| طِوالُ قَناً تُطاعِنُها قِصَارُ | وَقَطْرُكَ في نَدًى وَوَغًى بحارُ |
| وَفيكَ إذا جَنى الجاني أنَاةٌ | تُظَنّ كَرَامَةً وَهِيَ احتِقارُ |
| وَأخْذٌ للحَواضِرِ وَالبَوادي | بضَبْطٍ لَمْ تُعَوَّدْهُ نِزارُ |
| تَشَمَّمُهُ شَميمَ الوَحْشِ إنْساً | وَتُنْكِرُهُ فيَعْرُوهَا نِفَارُ |
| وَمَا انْقادَتْ لغَيرِكَ في زَمَانٍ | فتَدْريَ ما المَقَادَةُ وَالصَّغَارُ |
| فَقَرّحَتِ المَقَاوِدُ ذِفْرَيَيْهَا | وَصَعّرَ خَدَّهَا هذا العِذارُ |
| وَأطْمَعَ عَامِرَ البُقْيَا عَلَيْهَا | وَنَزّقَها احتِمالُكَ وَالوَقَارُ |
| وَغَيّرَها التّرَاسُلُ والتّشاكي | وَأعْجَبَهَا التّلَبُّبُ وَالمُغَارُ |
| جِيادٌ تَعْجَزُ الأرْسانُ عَنْها | وَفُرْسانٌ تَضِيقُ بها الدّيَارُ |
| وكانَتْ بالتّوَقّفِ عَنْ رَداهَا | نُفُوساً في رَداهَا تُسْتَشَارُ |
| وكنتَ السّيفَ قائِمُهُ إلَيْهِمْ | وَفي الأعداءِ حَدُّكَ وَالغِرارُ |
| فَأمْسَتْ بالبَدِيّةِ شَفْرَتَاهُ | وَأمْسَى خَلْفَ قَائِمِهِ الحِيارُ |
| وَكانَ بَنُو كِلابٍ حَيثُ كَعبٌ | فخافُوا أنْ يَصِيرُوا حيَثُ صارُوا |
| تَلَقّوْا عِزَّ مَوْلاهُمْ بِذُلٍّ | وَسَارَ إلى بَني كَعبٍ وَسارُوا |
| فَأقْبَلَهَا المُرُوجَ مُسَوَّمَاتٍ | ضَوَامِرَ لا هُزالَ وَلا شِيارُ |
| تُثِيرُ عَلى سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرّاً | تَنَاكَرُ تَحْتَهُ لَوْلا الشّعَارُ |
| عَجَاجاً تَعثُرُ العِقْبانُ فِيهِ | كَأنّ الجَوّ وَعْثٌ أوْ خَبَارُ |
| وَظَلّ الطّعْنُ في الخَيْلَينِ خَلْساً | كأنّ المَوْتَ بَيْنَهُمَا اختِصارُ |
| فَلَزَّهُمُ الطّرادُ إلى قِتَالٍ | أحَدُّ سِلاحِهِمْ فيهِ الفِرارُ |
| مَضَوْا مُتَسابِقي الأعْضاءِ فيهِ | لأِرْؤسِهِمْ بأرْجُلِهِمْ عِثَارُ |
| يَشُلّهُمُ بكُلّ أقَبَّ نَهْدٍ | لِفَارِسِهِ عَلى الخَيْلِ الخِيارُ |
| وكلِّ أصَمّ يَعْسِلُ جانِبَاهُ | عَلى الكَعْبَينِ مِنْهُ دَمٌ مُمَارُ |
| يُغادِرُ كُلَّ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ | وَلَبّتُهُ لثَعْلَبِهِ وِجَارُ |
| إذا صَرَفَ النّهارُ الضّوْءَ عَنْهُمْ | دَجَا لَيْلانِ لَيْلٌ وَالغُبَارُ |
| وَإنْ جِنْحُ الظّلامِ انجابَ عَنهُمْ | أضَاءَ المَشْرَفِيّةُ وَالنّهَارُ |
| وَيَبْكي خَلفَهُمْ دَثْرٌ بُكاهُ | رُغَاءٌ أوْ ثُؤاجٌ أوْ يُعَارُ |
| غَطَا بالعِثْيَرِ البَيْدَاءَ حتى | تَحَيّرَتِ المَتَالي وَالعِشَارُ |
| وَمَرّوا بالجَبَاةِ يَضُمُّ فيهَا | كِلا الجَيْشَينِ مِنْ نَقْعٍ إزَارُ |
| وَجاؤوا الصَّحصَحانَ بلا سُرُوجٍ | وَقَدْ سَقَطَ العِمَامةُ وَالخِمارُ |
| وَأُرْهِقَتِ العَذارَى مُرْدَفاتٍ | وَأُوطِئَتِ الأُصَيْبِيَةُ الصّغارُ |
| وَقَدْ نُزِحَ الغُوَيْرُ فَلا غُوَيْرٌ | وَنِهْيَا وَالبُيَيْضَةُ وَالجِفَارُ |
| وَلَيسَ بغَيرِ تَدْمُرَ مُسْتَغاثٌ | وَتَدْمُرُ كاسمِهَا لَهُمُ دَمَارُ |
| أرادوا أنْ يُديرُوا الرّأيَ فِيهَا | فصَبّحَهُمْ برَأيٍ لا يُدارُ |
| وَجَيْشٍ كُلّمَا حارُوا بأرْضٍ | وَأقْبَلَ أقْبَلَتْ فيهِ تَحَارُ |
| يَحُفّ أغَرَّ لا قَوَدٌ عَلَيْهِ | وَلا دِيَةٌ تُساقُ وَلا اعْتِذارُ |
| تُرِيقُ سُيُوفُهُ مُهَجَ الأعادي | وَكُلُّ دَمٍ أرَاقَتْهُ جُبَارُ |
| فَكانُوا الأُسدَ لَيسَ لهَا مَصَالٌ | عَلى طَيرٍ وَلَيسَ لهَا مَطارُ |
| إذا فَاتُوا الرّماحَ تَنَاوَلَتْهُمْ | بأرْمَاحٍ مِنَ العَطَشِ القِفارُ |
| يَرَوْنَ المَوْتَ قُدّاماً وَخَلْفاً | فَيَخْتارُونَ وَالمَوْتُ اضْطِرارُ |
| إذا سَلَكَ السّمَاوَةَ غَيرُ هَادٍ | فَقَتْلاهُمْ لِعَيْنَيْهِ مَنَارُ |
| وَلَوْ لمْ يُبْقِ لم تَعِشِ البَقَايَا | وَفي المَاضي لمَنْ بقيَ اعتِبارُ |
| إذا لمْ يُرْعِ سَيّدُهُمْ عَلَيْهِمْ | فَمَنْ يُرْعي عَلَيْهِمْ أوْ يَغَارُ |
| تُفَرّقُهُمْ وَإيّاهُ السّجَايَا | وَيَجْمَعُهُمْ وَإيّاهُ النِّجَارُ |
| وَمَالَ بهَا على أرَكٍ وَعُرْضٍ | وَأهْلُ الرَّقّتَينِ لهَا مَزَارُ |
| وَأجْفَلَ بالفُراتِ بَنُو نُمَيرٍ | وَزَأْرُهُمُ الذي زَأرُوا خُوارُ |
| فَهُمْ حِزَقٌ على الخَابُورِ صَرْعى | بهِمْ منْ شُرْبِ غَيرِهِمِ خُمارُ |
| فَلَمْ يَسرَحْ لهُمْ في الصّبحِ مالٌ | وَلم تُوقَدْ لَهُمْ باللّيلِ نَارُ |
| حِذارَ فَتًى إذا لم يَرْضَ عَنْهُمْ | فلَيْسَ بنافِعٍ لَهُمُ الحِذارُ |
| تَبيتُ وُفُودُهُمْ تَسْرِي إلَيْهِ | وَجَدْواهُ التي سألُوا اغْتِفَارُ |
| فَخَلّفَهُمْ بِرَدّ البِيضِ عَنْهُمْ | وَهَامُهُمُ لَهُ مَعَهُمْ مُعَارُ |
| هُمُ مِمّنْ أذَمّ لَهُمْ عَلَيْهِ | كَرِيمُ العِرْقِ وَالحَسبُ النُّضَارُ |
| فَأصْبَحَ بالعَوَاصِمِ مُسْتَقِرّاً | وَلَيْسَ لبَحْرِ نَائِلِهِ قَرَارُ |
| وَأضْحَى ذِكْرُهُ في كُلّ قُطْرٍ | تُدارُ على الغِنَاءِ بِهِ العُقارُ |
| تَخِرّ لَهُ القَبائِلُ ساجِداتٍ | وَتَحْمَدُهُ الأسِنّةُ وَالشّفارُ |
| كأنّ شُعاعَ عَينِ الشّمسِ فيهِ | فَفي أبْصارِنَا مِنهُ انْكِسارُ |
| فَمَنْ طَلَبَ الطّعانَ فَذَا عَليٌّ | وَخَيْلُ الله وَالأسَلُ الحِرارُ |
| يَرَاهُ النّاسُ حَيثُ رَأتْهُ كَعْبٌ | بأرْضٍ ما لِنازِلِهَا استِتَارُ |
| يُوَسّطُهُ المَفَاوِزَ كُلَّ يَوْمٍ | طِلابُ الطّالِبِينَ لا الانْتِظارُ |
| تَصَاهَلُ خَيْلُهُ مُتَجاوِبَاتٍ | وَمَا مِنْ عادَةِ الخَيلِ السِّرَارُ |
| بَنُو كَعْبٍ وَمَا أثّرْتَ فيهِمْ | يَدٌ لمْ يُدْمِهَا إلاّ السّوَارُ |
| بهَا مِنْ قَطْعِهِ ألَمٌ وَنَقْصٌ | وَفيها مِنْ جَلالَتِهِ افتِخارُ |
| لَهُمْ حَقٌّ بشِرْكِكَ في نِزَارٍ | وَأدْنَى الشّرْكِ في أصْلٍ جِوارُ |
| لَعَلّ بَنيهِمِ لِبَنيكَ جُنْدٌ | فأوّلُ قُرّحِ الخَيلِ المِهَارُ |
| وأنْتَ أبَرُّ مَنْ لَوْ عُقّ أفنى | وَأعْفَى مَنْ عُقُوبَتُهُ البَوَارُ |
| وَأقْدَرُ مَنْ يُهَيّجُهُ انْتِصارٌ | وَأحْلَمُ مَنْ يُحَلّمُهُ اقتِدارُ |
| وَمَا في سَطْوَةِ الأرْبابِ عَيْبٌ | وَلا في ذِلّةِ العُبْدانِ عَارُ |
قصائد الشاعر المتنبي
مجموعة من أجمل قصائد الشاعر ابو الطيب المتنبي تجدونها بهذه الصفحة.
بَقِيّةُ قَوْمٍ آذَنُوا بِبَوارِ
| بَقِيّةُ قَوْمٍ آذَنُوا بِبَوارِ | وَأنْضاءُ أسْفارٍ كَشَرْبِ عُقارِ |
| نَزَلْنا على حكمِ الرّياحِ بمَسْجِدٍ | عَلَيْنا لها ثَوْبَا حَصًى وغُبارِ |
| خَليليّ ما هذا مُناخاً لِمِثْلِنا | فَشُدّا عَلَيْهَا وَارْحَلا بنَهَارِ |
| وَلا تُنكِرَا عَصْفَ الرّياحِ فإنّها | قِرَى كلّ ضَيْفٍ باتَ عند سِوَار |
إذَا لَمْ تَجِدْ ما يَبْتُرُ الفَقْرَ قاعِداً
| (إذَا لَمْ تَجِدْ ما يَبْتُرُ الفَقْرَ قاعِداً | فَقُمْ وطلُبِ الشَّىْءَ الَّذي يَبتر العُمرا) |
| (هُمَا خَلَّتانِ: ثَرْوَةٌ أوْ مَنِيَّةٌ | لَعَلَّكَ أنْ تُبْقى بِوَحِدَةٍ ذِكْرَا) |
حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ
| حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ | وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ |
| وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ | وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ |
| لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بهِمْ | وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ |
| من كلّ أحوَرَ في أنْيابِهِ شَنَبٌ | خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ |
| نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ | حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ |
| أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني | منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ |
| يا مَنْ تَحَكّمَ في نَفسي فعَذّبَني | وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ |
| بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً | سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ |
| منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ | كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ |
| غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ | كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ |
| قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ | وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ |
| حتى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ | أهَلّ لله بادِيهِ وحاضِرُهُ |
| وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ | وَلا الصّبابةُ في قَلْبٍ تُجاوِرُهُ |
| إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً | فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ |
| دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ | ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ |
| في فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ | صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ |
| تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ | منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ |
| قَدْ حِرْنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ | في دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ |
| حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ | تُحصَى الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ |
| تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ | كصَدْرِهِ لم تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ |
| إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ في طَرَفٍ | من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ |
| تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ | كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ |
| إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لمْ تَدَعْ جَسَداً | إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ |
| فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ في يَدِهِ | وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ الله نَاصِرُهُ |
| تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ | على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ |
| فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ | وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ |
| حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ | في الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ |
| كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ | وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ |
| وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ | فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ |
| مَنْ قالَ لَسْتَ بخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ | فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ |
| أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ في زَمانِهِمِ | بلا نَظِيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ |
| يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ | وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ |
| وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ | جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ |
| لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ | وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ |
بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أمْ لم تَصْبِرَا
| بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أمْ لم تَصْبِرَا | وَبُكاكَ إن لم يَجْرِ دمعُكَ أو جَرَى |
| كمْ غَرّ صَبرُكَ وَابتسامُكَ صَاحِباً | لمّا رَآهُ وَفي الحَشَا مَا لا يُرَى |
| أمَرَ الفُؤادُ لِسَانَهُ وَجُفُونَهُ | فَكَتَمْنَهُ وَكَفَى بجِسْمِكَ مُخبِرَا |
| تَعِسَ المَهَاري غَيرَ مَهْرِيٍّ غَدَا | بمُصَوَّرٍ لَبِسَ الحَرِيرَ مُصَوَّرا |
| نَافَسْتُ فِيهِ صُورَةً في سِتْرِهِ | لَوْ كُنْتُهَا لخَفيتُ حتى يَظْهَرَا |
| لا تَترَبِ الأيْدي المُقيمَةُ فَوْقَهُ | كِسرَى مُقامَ الحاجِبَينِ وَقَيصَرَا |
| يَقِيَانِ في أحَدِ الهَوَادِجِ مُقْلَةً | رَحَلَتْ وَكانَ لها فُؤادي مَحْجِرَا |
| قد كُنتُ أحْذَرُ بَيْنَهُمْ من قَبْلِهِ | لَوْ كانَ يَنْفَعُ خائِفاً أنْ يَحذَرَا |
| وَلَوِ استَطَعتُ إذِ اغْتَدَتْ رُوّادُهمْ | لمَنَعْتُ كُلَّ سَحَابَةٍ أنْ تَقْطُرَا |
| فإذا السّحابُ أخو غُرابِ فِراقِهِمْ | جَعَلَ الصّياحَ بِبَيْنِهِمْ أن يَمطُرَا |
| وَإذا الحَمَائِلُ ما يَخِدْنَ بنَفْنَفٍ | إلاّ شَقَقْنَ عَلَيهِ ثَوْباً أخضَرَا |
| يَحْمِلْنَ مِثْلَ الرّوْضِ إلاّ أنّها | أسْبَى مَهَاةً للقُلُوبِ وَجُؤذُرَا |
| فَبِلَحْظِهَا نَكِرَتْ قَنَاتي رَاحَتي | ضُعْفاً وَأنْكَرَ خاتَمايَ الخِنْصِرَا |
| أعطَى الزّمانُ فَمَا قَبِلْتُ عَطَاءَهُ | وَأرَادَ لي فأرَدْتُ أنْ أتَخَيّرَا |
| أرَجَانَ أيّتُهَا الجِيَادُ فإنّهُ | عَزْمي الذي يَذَرُ الوَشيجَ مُكَسَّرَا |
| لوْ كُنتُ أفعَلُ ما اشتَهَيتِ فَعَالَهُ | ما شَقّ كَوْكَبُكِ العَجاجَ الأكدَرَا |
| أُمّي أبَا الفَضْلِ المُبِرَّ ألِيّتي | لأُيَمّمَنّ أجَلّ بَحْرٍ جَوْهَرَا |
| أفْتَى برُؤيَتِهِ الأنَامُ وَحَاشَ لي | مِنْ أنْ أكونَ مُقصّراً أوْ مُقصِرَا |
| صُغْتُ السّوَارَ لأيّ كَفٍّ بَشّرَتْ | بابنِ العَميدِ وَأيّ عَبْدٍ كَبّرَا |
| إنْ لمْ تُغِثْني خَيْلُهُ وَسِلاحُهُ | فمَتى أقُودُ إلى الأعادي عَسكَرَا |
| بأبي وَأُمّي نَاطِقٌ في لَفْظِهِ | ثَمَنٌ تُبَاعُ بهِ القُلُوبُ وَتُشترَى |
| مَنْ لا تُرِيهِ الحَرْبُ خَلقاً مُقْبِلاً | فيها وَلا خَلْقٌ يَرَاهُ مُدْبِرا |
| خَنْثى الفُحُولِ من الكُماةِ بصَبْغِهِ | مَا يَلْبَسُونَ منَ الحديدِ مُعَصْفَرا |
| يَتَكَسّبُ القَصَبُ الضَّعيف بكَفّهِ | شَرَفاً على صُمِّ الرّمَاحِ وَمَفْخَرَا |
| وَيَبِينُ فِيمَا مَسّ مِنْهُ بَنَانُهُ | تِيهُ المُدِلِّ فَلَوْ مَشَى لَتَبَخْتَرا |
| يا مَنْ إذا وَرَدَ البِلادَ كِتابُهُ | قبلَ الجُيُوشِ ثَنى الجُيوشَ تحَيُّرَا |
| أنتَ الوَحيدُ إذا رَكِبْتَ طَرِيقَةً | وَمَنِ الرّديفُ وقد ركبتَ غضَنْفَرَا |
| قَطَفَ الرّجالُ القَوْلَ وَقتَ نَبَاتِهِ | وَقَطَفْتَ أنْتَ القَوْلَ لمّا نَوّرَا |
| فَهُوَ المُتَبَّعُ بالمَسامِعِ إنْ مضَى | وَهوَ المُضَاعَفُ حُسنُهُ إنْ كُرِّرَا |
| وَإذا سَكَتَّ فإنّ أبْلَغَ خَاطِبٍ | قَلَمٌ لكَ اتّخَذَ الأنَامِلَ مِنْبَرَا |
| وَرَسائِلٌ قَطَعَ العُداةُ سِحاءَهَا | فَرَأوْا قَناً وَأسِنَّةً وَسَنَوّرا |
| فدَعاكَ حُسَّدُكَ الرّئيسَ وَأمسكُوا | وَدَعاكَ خالِقُكَ الرّئيسَ الأكْبَرَا |
| خَلَفَتْ صِفاتُكَ في العُيونِ كلامَهُ | كالخَطِّ يَمْلأُ مِسْمَعَيْ مَن أبصَرا |
| أرَأيْتَ هِمّةَ نَاقَتي في نَاقَةٍ | نَقَلَتْ يداً سُرُحاً وَخُفّاً مُجمَرَا |
| تَرَكَتْ دُخانَ الرِّمْثِ في أوْطانِهَا | طَلَباً لِقَوْمٍ يُوقِدونَ العَنْبَرَا |
| وَتَكَرّمَتْ رُكَبَاتُهَا عَن مَبرَكٍ | تَقَعَانِ فيهِ وَلَيسَ مِسكاً أذفَرَا |
| فأتَتْكَ دامِيَةَ الأظَلّ كأنّمَا | حُذِيتْ قَوَائِمُها العَقيقَ الأحْمَرَا |
| بَدَرَتْ إلَيْكَ يَدَ الزّمانِ كَأنّهَا | وَجَدَتْهُ مَشغُولَ اليَدَينِ مُفكّرَا |
| مَنْ مُبلِغُ الأعرابِ أنّي بَعْدَها | جالَستُ رِسطالِيسَ وَالإسكَندَرَا |
| وَمَلِلْتُ نَحْرَ عِشارِهَا فأضَافَني | مَنْ يَنحَرُ البِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قرَى |
| وَسَمِعْتُ بَطليموسَ دارِسَ كُتبِهِ | مُتَمَلّكاً مُتَبَدّياً مُتَحَضّرَا |
| وَلَقيتُ كُلّ الفَاضِلِينَ كأنّمَا | رَدّ الإل?هُ نُفُوسَهُمْ وَالأعْصُرَا |
| نُسِقُوا لَنَا نَسَقَ الحِسابِ مُقَدَّماً | وَأتَى فذلِكَ إذْ أتَيْتَ مُؤخَّرَا |
| يَا لَيْتَ باكِيَةً شَجَاني دَمْعُهَا | نَظَرَتْ إلَيكَ كَما نَظَرْتُ فتَعذِرَا |
| وَتَرَى الفَضيلَةَ لا تَرُدّ فَضِيلَةً | ألشّمسَ تُشرِقُ وَالسحابَ كنَهْوَرَا |
| أنَا من جَميعِ النّاسِ أطيَبُ مَنزِلاً | وَأسَرُّ رَاحِلَةً وَأرْبَحُ مَتْجَرَا |
| زُحَلٌ على أنّ الكَوَاكبَ قَوْمُهُ | لَوْ كانَ منكَ لكانَ أكْرَمَ مَعْشَرَا_ |
كَفِرِندي فِرِنْدُ سَيْفي الجُرازِ
| كَفِرِندي فِرِنْدُ سَيْفي الجُرازِ | لَذّةُ العَينِ عُدّةٌ للبِرازِ |
| تَحْسَبُ الماءَ خَطّ في لَهَبِ النّا | رِ أدَقَّ الخُطوطِ في الأحرازِ |
| كُلّما رُمتَ لَوْنَهُ مَنَعَ النّا | ظِرَ مَوْجٌ كأنّهُ مِنكَ هازي |
| ودَقيقٌ قَذَى الهَباء أنيقٌ | مُتَوالٍ في مُسْتَوٍ هَزْهازِ |
| وَرَدَ الماءَ فالجَوانِبُ قَدْراً | شَربَتْ والتي تَليها جَوازي |
| حَمَلَتْهُ حَمَائِلُ الدّهر حتى | هيَ مُحتاجَةٌ إلى خَرّاز |
| وهْوَ لا تَلْحَقُ الدّماءُ غِرارَيْـ | ـهِ ولا عِرْضَ مُنتَضيه المَخازي |
| يا مُزيلَ الظّلام عَنّي ورَوْضي | يَوْمَ شُرْبي ومَعقِلي في البَرازِ |
| واليَمانيْ الذي لو اسطَعْتُ كانتْ | مُقْلَتي غِمْدَهُ مِنَ الإعزَازِ |
| إنّ بَرْقي إذا بَرَقْتَ فَعَالي | وصَليلي إذا صَلَلْتَ ارْتِجازي |
| لم أُحَمَّلْكَ مُعْلَماً هَكَذا إلا | لِضَرْبِ الرّقاب والأجْوازِ |
| ولِقَطْعي بكَ الحَديدَ عَلَيْها | فكِلانَا لجِنْسِهِ اليَوْمَ غازِ |
| سَلّهُ الرّكْضُ بعدَ وَهْنٍ بنَجدٍ | فتَصَدّى للغَيثِ أهْلُ الحِجازِ |
| وتَمَنّيْتُ مِثْلَهُ فكَأنّي | طالبٌ لابنِ صالحٍ مَن يُؤازي |
| لَيسَ كلُّ السّراةِ بالرّوذَبَاريِّ | ولا كُلُّ ما يَطيرُ بِبازِ |
| فارسيٌّ لَهُ منَ المَجد تاجٌ | كانَ مِنْ جَوْهَرٍ على أبْرَوازِ |
| نَفْسُهُ فَوْقَ كلّ أصْلٍ شَريفٍ | ولَوَانّي لَهُ إلى الشّمس عازِ |
| شَغَلَتْ قَلْبَهُ حِسانُ المَعالي | عَنْ حِسانِ الوُجوهِ والأعجازِ |
| وكأنّ الفَريدَ والدُّرَّ واليا | قوتَ مِنْ لَفظِه وَسَامَ الرِّكازِ |
| تَقضَمُ الجَمرَ والحديدَ الأعادي | دونَهُ قَضْمَ سُكّر الأهْوازِ |
| بَلَّغَتْهُ البَلاغَةُ الجَهْدَ بالعَفْـ | وِ ونالَ الإسْهابَ بالإيجازِ |
| حامِلُ الحَرْبِ والدّياتِ عنِ القَوْ | مِ وثِقْلِ الدّيونِ والإعْوازِ |
| كيفَ لا يَشتَكي وكيفَ تَشَكّوْا | وبهِ لا بمَنْ شَكاها المَرازِي |
| أيّها الواسِعُ الفِناءِ وما فيـ | ـهِ مَبيتٌ لِمالِكَ المُجْتازِ |
| بكَ أضْحَى شَبَا الأسنّةِ عندي | كَشَبَا أسْوُقِ الجَرادِ النّوازِي |
| وانْثَنَى عَنّيَ الرُّدَيْنيُّ حتى | دارَ دَوْرَ الحُروفِ في هَوّازِ |
| وبآبائِكَ الكِرامِ التّأسّي | والتّسَلّي عَمّنْ مضَى والتّعازِي |
| ترَكوا الأرْضَ بَعدَما ذَلّلُوها | ومَشَتْ تَحتَهُمْ بلا مِهْمازِ |
| وأطاعَتْهُمُ الجُيوشُ وهِيبُوا | فكَلامُ الوَرَى لهُمْ كالنُّحازِ |
| وهِجانٍ على هِجانٍ تأيّتْـ | ـكَ عَديدَ الحُبوبِ في الأقْوازِ |
| صَفّها السّيرُ في العَراءِ فكَانَتْ | فَوْقَ مِثْلِ المُلاءِ مِثْلَ الطّرازِ |
| وحكَى في اللّحومِ فِعلَكَ في الوَفْـ | ـرِ فأوْدَى بالعَنْتَريسِ الكِنازِ |
| كُلّما جادَتِ الظّنونُ بوَعْدٍ | عَنْكَ جادَتْ يَداكَ بالإنجازِ |
| مَلِكٌ مُنْشِدُ القَريضِ لَدَيْهِ | يَضَعُ الثّوْبَ في يَدَيْ بَزّازِ |
| ولَنا القَوْلُ وهْوَ أدْرَى بفَحْوا | هُ وأهْدَى فيهِ إلى الإعْجازِ |
| ومِنَ النّاسِ مَن يَجوزُ عَلَيْهِ | شُعراءٌ كأنّهَا الخازِبَازِ |
| ويَرَى أنّهُ البَصيرُ بِهَذا | وهْوَ في العُمْيِ ضائِعُ العُكّازِ |
| كلُّ شِعْرٍ نَظيرُ قائِلِهِ فِيـ | ـكَ وعَقلُ المُجيزِ عَقلُ المُجازِ |