لكل امرئ من دهره ماتعودا

لِكُلِّ امرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا – وَعادَتُ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنُ في العِدا
وَأَن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ بِضِدِّهِ – وَيُمسي بِما تَنوي أَعاديهِ أَسعَدا
وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفسَهُ – وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ أَهدى وَما هَدى
وَمُستَكبِرٍ لَم يَعرِفِ اللهَ ساعَةً – رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا
هُوَ البَحرُ غُص فيهِ إِذا كانَ راكدًا – عَلى الدُرِّ وَاحذَرهُ إِذا كانَ مُزبِدا
فَإِنّي رَأَيتُ البَحرَ يَعثُرُ بِالفَتى – وَهَذا الَّذي يَأتي الفَتى مُتَعَمِّدا
تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ – تُفارِقُهُ هَلكى وَتَلقاهُ سُجَّدا
وَتُحيِي لَهُ المالَ الصَوارِمُ وَالقَنا – وَيَقتُلُ ما يُحيِي التَبَسُّمُ وَالجَدا
ذَكيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَينِهِ – يَرى قَلبُهُ في يَومِهِ ما تَرى غَدا
وَصولٌ إِلى المُستَصعَباتِ بِخَيلِهِ – فَلَو كانَ قَرنُ الشَمسِ ماءً لَأَورَدا
لِذَلِكَ سَمّى ابنُ الدُمُستُقِ يَومَهُ – مَماتًا وَسَمّاهُ الدُمُستُقُ مَولِدا
سَرَيتَ إِلى جَيحانَ مِن أَرضِ آمِدٍ – ثَلاثًا لَقَد أَدناكَ رَكضٌ وَأَبعَدا
فَوَلّى وَأَعطاكَ ابنَهُ وَجُيوشَهُ – جَميعًا وَلَم يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَدا
عَرَضتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرفِهِ – وَأَبصَرَ سَيفَ اللهِ مِنكَ مُجَرَّدا
وَما طَلَبَت زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَ – وَلَكِنَّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدا
فَأَصبَحَ يَجتابُ المُسوحَ مَخافَةً – وَقَد كانَ يَجتابُ الدِلاصَ المُسَرَّدا
وَيَمشي بِهِ العُكّازُ في الدَيرِ تائِبًا – وَما كانَ يَرضى مَشيَ أَشقَرَ أَجرَدا
وَما تابَ حَتّى غادَرَ الكَرُّ وَجهَهُ – جَريحًا وَخَلّى جَفنَهُ النَقعُ أَرمَدا
فَلَو كانَ يُنجي مِن عَليٍّ تَرَهُّبٌ – تَرَهَّبَتِ الأَملاكُ مَثنى وَمَوحِدا
وَكُلُّ امرِئٍ في الشَرقِ وَالغَربِ بَعدَها – يُعِدُّ لَهُ ثَوبًا مِنَ الشَعرِ أَسوَدا
هَنيئًا لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ – وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ – تُسَلِّمُ مَخروقًا وَتُعطي مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى – كَما كُنتَ فيهِم أَوحَدًا كانَ أَوحَدَ
هُوَ الجَدُّ حَتّى تَفضُلَ العَينُ أُختَها – وَحَتّى يَصيرَ اليَومُ لِليَومِ سَيِّدا
فَيا عَجَبًا مِن دائِلٍ أَنتَ سَيفُهُ – أَما يَتَوَقّى شَفرَتَي ما تَقَلَّدا
وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازًا لِصَيدِهِ – يُصَيِّرُهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
رَأَيتُكَ مَحضَ الحِلمِ في مَحضِ قُدرَةٍ – وَلَو شِئتَ كانَ الحِلمُ مِنكَ المُهَنَّدا
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ – وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذي يَحفَظُ اليَدا
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ – وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا – مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأيًا وَحِكمَةً – كَما فُقتَهُم حالًا وَنَفسًا وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ – فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِمْ – فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُمْ لِيَ حُسَّدا
إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ – ضَرَبتُ بِنَصْلٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا
وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ – فَزَيَّنَ مَعروضًا وَراعَ مُسَدَّدا
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي – إِذا قُلتُ شِعرًا أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِدًا
فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا – وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا
أَجِزني إِذا أُنشِدتَ شِعرًا فَإِنَّما – بِشِعري أَتاكَ المادِحونَ مُرَدَّدا
وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني – أَنا الصائِحُ المَحكِيُّ وَالآخَرُ الصَدى
تَرَكتُ السُرى خَلفي لِمَن قَلَّ مالُهُ – وَأَنعَلتُ أَفراسي بِنُعماكَ عَسجَدا
وَقَيَّدتُ نَفسي في ذَراكَ مَحَبَّةً – وَمَن وَجَدَ الإِحسانَ قَيدًا تَقَيَّدا
إِذا سَأَلَ الإِنسانُ أَيّامَهُ الغِنى – وَكُنتَ عَلى بُعدٍ جَعَلنَكَ مَوعِدا
قصيدة شهيرة للشاعر أبو الطيب المتنبي

اترك تعليقاً