فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ | وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ |
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ | إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ |
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً | منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ |
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ | عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ |
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ | بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ |
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ | عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ |
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى | هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي |
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ | وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ |
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ | وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ |
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ | وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ |
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ | متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ |
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ | جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ |
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ | نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ |
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ | بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ |
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ | وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ |
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ | وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ |
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا | سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ |
أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ | إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ |
إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها | فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ |
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى | ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ |
وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ | وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي |
شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ | إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ |
أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى | وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ |
وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً | أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ |
وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ | مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ |
فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها | بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ |
وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ | كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ |
وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ | فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ |
وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ | من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ |
وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ | عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي |
فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ | وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ |
قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا | حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ |
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ | وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ |
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً | وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ |
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها | سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ |
وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ | منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ |
لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ | وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ |
وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها | وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ |
وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ | فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ |
رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً | وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ |
وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ | فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ |
ملومكما يجل عن الملام
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلامِ | وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلامِ |
ذَرَاني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ | وَوَجْهي وَالهَجِيرَ بِلا لِثَامِ |
فإنّي أسْتَرِيحُ بذي وَهَذا | وَأتْعَبُ بالإنَاخَةِ وَالمُقَامِ |
عُيُونُ رَوَاحِلي إنْ حِرْتُ عَيني | وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغامي |
فَقَدْ أرِدُ المِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ | سِوَى عَدّي لهَا بَرْقَ الغَمَامِ |
يُذِمّ لِمُهْجَتي رَبّي وَسَيْفي | إذا احْتَاجَ الوَحيدُ إلى الذّمَامِ |
وَلا أُمْسِي لأهْلِ البُخْلِ ضَيْفاً | وَلَيسَ قِرًى سوَى مُخّ النّعامِ |
وَلمّا صَارَ وُدّ النّاسِ خِبّاً | جَزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسَامِ |
وَصِرْتُ أشُكُّ فيمَنْ أصْطَفيهِ | لعِلْمي أنّهُ بَعْضُ الأنَامِ |
يُحِبّ العَاقِلُونَ على التّصَافي | وَحُبّ الجَاهِلِينَ على الوَسَامِ |
وَآنَفُ مِنْ أخي لأبي وَأُمّي | إذا مَا لم أجِدْهُ مِنَ الكِرامِ |
أرَى الأجْدادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً | على الأوْلادِ أخْلاقُ اللّئَامِ |
وَلَسْتُ بقانِعٍ مِن كلّ فَضْلٍ | بأنْ أُعْزَى إلى جَدٍّ هُمَامِ |
عَجِبْتُ لمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ | وَيَنْبُو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ |
وَمَنْ يَجِدُ الطّرِيقَ إلى المَعَالي | فَلا يَذَرُ المَطيَّ بِلا سَنَامِ |
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً | كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ |
أقَمْتُ بأرْضِ مِصرَ فَلا وَرَائي | تَخُبُّ بيَ الرّكابُ وَلا أمَامي |
وَمَلّنيَ الفِرَاشُ وَكانَ جَنبي | يَمَلُّ لِقَاءَهُ في كُلّ عامِ |
قَليلٌ عَائِدي سَقِمٌ فُؤادي | كَثِيرٌ حَاسِدي صَعْبٌ مَرَامي |
عَليلُ الجِسْمِ مُمْتَنِعُ القِيَامِ | شَديدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدامِ |
وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً | فَلَيسَ تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ |
بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا | فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي |
يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها | فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ |
إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني | كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ |
كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي | مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ |
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ | مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ |
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ | إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ |
أبِنْتَ الدّهْرِ عِندي كُلُّ بِنْتٍ | فكَيفَ وَصَلْتِ أنتِ منَ الزّحامِ |
جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيهِ | مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ |
ألا يا لَيتَ شِعرَ يَدي أتُمْسِي | تَصَرَّفُ في عِنَانٍ أوْ زِمَامِ |
وَهَلْ أرْمي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ | مُحَلاّةِ المَقَاوِدِ باللُّغَامِ |
فَرُبَّتمَا شَفَيْتُ غَليلَ صَدْرِي | بسَيرٍ أوْ قَنَاةٍ أوْ حُسَامِ |
وَضَاقَت خُطّةٌ فَخَلَصْتُ مِنها | خَلاصَ الخَمرِ من نَسجِ الفِدامِ |
وَفَارقْتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ | وَوَدّعْتُ البِلادَ بِلا سَلامِ |
يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً | وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ |
وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ | أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ |
تَعَوّدَ أنْ يُغَبِّرَ في السّرَايَا | وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ |
فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى | وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ |
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري | وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي |
وَإنْ أسْلَمْ فَمَا أبْقَى وَلَكِنْ | سَلِمْتُ مِنَ الحِمامِ إلى الحِمامِ |
تَمَتّعْ مِنْ سُهَادٍ أوْ رُقَادٍ | وَلا تَأمُلْ كرًى تحتَ الرِّجَامِ |
فإنّ لِثَالِثِ الحَالَينِ مَعْنًى | سِوَى مَعنَى انتِباهِكَ وَالمَنَامِ |
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ | أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ |
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ | فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ |
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ | وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ |
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم | يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ |
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ | كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ |
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَا | مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ |
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ | وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا |
أما في هذه الدنيا كريم
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا كَرِيمُ | تَزُولُ بِهِ عنِ القَلبِ الهُمومُ |
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا مَكَانٌ | يُسَرّ بأهْلِهِ الجارُ المُقيمُ |
تَشَابَهَتِ البَهَائِمُ وَالعِبِدّى | عَلَيْنَا وَالمَوَالي وَالصّميمُ |
وَمَا أدري إذَا داءٌ حَديثٌ | أصَابَ النّاسَ أمْ داءٌ قَديمُ |
حَصَلتُ بأرْضِ مِصرَ على عَبيدٍ | كَأنّ الحُرّ بَينَهُمُ يَتيمُ |
كَأنّ الأسْوَدَ اللابيّ فيهِمْ | غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ |
أخَذْتُ بمَدْحِهِ فَرَأيْتُ لَهْواً | مَقَالي لِلأُحَيْمِقِ يا حَليمُ |
وَلمّا أنْ هَجَوْتُ رَأيْتُ عِيّاً | مَقَاليَ لابنِ آوَى يا لَئِيمُ |
فَهَلْ مِنْ عاذِرٍ في ذا وَفي ذا | فَمَدْفُوعٌ إلى السّقَمِ السّقيمُ |
إذا أتَتِ الإسَاءَةُ مِنْ وَضِيعٍ | وَلم ألُمِ المُسِيءَ فَمَنْ ألُومُ |
يذكرني فاتكا حلمه
يُذكّرُني فاتِكاً حِلْمُهُ | وَشَيْءٌ مِنَ النّدّ فيهِ اسمُهُ |
وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنّني | يُجَدّدُ لي رِيحَهُ شَمُّهُ |
وَأيَّ فَتىً سَلَبَتْني المَنُو | نُ لم تَدْرِ ما وَلَدَتْ أُمُّهُ |
وَلا مَا تَضُمّ إلى صَدْرِهَا | وَلَوْ عَلِمَتْ هالَهَا ضَمُّهُ |
بمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَالُهُ | وَلَكِنّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ |
فأجْوَدُ منْ جُودِهِمْ بُخلُهُ | وَأحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ |
وَأشرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ | وَأنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ |
وَإنّ مَنِيّتَهُ عِنْدَهُ | لَكالخَمْرِ سُقّيَهُ كَرْمُهُ |
فذاكَ الذي عَبَّهُ مَاؤهُ | وَذاكَ الذي ذاقَهُ طَعْمُهُ |
وَمَن ضاقَتِ الأرْضُ عَنْ نَفسه | حَرًى أن يَضِيقَ بها جِسمُهُ |
حتام نحن نساري النجم في الظلم
حَتّامَ نحنُ نُساري النّجمَ في الظُّلَمِ | ومَا سُرَاهُ على خُفٍّ وَلا قَدَمِ |
وَلا يُحِسّ بأجْفانٍ يُحِسّ بهَا | فقْدَ الرّقادِ غَريبٌ باتَ لم يَنَمِ |
تُسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَا | ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ |
وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةً | لوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ |
وَنَترُكُ المَاءَ لا يَنْفَكّ من سَفَرٍ | ما سارَ في الغَيمِ منهُ سارَ في الأدَمِ |
لا أُبْغِضُ العِيسَ لكِني وَقَيْتُ بهَا | قلبي من الحزْنِ أوْ جسمي من السّقمِ |
طَرَدتُ من مصرَ أيديهَا بأرْجُلِهَا | حتى مَرَقْنَ بهَا من جَوْشَ وَالعَلَمِ |
تَبرِي لَهُنّ نَعَامُ الدّوّ مُسْرَجَةً | تعارِضُ الجُدُلَ المُرْخاةَ باللُّجُمِ |
في غِلْمَةٍ أخطَرُوا أرْوَاحَهُم وَرَضُوا | بمَا لَقِينَ رِضَى الأيسارِ بالزَّلَمِ |
تَبدو لَنَا كُلّمَا ألْقَوْا عَمَائِمَهمْ | عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُوداً بلا لُثُمِ |
بِيضُ العَوَارِضِ طَعّانُونَ من لحقوا | مِنَ الفَوَارِسِ شَلاّلُونَ للنَّعَمِ |
قد بَلَغُوا بقَنَاهُمْ فَوْقَ طاقَتِهِ | وَلَيسَ يَبلُغُ ما فيهِمْ منَ الهِمَمِ |
في الجاهِلِيّةِ إلاّ أنّ أنْفُسَهُمْ | من طيبِهِنّ به في الأشْهُرِ الحُرُمِ |
نَاشُوا الرّماحَ وَكانتْ غيرَ ناطِقَةٍ | فَعَلّمُوها صِياحَ الطّيرِ في البُهَمِ |
تَخدي الرّكابُ بنَا بِيضاً مَشافِرُهَا | خُضراً فَرَاسِنُهَا في الرُّغلِ وَاليَنمِ |
مَكْعُومَةً بسِياطِ القَوْمِ نَضْرِبُها | عن منبِتِ العشبِ نبغي منبتَ الكرَمِ |
وَأينَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعدِ مَنْبِتِهِ | أبي شُجاعٍ قريعِ العُرْبِ وَالعَجَمِ |
لا فَاتِكٌ آخَرٌ في مِصرَ نَقْصِدُهُ | وَلا لَهُ خَلَفٌ في النّاسِ كُلّهِمِ |
مَنْ لا تُشابِهُهَ الأحيْاءُ في شِيَمٍ | أمسَى تُشابِهُهُ الأمواتُ في الرِّمَمِ |
عَدِمْتُهُ وَكَأنّي سِرْتُ أطْلُبُهُ | فَمَا تَزِيدُني الدّنيا على العَدَمِ |
ما زِلْتُ أُضْحِكُ إبْلي كُلّمَا نظرَتْ | إلى مَنِ اختَضَبَتْ أخفافُها بدَمِ |
أُسيرُهَا بَينَ أصْنامٍ أُشَاهِدُهَا | وَلا أُشَاهِدُ فيها عِفّةَ الصّنَمِ |
حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي | ألمَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ |
أُكْتُبْ بِنَا أبَداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ | فإنّمَا نحنُ للأسْيَافِ كالخَدَمِ |
أسْمَعْتِني وَدَوَائي ما أشَرْتِ بِهِ | فإنْ غَفَلْتُ فَدائي قِلّةُ الفَهَمِ |
مَنِ اقتَضَى بسِوَى الهِنديّ حاجَتَهُ | أجابَ كلَّ سُؤالٍ عَن هَلٍ بلَمِ |
تَوَهّمَ القَوْمُ أنّ العَجزَ قَرّبَنَا | وَفي التّقَرّبِ ما يَدْعُو إلى التُّهَمِ |
وَلمْ تَزَلْ قِلّةُ الإنصَافِ قاطِعَةً | بَين الرّجالِ وَلَوْ كانوا ذوي رَحِمِ |
فَلا زِيارَةَ إلاّ أنْ تَزُورَهُمُ | أيدٍ نَشَأنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الخُذُمِ |
من كُلّ قاضِيَةٍ بالمَوْتِ شَفْرَتُهُ | مَا بَينَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ |
صُنّا قَوَائِمَهَا عَنهُمْ فَما وَقَعَتْ | مَوَاقِعَ اللّؤمِ في الأيْدي وَلا الكَزَمِ |
هَوّنْ عَلى بَصَرٍ ما شَقّ مَنظَرُهُ | فإنّمَا يَقَظَاتُ العَينِ كالحُلُمِ |
وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ | شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ |
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ | وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ |
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ | وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ |
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها | فيما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ |
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ | وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ |
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَهُ | في غَيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ |
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ | فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ |