لمن طلل أبصرته فشجاني

لِمَنْ طَلَلٌ أبْصَرتُهُ فَشَجَاني – كخط زبور في عسيب يمانِ
دِيَارٌ لهِنْدٍ وَالرَّبَابِ وَفَرْتَني – ليالينا بالنعفِ من بدلان
ليالي يدعوني الهوى فأجيبه – وأعينُ من أهوى إليّ رواني
فإن أمس مكروباً فيا ربّ بهمة – كشَفتُ إذا ما اسود وجه الجبان
وإن أمس مكروبا فيارُبّ قينة – منعمة أعملتُها بكران
لهَا مِزْهَرٌ يَعْلُو الخَمِيسَ بِصَوته – أجَشُّ إذَا مَا حَرّكَتْهُ اليَدَان
وان أمس مكروباً فيا ربُ غارة – شَهِدْتُ عَلى أقَبَّ رَخْوِ اللَّبَان
على ربذٍ يزدادُ عفواً إذا جرى – مسحٍّ حثيث الركض والزالان
ويخدي على صم صلاب ملاطس – شَدِيدَاتِ عَقْدٍ، لَيّنَات متَان
وغيث من الوسمي حو تلاعه – تبطنتهُ بشيظم صلتان
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً – كَتَيسِ ظِبَاءِ الحُلّبِ العَدَوَان
إذا ما جنبناهُ نأود متنُه – كعِرْقِ الرُّخامى اهْتَزّ في الهَطَلان
تَمَتّعْ مِنَ الدّنْيَا فَإنّكَ فَاني – مِنَ النَّشَوَاتِ وَالنّسَاءِ الحِسَانِ
مِنَ البِيضِ كالآرَامِ وَالأُدمِ كالدّمى – حواصنها والمبرقات الرواني
أمِن ذكر نبْهَانية حل أهلها – بِجِزْعِ المَلا عَيْنَاكَ تبتدِرَان
فَدَمْعُهُمَا سَكْبٌ وَسَحٌّ وَدِيمَة – ٌ وَرَشٌّ وَتَوْكَافٌ وتنهملان
كَأنّهُمَا مَزَادَتَا متعَجِل – فريانِ لما تُسلقا بدهانِ
قصيدة لشاعر العصر الجاهلي امرؤ القيس الكندي

سما لك شوق بعدما كان أقصر

سَما لَكَ شَوقٌ بَعدَما كانَ أَقصَر  -  وَحَلَّت سُلَيمى بَطنَ قَوِّ فَعَرعَرا

كِنانِيَّةٌ بانَت وَفي الصَدرِ وُدُّه  -  مُجاوِرَةٌ غَسّانَ وَالحَيُّ يَعمُرا

بِعَينَيَّ ظَعنُ الحَيِّ لَمّا تَحَمَّلو  -  لَدى جانِبِ الأَفلاجِ مِن جَنبِ تَيمَرى

فَشَبَّهتَهُم في الآلِ لَمّا تَكَمَّشو  -  حَدائِقَ دومِ أَو سَفيناً مُقَيَّرا

أَوِ المُكرَعاتِ مِن نَخيلِ اِبنِ يامِنٍ  -  دُوَينَ الصَفا اللائي يَلينَ المُشَقَّرا

سَوامِقَ جَبّارَ أَثيثٍ فُروعَهُ  -  وَعالَينَ قُنواناً مِنَ البُسرِ أَحمَرا

حَمَتهُ بَنو الرَبداءِ مِن آلِ يامِنٍ  -  بِأَسيافِهِم حَتّى أَقَرَّ وَأَوقَرا

وَأَرضى بَني الرَبداءِ وَاِعتَمَّ زَهوُه  -  وَأَكمامُهُ حَتّى إِذا ما تَهَصَّرا

أَطافَت بِهِ جَيلانَ عِندَ قِطاعِه  -  تُرَدِّدُ فيهِ العَينَ حَتّى تَحَيَّرا

كَأَنَّ دُمى شَغفٍ عَلى ظَهرِ مَرمَر  -  كَسا مُزبِدَ الساجومِ وَشياً مُصَوَّرا

غَرائِرُ في كَنٍّ وَصَونٍ وَنِعمَة  -  يُحَلَّينَ ياقوتاً وَشَذراً مُفَقَّرا

وَريحَ سَناً في حُقَّةٍ حِميَرِيَّةٍ  -  تُخَصُّ بِمَفروكٍ مِنَ المِسكِ أَذفَرا

وَباناً وَأُلوِيّاً مِنَ الهِندِ داكِي  -  وَرَنداً وَلُبنىً وَالكِباءَ المُقَتَّرا

غَلِقنَ بِرَهنٍ مِن حَبيبٍ بِهِ اِدَّعَت  -  سُلَيمى فَأَمسى حَبلُها قَد تَبَتَّرا

وَكانَ لَها في سالِفِ الدَهرِ خُلَّة  -  يُسارِقُ بِالطَرفِ الخِباءَ المُسَتَّرا

إِذا نالَ مِنها نَظرَةً ريعَ قَلبُه  -  كَما ذُعِرَت كَأسُ الصَبوحِ المُخَمَّرا

نَزيفٌ إِذا قامَت لِوَجهٍ تَمايَلَت  -  تُراشي الفُؤادَ الرَخصَ أَلّا تَخَتَّرا

أَأَسماءُ أَمسى وُدُّها قَد تَغَيَّر  -  سَنُبدِلُ إِن أَبدَلتِ بِالوُدِّ آخَرا

تَذَكَّرتُ أَهلي الصالِحينَ وَقَد أَتَت  -  عَلى خَمَلى خوصُ الرِكابِ وَأَوجَرا

فَلَمّا بَدا حَورانُ وَالآلُ دونَه  -  نَظَرتَ فَلَم تَنظُر بِعَينَيكَ مَنظَرا

تَقَطَّعُ أَسبابُ اللُبانَةِ وَالهَوى  -  عَشِيَّةَ جاوَزنا حَماةَ وَشَيزَرا

بِسَيرٍ يَضُجُّ العَودُ مِنهُ يَمُنه  -  أَخو الجَهدِ لا يُلوي عَلى مَن تَعَذَّرا

وَلَم يُنسِني ما قَد لَقيتُ ظَعائِن  -  وَخَملاً لَها كَالقَرِّ يَوماً مُخَدَّرا

كَأَثلٍ مِنَ الأَعراضِ مِن دونِ بَيشَة  -  وَدونَ الغُمَيرِ عامِداتٍ لِغَضوَرا

فَدَع ذا وَسَل لا هُمَّ عَنكَ بِجِسرَةٍ  -  ذُمولٍ إِذا صامَ النَهارُ وَهَجَّرا

تُقَطِّعُ غيطاناً كَأَنَّ مُتونَه  -  إِذا أَظهَرَت تُكسي مُلاءً مُنَشَّرا

بَعيدَةُ بَينَ المَنكِبَينِ كَأَنَّما  -  تَرى عِندَ مَجرى الضَفرِ هِرّاً مُشَجَّرا

تُطايِرُ ظِرّانَ الحَصى بِمَناسِمٍ  -  صِلابِ العُجى مَلثومُها غَيرُ أَمعَرا

كَأَنَّ الحَصى مِن خَلفِها وَأَمامِه  -  إِذا نَجَلَتهُ رِجلُها خَذفُ أَعسَرا

كَأَنَّ صَليلَ المَروِ حينَ تُشِذُه  -  صَليلِ زُيوفٍ يُنتَقَدنَ بِعَبقَرا

عَلَيها فَتىً لَم تَحمِلِ الأَرضُ مِثلَهُ  -  أَبَرَّ بِميثاقٍ وَأَوفى وَأَصبَرا

هُوَ المُنزِلُ الآلافَ مِن جَوِّ ناعِطٍ  -  بَني أَسَدٍ حَزناً مِنَ الأَرضِ أَوعَرا

وَلَو شاءَ كانَ الغَزوُ مِن أَرضِ حِميَرٍ  -  وَلَكِنَّهُ عَمداً إِلى الرومِ أَنفَرا

بَكى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَه  -  وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيصَرا

فَقُلتُ لَهُ لا تَبكِ عَينُكَ إِنَّم  -  نُحاوِلُ مُلكاً أَو نَموتَ فَنُعذَرا

وَإِنّي زَعيمٌ إِن رَجِعتُ مُمَلَّك  -  بِسَيرٍ تَرى مِنهُ الفُرانِقَ أَزوَرا

عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدي بِمَنارِهِ  -  إِذا سافَهُ العَودُ النُباطِيُّ جَرجَرا

عَلى كُلِّ مَقصوصِ الذُنابى مُعاوِد  -  بَريدَ السَرى بِاللَيلِ مِن خَيلِ بَربَرا

أَقَبَّ كَسَرحانِ الغَضى مُتَمَطِّر  -  تَرى الماءَ مِن أَعطافِهِ قَد تَحَدَّرا

إِذا زُعتُهُ مِن جانِبَيهِ كِلَيهِم  -  مَشى الهَيدَبى في دَفِّهِ ثُمَّ فَرفَرا

إِذا قُلتُ رَوَّحنا أَرَنَّ فُرانِقٌ  -  عَلى جَلعَدٍ واهي الأَباجِلِ أَبتَرا

لَقَد أَنكَرَتني بَعلَبَكُّ وَأَهلُه  -  وَلَاِبنُ جُرَيجٍ في قُرى حِمصَ أَنكَرا

نَشيمُ بَروقَ المُزنِ أَينَ مُصابُهُ  -  وَلا شَيءَ يُشفي مِنكِ يا اِبنَةَ عَفزَرا

مِنَ القاصِراتِ الطَرفِ لَو دَبَّ مُحوِل  -  مِنَ الذَرِّ فَوقَ الإِتبِ مِنها لَأَثَّرا

لَهُ الوَيلُ إِن أَمسى وَلا أُمُّ هاشِمٍ  -  قَريبٌ وَلا البَسباسَةُ اِبنَةَ يَشكُرا

أَرى أُمَّ عَمروٍ دَمعُها قَد تَحَدَّر  -  بُكاءً عَلى عَمروٍ وَما كانَ أَصبَرا

إِذا نَحنُ سِرنا خَمسَ عَشرَةَ لَيلَةٍ  -  وَراءَ الحِساءِ مِن مَدافِعِ قَيصَرا

إِذا قُلتُ هَذا صاحِبٌ قَد رَضيتُه  -  وَقَرَّت بِهِ العَينانِ بُدِّلتُ آخَرا

كَذَلِكَ جَدّي ما أُصاحِبُ صاحِب  -  مِنَ الناسِ إِلّا خانَني وَتَغَيَّرا

وَكُنّا أُناساً قَبلَ غَزوَةِ قُرمُلٍ  -  وَرَثنا الغِنى وَالمَجدَ أَكبَرَ أَكبَرا

وَما جَبُنَت خَيلي وَلَكِن تَذَكَّرَت  -  مَرابِطَها في بَربَعيصَ وَمَيسَرا

أَلا رُبَّ يَومٍ صالِحٍ قَد شَهِدته  -  بِتاذِفَ ذاتِ التَلِّ مِن فَوقِ طَرطَرا

وَلا مِثلَ يَومٍ في قُدارانَ ظِلته  -  كَأَنّي وَأَصحابي عَلى قَرنِ أَعفَرا

وَنَشرَبُ حَتّى نَحسِبَ الخَيلَ حَولَنا  -  نِقاداً وَحَتّى نَحسِبَ الجَونَ أَشقرا

قصيدة امرؤ القيس الكندي

أرانا موضعين لأمر غيب

أرانا موضعين لأمر غيب – وَنُسْحَرُ بالطَّعامِ، وَبالشراب
عَصافيرٌ، وَذُبَّان وَدود – وأجْرأُ مِنْ مُجَلِّحَة ِ الذئاب
فبعضَ اللوم عاذلتي فإني – ستكفيني التجاربُ وانتسابي
إلى عرقِ الثرى وشجت عروقي – وهذا الموت يسلبني شبابي
ونفسي سوفَ يَسْلُبُها، وجِرْمي – فيلحِقني وشكا بالتراب
ألم أنض المطي بكلِّ خرق – أمَقَ الطُّولِ، لمَّاعِ السراب
وأركبُ في اللهام المجر حتى – أنالَ مآكِلَ القُحَمِ الرِّغاب
وكُلُّ مَكارِمِ الأخْلاقِ صارَت – إلَيْهِ هِمَّتي، وَبِهِ اكتِسابي
وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى – رضيتُ من الغنيمة بالإياب
أبعد الحارث الملكِ ابن عمرو – وَبَعْدَ الخيرِ حُجْرٍ، ذي القِباب
أرجي من صروفِ الدهر ليناً – ولم تغفل عن الصم الهضاب
وأعلَمُ أنِّني، عَمّا قَريب – سأنشبُ في شبا ظفر وناب
كما لاقى أبي حجرٌ وجدّي – ولا أنسي قتيلاً بالكلاب
قصيدة للشاعر امرؤ القيس الكندي

أعني على برق أراه وميض

أعني على برق أراه وَمِيض ~ يضيء حبياً في شماريخ بيض
ويهدأ تاراتٍ وتارة ~ ً ينوءُ كتعتاب الكسير المهيض
وَتَخْرُجُ مِنْهُ لامِعَاتٌ كَأنّهَا ~ أكُفٌّ تَلَقّى الفَوْزَ عند المُفيضِ
قعَدت له وَصحبَتي بَينَ ضَارج ~ وبين تلاع يثلثَ فالعريض
أصَابَ قَطَاتَينِ فَسالَ لِوَاهُمَا ~ فوادي البديّ فانتحي للاريض
بِلادٌ عَرِيضَة ٌ وأرْضٌ أرِيضَة ~ ٌ مَدَافِعُ غَيْثٍ في فضاءٍ عَرِيض
فأضحى يسحّ الماء عن كل فيقة ~ يحوزُ الضبابَ في صفاصف بيض
فأُسْقي بهِ أُخْتي ضَعِيفَة َ إذْ نَأت ~ وَإذْ بَعُدَ المَزَارُ غَيرَ القَرِيض
وَمَرْقَبَة ٍ كالزُّجّ أشرفت فوقها ~ أقلب طرفي في فضاءٍ عريض
فظَلْتُ وَظَلّ الجَوْنُ عندي بلبده ~ كأني أُعَدّي عَنْ جَناحٍ مَهِيض
فلما أجن الشمس عني غيارها ~ نزلت إليه قائماً بالحضيض
أُخفضه بالنقر لمّا علوته ~ ويرفع طرفاً غير جاف غضيض
وقد أغتدي والطير في وكناتها ~ بمنجرد عبل اليدين قبيض
له قصريا غير وساقا نعامة ~ كفحل الهجان يَنتَحي للعضيض
يجم على الساقين بعد كلاله ~ جموم عيون الحسي بعد المخيض
ذعرتُ بها سرباً نقياً جلوده ~ كما ذعر السرحانُ جنب الربيض
ووالَى ثَلاثاً واثنتين وأربعاً ~ وغادر أخرى في قناة الرفيض
فآب إياباً غير نكد مواكل ~ وأخلفَ ماءً بعد ماءٍ فضيض
وسن كَسنيق سناء وسنماً ~ ذعرت بمدلاج الهجير نهوض
أرى المرءَ ذا الاذواد يُصبح محرضاً ~ كإحراض بكر في الديار مريض
كأن الفتى لم يغنَ في الناس ساعة ~ إذا اختلف اللحيان عند الجريض
قصيدة من العصر الجاهلي للشاعر امرؤ القيس الكندي

لمن الديار غشيتها بسحام

لمن الديار غشيتها بسحام ~ فعمايتين فهضب ذي أقدام
فصفا الاطيطِ فصاحتين فغاضر ~ تمشي النعاج بها مع الآرام
دار لهند والرباب وفرتنى ~ ولميس قبل حوادث الأيام
عوجا على الطلل المحيل لأننا ~ نبكي الديار كما بكى ابن خذام
أو ما ترى أضغانهن بواكراً ~ كالنخل من شوكان حين صرام
حوراً تعللُ بالعبير جلودها ~ وأنا المعالي صفحة النوام
فظللت في دمن الديار كأنني ~ نشوان باكره صبوح مدام
أنفٍ كلونِ دم الغزال معتق ~ من خمر عانة أو كروم شبام
وكأن شاربها أصاب لسانه ~ مومٌ يخالط جسمه بسقام
ومجدة نسأتها فتكمشت ~ رنك النعامة في طريق حام
تخذي على العلاتِ سامٍ رأسها ~ روعاء منسمها رثيم دام
جالت لتصرعني فقلتُ لها اقصري ~ إني امرءٌ صرعي عليك حرام
فجزيتِ خيرَ جزاء ناقة واحدٍ ~ ورجعت سالمة القرا بسلام
وكأنما بدر وصيل كتيفة ~ وَكأنما من عاقل أرمام
أبلغ سبيعاً أن عرضت رسالة ~ إني كهمك إن عشوت أمامي
أقصر إليك من الوعيد فَأنّني ~ مِمّا أُلاقي لا أشد حزامي
وأنا المبنهُ بعدَ ما قد نوّموا ~ وأنا المعالنُ صفحة َ النوام
وأنا الذي عرفت معدٌ فضلهُ ~ ونشدتُ عن حجر ابن أمِّ قطام
وأنازل البطل الكرية نزاله ~ وإذا أناضل لا تطيش سهامي
خالي ابن كبشة قد علمت مكانه ~ وأبو يزيد ورهطه أعمامي
وإذا أذيت ببلدة ودعتها ~ ولا أقيم بغير دار مقام
قصيدة من العصر الجاهلي للشاعر امرؤ القيس الكندي

ان بني عوف ابتنوا حسباً

إن بني عوف ابتنوا حسباً ~ ضيعه الدخالون إذا غدروا
أدوا إلى جارهم خفارته ~ ولم يضع بالمغيب من نصروا
لم يفعلوا فعلِِ آل حنظلة ~ إنهم جير بئس ما ائتمروا
لا حميري وفى ولا عدس ~ ولا است عير يحكها الثفر
لكن عوير وَفء بذمته ~ لا عور شانه ولا قصر
قصيدة الشاعر الجاهلي امرؤ القيس الكندي