يا ليلة ً سمَّيتها ليلتي | لأَنها بالناس ما مَرَّتِ |
أذكرُها ، والموتُ في ذكرها | على سبيلِ البَثِّ والعِبْرَة ِ |
ليعلمَ الغافلُ ما أمسُه ؟ | ما يومُهُ؟ ما مُنْتَهى العِيشة ِ؟ |
نَبَّهَني المقدورُ في جُنْحِها | وكنتُ بين النَّوْم واليَقْظة ِ |
الموتُ عجلانٌ إلى والدي | والوضعُ مستعصٍ على زوجتِي |
هذا فتى ً يُبْكَى على مِثلِه | وهذه في أوّلِ النَّشأة ِ |
وتلك في مِصْرَ على حالِها | وذاكَ رَهْنُ الموْتِ والغُرْبَة ِ |
والقلبُ ما بَينَهما حائرٌ | من بَلْدَة أَسْرى إلى بَلدة ِ |
حتى بدا الصبحُ ، فولَّى أبي | وأقبلتْ بعدَ العناءِ ابنتي |
فقلتُ أَحكامُكَ حِرنا لها | يا مُخرجَ الحيِّ منَ الميِّتِ! |
أحمد شوقي
أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك هو شاعر مصري أحد أعظم شعراء العصر الحديث ولقبه أمير الشعراء ولد و توفي في القاهرة.
أمنيتي في عامها
أمنيتي في عامها | الأوّلِ مثلُ الملكِ |
صالحة ٌ للحبِّ منْ | كلٍّ، وللتَّبَرُّك |
كم خفقَ القلبُ لها | عِندَ البُكا والضَّحِك |
وكم رَعَتْها العَيْنُ في | في السكونِ والتَّحرُّكِ |
فعندها من شدّة ِ الإشفاقِ | أن تأخذ الصغيرَ بالخناقِ |
فإن مَشَتْ فخاطِري | يسبقها كالممسكِ |
أَلحَظُها كأَنها | من بَصَرِي في شَرَك |
فيا جَبينَ السَّعْدِ لي | ويا عُيُونَ الفَلَك |
ويا بياضَ العيشِ في | الأيامِ ذاتِ الحلكِ |
إنَّ الليالي وهيَ لا | تَنْفَكُّ حَرْبَ أَهلِكِ |
لو أنصفتكِ طفلة ً | لكنت بنت الملك |
كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ
كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ | وله في النخلة ِ الكبرى أريكْ |
فيه كرسيٌّ، وخِدْرٌ، ومُهودْ | لصغارِ الملك أصحابِ العهود |
جاءهُ يوماً ندورُ الخادمُ | وهوَ في البابِ الأمينُ الحازمُ |
قال: يا فرعَ الملوكِ الصالحينْ | أنت ما زلتَ تحبُّ الناصحينْ |
سوسة ٌ كانت على القصرِ تدورْ | جازتْ القصرَ، ودبتْ في الجدور |
فابعث الغربانَ في إهلاكها | قبلَ أن نهلكَ في أشراكها |
ضحكَ السلطانُ من هذا المقال | ثم أدنى خادمَ الخير، وقال: |
أنا ربُّ الشوكة ِ الضافي الجناح | أنا ذو المنقارِ، غلاَّبُ الرياح |
أَنا لا أَنظُرُ في هَذي الأُمور | أَنا لا أُبصِرُ تَحتي بانُدور |
ثُمَّ لَمّا كانَ عامٌ بَعدَ عام | قامَ بَينَ الريحِ وَالنَخلِ خِصام |
وَإِذا النَخلَةُ أَقوى جِذعُها | فَبَدا لِلريحِ سَهلاً قَلعُها |
فهوتْ للأرضِ كالتلِّ الكبير | وَهَوَى الديوانُ، وانقضَّ السَّرير |
فدها السلطان ذا الخطبُ المهول | ودعا خادمه الغالي يقول: |
يا ندورَ الخير، أسعفْ بالصياح | ما تَرى ما فعلَتْ فينا الرياح؟ |
قال: يا مولايَ، لا تسأل ندور | أنا لا أنظر في هذي الأمور! |
ظبيٌ رأى صورتهْ في الماء
ظبيٌ رأى صورتهْ في الماء | فرفع الرأْسَ إلى السماءِ |
وقال يا خالِقَ هذا الجيدِ | زنهُ بعقدِ اللؤلؤ النَّضيدِ |
فسمعَ الماءَ يقولُ مفصحا | طلبْتَ يا ذا الظَّبْيُ ما لن تُمنَحا |
إنّ الذي أعطاكَ هذا الجيدا | لم يُبق في الحسنِ له مَزيدا |
لو أن حسنهُ على النحورِ | لم يخرج الدُّر من البحورِ |
فافتتَن الظبيُ بِذِي المقالِ | وزادهُ شوقاً إلى اللآلي |
ولم يَنلهُ فمُهُ السقيمُ | فعاش دهراً في الفَلا يَهيم |
حتى تَقضَّى العمرُ في الهُيامِ | وهجْرِ طِيبِ النَّومِ والطعام |
فسارَ نحو الماءِ ذاتَ مرهْ | يَشكو إليه نفعَهُ وضرَّه |
وبينما الجارانِ في الكلام | أقبلَ راعي الدَّيرِ في الظلام |
يتبعه حيثُ مشى خنزيرُ | في جِيدِهِ قِلادة ٌ تُنير |
فاندفع الظبيُ لذاكَ يبكي | وقال من بعدِ انجلاءِ الشكِ |
ما آفة ُ السعيِ سوى الضلالِ | ما آفهُ العمرِ سوى الآمال |
لولا قضاءُ الملكِ القدير | لما سعى العقدُ إلى الخنزير |
فالتفتَ الماءُ إلى الغزال | وقال: حالُ الشيخِ شرُّ حال |
لا عَجَبٌ، إن السنينَ مُوقِظهْ | حفظتَ عمراً لو حفظتَ موعظهْ |
لمَّا دعا داعي أبي الأشباِ
لمَّا دعا داعي أبي الأشباِ | مبشِّراً بأولِ الأنجالِ |
سعَتْ سباعُ الأَرضِ والسماءِ | وانعقد المجلسُ للهناءِ |
وصدرَ المرسومُ بالأمانِ | في الأَرضِ للقاصي بها والدَّاني |
فضاقَ بالذيولِ صحنُ الدار | من كلِّ ذي صوفٍ وذي منقار |
حتى إذا استكملَتِ الجمعيَّهْ | نادى منادي اللَّيْث في المَعيَّهْ |
هل من خطيبٍ محسنٍ خبيرِ | يدعو بطول العمر للأمير؟ |
فنهض الفيلُ المشيرُ السامي | وقال ما يليقُ بالمقام |
ثم تلاه الثعلبُ السفيرُ | ينشدُ، حتى قيلَ: ذا جرير |
واندفعَ القردَ مديرُ الكاسِ | فقيلَ: أحسنتَ أبا نواسِ! |
وأَوْمأَ الحِمارُ بالعقيرَه | يريدُ أَن يُشرِّفَ العشيره |
فقال: باسمِ خالِقِ الشعيرِ | وباعثِ العصا إلى الحمير!… |
فأزعج الصوتُ وليَّ العهدِ | فماتَ من رعديهِ في المهدِ |
فحملَ القومُ على الحمارِ | بجملة ِ الأنيابِ والأظفار |
وانتُدبَ الثَّعلبُ لِلتأبينِ | فقال في التعريضِ بالمسكينِ: |
لا جعَلَ الله له قرارا | عاشَ حِماراً ومضى حمارا! |
نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ
نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ | كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ |
فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس | وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس |
قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال | رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال! |
فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل | ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل |
وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام | فأرى العجلَ فأهداهُ السلام |
قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ | أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير |
حملَ الذئبَ على قتلي الحسد | فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد |
فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع | وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع! |
فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث | ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث |
قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات | أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟ |
فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير | ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر |
ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود | مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود |
فأَقاموا لمعاليكم سرِير | عن يمين الملكِ السامي الخطير |
واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك | في انتظار السيدِ العالي هناك |
فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ | وانتَهى الأُنسُ إليكم والسرورْ |
برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان | واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان |
وكفاكم أنني العبدُ المطيع | أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع |
فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال: | أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال! |
فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق | أنا لا يشقى لديه بي رفيق |
فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه | ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه |
وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير | وحبا الثعلبَ منه باليسير |
فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ | وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ: |
سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير | فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير! |