الدبُّ معروفٌ بسوءِ الظنِّ | فاسمعْ حديثَهُ العجيبَ عنِّي |
لمَّا استطال المُكْثَ في السَّفينهْ | ملَّ دوامَ العيشة ِ الظنينه |
وقال: إن الموْتَ في انتظاري | والماءُ لا شكَّ به قراري |
ثم رأى موجاً على بعدٍ علا | فظنَّ أن في الفضاء جبلا |
فقال: لا بُدَّ من النزولِ | وصَلْتُ، أَو لم أَحْظَ بالوُصولِ |
قد قال مَن أَدَّبَهُ اختبارُه | السعيُ للموتِ ولا انتظاره! |
فأَسلمَ النفسَ إلى الأمواجِ | وهْيَ مع الرياحِ في هياجِ |
فشرِبَ التعيسُ منها، فانتفَخْ | ثم رَسا على القرارِ، ورسَخ |
وبعدَ ساعتَينِ غِيضَ الماءُ | وأَقلَعَتْ بأَمْرِهِ السماءُ |
وكان في صاحبنا بعض الرمق | إذ جاءَهُ الموتُ بطيئاً في الغرَقْ |
وكان في صاحبنا فوقَ الجودي | والرَّكبُ في خيْرٍ وفي سُعودِ |
فقال: يا لجدِّي التعيسِ | أسأت ظني بالنبي الرئيسِ! |
ما كان ضَرّني لو امتثَلتُ | ومِثلَما قد فعلوا فعلتُ؟! |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
أبو الحصينِ جالَ في السفينهْ
أبو الحصينِ جالَ في السفينهْ | فعرفَ السمينَ والسمينه |
يقولُ: إنّ حاله استحالا | وإنّ ما كان قديماً زالا |
لكونِ ما حلَّ من المصائبِ | من غضبِ اللهِ على الثعالبِ |
ويغلظُ الأيمانَ للديوكِ | لِما عَسَى يَبقى من الشكوك |
بأَنهمْ إن نَزَلوا في الأَرضِ | يَرَوْنَ منه كلَّ شيءٍ يُرْضِي |
قيل: فلمّا تركوا السفينه | مشى مع السمينِ والسمينه |
حتى إذا نصفوا الطريقا | لم يبقِ منهمْ حولهُ رفيقا |
وقال: إذْ قالوا عَديمُ الدِّينِ | لا عَجَبٌ إن حَنَثَتْ يَميني |
فإنما نحن بَني الدَّهاءِ | نَعْمَلُ في الشِّدّة ِ للرَّخاءِ |
ومَنْ تخاف أَن يَبيعَ دينَهْ | تَكفيكَ منه صُحْبَة ُ السفينه! |
يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ
يقال إنّ الليثَ في ذي الشدّهْ | رأَى من الذِّئبِ صَفا الموَدَّه |
فقال: يا منْ صانَ لي محلِّي | في حالتي ولا يتي وعزلي |
إنْ عُدْتُ للأَرض بإذنِ الله | وعاد لي فيها قديمُ الجاهِ |
أُعطيكَ عِجْليْنِ وأَلفَ شاة | ثم تكونُ واليَ الولاة ِ |
وصاحِبَ اللِّواءِ في الذِّئابِ | وقاهرَ الرعاة ِ والكلابِ |
حتى إذا ما تَمَّتِ الكرامَهْ | ووَطِىء الأَرضَ على السلاَمه |
سعى إليه الذئبُ بعدَ شهرِ | وهوَ مطاعُ النهيِ ماضي الأمرِ |
فقال: يا منْ لا تداسُ أرضه | ومنْ له طولُ الفلا وعرضه |
قد نِلتَ ما نِلتَ منَ التكريمِ | وذا أَوان الموْعِدِ الكريمِ |
قال: تجرَّأتَ وساءَ زعمكا | فمن تكونُ يا فتى ؟ وما اسمكا؟ |
أجابه: إن كان ظنِّي صادقا | فإنَّني والي الوُلاة ِ سابِقَا! |
أَتى نبيَّ الله يوماً ثعلبُ
أَتى نبيَّ الله يوماً ثعلبُ | فقال: يا مولايَ، إني مذنبْ |
قد سوَّدتْ صحيفتي الذنوبُ | وإن وجدْتُ شافعاً أَتوب |
فاسألْ إلهي عفوهُ الجليلا | لتائبٍ قد جاءهُ ذليلا |
وإنني وإن أسأتُ السيرا | عملتُ شرَّا، وعملتُ خيرا |
فقد أتاني ذاتَ يومٍ أرنبُ | يرتَعُ تحتَ منزلي ويَلعَبُ |
ولم يكن مراقِبٌ هُنالكا | لكنَّني تَركتُهُ معْ ذلكا |
إذ عفتُ في افتراسهِ الدناءهْ | فلم يصلهُ من يدي مساءهْ |
وكان في المجلس ذاكَ الأرنبُ | يسمعُ ما يبدي هناكَ الثعلبُ |
فقال لمَّا انقطعَ الحديثُ: | قد كان ذاكَ الزهدُ يا خبيث |
وأنت بينَ الموتِ والحياة ِ | من تُخمة ٍ أَلقتْك في الفلاة ِ! |
قد حَمَلَتْ إحدى نِسا الأَرانِبِ
قد حَمَلَتْ إحدى نِسا الأَرانِبِ | وحلَّ يومُ وضعها في المركبِ |
فقلقَ الرُّكابُ من بكائها | وبينما الفتاة ُ في عَنائها |
جاءت عجوزٌ من بناتِ عرسٍ | تقولُ: أَفدِي جارَتي بنفسي |
أنا التي أرجى لهذي الغايهْ | لأَنني كنتُ قديماً دَأيَهْ |
فقالتِ الأَرنبُ: لا يا جارَه | فإن بعدَ الألفة ِ الزياره |
ما لي وثوقٌ ببناتِ عرسِ | إني أريدُ داية ً من جنسي! |
سَقط الحِمارُ منَ السَّفينة ِ في الدُّجَى
سَقط الحِمارُ منَ السَّفينة ِ في الدُّجَى | فبكى الرِّفاقُ لِفَقدِهِ، وتَرَحَّمُوا |
حتى إذا طلعَ النهارُ أتت به | نحوَ السفينة ِ موجة ٌ تتقدمُ |
قالتْ: خذوهُ كما أتاني سالماً | لم أبتلعهُ، لأنه لا يهضمُ! |