لي جدَّة ٌ ترأفُ بي | أحنى عليَّ من أبي |
وكلُّ شيءٍ سرَّني | تذهب فيه مَذهبي |
إن غضبَ الأهلُ عليَّ | كلُّهم لم تغضبِ |
بمشى أَبي يوماً إليَّ | مشية َ المؤدِّبِ |
غضبانَ قد هدَّدَ بالضرْ | ب وإن لم يَضرِبِ |
فلم أَجِد لي منهُ | غيرَ جَدَّتي من مَهرَبِ |
فجعَلتني خلفَها | أنجو بها، وأختبي |
وهْيَ تقولُ لأَبي | بِلهجة المؤنِّبِ: |
ويحٌ لهُ! ويحٌ لِهـ | ـذا الولدِ المعذَّبِ! |
أَلم تكن تصنعُ ما | يَصنعُ إذ أَنت صبي؟ |
قصائد أحمد شوقي
هنا تجدون مجموعة مميزة لأمير الشعراء الشاعر المصري أحمد شوقي.
الحيوانُ خَلْقُ
الحيوانُ خَلْقُ | له عليْكَ حَقُّ |
سَخَّرَه الله لكا | وللعِبادِ قبلَكا |
حَمُولة ُ الأَثقالِ | ومُرْضِعُ الأَطفالِ |
ومُطْعمُ الجماعهْ | وخادِمُ الزِّراعه |
مِنْ حقِّهِ أَن يُرْفَقا | به وألا يرهقا |
إن كلَّ دعه يسترحْ | وداوِه إذا جُرِحْ |
ولا يجعْ في داركا | أَو يَظْمَ في جِوارِكا |
بهيمة ٌ مسكينُ | يشكو فلا يُبينُ |
لسانه مقطوع | وما له دُموع! |
لولا التقى لقلتُ: لم
لولا التقى لقلتُ: لم | يَخلُقْ سِواكِ الوَلدا! |
إن شئتِ كان العيرَ، أو | إن شئتِ كان الأسدا |
وإن تردْ غيَّا غوى | أَو تَبْغِ رُشْداً رَشدا |
والبيتُ أنتِ الصوتُ فيـ | ـه، وهْوَ للصَّوتِ صَ |
دى كالبَبَّغا في قفصٍ: | قيلَ له، فقلدا |
وكالقضيبِ اللَّدْنِ: قدْ | طاوَع في الشَّكلِ اليَدا |
يأْخُذُ ما عَوَّدْتِه | والمرءُ ما تعوَّدا! |
ومُمهّد في الوكرِ من
ومُمهّد في الوكرِ من | ولدِ الغرابِ مُزقَّق |
كرُوَيهِبٍ مُتَقلِّسٍ | متأزِّرٍ ، متنطِّق |
لبسَ الرَّمادَ على سوا | دِ جناحه والمفرق |
كالفحمِ غادرَ في الرَّما | دِ بقِيَّة ً لم تُحرَق |
ثُلثاهُ مِنقارٌ ورأ | سٌ ، والأظافرُ ما بقي |
ضخمُ الدِّماغِ على الخُلُوِّ | منَ الحجى والمنطق |
منْ أمِّهِ لقي الصغ | ـيرُ منَ البَليّة ِ ما لقِي |
جَلبَتْ عليهِ ما تَذو | دُ الأمّهاتُ وتتَّقي |
قتنت به ، فتوهمتْ | فيه قُوى ً لم تخلق |
قالت: كبِرْتَ، فثِب كما | وثب الكِبارُ، وحَلِّق |
ورمتْ به في الجوِّ ، لم | تَحرِصْ، ولم تَسْتَوثِق |
فهوى ، فمزِّق في فنا | ءِ الدارِ شرَّ ممزَّق |
وسمعتُ قاقاتٍ تردَّ | دُ في الفضاءِ وترتقي |
ورأيتُ غربانا تفرَّ | قُ في السماءِ وتلتقي |
وعرفتُ رنّة أمِّهِ | في الصارِخاتِ النُّعَّقِ |
فأشرتُ ، فالتفتتْ ، فقل | تُ لها مقالة َ مشفق : |
ـتِ جَناحَه لم تُطلقي | تِ جناحه لم تُّطقي |
وكما تَرَفَّقَ والِدَا | كِ عليكِ لم تَتَرفَّقي! |
النِّيلُ العَذْبُ هو الكوْثرْ
النِّيلُ العَذْبُ هو الكوْثرْ | والجنة ُ شاطئه الأخضرْ |
ريَّانُ الصَّفحة ِ والمنظرْ | ما أبهى الخلدَ وما أنضرْ ! |
البحرُ الفَيَّاضُ، القُدسُ | الساقي الناسَ وما غرسوا |
وهو المِنْوالُ لما لبِسوا | والمُنْعِمُ بالقطنِ الأَنوَر |
جعلَ الإحسانَ له شرعا | لم يُخلِ الواديَ من مَرْعى |
فتَرَى زرعا يَتلو زرعاً | وهُنا يُجنى ، وهُنا يُبْذَر |
جارٍ ويُرَى ليس بجارِ | لأناة ٍ فيه ووقار |
ينصبُّ كتلٍّ منهارِ | ويضجُّ فتحسبه يزأر |
حبشيُّ اللَّونِ كجيرته | من منبعه وبحيرته |
صَبَغَ الشَّطَّيْنِ بسُمْرَته | لوناً كالمسكِ وكالعنبرِ |
بني مصرٍ مكانكموُ تهيَّا
بني مصرٍ مكانكموُ تهيَّا | فَهَيَّا مَهدُوا للمُلكِ هيَّا |
خذوا شمسَ له حليَّا | أَلم تَكُ تاجَ أَوّلِكم مَلِيَّا؟! |
على الأخلاقِ الملكَ وابنوا | فليسَ وراءَها للعِزِّ رُكن |
أليس لكم بوادي النِّيل عدنُ | وكوثرها الذي يجري شهيّا ؟ ! |
لنا وطنٌ بأَنفسِنا نَقيه | وبالدُّنيا العريضة ِ نَفتديه |
إذا ما سيلتِ الأرواحُ فيه | بذلناها كأنْ لم نعطِ شيَّا |
لنا الهرَمُ الذي صحِبَ الزمانا | ومن حَدَثانِه أَخذ الأَمانا |
ونحنُ بنو السَّنا العلي ، نمانا | أَوائلُ عَلَّموا الأُمَمَ الرُّقِيا |
تطاولَ عهدهمْ عزا وفخرا | فلما آل للتاريخِ ذُخْرا |
نشأنا نشأة ً في الجدِ أخرى | جَعَلنا الحقَّ مَظْهرَها العَلِيّا |
جعلنا مِصْرَ مِلَّة َ ذي الجَلالِ | وألفنا الصليبَ على الهلالِ |
وأقبلنا كصفٍّ من عوالِ | يشدُّ السَّمْهَرِيُّ السَّمْهَرِيّا |
نرومُ لمصرَ عزًّا لا يرامُ | يرفُّ على جوانبه السَّلامُ |
وينعَمُ فيه جيِرانٌ كِرامُ | فلن تجدَ النَّزيلَ بنا شقيَّا |
نقومُ على البناية ِ محسنينا | ونعهَدُ بالتَّمامِ إلى بنينا |
إليْكِ نَموتُ ـ مِصْرُ ـ كما حَيينا | ويبقى وجهكِ المفديُّ حيَّا |