| حُشاشةُ نَفسٍ وَدّعتْ يوْمَ وَدّعوا | فَلَمْ أدرِ أيّ الظّاعِنَينِ أُشَيِّعُ |
| أشاروا بتَسْليمٍ فَجُدْنَا بأنْفُسٍ | تَسيلُ مِنَ الآماقِ وَالسَّمُّ أدْمُعُ |
| حَشَايَ على جَمْرٍ ذَكيٍّ مِنَ الهَوَى | وَعَيْنايَ في رَوْضٍ من الحسنِ تَرْتَعُ |
| وَلَوْ حُمّلَتْ صُمُّ الجِبالِ الذي بِنَا | غداةَ افترَقْنا أوْشكَتْ تَتَصَدّعُ |
| بمَا بينَ جَنبيّ التي خاضَ طيْفُهَا | إليّ الدّياجي وَالخَلِيّونَ هُجّعُ |
| أتَتْ زائِراً ما خامَرَ الطّيبُ ثَوْبَها | وكالمِسْكِ مِن أرْدانِها يَتَضَوّعُ |
| فما جلَسَتْ حتى انثَنَتْ توسعُ الخُطى | كَفاطِمَةٍ عن دَرّها قَبلَ تُرْضِعُ |
| فَشَرّدَ إعظامي لَها ما أتَى بهَا | مِنَ النّوْمِ والْتَاعَ الفُؤادُ المُفَجَّعُ |
| فَيَا لَيْلَةً ما كانَ أطْوَلَ بِتُّهَا | وَسُمُّ الأفاعي عَذْبُ ما أتَجَرّعُ |
| تذلّلْ لها وَاخضَعْ على القرْبِ والنّوَى | فَما عاشِقٌ مَن لا يَذِلّ وَيَخْضَعُ |
| وَلا ثَوْبُ مَجدٍ غيرَ ثوبِ ابنِ أحمدٍ | عَلى أحَدٍ إلاّ بلُؤمٍ مُرَقَّعُ |
| وَإنّ الذي حابَى جَديلَةَ طَيِّىءٍ | بهِ الله يُعطي مَنْ يَشاءُ وَيَمْنَعُ |
| بذي كَرَمٍ مَا مَرّ يَوْمٌ وشَمْسُهُ | على رَأسِ أوْفى ذِمّةً منه تَطْلُعُ |
| فأرْحامُ شِعْرٍ يتّصِلْنَ لَدُنّهُ | وَأرْحامُ مالٍ ما تَني تتقطّعُ |
| فتًى ألْفُ جُزْءٍ رَأيُهُ في زَمَانِهِ | أقلُّ جُزَيْءٍ بعضُهُ الرّأيُ أجمَعُ |
| غَمامٌ عَلَيْنا مُمْطِرٌ لَيْسَ يُقشِعُ | وَلا البَرْقُ فيهِ خُلَّباً حينَ يَلْمَعُ |
| إذا عُرِضَتْ حَاجٌ إلَيْهِ فَنَفْسُهُ | إلى نَفْسِهِ فِيها شَفيعٌ مُشَفَّعُ |
| خَبَتْ نارُ حَرْبٍ لم تَهِجْها بَنانُهُ | وَأسْمَرُ عُرْيانٌ مِنَ القِشرِ أصْلَعُ |
| نَحيفُ الشَّوَى يَعدو على أُمّ رَأسِهِ | وَيحفى فيَقوَى عَدْوُهُ حينَ يُقطَعُ |
| يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانُهُ | وَيُفْهِمُ عمّن قالَ ما ليسَ يُسمَعُ |
| ذُبابُ حُسامٍ منهُ أنجَى ضَرِيبَةً | وَأعْصَى لمَوْلاهُ وذا منهُ أطْوَعُ |
| فَصيحٌ متى يَنطِقْ تجدْ كلّ لَفظَةٍ | أُصُولَ البَرَاعاتِ التي تَتَفَرّعُ |
| بكَفّ جَوَادٍ لَوْ حَكَتْها سَحابَةٌ | لما فاتها في الشّرْقِ والغَرْبِ موْضِعُ |
| ولَيسَ كبَحرِ الماءِ يَشتَقُّ قعرَهُ | إلى حَيثُ يَفنى الماءُ حوتٌ وَضِفدعُ |
| أبَحْرٌ يَضُرّ المُعْتَفينَ وطَعْمُهُ | زُعاقٌ كبَحرٍ لا يَضُرّ وَيَنْفَعُ |
| يَتيهُ الدّقيقُ الفِكْرِ في بُعدِ غَوْرِهِ | وَيَغْرَقُ في تَيّارِهِ وَهْوَ مِصْقَعُ |
| ألا أيّها القَيْلُ المُقيمُ بمَنْبِجٍ | وهِمّتُهُ فوقَ السِّماكَينِ تُوضَعُ |
| ألَيْسَ عَجيباً أنّ وَصْفَكَ مُعْجِزٌ | وَأنّ ظُنُوني في مَعاليكَ تَظْلَعُ |
| وَأنّكَ في ثَوْبٍ وَصَدْرُكَ فيكُما | على أنّه من ساحةِ الأرْضِ أوْسَعُ |
| وقَلْبُكَ في الدّنْيا ولوْ دَخلَتْ بنَا | وبالجنّ فيهِ ما درَتْ كيفَ ترْجعُ |
| ألا كُلّ سَمْحٍ غيرَكَ اليَوْمَ باطِلٌ | وكلّ مَديحٍ في سِواكَ مُضَيَّعُ |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
شَوْقي إلَيكَ نَفَى لَذيذَ هُجُوعي
| شَوْقي إلَيكَ نَفَى لَذيذَ هُجُوعي | فَارَقْتَني وأقَامَ بَينَ ضُلُوعي |
| أوَمَا وَجَدْتُمْ في الصّراةِ مُلُوحَةً | مِمّا أُرَقْرِقُ في الفُراتِ دُمُوعي |
| ما زِلْتُ أحذَرُ مِنْ وَداعِكَ جاهِداً | حتى اغْتَدَى أسَفي على التّوْديعِ |
| رَحَلَ العَزاءُ برِحْلَتي فكأنّمَا | أتْبَعْتُهُ الأنْفَاسَ للتّشْييعِ |
مُلِثَّ القَطْرِ أعْطِشْها رُبُوعَا
| مُلِثَّ القَطْرِ أعْطِشْها رُبُوعَا | وإلاّ فاسْقِهَا السّمّ النّقيعَا |
| أُسائِلُهَا عَنِ المُتَدَيّريهَا | فَلا تَدري ولا تُذْري دُمُوعَا |
| لَحاهَا الله إلاّ ماضِيَيْهَا | زَمَانَ اللّهْوِ والخَوْدَ الشَّمُوعَا |
| مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ | يُكَلّفُ لَفظُها الطّيرَ الوُقُوعَا |
| كأنّ نِقابَها غَيْمٌ رَقيقٌ | يُضِيءُ بمَنْعِهِ البَدْرَ الطُّلُوعَا |
| أقُولُ لها اكشفِي ضُرّي وَقَوْلي | بأكْثَرَ مِنْ تَدَلّلِها خُضُوعَا |
| أخِفْتِ الله في إحْيَاءِ نَفْسٍ | متى عُصِيَ الإل?هُ بأنْ أُطِيعَا |
| غَدا بكِ كُلُّ خِلْوٍ مُسْتَهَاماً | وأصْبَحَ كلُّ مَسْتُورٍ خَليعَا |
| أُحِبّكِ أوْ يَقُولوا جَرّ نَمْلٌ | ثَبِيرَ أوِ ابنُ إبْراهِيمَ رِيعَا |
| بَعيدُ الصّيتِ مُنْبَثُّ السّرايَا | يُشَيّبُ ذِكْرُهُ الطّفلَ الرّضِيعَا |
| يَغُضّ الطّرْفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ | كأنّ بهِ ولَيسَ بهِ خُشُوعَا |
| إذا اسْتَعْطَيتَهُ ما في يَديْهِ | فقَدْكَ سألتَ عن سِرٍّ مُذيعَا |
| قَبُولُكَ مَنَّهُ مَنٌّ عَلَيْهِ | وَإنْ لا يَبْتَدىءْ يَرَهُ فَظيعَا |
| لهُونِ المَالِ أفْرَشَهُ أدِيماً | وللتّفريقِ يَكْرَهُ أنْ يَضِيعَا |
| إذا ضَرَبَ الأميرُ رِقابَ قَوْمٍ | فَما لكَرامَةٍ مَدَّ النُّطُوعَا |
| فَلَيسَ بواهِبٍ إلاّ كَثيراً | ولَيسَ بقاتِلٍ إلاّ قَريعَا |
| ولَيسَ مُؤدِّباً إلاّ بِنَصْلٍ | كفى الصّمصامةُ التّعبَ القَطيعَا |
| عَلِيٌّ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ مَجيءٍ | مُبارِزَهُ ويَمْنَعُهُ الرّجُوعَا |
| عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى | وَمُبْدِلُهُ مِنَ الزّرَدِ النّجيعَا |
| إذا اعْوَجّ القَنَا في حامِليهِ | وجازَ إلى ضُلوعِهِمِ الضُّلُوعَا |
| ونالَتْ ثَأرَها الأكْبادُ مِنْهُ | فأوْلَتْهُ انْدِقاقاً أوْ صُدوعَا |
| فَحِدْ في مُلْتَقَى الخَيلَينِ عَنهُ | وإنْ كُنتَ الخُبَعْثِنَةَ الشّجيعَا |
| إنِ اسْتَجرَأتَ تَرْمُقُهُ بَعِيداً | فأنْتَ اسْطَعْتَ شيئاً ما استُطيعَا |
| وإنْ مارَيْتَني فارْكَبْ حِصاناً | ومَثّلْهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعَا |
| غَمَامٌ رُبّما مَطَرَ انْتِقاماً | فَأقْحَطَ وَدْقُهُ البَلَدَ المَريعَا |
| رَآني بَعْدَما قَطَعَ المَطَايَا | تَيَمُّمُهُ وقَطّعَتِ القُطُوعَا |
| فَصَيّرَ سَيْلُهُ بَلَدي غَديراً | وصَيّرَ خَيْرُهُ سَنَتي رَبِيعَا |
| وجاوَدَني بأنْ يُعْطي وأحوي | فأغْرَقَ نَيْلُهُ أخذي سَريعَا |
| أمُنْسِيَّ السّكونَ وحَضرمَوْتاً | ووالِدَتي وكِنْدَةَ والسّبِيعَا |
| قدِ استَقصَيتَ في سَلبِ الأعادي | فرُدّ لهُمْ من السّلَبِ الهُجُوعَا |
| إذا ما لم تُسِرْ جَيْشاً إلَيْهِمْ | أسَرْتَ إلى قُلُوبِهِم الهُلُوعَا |
| رَضُوا بكَ كالرّضَى بالشّيبِ قسراً | وقد وَخَطَ النّواصِيَ والفُرُوعَا |
| فلا عَزَلٌ وأنْتَ بِلا سِلاحٍ | لحَاظُكَ ما تَكُونُ بهِ مَنِيعَا |
| لَوِ اسْتَبدَلتَ ذِهْنَكَ من حسامٍ | قَدَدْتَ بِهِ المَغافِرَ والدّرُوعَا |
| لوِ استَفْرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ | أتَيْتَ بهِ على الدّنْيا جَميعَا |
| سَمَوْتَ بهِمّةٍ تَسمُو فتَسْمُو | فَما تُلْفَى بمَرْتَبَةٍ قَنُوعَا |
| وهَبْكَ سَمَحتَ حتى لا جَوادٌ | فكَيفَ عَلَوْتَ حتى لا رَفيعَا؟ |
أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا
| أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا | تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا |
| فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى | وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا |
| قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا | فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا |
| حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً | في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا |
| وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً | لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا |
| سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ | سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا |
| فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها | ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا |
| نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها | في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا |
| واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها | فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا |
| رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ | لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا |
| زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا | كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا |
| كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي | أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا |
| ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ | سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا |
| نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً | فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا |
| تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا | تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا |
| مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ | تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا |
| مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ | لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا |
| الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ الـ | ـفَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا |
| الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ الـ | ـنّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا |
| نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ | مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا |
| ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ | يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا |
| أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ | ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا |
| يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ | يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى |
| يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ | ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا |
| أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى | وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا |
| وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً | لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا |
| وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ | فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا |
| نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ | لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا |
| وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ | عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا |
| أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ | عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا |
| وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها | فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا |
| لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها | لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا |
| فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا | والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى |
| ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ | حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا |
| إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا | رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا |
| إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ | إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى |
| قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ | مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا |
الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ
| الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ | وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ |
| يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ | هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ |
| ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ | وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ |
| إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي | وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ |
| وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً | وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ |
| تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ | عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ |
| وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ | وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ |
| أينَ الذي الهَرَمانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، | ما قَوْمُهُ، ما يَوْمُهُ، ما المصرَعُ؟ |
| تَتَخَلّفُ الآثارُ عَنْ أصْحابِها | حِيناً وَيُدرِكُها الفَنَاءُ فتَتْبَعُ |
| لم يُرْضِ قَلْبَ أبي شُجاعٍ مَبلَغٌ | قَبلَ المَمَاتِ وَلم يَسَعْهُ مَوْضِعُ |
| كُنّا نَظُنّ دِيارَهُ مَمْلُوءَةً | ذَهَباً فَمَاتَ وَكلُّ دارٍ بَلقَعُ |
| وَإذا المَكارِمُ وَالصّوَارِمُ وَالقَنَا | وَبَنَاتُ أعوَجَ كلُّ شيءٍ يجمَعُ |
| ألمَجْدُ أخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفْقَةً | من أن يَعيشَ لها الهُمامُ الأرْوَعُ |
| وَالنّاسُ أنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً | من أنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أرْفَعُ |
| بَرِّدْ حَشَايَ إنِ استَطعتَ بلفظَةٍ | فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ |
| مَا كانَ منكَ إلى خَليلٍ قَبْلَها | ما يُسْتَرَابُ بهِ وَلا مَا يُوجِعُ |
| وَلَقَدْ أرَاكَ وَمَا تُلِمّ مُلِمّةٌ | إلاّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصْمَعُ |
| وَيَدٌ كأنّ نَوَالَهَا وَقِتَالَهَا | فَرْضٌ يحِقّ عَلَيْكَ وَهْوَ تبرُّعُ |
| يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً | أنّى رَضِيتَ بحُلّةٍ لا تُنْزَعُ؟ |
| ما زِلْتَ تَخْلَعُهَا على مَنْ شاءَها | حتى لَبِسْتَ اليَوْمَ ما لا تَخلعُ |
| ما زِلْتَ تَدْفَعُ كُلّ أمْرٍ فادِحٍ | حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ |
| فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ | فيما عَرَاكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ |
| بأبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ | يَبكي وَمن شرّ السّلاحِ الأدْمُعُ |
| وَإذا حصَلتَ من السّلاحِ على البكا | فحَشاكَ رُعتَ به وَخدَّكَ تَقرَعُ |
| وَصَلَتْ إليكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَها الـ | ـبازي الأُشَيْهِبُ وَالغُرابُ الأبقَعُ |
| مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى | فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُعُ |
| وَمَنِ اتخذتَ على الضّيوفِ خَليفَةً | ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لا يكادُ يُضَيِّعُ |
| قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ | وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ |
| أيَمُوتُ مِثْلُ أبي شُجَاعٍ فاتِكٍ | وَيَعيشَ حاسِدُه الخصِيُّ الأوكَعُ |
| أيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأسِهِ | وَقَفاً يَصيحُ بها: ألا مَن يَصْفَعُ |
| أبْقَيْتَ أكْذَبَ كاذِبٍ أبْقَيْتَهُ | وَأخذتَ أصْدقَ من يقولُ وَيسمَعُ |
| وَتَرَكْتَ أنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ | وَسَلَبْتَ أطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوّعُ |
| فَاليَوْمَ قَرّ لكُلّ وَحْشٍ نَافِرٍ | دَمُهُ وَكانَ كأنّهُ يَتَطَلّعُ |
| وَتَصَالَحتْ ثَمَرُ السّياطِ وَخَيْلُهُ | وَأوَتْ إلَيها سُوقُها وَالأذْرُعُ |
| وَعَفَا الطّرَادُ فَلا سِنَانٌ رَاعِفٌ | فَوْقَ القَنَاةِ وَلا حُسَامٌ يَلمَعُ |
| وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ | بعْدَ اللّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ |
| مَنْ كانَ فيهِ لكُلّ قَوْم مَلجأٌ | ولسيْفِهِ في كلّ قَوْمٍ مَرْتَعُ |
| إنْ حَلّ في فُرْسٍ فَفيهَا رَبُّهَا | كسرَى تذلّ لهُ الرّقابُ وَتخضَعُ |
| أوْ حَلّ في رُومٍ فَفيها قَيصَرٌ | أوْ حَلّ في عَرَبٍ فَفِيهَا تُبّعُ |
| قد كانَ أسرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ | فرَساً وَلَكِنّ المَنِيّةَ أسْرَعُ |
| لا قَلّبَتْ أيدي الفَوَارِسِ بَعْدَهُ | رُمحاً وَلا حَمَلَتْ جَوَاداً أرْبَعُ |
بأبي مَنْ وَدِدْتُهُ فَافْتَرَقْنَا
| بأبي مَنْ وَدِدْتُهُ فَافْتَرَقْنَا | وقَضَى الله بَعْدَ ذَاكَ اجْتِمَاعَا |
| فَافْتَرَقْنَا حَوْلاً فَلَمّا التَقَيْنَا | كَانَ تَسْلِيمُهُ عَليّ وَدَاعَا |