حكاية الكلب مع الحمامة

حِكايَةُ الكَلبِ مَعَ الحَمامَةتَشهَدُ لِلجِنسَينِ بِالكَرامَة
يُقالُ كانَ الكَلبُ ذاتَ يَومِبَينَ الرِياضِ غارِقاً في النَومِ
فَجاءَ مِن وَرائِهِ الثُعبانُمُنتَفِخاً كَأَنَّهُ الشَيطانُ
وَهَمَّ أَن يَغدِرَ بِالأَمينِفَرَقَّتِ الوَرقاءُ لِلمِسكينِ
وَنَزَلَت توّاً تُغيثُ الكَلباوَنَقَرَتهُ نَقرَةً فَهَبّا
فَحَمَدَ اللَهَ عَلى السَلامَةوَحَفِظَ الجَميلَ لِلحَمامَة
إِذ مَرَّ ما مَرَّ مِنَ الزَمانِثُمَّ أَتى المالِكُ لِلبُستانِ
فَسَبَقَ الكَلبُ لِتِلكَ الشَجَرَةلِيُنذِرَ الطَيرَ كَما قَد أَنذَرَه
وَاِتَّخَذَ النَبحَ لَهُ عَلامَةفَفَهِمَت حَديثَهُ الحَمامَة
وَأَقلَعَت في الحالِ لِلخَلاصِفَسَلِمَت مِن طائِرِ الرَصاصِ
هَذا هُوَ المَعروفُ يَا أَهلَ الفِطَنالناسُ بِالناسِ وَمَن يُعِن يُعَن
قصة للوفاء بين الكلب و الحمامة ورد الجميل

عصفورتان في الحجاز

عُصفورَتانِ في الحِجازِ حَلَّتا عَلى فَنَن
في خامِلٍ مِنَ الرِياضِ لا نَدٍ وَلا حَسَن
بَيناهُما تَنتَجِيانِ سَحَراً عَلى الغُصُن
مَرَّ عَلى أَيكِهِماريحٌ سَرى مِنَ اليَمَن
حَيّا وَقالَ دُرَّتانِ في وِعاءٍ مُمتَهَن
لَقَد رَأَيتُ حَولَ صَنعاءَ وَفي ظِلِّ عَدَن
خَمائِلاً كَأَنَّهابَقِيَّةٌ مِن ذي يَزَن
الحَبُّ فيها سُكَّرٌوَالماءُ شُهدٌ وَلَبَن
لَم يَرَها الطَيرُ وَلَميَسمَع بِها إِلّا اِفتَتَن
هَيّا اِركَباني نَأتِهافي ساعَةٍ مِنَ الزَمَن
قالَت لَهُ إِحداهُماوَالطَيرُ مِنهُنَّ الفَطِن
يا ريحُ أَنتَ اِبنُ السَبيلِ ما عَرَفتَ ما السَكَن
هَب جَنَّةَ الخُلدِ اليَمَنلا شَيءَ يَعدِلُ الوَطَن
قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي

ألا ما لمن أمسى يراك وللبدر

أَلا ما لِمَن أَمسى يَراكَ وَلِلبَدرُوَما لِمَكانٍ أَنتَ فيهِ وَلِلقَطرِ
تَجَلَّلتَ بِالتَقوى وَأُفرِدتَ بِالعُلاوَأُهَّلتَ لِلجُلّى وَحُلّيتَ بِالفَخرِ
وَقَلَّدتَني لَمّا اِبتَدَأتَ بِمِدحَتييَداً لا أُوَفّي شُكرَها أَبَدَ الدَهرِ
فَإِن أَنا لَم أَمنَحكَ صِدقَ مَوَدَّتيفَما لي إِلى المَجدِ المُؤَثَّلِ مِن عُذرِ
أَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ جاءَت كَريمَةًأَيا اِبنَ الكِرامِ الصَيدِ وَالسادَةِ الغُرِّ
فَضَلتَ بِها أَهلَ القَريضِ فَأَصبَحَتتَحِيَّةَ أَهلِ البَدوِ مُؤنِسَةَ الحَضرِ
وَمِثلُكَ مَعدومُ النَظيرِ مِنَ الوَرىوَشِعرُكَ مَعدومُ الشَبيهِ مِنَ الشِعرِ
كَأَنَّ عَلى أَلفاظِهِ وَنِظامِهِبَدائِعَ ماحاكَ الرَبيعُ مِنَ الزَهرِ
تَنَفَّسَ فيهِ الرَوضُ فَاِخضَلَّ بِالنَدىوَهَبَّ نَسيمُ الرَوضِ يُخبِرُ بِالفَجرِ
إِلى اللَهِ أَشكو مِن فِراقِكَ لَوعَةًطَوَيتُ لَها مِنّي الضُلوعَ عَلى جَمرِ
وَحَسرَةَ مُرتاحٍ إِذا اِشتاقَ قَلبُهُتَعَلَّلَ بِالشَكوى وَعادَ إِلى الصَبرِ
فَعُد يازَمانَ القُربِ في خَيرِ عيشَةٍوَأَنعَمِ بالٍ مابَدا كَوكَبٌ دُرّي
وَعِش يا اِبنَ نَصرٍ ما اِستَهَلَّت غَمامَةٌتَروحُ إِلى عِزٍّ وَتَغدو عَلى نَصرِ
قصيدة أبو فراس الحمداني

ينقضي العيش بين شوق ويأس

ينقَضي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ ويأْسِ – والمُنَى بَيْنَ لَوْعَةٍ وتَأَسِّ
هذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ ونَفْسي – لا تَوَدُّ الرَّحيقَ في كأسِ رِجْسِ
مُلِئَ الدَّهْرُ بالخداعِ فكمْ قَدْ – ضَلَّلَ النَّاسَ مِنْ لإمامٍ وقسِّ
كلَّما أَسأَلُ الحَيَاةَ عن الحقِّ – تَكُفُّ الحَيَاةُ عن كلِّ هَمْسِ
لمْ أجدْ في الحَيَاةِ لحناً بديعاً – يَسْتَبيني سِوى سَكينَةِ نَفْسي
فَسَئِمْتُ الحياةَ إلاَّ غِراراً – تتلاشى بهِ أَناشيدُ يَأْسي
ناولتني الحَيَاةُ كأساً دِهاقاً – بالأَماني فما تناولْتُ كأْسي
وسَقَتْني من التَّعاسَةِ أَكْواباً – تَجَرَّعْتُها فيَا شدَّ تَعْسي
إنَّ في روضَةِ الحَيَاةِ لأَشْواكاً – بها مُزِّقَتْ زَنابِقُ نفسي
ضاعَ أَمسي وأَينَ منِّي أَمسي – وقَضَى الدَّهْرُ أَنْ أَعيشَ بيَأْسي
وقَضَى الحبُّ في سُكونٍ مُريعٍ – ساعَةَ الموتِ بَيْنَ سُخْطٍ وبُؤْسِ
لمْ تُخَلِّفْ ليَ الحَيَاةُ من الأَمسِ – سِوى لوعَةٍ تَهُبُّ وتُرْسي
تَتَهادَى مَا بَيْنَ غَصَّاتِ قلبي – بسُكُونٍ وبينَ أَوجاعِ نَفْسي
كَخيالٍ من عالَمِ الموتِ يَنْسابُ – بصَمْتٍ مَا بَيْنَ رَمْسٍ وَرَمْسِ
تِلْكَ أَوجاعُ مهجةٍ عَذَّبتها – في جحيمِ الحَيَاةِ أَطْيَافُ نَحْسِ
أبيات شاعر تونس أبو القاسم الشابي

أراك فتحلو لدي الحياة

أَراكِ فَتَحْلو لَدَيَّ الحَيَاةُ – ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأَملْ
وتنمو بصدري وُرودٌ عِذابٌ – وتحنو على قلبيَ المشْتَعِلْ
ويفْتِنُني فيكِ فيضُ الحَيَاةِ – وذاك الشَّبابُ الوديعُ الثَّمِلْ
ويفْتِنُني سِحْرُ تِلْكَ الشِّفاهْ – ترفرفُ مِنْ حَوْلهنَّ القُبَلْ
فأَعبُدُ فيكِ جمالَ السَّماءِ – ورقَّةَ وردِ الرَّبيعِ الخضِلْ
وطُهْرَ الثُّلوجِ وسِحْرَ المروج – مُوَشَّحَةً بشُعاعِ الطَّفَلْ
أَراكِ فأُخْلَقُ خلْقاً جديداً – كأنِّيَ لمْ أَبْلُ حربَ الوُجُودْ
ولم أَحتمل فيه عِبئاً ثقيلاً – من الذِّكْرَياتِ التي لا تَبيدْ
وأَضغاثِ أَيَّاميَ الغابراتِ – وفيها الشَّقيُّ وفيها السَّعيدْ
ويغْمُرُ روحِي ضِياءٌ رَفيقٌ – تُكلِّلهُ رائعاتُ الورودْ
وتُسْمِعُني هاتِهِ الكائِناتُ – رقيقَ الأَغاني وحُلْوَ النَّشيدْ
وتَرْقُصُ حَولي أَمانٍ طِرابٌ – وأَفراحُ عُمْرٍ خَلِيٍّ سَعيدْ
أَراكِ فتخفُقُ أَعصابُ قلبي – وتهتزُّ مِثْلَ اهتزازِ الوَتَرْ
ويُجري عليها الهَوَى في حُنُوٍّ – أَناملَ لُدْناً كرَطْبِ الزَّهَرْ
فتخطو أَناشيدُ قلبيَ سَكْرى – تغرِّدُ تَحْتَ ظِلالِ القَمَرْ
وتملأُني نشوةٌ لا تُحَدُّ – كأَنِّيَ أَصبحتُ فوقَ البَشَرْ
أَودُّ بروحي عِناقَ الوُجُودِ – بما فيهِ مِنْ أَنْفُسٍ أَو شَجَرْ
وليلٍ يفرُّ وفجرٍ يكرُّ – وغَيْمٍ يوَشِّي رداءَ السِّحَرْ
شاعر تونس أبو القاسم الشابي

لله ما أحلى الطفولة

لله مَا أَحْلى الطُّفولَةَ – إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى – مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا – ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها – بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ – في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ – في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا – أَغاني حبها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ – الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً – شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها – وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ – والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في – الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
أشعار أبو القاسم الشابي شاعر الخضراء