| لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي | أذريتها للريح، مثل الرمال |
| وقلتُ: يا ريحُ، بها فاذهبي | وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ |
| بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ | لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ |
| لو كان هذا الكونُ في قبضتي | ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ |
| ما هذه الدنيا، وهذا الورى | وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ |
| النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى | ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ |
| يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى | وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ |
| يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل | يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ |
| سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه | تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ |
كان قلبي فجر ونجوم
| كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، | وبحارٌ لا تُغَشّيها الغيومْ |
| وأناشيدٌ، وأطيارٌ تَحُومْ | وَرَبيعٌ، مُشْرِقٌ، حُلْوٌ، جَميلْ |
| كانَ في قلبي صباحٌ، وإياهْ، | وابتِسَامَاتٌ ولكنْ… واأسَاهْ |
| آه! ما أهولَ إعْصَارَ الحياة | آه! ما أشقى قُلُوبَ النّاسِ! آه |
| كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ، | |
| فإذا الكلُّ ظلامٌ، وسديمْ..، | |
| كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ | |
| يا بني أمِّي! تُرى أينَ الصّباح | قد تقضَّى العُمْرُ، والفجْرُ بعيدْ |
| وَطَغى الوادي بِمَشْبُوبِ النواح | وانقَضَتْ أنشودة ُ الفَصْل السَّعيدْ |
| أين نايي؟ هل ترامتْه الرياح | أين غابي؟ أين محرابُ السُّجُودْ.. |
| خبِّروا قلبي. فما أقسى الجراحْ | كيف طارتْ نشوة ُ العيشِ الحَميد |
| يا بني أمِّي! تُرى أين الصَّباح | |
| أوراءَ البحر؟ أم خلفَ الوُجود | |
| يا بني أمي؟ ترى أينَ الصباح | |
| ليت شعري! هل سَتُسَلِيني الغَداة ْ | وتعزِّيني عن الأمسِ الفَقِيدْ |
| وتُريني أن أفراحَ الحياة | زُمَرٌ تمضي، وأفواجٌ تعود |
| فإذا قلبي صياح، وإيّاه.. | وإذا أحلاميَ الأولى وَرُودْ.. |
| وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغماتْ.. | وإذا الغَابُ ضِيَاءٌ وَنَشِيدْ.. |
| أم ستنساني، وتُبْقيني وحيد؟ | |
| ليتَ شِعْري! هل تُعَزِّيني الغَدَاة ْ | |
أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟
| أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟ | أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟ |
| أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ | أينَ، الخيالُ والالهامُ؟ |
| أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟ | أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟ |
| إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ | فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ |
| أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ | الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ |
| عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ | ودمٌ، لا تثيره الآلامُ |
| وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي | وتنْمو من فوقِها الأوهام |
| أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟! | رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام |
| قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ | فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ |
| ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ | حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ |
| وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك | فلم تضطرب، ولم تتألمْ |
| يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟ | أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟ |
| ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى | وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ |
| أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ | فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ |
| أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ | جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ |
| أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ | شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟ |
| آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ، | فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ |
| ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي، | وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ |
| فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً.. | |
| وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات، | «في قبرِ أمسِهِ» غيرَ آبِهْ… |
| وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى | فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ |
| وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي | وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ |
| واعبدِ «الأمسَ» وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي | فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ… |
| وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ | جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها |
| تتغنّى الحياة بالشوق والعزم | فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها |
| والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ | الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً |
| ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ | جمالَ الوجودِ في مرآها |
| فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ | |
| والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ | يُغْرِي بحبِّها وهواها |
| وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..! | بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها |
| وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى | وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها |
| وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر، | تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ |
| وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ، | بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ |
| والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ، | يناجي زهورَهُ المطلولهْ |
| وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي | ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ |
| ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب، | وفوق المسَالكِ المجهولهْ |
| ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ | والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ |
| فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ | فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة … |
| وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى | ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ |
| كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ، | ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ |
| والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ | عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ |
| كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي | بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ |
| كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ | يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ |
| فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ! | وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ |
| لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ | أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ |
| أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ، | مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ |
| لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ | يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ |
| أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ | تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ |
| كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي | إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ |
| أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ | وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ |
| أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي | وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ |
| مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ | أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ |
| والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ | يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ |
| أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ | إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ |
رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ
| رَفْرَفَتْ فِي دُجْيَة ِ اللَّيْلِ الحَزِينْ | زُمرة ُ الأحلامْ |
| فَوْقَ سِرْبٍ مِنْ غَمَامَاتِ الشُّجُونْ | مِلْؤُهَاالآلامْ |
| شَخَصَتْ، لَمَّا رَأَتْ، عَيْنُ النُّجُومْ | بَعْثَة َ العُشَّاقْ |
| وَرَمَتْهَا مِنْ سَمَاها بِرُجُومْ | تسكبُ الأحراق |
| كنت إذْ ذَاك على ثَوْبِ السكون | أنثرُ الأَحزانْ |
| وَالهَوى يَسْكُبُ أَصْدَاءَ المَنُونْ | في فؤادٍ فانْ |
| سَاكِتاً مِثْلَ جَميعِ الكَائِناتْ | راكدَ الألحانْ |
| هائمٌ قلبي بأعماقِ الحياة | تائهٌ، حيرانْ |
| إنَّ للحبِّ عَلى النَّاسِ يَدا | تقصفُ الأعمارْ |
| وَلَهُ فَجْرٌ على طُولِ المدى | سَاطِعُ الأَنْوَارْ |
| ثورة ُ الشّر، وأحلامُ السّلام، | وجمالُ النّور |
| وابتسامُ الفَجْرِ في حُزْنِ الظَّلامْ، | في العيونِ الحُورْ |
أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى
| أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى | وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ |
| فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي | وغامَ من فوقِك الغمامْ |
| وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي | خواطراً، كلّها ضرامْ |
| وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ | وظلمة ٍ، ما لها ختام |
| تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً | قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ |
| وطاردتْ نفسَك المآسي | وفرَّ من قلبِك السّلامْ |
| هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى | إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ |
| ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو | وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ |
| ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي | وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم |
| فكلُّنا بائسٌ، جَديرٌ | برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ |
| وكلُّنا في الحياة أعمى | يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ |
| وحوله تَزْعَقُ المَنَايا | كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ: |
| يا صاح! إن الحياة قفرٌ | مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ |
| لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ | عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ |
| وأسعدُ النّاس فيه أعمى | لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ |
| ولا يرى أنفس البرايا | تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ |
| فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ | فيها بألْحَانِكَ العِذابْ |
| وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي | من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ |
أُسْكُتي يا جرَاحْ
| أُسْكُتي يا جرَاحْ | وأسكني يا شجونْ |
| ماتَ عهد النُّواحْ | وَزَمانُ الجُنُونْ |
| وَأَطَلَّ الصَّبَاحْ | مِنْ وراءِ القُرُونْ |
| في فِجاجِ الرّدى | قد دفنتُ الألَمْ |
| ونثرتُ الدُّموعْ | لرياحِ العَدَمْ |
| واتّخذتُ الحياة | مِعزفاً للنّغمْ |
| أتغنَّى عليه | في رحابِ الزّمانْ |
| وأذبتُ الأسَى | في جمال الوجودْ |
| ودحوتُ الفؤادْ | واحة ً للنّشيدْ |
| والضِّيا والظِّلالْ | والشَّذَى والورودْ |
| والهوى والشَّبابَّ | والمنى والحَنانْ |
| اسكُني يا جراحْ | وأسكُتي يا شجونْ |
| ماتَ عهدُ النّواحْ | وزَمانُ الجنونْ |
| وَأَطَلَ الصَّباحْ | مِنْ وراءِ القُرونْ |
| في فؤادي الرحيبْ | مَعْبِدٌ للجَمَالْ |
| شيَّدتْه الحياة ْ | بالرّؤى ، والخيال |
| فَتَلَوتُ الصَّلاة | في خشوع الظّلالْ… |
| وَحَرقْتُ البخور… | وأضأتُ الشُّموع |
| إن سِحْرَ الحياة ْ | خالدٌ لا يزولْ |
| فَعَلامَ الشَّكَاة ْ | مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ |
| ثمَ يأتي الصبَّاح | وتمُرُّ الفصولْ..؟ |
| سوف يأتي رَبِيعْ | إن تقضَّى رَبِيعْ |
| کسكُنِي يا جراحْ | وأسكتي يا شجونْ |
| ماتَ عهدُ النّواح | وَزَمانُ الجنونْ |
| وأطلَّ الصَّباحْ | مِن وراءِ القُروُنْ |
| من وراءِ الظَّلامْ | وهديرِ المياهْ |
| قد دعاني الصَّباحْ | وَرَبيعُ الحَيَاهْ |
| يا لهُ مِنْ دُعاءُ | هزّ قلبي صَداهْ |
| لَمْ يَعُد لي بَقاء | فوق هذي البقاعْ |
| الودَاعَ! الودَاعَ! | يا جبالَ الهمومْ |
| يا هضَبابَ الأسى ! | يا فِجَاجَ الجحيمْ |
| قد جرى زوْرَقِي | في الخضمِّ العظيمْ… |
| ونشرتُ الشراعْ… | فالوَداعَ! الوَداعْ |