنَا |
مُسْتَنْبِطٌ من عِلْمِهِ ما في غَدٍ | فكأنّ ما سيَكونُ فيهِ دُوِّنَا |
تَتَقاصَرُ الأفهامُ عَنْ إدْراكِهِ | مِثْلَ الذي الأفْلاكُ فيهِ والدُّنَى |
مَنْ لَيسَ مِنْ قَتْلاهُ من طُلَقائِهِ | مَنْ لَيسَ ممّنْ دانَ ممّنْ حُيِّنَا |
لمّا قَفَلْتَ مِنَ السّواحِلِ نَحْوَنَا | قَفَلَتْ إلَيْها وَحْشَةٌ من عِندِنا |
أرِجَ الطّريقُ فَما مَرَرْتَ بمَوْضِعٍ | إلاّ أقامَ بهِ الشّذا مُسْتَوْطِنَا |
لَوْ تَعْقِلُ الشّجَرُ التي قابَلْتَها | مَدّتْ مُحَيّيَةً إلَيكَ الأغْصُنَا |
سَلَكَتْ تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ من | شَوْقٍ بها فأدَرْنَ فيكَ الأعْيُنَا |
طَرِبَتْ مَراكِبُنَا فَخِلْنا أنّها | لَوْلا حَيَاءٌ عاقَها رَقَصَتْ بنا |
أقْبَلْتَ تَبْسِمُ والجِيادُ عَوَابِسٌ | يَخْبُبْنَ بالحَلَقِ المُضاعَفِ والقَنَا |
عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيْها عِثْيَراً | لوْ تَبتَغي عَنَقاً عَلَيْهِ لأمْكَنَا |
والأمْرُ أمرُكَ والقُلُوبُ خوافِقٌ | في مَوْقِفٍ بَينَ المَنيّةِ والمُنى |
فعَجِبْتُ حتى ما عَجبتُ من الظُّبَى | ورأيْتُ حتى ما رأيْتُ منَ السّنى |
إنّي أراكَ منَ المَكارِمِ عَسكَراً | في عَسكَرٍ ومنَ المَعالي مَعْدِنَا |
فَطَنَ الفُؤادُ لِما أتَيْتُ على النّوَى | ولِمَا تَرَكْتُ مَخافَةً أنْ تَفْطُنَا |
أضحَى فِراقُكَ لي عَلَيْهِ عُقُوبَةً | لَيسَ الذي قاسَيْتُ منْهُ هَيّنَا |
فاغْفِرْ فِدًى لكَ واحبُني مِنْ بعدها | لِتَخُصّني بِعَطِيّةٍ مِنْها أنَا |
وَانْهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيّ بِضِلّةٍ | فالحُرُّ مُمْتَحَنٌ بأوْلادِ الزّنَى |
وإذا الفتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضاً | في مجْلِسٍ أخذَ الكَلامَ اللَّذْ عَنى |
ومَكايِدُ السّفَهاءِ واقِعَةٌ بهِمْ | وعَداوَةُ الشّعَراءِ بِئْسَ المُقْتَنى |
لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللّئيمِ فإنّهَا | ضَيْفٌ يَجرُّ منَ النّدامةِ ضَيْفَنَا |
غَضَبُ الحَسُودِ إذا لَقيتُكَ راضِياً | رُزْءٌ أخَفُّ عليّ مِنْ أنْ يُوزَنَا |
أمسَى الذي أمْسَى برَبّكَ كافِراً | مِنْ غَيرِنا مَعَنا بفَضْلِكَ مُؤمِنَا |
خَلَتِ البِلادُ منَ الغَزالَةِ لَيْلَها | فأعاضَهاكَ الله كَيْ لا تَحْزَنَا |
يا بدر إنك والحديث شجون
يا بَدْرُ إنّكَ والحَديثُ شُجُونُ | مَنْ لمْ يَكُنْ لِمثَالِهِ تَكْوِينُ |
لَعَظُمْتَ حتى لوْ تَكُونُ أمَانَةً | ما كانَ مُؤتَمَناً بها جِبْرِينُ |
بَعْضُ البريّةِ فَوْقَ بَعْضٍ خالِياً | فإذا حضَرْتَ فكُلُّ فَوْقٍ دُونُ |
أفاضل الناس أغراض لدى الزمن
أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ | يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ |
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ | شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ |
حَوْلي بكُلّ مكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ | تُخطي إذا جِئتَ في استِفهامِها بمَنِ |
لا أقْتَري بَلَداً إلاّ على غَرَرٍ | ولا أمُرّ بخَلْقٍ غيرِ مُضْطَغِنِ |
ولا أُعاشِرُ من أملاكِهِمْ مَلِكاً | إلاّ أحَقَّ بضَرْبِ الرّأسِ من وَثَنِ |
إنّي لأعْذِرُهُمْ مِمّا أُعَنّفُهُمْ | حتى أُعَنّفُ نَفْسِي فيهِمِ وأني |
فَقْرُ الجَهُولِ بِلا قَلْبٍ إلى أدَبٍ | فَقْرُ الحِمارِ بلا رَأسٍ إلى رَسَنِ |
ومُدْقِعِينَ بسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ | عارِينَ من حُلَلٍ كاسينَ من دَرَنِ |
خُرّابِ بادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ | مَكْنُ الضِّبابِ لهمْ زادٌ بلا ثَمَنِ |
يَسْتَخْبِرُون فَلا أُعْطيهِمِ خَبَري | وما يَطيشُ لَهُمْ سَهْمٌ منَ الظِّنَنِ |
وخَلّةٍ في جَليسٍ ألْتَقيهِ بهَا | كَيما يرَى أنّنا مِثْلانِ في الوَهَنِ |
وكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُها | فيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ |
قد هَوّنَ الصّبرُ عِندي كلَّ نازِلَةٍ | ولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ |
كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍ | وقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ |
لا يُعْجِبَنّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ | وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ |
لله حَالٌ أُرَجّيها وتُخْلِفُني | وأقْتَضِي كَوْنَها دَهْري ويَمطُلني |
مَدَحْتُ قَوْماً وإنْ عِشنا نَظَمتُ لهم | قَصائِداً مِنْ إناثِ الخَيلِ والحُصُنِ |
تَحْتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةٌ | إذا تُنُوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ |
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍ | ولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ |
مُخَيِّمُ الجَمْعِ بالبَيداءِ يَصْهَرُهُ | حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ من الفِتَنِ |
ألقَى الكِرامُ الأُلى بادوا مكارِمَهُمْ | على الخَصيبيّ عندَ الفَرْضِ والسُّننِ |
فَهُنّ في الحَجْرِ منهُ كلّما عرَضَتْ | لَهُ اليَتَامَى بَدا بالمَجْدِ والمِنَنِ |
قاضٍ إذا التَبَسَ الأمرانِ عَنّ لَهُ | رأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ واللّبَنِ |
غَضُّ الشّبابِ بَعيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ | مُجانِبُ العَينِ للفَحْشاءِ والوَسَنِ |
شَرابُهُ النَّشْحُ لا للرّيّ يَطْلُبُهُ | وطُعْمُهُ لِقَوامِ الجِسْمِ لا السِّمَنِ |
ألقائِلُ الصّدْقَ فيهِ ما يُضِرّ بهِ | والواحِدُ الحالَتَينِ السّرِّ والعَلَنِ |
ألفاصِلُ الحُكْمَ عَيَّ الأوَّلونَ بهِ | والمُظْهِرُ الحَقَّ للسّاهي على الذَّهِنِ |
أفْعالُهُ نَسَبٌ لَوْ لم يَقُلْ مَعَها | جَدّي الخَصيبُ عرَفنا العِرْقَ بالغُصُنِ |
العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهتنِ ابـ | ـنِ العارِضِ الهَتنِ ابنِ العارِضِ الهتنِ |
قد صَيّرَتْ أوّلَ الدّنْيا وآخِرَها | آباؤهُ مِنْ مُغارِ العِلْمِ في قَرَنِ |
كأنّهُمْ وُلدوا مِنْ قبلِ أنْ وُلِدوا | أو كانَ فَهْمُهُمُ أيّامَ لم يَكُنِ |
الخاطِرِينَ على أعْدائِهِمْ أبداً | منَ المَحامِدِ في أوقَى من الجُنَنِ |
للنّاظِرِينَ إلى إقْبالِهِ فَرَحٌ | يُزيلُ ما بِجباهِ القَوْمِ مِنْ غَضَنِ |
كأنّ مالَ ابنِ عبدِالله مُغْتَرَفٌ | من راحَتَيْهِ بأرْضِ الرّومِ واليَمَنِ |
لم نَفْتَقِدْ بكَ من مُزْنٍ سوَى لَثَقٍ | ولا منَ البَحرِ غيرَ الرّيحِ والسُّفُنِ |
ولا مِنَ اللّيثِ إلاّ قُبحَ مَنْظَرِهِ | ومِنْ سِواهُ سوَى ما لَيسَ بالحَسَنِ |
مُنذُ احْتَبَيْتَ بإنْطاكِيّةَ اعتَدَلَتْ | حتى كأنّ ذَوي الأوْتارِ في هُدَنِ |
ومُذْ مَرَرْتَ على أطْوَادِها قُرِعَتْ | منَ السّجودِ فلا نَبْتٌ على القُنَنِ |
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍ | أغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ والمِهَنِ |
ذا جُودُ مَن لَيسَ مِنْ دَهرٍ على ثقةٍ | وزُهْدُ مَنْ ليسَ من دُنياهُ في وَطنِ |
وهَذِهِ هِمّةٌ لم يُؤتَهَا بَشَرٌ | وذا اقْتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ |
فمُرْ وأومىء تُطَعْ قُدّستَ من جبلٍ | تَبارَكَ الله مُجْرِي الرّوحِ في حَضَنِ |