غَيرِي بأكْثرِ هذا النّاسِ يَنْخَدِعُ | إنْ قاتَلُوا جَبُنوا أوْ حدّثوا شجُعُوا |
أهلُ الحَفيظَةِ إلاّ أنْ تُجَرّبَهُمْ | وَفي التّجارِبِ بَعد الغَيّ ما يَزَعُ |
وَما الحيَاةُ ونَفسي بَعدَمَا عَلِمَتْ | أنّ الحَياةَ كَما لا تَشتَهي طَبَعُ |
لَيسَ الجَمالُ لِوَجْهٍ صَحّ مارِنُهُ، | أنْفُ العَزيزِ بقَطعِ العِزّ يُجْتَدَعُ |
أأطرَحُ المَجْدَ عَنْ كِتْفي وَأطْلُبُهُ | وَأتْرُكُ الغَيثَ في غِمْدي وَأنْتَجعُ |
وَالمَشْرَفِيّةُ لا زَالَتْ مُشَرَّفَةً | دَواءُ كلّ كَريمٍ أوْ هيَ الوَجَعُ |
وفارِسُ الخَيْلِ مَن خَفّتْ فوَقّرَهَا | في الدّرْبِ والدّمُ في أعطافِهِ دُفَعُ |
فَأوْحَدَتْهُ وَما في قَلْبِهِ قَلَقٌ | وَأغضَبَتْهُ وَمَا في لَفْظِهِ قَذَعُ |
بالجَيْشِ تَمْتنعُ السّاداتُ كُلّهُمُ | وَالجَيشُ بابنِ أبي الهَيْجاءِ يَمتَنِعُ |
قَادَ المَقانِبَ أقصَى شُرْبِها نَهَلٌ | على الشّكيمِ وَأدْنَى سَيْرِها سَرَعُ |
لا يَعْتَقي بَلَدٌ مَسراهُ عَنْ بَلَدٍ | كالمَوْتِ لَيسَ لَهُ رِيٌّ وَلا شِبَعُ |
حتى أقامَ عَلى أرْباضِ خَرْشَنَةٍ | تَشْقَى بهِ الرّومُ والصّلبانُ والبِيَعُ |
مُخْلًى لَهُ المَرْجُ مَنْصُوباً بصارِخَةٍ | لَهُ المَنابِرُ مَشْهُوداً بهَا الجُمَعُ |
يُطَمّعُ الطّيرَ فيهِمْ طُولُ أكْلِهِمِ | حتى تَكادَ على أحيَائِهِمْ تَقَعُ |
وَلَوْ رَآهُ حَوَارِيّوهُمُ لَبَنَوْا | على مَحَبّتِهِ الشّرْعَ الذي شَرَعُوا |
لامَ الدُّمُستُقُ عَينَيْهِ وَقَدْ طَلَعَتْ | سُودُ الغَمَامِ فَظَنّوا أنّها قَزَعُ |
فيها الكُماةُ التي مَفطومُها رَجُلٌ | على الجِيادِ التي حَوْلِيُّهَا جَذَعُ |
يَذري اللُّقَانُ غُباراً في مَنَاخِرِهَا | وَفي حَناجِرِهَا مِن آلِسٍ جُرَعُ |
كَأنّهَا تَتَلَقّاهُمْ لِتَسْلُكَهُمْ | فالطّعْنُ يَفْتَحُ في الأجْوَافِ ما يسعُ |
تَهْدِي نَواظِرَهَا وَالحَرْبُ مُظلِمَةٌ | مِنَ الأسِنّةِ نَارٌ وَالقَنَا شَمَعُ |
دُونَ السَّهَامِ وَدُونَ القُرّ طَافِحَةٌ | عَلى نُفُوسِهِمِ المُقْوَرّةُ المُزُعُ |
إذا دَعَا العِلْجُ عِلجاً حالَ بَيْنَهُمَا | أظْمَى تُفَارِقُ مِنهُ أُخْتَهَا الضِّلَعُ |
أجَلُّ مِنْ وَلَدِ الفُقّاسِ مُنكَتِفٌ | إذْ فاتَهُنّ وَأمضَى منهُ مُنصَرِعُ |
وَمَا نَجَا مِنْ شِفارِ البِيضِ مُنفَلِتٌ | نَجَا ومِنْهُنّ في أحْشَائِهِ فَزَعُ |
يُبَاشِرُ الأمْنَ دَهْراً وَهْوَ مُختَبَلٌ | ويَشرَبُ الخَمْرَ حَوْلاً وهوَ ممتقَعُ |
كَمْ مِنْ حُشاشَةِ بِطْرِيقٍ تضَمّنَها | للباتِراتِ أمِينٌ مَا لَهُ وَرَعُ |
يُقاتِلُ الخَطْوَ عَنْهُ حِينَ يَطلُبُهُ | وَيَطرُدُ النّوْمَ عَنْهُ حينَ يَضْطَجعُ |
تَغدو المَنَايا فَلا تَنْفَكّ وَاقِفَةً | حتى يَقُولَ لهَا عُودي فَتَنْدَفعُ |
قُلْ للدُّمُسْتُقِ إنّ المُسْلَمينَ لَكُم | خانُوا الأميرَ فجازاهُمْ بما صَنَعُوا |
وَجَدْتُمُوهُمْ نِيَاماً في دِمائِكُمُ | كأنّ قَتْلاكُمُ إيّاهُمُ فجَعُوا |
ضَعْفَى تَعِفّ الأيَادي عَنْ مِثالِهِمِ | منَ الأعادي وَإنْ هَمّوا بهم نَزَعوا |
لا تَحْسَبُوا مَن أسرْتم كانَ ذا رَمَقٍ | فَلَيْسَ يأكُلُ إلاّ المَيْتَةَ الضبُعُ |
هَلاّ على عَقَبِ الوادي وقد طَلَعَتْ | أُسْدٌ تَمُرّ فُرادَى لَيسَ تجتَمعُ |
تَشُقّكُمْ بفَتَاهَا كُلُّ سَلْهَبَةٍ | والضّرْبُ يأخذُ منكُم فوْقَ ما يدَعُ |
وَإنّما عَرّضَ الله الجُنُودَ بِكُمْ | لكَيْ يَكونوا بلا فَسْلٍ إذا رَجعوا |
فكُلّ غَزْوٍ إلَيكُمْ بَعدَ ذا فَلَهُ | وَكُلّ غازٍ لسَيْفِ الدّوْلةِ التّبَعُ |
تَمْشِي الكِرامُ على آثارِ غَيرِهِمِ | وَأنتَ تَخْلُقُ ما تأتي وَتَبْتَدِعُ |
وَهَلْ يَشينُكَ وَقتٌ كنتَ فَارِسَهُ | وَكانَ غيرَكَ فيهِ العاجِزُ الضَّرَعُ |
مَن كانَ فوْقَ مَحلّ الشّمسِ موْضِعُه | فَلَيْسَ يَرْفَعُهُ شيءٌ وَلا يَضَعُ |
لم يُسلِمِ الكرُّ في الأعقابِ مُهْجَتَهُ | إنْ كانَ أسلَمَها الأصْحابُ وَالشِّيَعُ |
لَيتَ المُلُوكَ على الأقدارِ مُعْطِيَةٌ | فلَمْ يكُنْ لدَنيءٍ عندَهَا طَمَعُ |
رَضِيتَ مِنهُمْ بأنْ زُرْتَ الوَغى فرَأوْا | وَأن قرَعتَ حَبِيكَ البَيضِ فاستَمَعوا |
لَقد أباحَكَ غِشّاً في مُعامَلَةٍ | مَن كنتَ منهُ بغَيرِ الصّدقِ تَنتَفعُ |
الدّهْرُ مُعتَذِرٌ والسّيفُ مُنْتَظِرٌ | وَأرْضُهُمْ لَكَ مُصْطافٌ وَمُرْتَبَعُ |
وَمَا الجِبَالُ لنَصْرانٍ بحَامِيَةٍ | وَلَوْ تَنَصّرَ فيها الأعصَمُ الصَّدَعُ |
وَمَا حَمِدْتُكَ في هَوْلٍ ثَبَتَّ بِهِ | حتى بَلَوْتُكَ وَالأبْطالُ تَمتَصِعُ |
فَقَدْ يُظَنّ شُجاعاً مَنْ بِهِ خَرَقٌ | وَقَدْ يُظَنّ جَبَاناً مَنْ بِهِ زَمَعُ |
إنّ السّلاحَ جَميعُ النّاسِ تَحْمِلُهُ | وَلَيسَ كلُّ ذواتِ المِخْلَبِ السَّبُعُ |
قصائد العصر العباسي
مجموعة من أروع قصائد العصر العباسي شعراء العصر العباسي وقصائدهم الرائعة هنا.
حُشاشةُ نَفسٍ وَدّعتْ يوْمَ وَدّعوا
حُشاشةُ نَفسٍ وَدّعتْ يوْمَ وَدّعوا | فَلَمْ أدرِ أيّ الظّاعِنَينِ أُشَيِّعُ |
أشاروا بتَسْليمٍ فَجُدْنَا بأنْفُسٍ | تَسيلُ مِنَ الآماقِ وَالسَّمُّ أدْمُعُ |
حَشَايَ على جَمْرٍ ذَكيٍّ مِنَ الهَوَى | وَعَيْنايَ في رَوْضٍ من الحسنِ تَرْتَعُ |
وَلَوْ حُمّلَتْ صُمُّ الجِبالِ الذي بِنَا | غداةَ افترَقْنا أوْشكَتْ تَتَصَدّعُ |
بمَا بينَ جَنبيّ التي خاضَ طيْفُهَا | إليّ الدّياجي وَالخَلِيّونَ هُجّعُ |
أتَتْ زائِراً ما خامَرَ الطّيبُ ثَوْبَها | وكالمِسْكِ مِن أرْدانِها يَتَضَوّعُ |
فما جلَسَتْ حتى انثَنَتْ توسعُ الخُطى | كَفاطِمَةٍ عن دَرّها قَبلَ تُرْضِعُ |
فَشَرّدَ إعظامي لَها ما أتَى بهَا | مِنَ النّوْمِ والْتَاعَ الفُؤادُ المُفَجَّعُ |
فَيَا لَيْلَةً ما كانَ أطْوَلَ بِتُّهَا | وَسُمُّ الأفاعي عَذْبُ ما أتَجَرّعُ |
تذلّلْ لها وَاخضَعْ على القرْبِ والنّوَى | فَما عاشِقٌ مَن لا يَذِلّ وَيَخْضَعُ |
وَلا ثَوْبُ مَجدٍ غيرَ ثوبِ ابنِ أحمدٍ | عَلى أحَدٍ إلاّ بلُؤمٍ مُرَقَّعُ |
وَإنّ الذي حابَى جَديلَةَ طَيِّىءٍ | بهِ الله يُعطي مَنْ يَشاءُ وَيَمْنَعُ |
بذي كَرَمٍ مَا مَرّ يَوْمٌ وشَمْسُهُ | على رَأسِ أوْفى ذِمّةً منه تَطْلُعُ |
فأرْحامُ شِعْرٍ يتّصِلْنَ لَدُنّهُ | وَأرْحامُ مالٍ ما تَني تتقطّعُ |
فتًى ألْفُ جُزْءٍ رَأيُهُ في زَمَانِهِ | أقلُّ جُزَيْءٍ بعضُهُ الرّأيُ أجمَعُ |
غَمامٌ عَلَيْنا مُمْطِرٌ لَيْسَ يُقشِعُ | وَلا البَرْقُ فيهِ خُلَّباً حينَ يَلْمَعُ |
إذا عُرِضَتْ حَاجٌ إلَيْهِ فَنَفْسُهُ | إلى نَفْسِهِ فِيها شَفيعٌ مُشَفَّعُ |
خَبَتْ نارُ حَرْبٍ لم تَهِجْها بَنانُهُ | وَأسْمَرُ عُرْيانٌ مِنَ القِشرِ أصْلَعُ |
نَحيفُ الشَّوَى يَعدو على أُمّ رَأسِهِ | وَيحفى فيَقوَى عَدْوُهُ حينَ يُقطَعُ |
يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانُهُ | وَيُفْهِمُ عمّن قالَ ما ليسَ يُسمَعُ |
ذُبابُ حُسامٍ منهُ أنجَى ضَرِيبَةً | وَأعْصَى لمَوْلاهُ وذا منهُ أطْوَعُ |
فَصيحٌ متى يَنطِقْ تجدْ كلّ لَفظَةٍ | أُصُولَ البَرَاعاتِ التي تَتَفَرّعُ |
بكَفّ جَوَادٍ لَوْ حَكَتْها سَحابَةٌ | لما فاتها في الشّرْقِ والغَرْبِ موْضِعُ |
ولَيسَ كبَحرِ الماءِ يَشتَقُّ قعرَهُ | إلى حَيثُ يَفنى الماءُ حوتٌ وَضِفدعُ |
أبَحْرٌ يَضُرّ المُعْتَفينَ وطَعْمُهُ | زُعاقٌ كبَحرٍ لا يَضُرّ وَيَنْفَعُ |
يَتيهُ الدّقيقُ الفِكْرِ في بُعدِ غَوْرِهِ | وَيَغْرَقُ في تَيّارِهِ وَهْوَ مِصْقَعُ |
ألا أيّها القَيْلُ المُقيمُ بمَنْبِجٍ | وهِمّتُهُ فوقَ السِّماكَينِ تُوضَعُ |
ألَيْسَ عَجيباً أنّ وَصْفَكَ مُعْجِزٌ | وَأنّ ظُنُوني في مَعاليكَ تَظْلَعُ |
وَأنّكَ في ثَوْبٍ وَصَدْرُكَ فيكُما | على أنّه من ساحةِ الأرْضِ أوْسَعُ |
وقَلْبُكَ في الدّنْيا ولوْ دَخلَتْ بنَا | وبالجنّ فيهِ ما درَتْ كيفَ ترْجعُ |
ألا كُلّ سَمْحٍ غيرَكَ اليَوْمَ باطِلٌ | وكلّ مَديحٍ في سِواكَ مُضَيَّعُ |
شَوْقي إلَيكَ نَفَى لَذيذَ هُجُوعي
شَوْقي إلَيكَ نَفَى لَذيذَ هُجُوعي | فَارَقْتَني وأقَامَ بَينَ ضُلُوعي |
أوَمَا وَجَدْتُمْ في الصّراةِ مُلُوحَةً | مِمّا أُرَقْرِقُ في الفُراتِ دُمُوعي |
ما زِلْتُ أحذَرُ مِنْ وَداعِكَ جاهِداً | حتى اغْتَدَى أسَفي على التّوْديعِ |
رَحَلَ العَزاءُ برِحْلَتي فكأنّمَا | أتْبَعْتُهُ الأنْفَاسَ للتّشْييعِ |
مُلِثَّ القَطْرِ أعْطِشْها رُبُوعَا
مُلِثَّ القَطْرِ أعْطِشْها رُبُوعَا | وإلاّ فاسْقِهَا السّمّ النّقيعَا |
أُسائِلُهَا عَنِ المُتَدَيّريهَا | فَلا تَدري ولا تُذْري دُمُوعَا |
لَحاهَا الله إلاّ ماضِيَيْهَا | زَمَانَ اللّهْوِ والخَوْدَ الشَّمُوعَا |
مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ | يُكَلّفُ لَفظُها الطّيرَ الوُقُوعَا |
كأنّ نِقابَها غَيْمٌ رَقيقٌ | يُضِيءُ بمَنْعِهِ البَدْرَ الطُّلُوعَا |
أقُولُ لها اكشفِي ضُرّي وَقَوْلي | بأكْثَرَ مِنْ تَدَلّلِها خُضُوعَا |
أخِفْتِ الله في إحْيَاءِ نَفْسٍ | متى عُصِيَ الإل?هُ بأنْ أُطِيعَا |
غَدا بكِ كُلُّ خِلْوٍ مُسْتَهَاماً | وأصْبَحَ كلُّ مَسْتُورٍ خَليعَا |
أُحِبّكِ أوْ يَقُولوا جَرّ نَمْلٌ | ثَبِيرَ أوِ ابنُ إبْراهِيمَ رِيعَا |
بَعيدُ الصّيتِ مُنْبَثُّ السّرايَا | يُشَيّبُ ذِكْرُهُ الطّفلَ الرّضِيعَا |
يَغُضّ الطّرْفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ | كأنّ بهِ ولَيسَ بهِ خُشُوعَا |
إذا اسْتَعْطَيتَهُ ما في يَديْهِ | فقَدْكَ سألتَ عن سِرٍّ مُذيعَا |
قَبُولُكَ مَنَّهُ مَنٌّ عَلَيْهِ | وَإنْ لا يَبْتَدىءْ يَرَهُ فَظيعَا |
لهُونِ المَالِ أفْرَشَهُ أدِيماً | وللتّفريقِ يَكْرَهُ أنْ يَضِيعَا |
إذا ضَرَبَ الأميرُ رِقابَ قَوْمٍ | فَما لكَرامَةٍ مَدَّ النُّطُوعَا |
فَلَيسَ بواهِبٍ إلاّ كَثيراً | ولَيسَ بقاتِلٍ إلاّ قَريعَا |
ولَيسَ مُؤدِّباً إلاّ بِنَصْلٍ | كفى الصّمصامةُ التّعبَ القَطيعَا |
عَلِيٌّ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ مَجيءٍ | مُبارِزَهُ ويَمْنَعُهُ الرّجُوعَا |
عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى | وَمُبْدِلُهُ مِنَ الزّرَدِ النّجيعَا |
إذا اعْوَجّ القَنَا في حامِليهِ | وجازَ إلى ضُلوعِهِمِ الضُّلُوعَا |
ونالَتْ ثَأرَها الأكْبادُ مِنْهُ | فأوْلَتْهُ انْدِقاقاً أوْ صُدوعَا |
فَحِدْ في مُلْتَقَى الخَيلَينِ عَنهُ | وإنْ كُنتَ الخُبَعْثِنَةَ الشّجيعَا |
إنِ اسْتَجرَأتَ تَرْمُقُهُ بَعِيداً | فأنْتَ اسْطَعْتَ شيئاً ما استُطيعَا |
وإنْ مارَيْتَني فارْكَبْ حِصاناً | ومَثّلْهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعَا |
غَمَامٌ رُبّما مَطَرَ انْتِقاماً | فَأقْحَطَ وَدْقُهُ البَلَدَ المَريعَا |
رَآني بَعْدَما قَطَعَ المَطَايَا | تَيَمُّمُهُ وقَطّعَتِ القُطُوعَا |
فَصَيّرَ سَيْلُهُ بَلَدي غَديراً | وصَيّرَ خَيْرُهُ سَنَتي رَبِيعَا |
وجاوَدَني بأنْ يُعْطي وأحوي | فأغْرَقَ نَيْلُهُ أخذي سَريعَا |
أمُنْسِيَّ السّكونَ وحَضرمَوْتاً | ووالِدَتي وكِنْدَةَ والسّبِيعَا |
قدِ استَقصَيتَ في سَلبِ الأعادي | فرُدّ لهُمْ من السّلَبِ الهُجُوعَا |
إذا ما لم تُسِرْ جَيْشاً إلَيْهِمْ | أسَرْتَ إلى قُلُوبِهِم الهُلُوعَا |
رَضُوا بكَ كالرّضَى بالشّيبِ قسراً | وقد وَخَطَ النّواصِيَ والفُرُوعَا |
فلا عَزَلٌ وأنْتَ بِلا سِلاحٍ | لحَاظُكَ ما تَكُونُ بهِ مَنِيعَا |
لَوِ اسْتَبدَلتَ ذِهْنَكَ من حسامٍ | قَدَدْتَ بِهِ المَغافِرَ والدّرُوعَا |
لوِ استَفْرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ | أتَيْتَ بهِ على الدّنْيا جَميعَا |
سَمَوْتَ بهِمّةٍ تَسمُو فتَسْمُو | فَما تُلْفَى بمَرْتَبَةٍ قَنُوعَا |
وهَبْكَ سَمَحتَ حتى لا جَوادٌ | فكَيفَ عَلَوْتَ حتى لا رَفيعَا؟ |
أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا
أرَكائِبَ الأحْبابِ إنّ الأدْمُعَا | تَطِسُ الخُدودَ كما تَطِسْنَ اليرْمَعا |
فاعْرِفْنَ مَن حمَلَتْ عليكنّ النّوَى | وامشَينَ هَوْناً في الأزِمّةِ خُضَّعَا |
قد كانَ يَمنَعني الحَياءُ منَ البُكَا | فاليَوْمَ يَمْنَعُهُ البُكا أنْ يَمْنَعَا |
حتى كأنّ لكُلّ عَظْمٍ رَنّةً | في جِلْدِهِ ولكُلّ عِرْقٍ مَدْمَعَا |
وكَفَى بمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً | لمُحبّهِ وبمَصْرَعي ذا مَصْرَعَا |
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ | سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا |
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها | ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا |
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها | في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا |
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها | فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا |
رُدّي الوِصالَ سقَى طُلولَكِ عارِضٌ | لوْ كانَ وَصْلُكِ مِثْلَهُ ما أقْشَعَا |
زَجِلٌ يُرِيكَ الجَوَّ ناراً والمَلا | كالبَحْرِ والتّلَعاتِ رَوْضاً مُمْرِعَا |
كبَنَانِ عَبدِ الواحدِ الغَدِقِ الذي | أرْوَى وأمّنَ مَن يَشاءُ وأجْزَعَا |
ألِفَ المُروءَةَ مُذْ نَشَا فَكَأنّهُ | سُقِيَ اللِّبَانَ بهَا صَبِيّاً مُرْضَعَا |
نُظِمَتْ مَواهِبُهُ عَلَيْهِ تَمائِماً | فاعْتادَها فإذا سَقَطْنَ تَفَزّعَا |
تَرَكَ الصّنائِعَ كالقَواطِعِ بارِقا | تٍ والمَعاليَ كالعَوالي شُرَّعَا |
مُتَبَسّماً لعُفاتِهِ عَنْ واضِحٍ | تَغْشَى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُّمّعَا |
مُتَكَشّفاً لعُداتِهِ عَنْ سَطْوَةٍ | لوْ حَكّ مَنكِبُها السّماءَ لزَعزَعَا |
الحَازِمَ اليَقِظَ الأغَرَّ العالِمَ الـ | ـفَطِنَ الألَدّ الأرْيَحيّ الأرْوَعَا |
الكاتِبَ اللّبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ الـ | ـنّدُسَ اللّبيب الهِبْرِزِيّ المِصْقَعَا |
نَفْسٌ لها خُلْقُ الزّمانِ لأنّهُ | مُفني النّفُوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمّعَا |
ويَدٌ لهَا كَرَمُ الغَمَام لأنّهُ | يَسقي العِمارَةَ والمكانَ البَلقَعَا |
أبَداً يُصَدّعُ شَعْبَ وَفْرٍ وافِرٍ | ويَلُمُّ شَعْبَ مكارِمٍ مُتَصَدّعَا |
يَهْتَزّ للجَدْوَى اهْتِزازَ مُهَنّدٍ | يَوْمَ الرّجاءِ هَزَزْتَهُ يومَ الوَغى |
يا مُغْنِياً أمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ | ودُعاؤهُ بَعْدَ الصّلاةِ إذا دَعَا |
أقْصِرْ ولَستَ بمُقْصِرٍ جُزْتَ المدى | وبلغتَ حيثُ النّجمُ تحتكَ فارْبَعَا |
وحَلَلْتَ من شَرفِ الفَعالِ مَواضِعاً | لم يَحْلُلِ الثّقَلانِ مِنْها مَوْضِعَا |
وحَوَيْتَ فَضْلَهُما وما طَمِعَ امرُؤٌ | فيهِ ولا طَمِعَ امرُؤٌ أنْ يَطْمَعَا |
نَفَذَ القَضاءُ بمَا أرَدْتَ كأنّهُ | لكَ كُلّما أزْمَعْتَ أمراً أزمَعَا |
وأطاعَكَ الدّهْرُ العَصِيُّ كأنّهُ | عَبْدٌ إذا نادَيْتَ لَبّى مُسْرِعَا |
أكَلَتْ مَفاخِرُكَ المَفاخرَ وانْثَنَتْ | عن شأوِهنّ مَطيُّ وَصْفي ظُلَّعَا |
وجَرَينَ جَرْيَ الشّمسِ في أفلاكِها | فقَطَعْنَ مَغرِبَها وجُزْنَ المَطْلِعَا |
لوْ نِيطَتِ الدّنْيا بأُخْرَى مِثْلِها | لَعَمَمْنَهَا وخَشينَ أنْ لا تَقْنَعَا |
فمَتى يُكَذَّبُ مُدّعٍ لكَ فَوْقَ ذا | والله يَشْهَدُ أنّ حَقّاً ما ادّعَى |
ومتى يُؤدّي شَرْحَ حالِكَ ناطِقٌ | حَفِظَ القَليلَ النّزْرَ مِمّا ضَيّعَا |
إنْ كانَ لا يُدْعَى الفَتى إلاّ كَذا | رَجُلاً فَسَمِّ النّاسَ طُرّاً إصْبَعَا |
إنْ كانَ لا يَسْعَى لجُودٍ ماجِدٌ | إلاّ كَذا فالغَيْثُ أبخَلُ مَن سَعَى |
قَدْ خَلّفَ العَبّاسُ غُرّتَكَ ابنَهُ | مَرْأًى لَنا وإلى القِيامَةِ مَسْمَعَا |
الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ
الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ | وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ |
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ | هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ |
ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ | وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ |
إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي | وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ |
وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً | وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ |
تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ | عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ |
وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ | وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ |
أينَ الذي الهَرَمانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، | ما قَوْمُهُ، ما يَوْمُهُ، ما المصرَعُ؟ |
تَتَخَلّفُ الآثارُ عَنْ أصْحابِها | حِيناً وَيُدرِكُها الفَنَاءُ فتَتْبَعُ |
لم يُرْضِ قَلْبَ أبي شُجاعٍ مَبلَغٌ | قَبلَ المَمَاتِ وَلم يَسَعْهُ مَوْضِعُ |
كُنّا نَظُنّ دِيارَهُ مَمْلُوءَةً | ذَهَباً فَمَاتَ وَكلُّ دارٍ بَلقَعُ |
وَإذا المَكارِمُ وَالصّوَارِمُ وَالقَنَا | وَبَنَاتُ أعوَجَ كلُّ شيءٍ يجمَعُ |
ألمَجْدُ أخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفْقَةً | من أن يَعيشَ لها الهُمامُ الأرْوَعُ |
وَالنّاسُ أنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً | من أنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أرْفَعُ |
بَرِّدْ حَشَايَ إنِ استَطعتَ بلفظَةٍ | فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ |
مَا كانَ منكَ إلى خَليلٍ قَبْلَها | ما يُسْتَرَابُ بهِ وَلا مَا يُوجِعُ |
وَلَقَدْ أرَاكَ وَمَا تُلِمّ مُلِمّةٌ | إلاّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصْمَعُ |
وَيَدٌ كأنّ نَوَالَهَا وَقِتَالَهَا | فَرْضٌ يحِقّ عَلَيْكَ وَهْوَ تبرُّعُ |
يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً | أنّى رَضِيتَ بحُلّةٍ لا تُنْزَعُ؟ |
ما زِلْتَ تَخْلَعُهَا على مَنْ شاءَها | حتى لَبِسْتَ اليَوْمَ ما لا تَخلعُ |
ما زِلْتَ تَدْفَعُ كُلّ أمْرٍ فادِحٍ | حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ |
فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ | فيما عَرَاكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ |
بأبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ | يَبكي وَمن شرّ السّلاحِ الأدْمُعُ |
وَإذا حصَلتَ من السّلاحِ على البكا | فحَشاكَ رُعتَ به وَخدَّكَ تَقرَعُ |
وَصَلَتْ إليكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَها الـ | ـبازي الأُشَيْهِبُ وَالغُرابُ الأبقَعُ |
مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى | فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُعُ |
وَمَنِ اتخذتَ على الضّيوفِ خَليفَةً | ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لا يكادُ يُضَيِّعُ |
قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ | وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ |
أيَمُوتُ مِثْلُ أبي شُجَاعٍ فاتِكٍ | وَيَعيشَ حاسِدُه الخصِيُّ الأوكَعُ |
أيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأسِهِ | وَقَفاً يَصيحُ بها: ألا مَن يَصْفَعُ |
أبْقَيْتَ أكْذَبَ كاذِبٍ أبْقَيْتَهُ | وَأخذتَ أصْدقَ من يقولُ وَيسمَعُ |
وَتَرَكْتَ أنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ | وَسَلَبْتَ أطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوّعُ |
فَاليَوْمَ قَرّ لكُلّ وَحْشٍ نَافِرٍ | دَمُهُ وَكانَ كأنّهُ يَتَطَلّعُ |
وَتَصَالَحتْ ثَمَرُ السّياطِ وَخَيْلُهُ | وَأوَتْ إلَيها سُوقُها وَالأذْرُعُ |
وَعَفَا الطّرَادُ فَلا سِنَانٌ رَاعِفٌ | فَوْقَ القَنَاةِ وَلا حُسَامٌ يَلمَعُ |
وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ | بعْدَ اللّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ |
مَنْ كانَ فيهِ لكُلّ قَوْم مَلجأٌ | ولسيْفِهِ في كلّ قَوْمٍ مَرْتَعُ |
إنْ حَلّ في فُرْسٍ فَفيهَا رَبُّهَا | كسرَى تذلّ لهُ الرّقابُ وَتخضَعُ |
أوْ حَلّ في رُومٍ فَفيها قَيصَرٌ | أوْ حَلّ في عَرَبٍ فَفِيهَا تُبّعُ |
قد كانَ أسرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ | فرَساً وَلَكِنّ المَنِيّةَ أسْرَعُ |
لا قَلّبَتْ أيدي الفَوَارِسِ بَعْدَهُ | رُمحاً وَلا حَمَلَتْ جَوَاداً أرْبَعُ |