جِرابُ حَظِّي قد أَفَرغتُهُ طَمَعاً | بباب أستاذِنا الشِّيمي ولا عَجَبا |
فعادَ لي وهو مَمْلُوءٌ فقلتُ له: | مِمَّا؟ فقالَ مِنَ الحَسْراتِ واحَرَبَا |
سَلِيلَ الطِّينِ كم نِلْنا شَقاءً
سَلِيلَ الطِّينِ كم نِلْنا شَقاءً | وكمْ خَطَّتْ أنامِلُنَا ضَريحَا |
وكمْ أَزْرَتْ بِنَا الأيامُ حتَّى | فَدَتْ بالكبشِ إسحاقَ الذَّبيِحَا |
وباعَتْ يُوسُفاً بَيْعَ المَوالي | وأَلْقَتْ في يَدِ القَومِ المَسيحَا |
ويانُوحاً جَنَيْتَ علَى البرايَا | ولمْ تمنحهُمُ الوُدَّ الصَّحيحَا |
عَلاَمَ حملتهُمْ في الفُلْكِ هَلاَّ | تَرَكْتَهُمُ فكُنْتَ لَهُمْ مُرِيحَا |
أصابَ رِفاقِيَ القِدحَ المُعَلَّى | وصادَفَ سَهْمِيَ القِدْحَ المَنِيحا |
فلوْ ساقَ القضاءُ إليَّ نَفْعاً | لقامَ أَخُوهُ مُعترضاً شَحيحا |
خلقتَ لي نَفْساً فأرْصَدتَهَا
خلقتَ لي نَفْساً فأرْصَدتَهَا | للحُزْنِ والبَلْوَى وهذا الشَّقاءْ |
فامنُنْ بنَفْسٍ لم يَشُبْها الأَسَى | لَعلَّهَا تَعرِفُ طَعمَ الهناءْ |
سعيت إلى أن كدت أنتعل الدما
سَعَيْتُ إلى أنْ كِدْتُ أَنْتَعِلُ الدَّما | وعُدْتُ وما أعقبتُ إلاَّ التَّنَدُّمَا |
لَحَى اللهُ عَهْدَ القاسِطِين الذي به | تَهَدَّمَ منْ بُنياننَا ما تهدَّمَا |
إذا شِئْتَ أنْ تَلْقَى السَّعَادَة َ بينهمْ | فلا تَكُ مِصْريّاً ولا تَكُ مُسْلِما |
سَلامٌ على الدُّنيا سَلامَ مُوَدِّعٍ | رَأَى في ظَلامِ القَبْرِ أُنْساً ومَغنَما |
أَضَرَّتْ به الأولَى فهامَ بأختها | فإنْ ساءَت الأخرَى فوَيْلاهُ مِنْهُما |
فهُبِّي رياحَ الموتِ نُكباً وأطفِئي | سِراجَ حياتي قبلَ أنْ يتحطَّمَا |
فما عَصَمتنِي منْ زمانِي فضائلِي | ولكنْ رأيتُ الموتَ للحُرِّ أعْصَما |
فيا قلبُ لاَ تجزعْ إذَا عَضَّكَ الأسَى | فإنكَ بعدَ اليومِ لنْ تتألَّمَا |
ويا عَينُ قد آنَ الجمُودُ لمَدْمَعي | فلاَ سَيْلَ دمع تسكبيِن ولاَ دَمَا |
ويا يَدُ ما كَلَّفْتُكِ البَسْطَ مَرَّة ً | لذّي مِنَّة ٍ أولَى الجَميلَ وأنعمَا |
فللهِ ما أحلاكِ في أنملِ البلَى | وإنْ كُنتِ أحلَى في الطُّرُوسِ وأكْرَما |
ويا قدمِي ما سِرْتِ بي لمَذلَّة ٍ | ولمْ ترتقِي إلاَّ إلَى العِزِّ سُلَّمَا |
فلاَ تُبطئِي سيراً إلَى الموتِ واعلمِي | بأنَّ كريمَ القومِ من ماتَ مُكْرمَا |
ويا نفسُ كمْ جَشَّمُتكِ الصبرَ والرضا | وجشَّمتنِي أنْ أَلبَسَ المجدَ مُعلمَا |
فما اسطعتِ أنْ تستمرئِي مُرَّ طعمَه | وما اسطعتُ بين القومِ أنْ أتقدَّمَا |
فهذَا فِراقٌ بيننَا فَتَجمَّلِي | فإنَّ الرَّدَى أحلَى مذاقَا ومطعمَا |
ويا صدركمْ حَلَّت بذاتكَ ضِيقة ٌ | وكم جالَ في أَنْحائِكَ الهَمُّ وارتَمَى |
فهَلا تَرَى في ضِيقَة ِ القَبْرِ فُسْحَة ً | تُنَفِّسُ عنكَ الكَرْبَ إنْ بِتَّ مُبْرَما |
ويا قَبْرُ لا تَبْخَلْ بِرَدِّ تَحِيّة ٍ | على صاحبٍ أَوْفَى علينا وسَلَّما |
وهيهاتَ يأتِي الحيُّ للميتِ زائراً | فإنِّي رأيتُ الوُدَّ في الحيِّ أسْقِما |
ويأيُّهَا النَّجمُ الذي طالَ سُهدُه | وقد أَخَذَتْ منه السُّرَى أين يَمَّما |
لَعَلَّكَ لا تَنْسَى عُهودَ مُنادِمٍ | تَعَلَّمَ منكَ السُّهدَ والأَينَ كُلَّمَا |
ماذا أصبت من الأسفار والنصب
ماذا أَصَبْتَ مِنَ الأَسفارِ والنَّصَبِ | وطَيِّكَ العُمْرَ بينَ الوَخدِ والخَبَبِ |
نَراكَ تُطْلُبُ لا هَوْناً ولا كَثَباً | ولا نَرَى لكَ مِنْ مالٍ ولا نَشَبِ |
يا آلَ عُثمانَ ما هذا الجَفَاءُ لنا | ونَحنُ في اللهِ إخوانٌ وفي الكُتُبِ |
تركتُمُونَا لأقوامٍ تُخالِفُنَا | في الدِّينِ والفَضْلِ والأخلاقِ والأَدَبِ |
لم يبق شىء من الدنيا بأيدينا
لَم يَبْقَ شَىء ٌ مِن الدُّنْيا بأَيْدِينا | إلاّ بَقِيّة ُ دَمْعٍ في مآقِينَا |
كنّا قِلادَة َ جِيدِ الدَّهْرِ فانفَرَطَتْ | وفي يَمينِ العُلا كنّا رَياحِينا |
كانت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخة ً | لا تُشْرِقُ الشَّمسُ إلاّ في مَغانينا |
وكان أَقْصَى مُنَى نَهْرِالمَجَرَّة لو | مِن مائِه مُزِجَتْ أَقْداحُ ساقِينا |
والشُهْب لو أنّها كانت مُسَخرَّة ً | لِرَجْمِ من كانَ يَبْدُو مِن أَعادِينا |
فلَم نَزَلْ وصُرُوفُ الدَّهرِ تَرْمُقُنا | شَزْراً وتَخدَعُنا الدّنيا وتُلْهينا |
حتى غَدَوْنا ولا جاهٌ ولا نَشَبٌ | ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِينا |