لَم يَبْقَ شَىء ٌ مِن الدُّنْيا بأَيْدِينا | إلاّ بَقِيّة ُ دَمْعٍ في مآقِينَا |
كنّا قِلادَة َ جِيدِ الدَّهْرِ فانفَرَطَتْ | وفي يَمينِ العُلا كنّا رَياحِينا |
كانت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخة ً | لا تُشْرِقُ الشَّمسُ إلاّ في مَغانينا |
وكان أَقْصَى مُنَى نَهْرِالمَجَرَّة لو | مِن مائِه مُزِجَتْ أَقْداحُ ساقِينا |
والشُهْب لو أنّها كانت مُسَخرَّة ً | لِرَجْمِ من كانَ يَبْدُو مِن أَعادِينا |
فلَم نَزَلْ وصُرُوفُ الدَّهرِ تَرْمُقُنا | شَزْراً وتَخدَعُنا الدّنيا وتُلْهينا |
حتى غَدَوْنا ولا جاهٌ ولا نَشَبٌ | ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِينا |
حافظ إبراهيم
محمد حافظ ابراهيم ولقبه شاعر النيل هو شاعر مصري كبير ولد في اسيوط وتوفي في القاهرة, وايضا يلقب بشاعر الشعب.
كم مر بي فيك عيش لست أذكره
كم مَرَّ بِي فيِكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَذْكُرُه | ومَرَّ بِي فيكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَنْساهُ |
وَدَّعْتُ فيكِ بَقايا ما عَلِقْتُ به | مِنَ الشّباب وما وَدَّعْتُ ذِكْراهُ |
أَهْفُو إليه على ما أَقْرَحَتْ كَبِدِي | مِنَ التَّبارِيحِ أولاَهُ وأُخْراهُ |
لَبِسْتُهِ ودُمُوعُ العَيْنِ طَيِّعَة ٌ | والنفسُ جَيَّاشَة ٌ والقَلْبُ أَوّاهُ |
فكان عَوْني على وَجْدٍ أُكابِدُه | ومُرِّ عَيْشٍ على العِلاّتِ أَلْقاهُ |
قد أَرْخَصَ الدَّمْعَ يَنْبُوعُ الغَناءِ به | وا لَهْفَتِي ونُضُوبُ الشَّيْبِ أَغْلاهُ |
كم رَوَّحَ الدمعُ عَنْ قَلْبي وكم غَسَلَتْ | منه السَّوابِقُ حُزْناً في حناياهُ |
لَم أَدْرِ ما يَدُه حتى تَرَشَّفَه | فَمُ المَشِيبِ على رَغْمِى فأَفْناهُ |
قالوا تَحرَّرْتَ مِنْ قَيْدِ المِلاحِ فعِشْ | حُراً فَفِي الأَسْرِ ذُلٌ كُنتَ تَأباهُ |
فقُلْتُ يا لَيْتَه دامَتْ صَرامَتُه | ما كان أَرْفَقه عندي وأَحْتاهُ |
بُدِّلْتُ منه بقَيْدٍ لَسْتُ أفْلَتُه | وكيف أفْلَتُ قَيْداً صاغَهُ اللهُ |
أَسْرَى الصَّبابَة ِ أَحْياءٌ وإنْ جَهِدُوا | أَمّا المَشِيبُ ففِي الأَمْواتِ أَسْراهُ |
رميت بها على هذا التباب
رَمَيْتُ بها على هذا التَّبابِ | وما أَوْرَدْتُها غيرَ السَّرابِ |
وما حَمَّلْتُها إلاّ شَقاءً | تُقاضِيني به يومَ الحِسابِ |
جَنَيْتُ عليكِ يا نَفْسي وقَبْلي | عليكِ جَنَى أبي فدَعي عِتابي |
فلَولا أنّهم وأَدُوا بَياني | بَلَغتُ بك المُنى وشَفَيْتُ ما بي |
وما أَعْذَرْتُ حتى كان نَعْلي | دَماً ووِسادَتي وَجْهَ التُّرَابِ |
وحتى صَيَّرتْني الشمسُ عَبْداً | صَبِيغاً بَعدَ ما دَبَغَتْ إهابي |
وحتى قَلَّمَ الإِمْلاقُ ظُفْري | وحتى حَطَّمَ المِقْدارُ نابي |
مَتَى أنا بالِغٌ يا مِصْرُ أَرْضاً | أَشُّم بتُرْبِها رِيحَ المَلابِ |
رأيتُ ابنَ البُخارِ على رُباها | يَمُرُّ كأنَّه شَرْخُ الشَّبابِ |
كأنّ بجَوْفِه أحشاءَ صَبٍّ | يُؤَجِّجُ نارَها شَوقُ الإيابِ |
إذا ما لاحَ ساءَلْنا الدَّياجي | أَبَرْقُ الأَرْضِ أمْ بَرْقُ السَّحابِ |
ما لهذا النجم في السحر
ما لهذا النَّجْم في السَّحَرِ | قد سَها مِنْ شِدّة ِ السَّهَرِ |
خِلْتُه يا قَوْمُ يُؤْنِسُنِي | إنْ جَفاني مُؤْنِسُ السَّحَرِ |
يا لِقَوْمي إنّني رَجُلٌ | أَفْنَت الأَيّامُ مُصْطَبَري |
أَسْهَرَتْنِي الحادِثاتُ وقد | نامَ حتّى هاتِفُ الشَّجَرِ |
والدُّجَى يَخْطُو على مَهَلٍ | خَطْوَ ذي عِزٍّ وذي خَفَرِ |
فيه شَخْصُ اليَأسِ عانَقَنِي | كحَبِيبٍ آبَ مِن سَفَرِ |
وأَثارَتْ بي فَوادِحُه | كامِناتِ الهَمِّ والكَدَرِ |
وكأنّ اللَّيْلَ أَقْسَمَ لا | يَنْقَضي أو يَنْقَضي عُمُري |
أيُّها الزَّنْجيُّ ما لَكَ لَمْ | تَخشَ فينا خالِقَ البَشَرِ |
لِي حَبيبٌ هاجِرٌ وَلهُ | صُورَة ٌ مِن أَبْدعِ الصُّورِ |
أَتَلاشَى في مَحَبّتِه | كتَلاشِي الظِّلِّ في القَمَرِ |
لقد كانت الأمثال تضرب بيننا
لَقَدْ كانَتِ الأَمْثالُ تُضْرَبُ بَيْنَنا | بجَوْرِ سَدُومٍ وهوَ مِنْ أَظلَمِ البَشَرْ |
فلمّا بَدَتْ في الكَوْنِ آياتُ ظُلْمِهمْ | إذا بسَدُومٍ في حُكومَتِه عُمَر |
مرضنا فما عادنا عائد
مَرِضْنا فما عادَنا عائِدُ | ولا قِيلَ أينَ الفَتَى الأَلْمَعي |
ولا حَنَّ طرْس إلى كاتِبٍ | ولا خَفَّ لَفْظٌ على مِسْمَعِ |
سَكَتْنا فعَزَّ علينا السُّكوت | وهانَ الكلامُ على المُدَّعِي |
فيا دَوْلَة ً آذَنَتْ بالزوال | رَجَعْنَا لعَهْدِ الهَوَى فارْجِعي |
ولا تَحسِبِينا سَلَوْنا النَّسِيب | وبين الضُّلُوعِ فؤادٌ يَعي |