وَالحُبُّ في الناسِ أَشكالٌ وَأَكثَرُها | كَالعُشبِ في الحَقلِ لا زَهرٌ وَلا ثَمَرُ |
وَأَكثَرُ الحُبّ مِثلُ الراحِ أَيسَرُهُ | يُرضي وَأَكثَرُهُ لِلمُدمن الخَطِرُ |
وَالحُبُّ إِن قادَتِ الأَجسامُ مَوكِبَهُ | إِلى فِراش مِنَ الأَغراضِ يَنتَحِرُ |
كَأَنّهُ ملكٌ في الأَسرِ مُعتَقَلٌ | يَأبى الحَياةَ وَأَعوانٌ لَهُ غَدَروا |
جبران خليل جبران
هو جبران خليل جبران ميخائيل بن سعد, نابغة الكتاب المعاصرين المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأصله من دمشق, ولد في لبنان و توفي في نيويورك.
سكن الليل وفي ثوب السكون
سَكنَ اللَّيل وَفي ثَوب السُّكون | تَختَبي الأَحلام |
وَسَعى البَدرُ وَلِلبَدرِ عُيُون | تَرصُدُ الأَيّام |
عَلّنا نطفي بِذيّاك العَصِير | حرقَةَ الأَشواق |
فَتَعالي يا اِبنَة الحَقل نَزُور | كرمة العُشّاق |
اِسمَعي البُلبُل ما بَينَ الحُقُول | يَسكُبُ الأَلحان |
في فَضاء نَفَخَت فيهِ التّلول | نَسمَة الرّيحان |
لا تَخافي يا فَتاتي فَالنُّجوم | تَكتُمُ الأَخبار |
وَضَبابُ اللَّيل في تِلكَ الكُرُوم | يَحجُبُ الأَسرار |
لا تَخافي فَعَروسُ الجنّ في | كَهفِها المَسحور |
هَجَعَت سكرى وَكادَت تَختَفي | عَن عُيون الحُور |
وَمَليكُ الجنِّ إِن مَرَّ يَرُوح | وَالهَوى يَثنيه |
فَهوَ مِثلي عاشِقٌ كَيفَ يَبوح | بِالَّذي يضنيه |
والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا
وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا | بِهِ وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا |
فَالسّجنُ وَالمَوتُ لِلجانينَ إِن صَغرُوا | وَالمَجدُ وَالفَخر وَالإِثراء إِن كبرُوا |
فَسارق الزَّهرِ مَذمومٌ وَمُحتَقَرٌ | وَسارِقُ الحَقل يُدعى الباسِلُ الخطرُ |
وَقاتلُ الجسمِ مَقتولٌ بِفعلَتِهِ | وَقاتلُ الرُّوحِ لا تَدري بِهِ البَشَرُ |
أعطني الناي وغن
أَعطِني النّايَ وَغَنِّ | وَانسَ ما قُلتُ وَقُلتا |
إِنَّما النّطقُ هَباءٌ | فَأَفِدني ما فَعَلتا |
هَل تخذتَ الغابَ مِثلي | مَنزِلاً دُونَ القُصُور |
فَتَتَبَّعتَ السّواقي | وَتَسَلّقتَ الصُّخور |
هَل تَحَمّمتَ بِعِطرٍ | وَتَنشّفتَ بِنُور |
وَشَربتَ الفَجرَ خَمراً | في كُؤوسٍ مِن أَثِير |
هَل جَلَستَ العَصرَ مِثلي | بَينَ جَفناتِ العِنَب |
وَالعَناقيدُ تَدَلّت | كَثرَيَّاتِ الذَّهَب |
فَهيَ لِلصّادي عُيُونٌ | وَلمن جاعَ الطّعام |
وَهيَ شَهدٌ وَهيَ عطرٌ | وَلمن شاءَ المدام |
هَل فَرَشتَ العُشبَ لَيلاً | وَتَلَحّفتَ الفَضا |
زاهِداً في ما سَيَأتي | ناسياً ما قَد مَضى |
وَسُكوتُ اللَّيلِ بَحرٌ | مَوجُهُ في مَسمَعك |
وَبِصَدرِ اللَّيلِ قَلبٌ | خافِقٌ في مَضجعك |
أَعطِني النّايَ وَغَنِّ | وَاِنسَ داءً وَدَواء |
إِنَّما النّاسُ سُطُورٌ | كُتِبَت لَكِن بِماء |
لَيتَ شِعري أَيّ نَفعٍ | في اِجتِماعٍ وَزحام |
وَجِدالٍ وَضَجيجٍ | وَاِحتِجاجٍ وَخِصام |
كُلُّها أَنفاقُ خُلدٍ | وَخُيوط العَنكَبوت |
فَالَّذي يَحيا بِعَجزٍ | فَهوَ في بُطءٍ يَموت |
هوذا الفجر فقومي ننصرف
هوَذا الفَجرُ فَقُومي نَنصَرِف | عَن دِيارٍ ما لَنا فيها صَديق |
ما عَسى يَرجو نَباتٌ يختلف | زَهرُه عَن كُلِّ وردٍ وَشَقيق |
وَجَديدُ القَلبِ أَنّى يَأتَلف | مع قُلوب كُلُّ ما فيها عَتيق |
هوَذا الصُّبحُ يُنادي فَاِسمَعي | وَهَلمّي نَقتَفي خُطواته |
قَد كَفانا مِن مَساء يَدّعي | أَنّ نُورَ الصُّبحِ مِن آياتِهِ |
قَد أَقَمنا العُمرَ في وادٍ تَسير | بَينَ ضلعَيهِ خَيالات الهُموم |
وَشهِدنا اليأسَ أَسراباً تَطير | فَوقَ مَتنَيهِ كَعقبانٍ وَبُوم |
وَشَربنا السّقمَ مِن ماء الغَدير | وَأَكَلنا السُمّ مِن فَجّ الكُرُوم |
وَلَبِسنا الصَبر ثَوباً فالتَهَب | فَغَدَونا نَتَرَدّى بِالرّماد |
وَاِفتَرَشناهُ وِساداً فَاِنقَلَب | عِندَما نِمنا هَشيماً وَقتاد |
يا بِلاداً حُجِبَت مُنذُ الأَزَل | كَيفَ نَرجوكِ وَمِن أَيّ سَبيل |
أَيّ قَفرٍ دونَها أَيّ جَبَل | سُورها العالي وَمَن مِنّا الدَّليل |
أَسرابٌ أَنتَ أَم أَنتَ الأَمَل | في نُفوسٍ تَتَمنّى المُستَحيل |
أَمَنامٌ يَتَهادى في القُلوب | فَإِذا ما اِستَيقَظَت وَلّى المَنام |
أَم غُيومٌ طُفنَ في شَمس الغُروب | قَبلَ أَن يَغرَقنَ في بَحر الظَّلام |
يا بِلاد الفِكر يا مَهدَ الأُلى | عَبدوا الحَقَّ وَصَلّوا لِلجَمال |
ما طَلَبناكَ بِرَكبٍ أَو عَلى | مَتنِ سُفنٍ أَو بِخَيلٍ وَرحال |
لَستُ في الشَّرقِ وَلا الغَربِ وَلا | في جنوبِ الأَرض أَو نَحوَ الشّمال |
لَستُ في الجَوّ وَلا تَحتَ البِحار | لَستُ في السَّهلِ وَلا الوَعرِ الحَرج |
أَنتَ في الأَرواحِ أَنوارٌ وَنار | أَنتَ في صَدري فُؤادي يَختَلج |
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
الخَيرُ في الناسِ مَصنوعٌ إِذا جُبرُوا | وَالشرُّ في الناسِ لا يَفنى وَإِن قُبرُوا |
وَأَكثَرُ الناسِ آلاتٌ تُحرّكُها | أَصابِعُ الدَّهرِ يَوماً ثُمَّ تَنكَسِرُ |
فَلا تَقولَنّ هَذا عالمٌ عَلمٌ | وَلا تَقولَنّ ذاكَ السَّيدُ الوَقرُ |
فَأَفضَلُ الناسِ قطعانٌ يَسيرُ بِها | صَوتُ الرُّعاةِ وَمَن لَم يَمشِ يَندَثِرُ |