أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى

أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ
فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي وغامَ من فوقِك الغمامْ
وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي خواطراً، كلّها ضرامْ
وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ وظلمة ٍ، ما لها ختام
تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطاردتْ نفسَك المآسي وفرَّ من قلبِك السّلامْ
هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم
فكلُّنا بائسٌ، جَديرٌ برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحياة أعمى يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المَنَايا كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ:
يا صاح! إن الحياة قفرٌ مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ
وأسعدُ النّاس فيه أعمى لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ
ولا يرى أنفس البرايا تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ
فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ فيها بألْحَانِكَ العِذابْ
وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ

أُسْكُتي يا جرَاحْ

أُسْكُتي يا جرَاحْ وأسكني يا شجونْ
ماتَ عهد النُّواحْ وَزَمانُ الجُنُونْ
وَأَطَلَّ الصَّبَاحْ مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فِجاجِ الرّدى قد دفنتُ الألَمْ
ونثرتُ الدُّموعْ لرياحِ العَدَمْ
واتّخذتُ الحياة مِعزفاً للنّغمْ
أتغنَّى عليه في رحابِ الزّمانْ
وأذبتُ الأسَى في جمال الوجودْ
ودحوتُ الفؤادْ واحة ً للنّشيدْ
والضِّيا والظِّلالْ والشَّذَى والورودْ
والهوى والشَّبابَّ والمنى والحَنانْ
اسكُني يا جراحْ وأسكُتي يا شجونْ
ماتَ عهدُ النّواحْ وزَمانُ الجنونْ
وَأَطَلَ الصَّباحْ مِنْ وراءِ القُرونْ
في فؤادي الرحيبْ مَعْبِدٌ للجَمَالْ
شيَّدتْه الحياة ْ بالرّؤى ، والخيال
فَتَلَوتُ الصَّلاة في خشوع الظّلالْ…
وَحَرقْتُ البخور… وأضأتُ الشُّموع
إن سِحْرَ الحياة ْ خالدٌ لا يزولْ
فَعَلامَ الشَّكَاة ْ مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ
ثمَ يأتي الصبَّاح وتمُرُّ الفصولْ..؟
سوف يأتي رَبِيعْ إن تقضَّى رَبِيعْ
کسكُنِي يا جراحْ وأسكتي يا شجونْ
ماتَ عهدُ النّواح وَزَمانُ الجنونْ
وأطلَّ الصَّباحْ مِن وراءِ القُروُنْ
من وراءِ الظَّلامْ وهديرِ المياهْ
قد دعاني الصَّباحْ وَرَبيعُ الحَيَاهْ
يا لهُ مِنْ دُعاءُ هزّ قلبي صَداهْ
لَمْ يَعُد لي بَقاء فوق هذي البقاعْ
الودَاعَ! الودَاعَ! يا جبالَ الهمومْ
يا هضَبابَ الأسى ! يا فِجَاجَ الجحيمْ
قد جرى زوْرَقِي في الخضمِّ العظيمْ…
ونشرتُ الشراعْ… فالوَداعَ! الوَداعْ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ
تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ
ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ
سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ

أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ

أَزَنْبَقَة َ السفْح! مالي أراكِ تَعَانِقُكِ اللَّوْعة ُ القَاسِيه؟
أفي قَلْبكِ الغضِّ صوتُ اللهيب، يرتِّل أُنْشُودَة َ الهاويهْ؟
أَأَسْمَعَكِ اللَّيلُ نَدْبَ القُلوبِ أأرشفكِ الفجرُ كأسَ الأسى ؟
أَصَبَّ عليكِ شُعَاعُ الغروبِ نجيعَ الحياة ، ودمعَ المسا؟
أأوقفكَ الدهرُ حيث يُفجِّـ ـرُ نوحُ الحياة صُدوعَ الصدور؟
وَيَنبَثِقُ الليل طيفاً، كئيباً رهيباً، ويخفقُ حُزْنُ الدهورْ؟
إذا أضرتكِ أغاني الظلامِ فقد عذَّبَتْني أغاني الوجومْ
وإن هجرتكِ بناتُ الغيوم فقد عانَقَتْني بناتُ الجَحيمْ
وإنْ سَكَبَ الدَّهْرُ في مِسمِعيْكِ نَحِيبَ الدُّجَى ، وأنينَ الأملْ
فقد أجّجَ الدهرُ في مُهْجتي شُواظاً من الحَزَن المشتعل
وإن أرشفتْكِ شفاهُ الحياة رُضابَ الأسى ، ورحيقَ الألم
فإنِّي تجرّعتُ من كفِّها كُؤوساً، مؤجَّجة ً، تَضْطَرِمْ
أصيخي! فما بين أعشار قلبي يرِفّ صدى نوحِكِ الخافت
معيداً على مهجتي بحفيف جَنَاحَيْهِ صَوْتَ الأسى المائتِ
وقد أترع الليلُ بالحب كأسى وشعشعها بلهيب الحياة
وجرّعني من ثُمالاتِه مرارة َ حُزْنٍ، تُذيبُ الصَّفاة ْ
إليَّ! فقد وحّدت بيننا قَسَاوة ُ هذا الزّمان الظَّلُومْ
فقد فَجَّرتْ فيَّ هذي الكُلومَ كما فجّرت فيكِ تلك الكلوم
وإنْ جَرَفَتْنِي أكفُّ المنونِ اللحْد، أو سحقتكِ الخُطوبْ
فَحُزْني وَحُزْنُكِ لا يَبْرَحَانِ ألِيفيْنِ رغمَ الزّمان العَصيبْ
وتحت رواقِ الظَّلامِ الكَئيبِ إذا شملَ الكونَ روحُ السحَرْ
سيُسمَع صوتٌ، كلحن شجيٍّ تطايَرَ من خَفَقات الوترْ
يردِّدُه حُزنُنا في سكون على قبرنا، الصّامتِ المطمئن
فَنَرقُد تَحْتَ التُّرابِ الأصمِّ جميعاً على نَغَمَاتِ الحَزَنْ

من حديث الشيوخ

من حديث الشيوخ
وتطهرَ أروحنا في الحياة ِ بنارِ الأسى …
اللَّيْلِ، فِي تِلْكَ النَّوَاحي وتلك الأغاني، وذاك النشيدْ ؟
بَعْدَ إضْرَامِ الكِفَاحِ
يسمعُ الأحزانَ تبكي وقال ليَ الغابُ في رقَّة ٍ
سَعْيَ غَيْدَاءَ، رَدَاحِ
ألماً علمني كرهَ الحياة ْ
وتربدُّ تلكَ الوجوهُ الصباحُ فَرَنَتْ نَحْوَ جَلاَلِ الكَوْ
وضياءٍ، وظلالٍ، ودجى ،
وهل ينطفي في النفوسِ الحنينُ وانقِبَاضٍ، وانْشِرَاحِ
وفتنة َ هذا الوجودِ الأغَرْ» والهمومْ
في دولة ِ الأَنْصَابِ والأَلقابِ»
أيامَ كانتْ للحياة ِ حلاوة ُ الروضِ المطيرْ
غُدُوٍ، وَرُوَاحِ من الكون ـ وهو المقيم الأبيدْ ـ ؟
أخرسَ العصفورَ عني،
يَهْجَعُ الكَوْنُ، في طمأنينة ِ الْعُصْـ
نِ، جَوْنَاءُ اللِّيَاحِ نظامٌ، دقيقٌ، بديعٌ، فريدْ
ههنا، تمشي الأماني، والهوى ، والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيدْ
ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ
وبدرٌ يضيءُ ، وغيمٌ يجودْ ؟
ضمَّتِ الميْتَ تلكَ الحُفرْ» وسلامهْ
«ظمئتُ إلى الكون! أين الوجودُ
نَحْوَ رَبّاتِ الجَنَاحِ كأنّ صدَاها زئيرُ الأسودْ
فَاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدَى الدَّا
لوعة ُ اليومِ، فتبكي وتئنُّ لشقاها
إنَّمَا الدَّهْرُ وَمِيثَا كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شرودْ
ـسِ فِي العَرْشِ الفُسَاحِ وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رغيدْ ؟

والضجر

والضَّجَرْ أيُّ طَيْر
لَيْتَ شِعْري!
يَسْمَعُ الأَحْزَانَ تَبْكِي
وذا جنونٌ ، لعمري، كلهُ جزعٌ حَاكُوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ
فَأَرى صَوْتي فَرِيدْ! يهيجُ فيها غبارا
تبقي الأديبَ حمارا
قد كبلَ القدرُ الضاري فرائسهْ فما استطاعوا له دفعاً، ولا حزروا
لا يعرفُ المرءُ منها ليلاً رأى أمْ نهارا
يخالُ كلَّ خيالٍ
ـنوى قلى ً، وصغارا
لبستم الجهلَ ثوباً تخذتموهُ شعارا
كَالكَسِيرْ؟ قطنتمُ الجهلَ دارا ؟
لَسْتُ أدري
خلعتموهُ احتقارا
يا ليتَ قومي أصاخوا لما أقولُ جهارا
وَأَعْقَبَتْهُمْ خُمَارا كالموتِ، لكنْ إليها الوردُ والصدرُ
يا شعرُ! أسمعتَ لكنْ
فلا تبالِ إذا ما أعطوا نداكَ ازورارا