1
أنقل حبي لك من عامٍ إلى عام..
كما ينقل التلميذ فروضه المدرسية إلى دفترٍ جديد
أنقل صوتك.. ورائحتك.. ورسائلك..
ورقم هاتفك.. وصندوق بريدك..
وأعلقها في خزانة العام الجديد..
وأمنحك تذكرة إقامة دائمة في قلبي..
2
إنني أحبك..
ولن أتركك وحدك على ورقة 31 ديسمبر أبداً
سأحملك على ذراعي..
وأتنقل بك بين الفصول الأربعه..
ففي الشتاء، سأضع على رأسك قبعة صوف حمراء..
كي لا تبردي..
وفي الخريف، سأعطيك معطف المطر الوحيد
الذي أمتلكه..
كي لا تتبللي..
وفي الربيع..
سأتركك تنامين على الحشائش الطازجه..
وتتناولين طعام الإفطار..
مع الجنادب والعصافير..
وفي الصيف..
سأشتري لك شبكة صيدٍ صغيره..
لتصطادي المحار..
وطيور البحر..
والأسماك المجهولة العناوين…
3
إنني أحبك..
ولا أريد أن أربطك بذاكرة الأفعال الماضيه..
ولا بذاكرة القطارات المسافره..
فأنت القطار الأخير الذي يسافر ليلاً ونهاراً
فوق شرايين يدي..
أنت قطاري الأخير..
وأنا محطتك الأخيره..
4
إنني أحبك..
ولا أريد أن أربطك بالماء.. أو الريح
أو بالتاريخ الميلادي أو الهجري..
ولا بحركات المد والجزر..
أو ساعات الخسوف والكسوف
لا يهمني ما تقوله المراصد..
وخطوط فناجين القهوه..
فعيناك وحدهما هما النبوءه
وهما المسؤولتان عن فرح هذا العالم…
5
أحبك..
وأحب أن أربطك بزمني.. وبطقسي..
وأجعلك نجمةً في مداري..
أريد أن تأخذي شكل الكلمة..
ومساحة الورقه..
حتى إذا نشرت كتاباً.. وقرأه الناس..
عثروا عليك، كالوردة في داخله..
أريد أن تأخذي شكل فمي..
حتى إذا تكلمت..
وجدك الناس تستحمين في صوتي..
أريدك أن تأخذي شكل يدي..
حتى إذا وضعتها على الطاولة..
وجدك الناس نائمةً في جوفها..
كفراشةٍ في يد طفل..
إنني لا أحترف طقوس التهنئة..
إنني أحترف العشق..
وأحترفك..
يتجول هو فوق جلدي..
وتتجولين أنت تحت جلدي..
وأما أنا..
فأحمل الشوارع والأرصفة المغسولة بالمطر..
على ظهري.. وأبحث عنك..
6
لماذا تتآمرين علي مع المطر؟ ما دمت تعرفين..
أن كل تاريخي معك.. مقترنٌ بسقوط المطر..
وأن الحساسية الوحيدة التي تصيبني..
عندما أشم رائحة نهديك..
هي حساسية المطر..
لماذا تتآمرين علي ؟. ما دمت تعرفين..
أن الكتاب الوحيد الذي أقرؤه بعدك..
هو كتاب المطر..
7
إنني أحبك..
هذه هي المهنة الوحيدة التي أتقنها..
ويحسدني عليها أصدقائي.. وأعدائي..
قبلك.. كانت الشمس، والجبال، والغابات..
في حالة بطالة..
واللغة بحالة بطالة.. والعصافير بحالة بطالة…
فشكراً لأنك أدخلتني المدرسه..
وشكراً.. لأنك علمتني أبجدية العشق..
وشكراً .. لأنك قبلت أن تكوني حبيبتي..
نزار قباني
نزار بن توفيق القباني شاعر و دبلوماسي سوري ولد في دمشق و توفي في لندن عام ١٩٩٨م. مجموعة من قصائد شعر للشاعر نزار قباني.
إلى ساذجة
لا شك .. أنت طيبه
بسيطةٌ وطيبه ..
بساطة الأطفال حين يلعبون
وأن عينيك هما بحيرتا سكون
لكنني ..
أبحث يا كبيرة العيون
أبحث يا فارغة العيون
عن الصلات المتعبه
عن الشفاه المخطئه
وأنت يا صديقتي
نقيةٌ كالؤلؤه
باردةٌ كالؤلؤه
وأنت يا سيدتي
من بعد هذا كله ، لست امرأه
هل تسمعين يا سيدتي
لست امرأه..
وذاك ما يحزنني
لأنني
أبحث يا عادية الشفاه
أبحث يا ميتة الشفاه
عن شفةٍ تأكلني
من قبل أن تلمسني
عن أعينٍ..
أمطارها السوداء .. لا تتركني
أرتاح ، لا تتركني
وأنت يا ذات العيون المطفأه..
طيبةٌ كاللؤلؤه ..
طيبةٌ كالأرنب الوديع
كالشمع .. كالألعاب .. كالربيع
هامدةٌ كالموت .. كالصقيع..
وذاك ما يؤسفني..
لأنني ..
يا أرنبي الوديع ..
أضيق بالربيع
وأكره السير على الصقيع..
لأنه يتعبني..
لأنه يرهقني
***
وددت يا سيدتي
لو كنت أستطيع
حبك يا سيدتي.
لو كنت أستطيع
إلى صامتة
.. تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
– أي كتاب – مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء
إلى سمكة قبرصية تدعى تمارا
1
باسم ليماسول..
شكراً يا تامارا
باسم هذا الخاتم المشغول بالفيروز..
شكراً يا تامارا
باسم هذا الدفتر المفتوح للضوء.. وللشعر..
وللعشاق..
شكراً يا تامارا
باسم أسرابٍ من النورس كانت
تنقر الحنطة من ثغرك..
شكراً يا تامارا
باسم كل القبرصيين الذين اكتشفوا
اللؤلؤ الأسود في عينيك.
شكراً يا تامارا
باسم أحزاني التي ألقيتها في بحر بيروت.
وأجزائي التي أبحث عنها..
في زوايا الأرض ليلاً ونهاراً…
ألف شكرٍ.. يا تامارا.
*
يا تامارا القبرصية:
أيها السيف الذي يقتلني من قبل أن يلقي التحية
باسم مقهانا البدائي على البحر..
وكرسيين مزروعين في الرمل..
و (أنطونيو) الذي كان خلال الصيف عراب هوانا.
والذي كان وديعاً مثل قط منزليٍ..
وعريقاً مثل تمثال حكيمٍ من أثينا،
ورقيقاً.. وصديقاً.. عندما يختار في الليل لنا
فاكهة البحر..
ويوصيك بأن ترتشفي (الأوزو)
الذي تشربه آلهة اليونان في الحب وفي الحرب..
ويرجوك بأن تستمتعي بمذاق (الكالامار)
ومذاق العشق في تلك الجزيره
باسم آلاف التفاصيل الصغيره..
ألف شكرٍ .. يا تامارا
3
كيف أنسى امرأةً من قبرصٍ..
تدعى تامارا..
شعرها تعلكه الريح..
ونهداها يقيمان مع الله حوارا..
خرجت من رغوة البحر كعشتارٍ.. وكانت
تلبس الشمس بساقيها سوارا..
كيف أنسى جسداً؟
يقدح كالفوسفور في الليل شرارا..
كيف أنسى حلمةً مجنونةً
مزقت لحمي، صعوداً..
وانحدارا…
4
إصهلي.. يا فرس الماء الجميله
إصرخي.. يا قطة الليل الجميله
بلليني برذاذ الماء والكحل..
فلولاك لكانت هذه الأرض صحارى..
بلليني.. بالأغاني القبرصيه
ما تهم الأبجديات.. فأنت الأبجديه..
يا التي عشت إلى جانبها العشق.. جنوناً
وانتحارا..
يا التي ساحلها الرملي يرمي لي..
زهوراً.. ونبيذاً قبرصياً.. ومحارا..
لم يكن حب تامارا..
ذلك الحب الروائي ، ولكن
كان عصفاً ودمارا.
لم يكن جدول ماءٍ
إنما كان حبا صغيراً..
فقد احتل بلاداً.. وشعوباً.. وبحارا..
كل أمجادي سرابٌ خادعٌ
ليس من مجدٍ حقيقيٍ..
سوى عيني تامارا..
5
تحت سطح الماء.. أحببت تامارا..
ورأيت السمك الأحمر.. والأزرق.
والفضي..
فوجئت بغاباتٍ من المرجان..
داعبت كطفلٍ سلحفاة البحر،
لامست النباتات التي تفترس الإنسان،
حاولت انتشال السفن الغرقى من القعر..
ولملمت كنوزاً ليس تحصى..
ونجوماً .. وثمارا..
تحت سطح الماء.. أعلنت زواجي بتامارا.
فإذا بالموج قد صار نبيذاً..
وإذا الأسماك أصبحن سكارى..
6
ما الذي يحدث تحت الماء في جلد تامارا؟
فهنا.. الأحمر يزداد احمرارا..
وهنا .. الأخضر يزداد اخضرارا..
وهنا السرة تزداد أمام الضوء..
خوفاً.. وانبهارا..
ما الذي يحدث في عقلي.. وفي عقل تامارا؟
سمك الدولفين يرمي نفسه.
كالمجانين يميناً.. ويسارا..
سمك الدولفين يدعوني لكي أقفز في الماء..
وفي مملكة الأسماك..
لا أملك رأياً أو خيارا..
عبثٌ.. أن يسأل الإنسان عن ماضيه أو حاضره،
عندما يتخذ البحر القرارا…
7
يا تامارا..
أنت في قبرض كبريتٌ .. وشمعٌ
وأنا موسى الذي أوقد تحت الماء نارا…
إلى صديقة خائفة
لا تعبأي..
إن رددوا أسماءنا
في هذه المدينة الثرثارة.. الواشية..
القبيحه..
فليس في العالم ما يطربني
أكثر من أن يقرعوا من حولنا
كل صباحٍ،
جرس الفضيحه…
إلى عجوز
عبثاً جهودك .. بي الغريزة مطفاه
إني شبعتك جيفةً متقيئه
تدعو .. وفي شفتيك تحترق امرأه
إني قرفتك ناهداً متدلياً
أنا لا تحركني العجائز .. فارجعي
لك أربعون .. وأي ذكرى سيئه
أخت الأزقة .. والمضاجع .. والغوى
والغرفة المشبوهة المتلألئه..
شفةً أقبل أم أقبل مدفأه؟
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه
والإبط .. أية حفرةٍ ملعونةٍ
الدود يملأ قعرها والأوبئه..
صيرت للزوار ثديك مورداً
إما ارتوت فئةٌ .. عصرت إلى فئه
فبكل ثغرٍ من حليبك قطرةٌ
وقرابةٌ في كل عرقٍ .. أو رئه