غَيرُ مُسْتَنكَرٍ لَكَ الإقدامُ | فَلِمَنْ ذا الحَديثُ والإعْلامُ |
قد عَلِمنا من قَبلُ أنّكَ مَن لا | يَمْنَعُ اللّيلُ هَمَّهُ والغَمامُ |
قصائد المتنبي
مجموعة مختارة من قصائد الشاعر أبو الطيب المتنبي في هذه الصفحة.
إذا غامرت في شرف مروم
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ | فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ |
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ | كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ |
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري | صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ |
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا | كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ |
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ | وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ |
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ | وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ |
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني | ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ |
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً | وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ |
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ | على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ |
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
لهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ | عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ |
يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى | لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ |
رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَياضِ بمَفْرِقي | وَلَوَ انّهَا الأولى لَرَاعَ الأسْحَمُ |
لَوْ كانَ يُمكِنُني سفَرْتُ عن الصّبى | فالشّيبُ مِنْ قَبلِ الأوَانِ تَلَثُّمُ |
وَلَقَدْ رَأيتُ الحادِثاتِ فَلا أرَى | يَقَقاً يُمِيتُ وَلا سَوَاداً يَعصِمُ |
وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً | وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ |
ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ | وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ |
وَالنّاسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ | يَنسَى الذي يُولى وَعَافٍ يَنْدَمُ |
لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ | وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ |
لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى | حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ |
يُؤذي القَليلُ مِنَ اللّئَامِ بطَبْعِهِ | مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْؤمُ |
وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ | ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ |
وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي | عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ |
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا | مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ |
وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ | قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ |
يَقْلَى مُفَارَقَةَ الأكُفّ قَذالُهُ | حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمّمُ |
وَتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً، | وَيكونُ أكذَبَ ما يكونُ وَيُقْسِمُ |
وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّةً | وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ |
وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ | وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ |
أرْسَلْتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً | صَفْرَاءُ أضْيَقُ منكَ ماذا أزْعَمُ |
فلَشَدّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً | وَلَشَدّ ما قَرُبَتْ عَلَيكَ الأنجُمُ |
وَأرَغْتَ ما لأبي العَشَائِرِ خالِصاً | إنّ الثّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ |
وَلمَنْ أقَمْتَ على الهَوَانِ بِبَابِهِ | تَدْنُو فيُوجأُ أخْدَعاكَ وَتُنْهَمُ |
وَلمَنْ يُهِينُ المَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ | وَلمَنْ يَجُرّ الجَيشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ |
وَلمَنْ إذا التَقَتِ الكُماةُ بمَأزِقٍ | فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَميُّ المُعْلِمُ |
وَلَرُبّمَا أطَرَ القَنَاةَ بفَارِسٍ، | وَثَنى فَقَوّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ |
وَالوَجْهُ أزْهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ | وَالرّمْحُ أسمَرُ وَالحُسامُ مُصَمِّمُ |
أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ | وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ |
روينا يا ابن عسكر الهماما
رَوِينَا يا ابنَ عَسْكَرٍ الهُمَامَا | ولم يَتْرُكْ نَداكَ لَنَا هُيَامَا |
وصارَ أحَبُّ ما تُهْدي إلَينَا | لغَيرِ قِلًى وَداعَكَ والسّلامَا |
ولم نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ المَوالي | ولم نَذْمُمْ أياديكَ الجِسامَا |
ولَكِنّ الغُيُوثَ إذا تَوالَتْ | بأرْضِ مُسافِرٍ كَرِهَ الغَمامَا |
أعن إذني تمر الريح رهوا
أعَنْ إذني تَمُرّ الرّيحُ رَهْواً | ويَسري كُلّما شِئتُ الغَمامُ |
ولَكِنّ الغَمَامَ لَهُ طِباعٌ | تَبَجُّسُهُ بها وَكَذا الكِرامُ |
فراق ومن فارقت غير مذمم
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ | وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ |
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ | إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ |
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً | منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ |
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ | عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ |
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ | بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ |
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ | عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ |
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى | هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي |
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ | وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ |
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ | وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ |
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ | وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ |
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ | متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ |
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ | جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ |
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ | نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ |
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ | بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ |
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ | وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ |
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ | وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ |
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا | سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ |
أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ | إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ |
إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها | فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ |
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى | ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ |
وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ | وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي |
شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ | إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ |
أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى | وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ |
وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً | أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ |
وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ | مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ |
فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها | بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ |
وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ | كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ |
وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ | فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ |
وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ | من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ |
وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ | عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي |
فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ | وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ |
قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا | حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ |
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ | وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ |
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً | وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ |
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها | سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ |
وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ | منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ |
لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ | وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ |
وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها | وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ |
وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ | فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ |
رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً | وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ |
وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ | فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ |