من أية الطرق يأتي مثلك الكرم

من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُأينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُفعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِوَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكميا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُكَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَامَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُوَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا
قصيدة أبو الطيب المتنبي

الرأي قبل شجاعة الشجعان

الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِهُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍبَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُبالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍأدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْأيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُلمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَىأمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلىأهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَهأنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الــهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْإلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِفي قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَىفدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُفكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌكُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍيَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاًيَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍيَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌتَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُوَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُوَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍعُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَاتحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِمن دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَىرَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهممُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍأجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةًوَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌوَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَاوَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَايَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَهافكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَىضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَاجاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوايَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاًبمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُآمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍشَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌكَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِفأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهمفكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَانيفكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْكقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِمثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْقِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَاأنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِأصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِيوَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
أشهر قصائد أبو الطيب المتنبي